تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج المجلد 5

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله .شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله [امام خمینی]/ محمد الفاضل اللنکرانی.

مشخصات نشر : قم: حوزه العلمیه قم، مکتب الاعلام الاسلامی، مرکز النشر، 14ق.= 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 6500 ریال (ج.3) ؛ 10000 ریال (ج.5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1415ق. = 1373.

يادداشت : چاپ قبلی: جامعه مدرسین قم، موسسه النشر الاسلامی، 1409ق. = -1368.

يادداشت : چاپ اول: 1374.

يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1418ق.=1376).

مندرجات : .- ج. 3 و 5. کتاب الحج

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده : حوزه علمیه قم. دفتر تبلیغات اسلامی. مرکز انتشارات

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30217 1300ی

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 74-6482

[القول في السعي]

اشارة

القول في السعي

[مسألة 1- يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا و المروة]

مسألة 1- يجب بعد ركعتي الطواف السعي بين الصفا و المروة، و يجب أن يكون سبعة أشواط، من الصّفا إلى المروة شوط، و منها إليه شوط آخر، و يجب البدأة بالصفا و الختم بالمروة، و لو عكس بطل و تجب الإعادة أينما تذكر و لو بين السّعي (1)

______________________________

(1) لا خلاف بين المسلمين في وجوب السعي و كونه جزء من الحج و العمرة. قال اللّٰه تعالى إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا .. «1» و ظاهره الوجوب و الجزئية و التعبير بقوله: «لا جناح» إنّما هو كالتعبير بمثله قصر الصلاة في السفر، كما أن التعبير بالطواف لا دلالة له على أزيد من السعي و الإتيان بالشوط. خصوصا مع التعدية بالباء المضافة إلى الجبلين مع أنه هنا روايات مستفيضة تدل على وجوبه في الحج و العمرة بتعبيرات مختلفة.

و العمدة أن وضوح المطلب كان بحيث لا يحتاج إلى بيانه في الروايات، بل هي غالبا واردة في بعض الفروع و الخصوصيات، مثل نقصان السعي أو زيادته أو البدأة

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 158.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 10

..........

______________________________

بالمروة قبل الصفا أو ترك السعي متعمدا و أنه يجب عليه إعادة حجّة.

كما أنّ لزوم كونه بعد ركعتي الطواف و كونه سبعة أشواط، و أنّ المراد بالشوط ليس مثل الطواف الذي تتوقف تمامية الشوط فيه على جعل الكعبة بأجمعها داخلة في الطواف. بل من الصفا إلى المروة شوط، و من المروة إلى الصفا شوط آخر. و لذا تتحقق السبعة بالشروع من أحدهما و الختم بالآخر.

و أمّا لزوم كون البدأة بالصفا و

الختم بالمروة فالمحكي عن الحلبي أن السنة فيه الابتداء بالصفا و الختم بالمروة. لكنه ليس خلافا مع قوة احتمال أن يكون مراده بالسنّة هو الوجوب- كما ربما يعبّر بها عنه- نعم حكي عن أبي حنيفة جواز الابتداء بالمروة و لكنّه ذكر في الجواهر أنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

و الروايات الواردة في هذه الجهة إنّما يظهر منها المفروغية و كون لزوم البدأة بالصفا أمرا مسلّما عند السائل. و السؤال إنّما وقع عن بعض الفروع، و كيف كان فقد وقع الإشكال بل الخلاف في ما لو بدأ بالمروة قبل الصّفا و اللازم فرض الكلام فيما لو تحقق ذلك نسيانا أو جهلا، فإن العالم العامد القاصد لامتثال الأمر بالحج أو العمرة لا يكاد يتحقق منه قصد القربة بالسعي الذي ابتدأ به من المروة بعد فرض علمه باعتبار كون البدأة من الصّفا، فاللازم فرض الكلام في غير العالم العامد، فنقول:

تارة يتحقق زوال عذره قبل تمامية الشوط الأوّل و أخرى بعد تماميّته و الإتيان ببعض الشوط الثاني أو أزيد. ففي الفرض الأوّل يجب عليه طرح ما أتى به و إلغائه و الابتداء بالسعي من الصّفا. و يدل عليه مضافا إلى أنه مقتضى القاعدة، لأن المفروض عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، إطلاق الروايات الآتية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 11

..........

______________________________

و في الفرض الثاني وقع الإشكال بل الخلاف في أنه هل يجب عليه طرح جميع ما أتى به من أجزاء السعي و لو كان أشواطا متعددة، أو يجب عليه طرح خصوص الشوط الأوّل و يجتزي بما وقع من الصفا من الشوط الثاني بعنوان الشوط الأوّل و يصح و ما بعده؟

و منشأ الإشكال اشتمال بعض الروايات

الواردة في المسألة على التشبيه بمسألة الوضوء فيما لو ابتدأ بغسل اليسرى قبل اليمنى، و اللازم ملاحظة جميع روايات المقام، فنقول: هي على طائفتين:

الطّائفة الأولى: ما تكون خالية عن التشبيه المزبور، و يكون مفادها لزوم الطرح و الإعادة. مثل صحاح معاوية بن عمّار و هي: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة. «1»

و ما رواه أيضا بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان و فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى و يبدأ بالصّفا. «2»

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار في حديث، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح و يبدأ بالصفا. «3»

و الظاهر اتحاد هذه الرّوايات و إن جعلها في الوسائل روايات متعددة و تبعه

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب السعي، الباب العاشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 12

..........

______________________________

صاحب الجواهر و بعض آخر. خصوصا مع كون الراوي عن معاوية في السندين هو صفوان، فتدبر.

كما أنّ الظاهر ان مورد هذه الطائفة بعد الاختصاص بصورة الجهل أو النسيان ما ذكرنا أعم من الفرضين المذكورين، لأنه قد يصدق في كليهما إن بدأ بالمروة قبل الصفا لا مجال لدعوى أن المراد بطرح ما سعى هو طرح ما بعده من الأشواط، و إلّا فالشوط الأوّل ملغى و مطروح

بنفسه، لأنه على خلاف المأمور به، و ذلك لأنه بعد فرض كون المورد غير صورة العلم و العمد يكون الدليل على البطلان نفس هذه الروايات الدالة على الطرح. و إلّا فمن المحتمل اختصاص اعتبار البدأة بالصفا بخصوص الصورة المذكورة.

فهذه الروايات دليل على البطلان في صورة الجهل أو النسيان و لا نضايق من كون مقتضى القاعدة أيضا ذلك. لأن موافقة الرواية للقاعدة لا تقدح في الأخذ بظهورها.

كما أن ظاهر الجواب لزوم طرح جميع ما تحقق من أجزاء السعي، سواء كان في الشوط الأوّل أو فيما بعده من الأشواط. فالروايات تدل بإطلاقها على بطلان جميع أجزاء السعي في كلا الفرضين و لزوم الاستئناف من رأس و الابتداء من الصفا.

الطائفة الثانية: ما تكون مشتملة على التعليل و التشبيه المزبور. و هما روايتان:

إحديهما: رواية عليّ بن أبي حمزة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 13

..........

______________________________

يعيد الوضوء. «1» و لكنها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني المعروف.

ثانيتهما: رواية عليّ الصائغ، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام- و أنا حاضر- عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله. «2» و في السند إسماعيل بن مراد الذي يكون موثقا بالتوثيق العام.

و حيث إنه في باب الوضوء لو بدأ بغسل اليد اليسرى قبل اليمنى لا يلغى غسل اليمنى لو تحقق منه، بل يكتفى به و يجب غسل اليسرى بعده ثانيا فقد وقع الإشكال

في أن مفاد هذه الطائفة بلحاظ التشبيه المذكور هو طرح خصوص الشوط الأوّل الذي ابتدأ به من المروة دون ما بعده من الأشواط.

و لذا ذكر صاحب الجواهر بعد نقل الرّوايتين: مقتضى التشبيه المزبور الاجزاء باحتساب من الصّفا إذا كان قد بدأ بالمروة ثم بالصّفا و لا يحتاج إلى إعادة السّعي بالصّفا جديدا، كما صرّح به بعض الناس و إن كان هو أحوط، بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص السّابقة فيه.

أقول: بعد ظهور قوله عليه السّلام يعيد قبل التشبيه في لزوم إعادة جميع الأجزاء و الأشواط لا خصوص ما وقع من الشوط الأول، كظهور قوله عليه السّلام «فليطرح» في صحاح معاوية بن عمار في لزوم طرح الجميع و وجوب الاستئناف المذكور لا بد لصرف هذا الظهور من استظهار كون التشبيه في الذيل تنزيلا و تشبيها في جميع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العاشر، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العاشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 14

[مسألة 2] في وجوب البدأة بالصفا و الختم بالمروة

مسألة 2- يجب على الأحوط أن يكون الابتداء بالسّعي من أوّل جزء من الصّفا، فلو صعد إلى بعض الدّرج في الجبل و شرع كفى، و يجب الختم بأوّل جزء من المروة، و كفى الصعود إلى بعض الدّرج. و يجوز السّعي ماشيا و راكبا، و الأفضل المشي. (1)

______________________________

الأحكام و الخصوصيات. فإنه مع احتمال كون التشبيه في خصوص بطلان الجزء الذي ابتدأ به فقط لا يكون في مقابل ظهور قوله «يعيد» ما يدل على الخلاف. و أن المراد هو لزوم إعادة ما وقع باطلا و هو خصوص ما ابتدأ فعدم لزوم إعادة غسل اليمنى في الوضوء لا يستلزم عدم لزوم الإعادة في المقام.

فالإنصاف دلالة الروايات

بأجمعها على لزوم استئناف السعي من رأس في كلا الفرضين.

(1) فرض هذه المسألة إنّما هو بلحاظ الأزمنة السّابقة التي كان الجبلان- الصّفا و المروة- مشتملين على الدّرج و كان أصلهما الواقع على الأرض متميزا عنها.

و أمّا بالإضافة إلى الزمان الحاضر الذي لا تكون الدرج باقية و كان جزء مهمّ منهما واقعا في المسعى. و الدليل عليه الارتفاع الموجود في الجانبين قبيل الوصول إلى الجبلين. فلا مجال لفرض هذه المسألة. فإن الشروع من أيّ جزء من ذلك المكان المرتفع يكون شروعا من وسط الجبل و هكذا الختم بالموضع المرتفع من المروة.

و لأجل ما ذكرنا لا مجال للإشكال في السعي من المراكب النقية المتداولة في هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 15

..........

______________________________

اليوم، و إن كان بين المبدأ و المنتهى في محلّها و بين الجبلين أزيد من عشرة أذرع.

و الوجه فيه دخول جزء من المكان المرتفع في مسيرهما بدأ و ختما.

و على ما ذكرنا فلا يبقى موقع للاحتياط في زماننا بالإضافة إلى أوّل جزء من الجبل المشاهد و الختم به و على الروحانيين المتصدين لإرشاد الحاج و المعتمر إلى مناسكهما التوجه إلى هذه النكتة و عدم إيقاع المسترشدين في الضيق و الكلفة متكئا على عنوان الاحتياط و الأخذ به.

و كيف كان فبالإضافة إلى تلك الأزمنة المتصفة بما ذكرنا، وقع الإشكال في السعي من جهة الابتداء و الختم. و قد ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه في صدر كلامه: أنه يكفي أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا لوجوب استيعاب المسافة التي بينه و بين المروة، و الأحوط الجمع في ذلك بين القدمين، ثم إذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب حتى يحصل الاستيعاب المزبور الذي عليه

المدار في الظاهر. قال: و إلّا فلا دليل على وجوب السّعي منتهيا إلى خصوص قدم الابتداء، بل لعلّ إطلاق الأدلّة يقضي بخلافه. فإنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بذلك و الانتهاء إلى ما يحاذي الابتداء.

و حكي عن الرياض، قوله: لو لا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا و الأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة و الاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصّفا و المروة عرفا و عادة، لا يخلو عن قوة. كما ذكره بعض المعاصرين .. و اختار في ذيل كلامه هذا الذي ذكره البعض.

ثانيا: لظهور كلام الأصحاب في ذلك بل هو أمر ذكر بعض متأخري المتأخرين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 16

..........

______________________________

قال: بل لعلّ إطلاق الفتاوى بخلافه.

أقول: إن هنا أمورا لا بد من ملاحظتها و رعاية الجمع بينها:

الأوّل: أنه لا يكون هنا واجب آخر غير عنوان السعي بين الصفا و المروة و الابتداء بالأول، فاللازم رعاية هذا الواجب لعدم وجود واجب آخر.

الثاني: أن السعي بينهما و إن كان يتحقق بالسّعي الخالي عن الاستيعاب، إلّا أن الظاهر- كما في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه- أن المدار على الاستيعاب كما في غسل الوجه و اليدين من المرفق في الوضوء، فإن اللازم إحاطة الغسل لجميع أجزاء الوجه و اليدين و في مثل هذه الموارد لا يكون تسامح من ناحية العرف بوجه، بل العرف يراعي لزوم المقدمة العلمية.

الثالث: انّه لا إشكال في جواز السّعي راكبا و ثبت أن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان سعى على ناقته. و من الواضح أنه ليس في الضيق من جهة إلصاق العقب أو الأصابع.

الرّابع: أن الصعود

على الجبل لا يكون واجبا، و إن حكي احتمال وجوبه عن الفقيه و الهداية و المقنع و المراسم و المقنعة، و عن الدروس إن الأحوط الترقي إلى الدرج و تكفي الرابعة.

و عن التذكرة و المنتهى: إن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة، لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به كغسل جزء من الرأس في الوضوء و صيام جزء من الليل.

ثم قال: و هذا ليس بصحيح لأن الواجبات هنا لا يتفضل بمفضل حسّي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه، فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس و صيام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 17

[مسألة 3] في عدم اعتبار الطهارة و ستر العورة في السعي

مسألة 3- لا تعتبر الطهارة من الحدث و لا الخبث و لا ستر العورة في السعي، و إن كان الأحوط الطهارة من الحدث. (1)

______________________________

جزء من الليل، بخلاف المقام، فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا، و استدل القائل بالوجوب أيضا بالأمر بصعوده في بعض النصوص و بما روى من أنه صلى اللّٰه عليه و آله صعده في حجة الوداع التي قال فيها: خذوا عني مناسككم.

و الجواب، انّ الأمر للاستحباب و صعوده صلى اللّٰه عليه و آله لا دلالة له على وجوبه بعد عدم صعوده في غير حجة الوداع و قيام الدليل على عدم وجوبه و ملاحظة هذه الأمور الأربعة رعاية الاستيعاب العرفي الّذي لا محالة يفترق فيه الركوب عن غيره و أنّ في الراكب و الراجل كلّا بحسب حاله. و عليه فاللازم الابتداء من الصفا و الختم بالمروة و رعاية الاستيعاب لا تقتضي الإلصاق المزبور بوجه. و لكن الأمر سهل بعد ما عرفت من عدم تحقق فرض هذه المسألة بالنسبة إلى هذه الأزمنة.

(1) أمّا

عدم اعتبار الطهارة من الحدث فكما في الجواهر هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا به بل هي كذلك إذ لم يحك الخلاف فيه إلّا من العمّاني.

و منشأ الخلاف طائفة من الروايات الواردة في هذا المجال. لا بد من ملاحظتها لتظهر تمامية دلالتها أوّلا و صلاحيتها للمعارضة مع الطائفة الدالة على عدم الاعتبار ثانيا. فنقول هي ثلاث روايات:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 18

..........

______________________________

إحديها: صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض. قال: لا. إن اللّٰه يقول إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ .. «1». «2»

و اشتمالها على العلة المذكورة يمنع من ظهورها في الوجوب، لأن الوقوفين و أمثالهما من الشعائر و لا تعتبر فيه الطهارة بوجه، و قد وقع التصريح في الكتاب العزيز بأن البدنة من الشعائر، و لا يعتبر فيها الخلو من الحدث أصلا.

مع أنّ كون الصفا و المروة من شعائر اللّٰه لا يقتضي كون السعي بينهما أيضا كذلك، و الكلام في السعي لا في نفس الجبلين مع أنّ عدم جواز السعي مع الحيض لا يقتضي عدم الجواز مع الحدث الأصغر و كذا الأكبر مثل الجنابة- كما في الصّوم- فالرّواية في نفسها لا تصلح لإثبات المدّعى.

ثانيتها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن الرجل يصلح أن يقضى شيئا من المناسك و هو على غير وضوء؟ قال: لا يصلح إلّا على وضوء. «3»

و ظهورها في أنه لا يصلح أن يقضي شيئا من المناسك على غير وضوء مع وضوح عدم اعتباره في غير الطواف و السعي يقتضي أن

لا يؤخذ به و أن لا يكون هو المراد. فلا محالة يكون المراد هو الاستحباب.

ثالثتها: موثقة ابن فضّال. قال: قال أبو الحسن عليه السّلام لا تطوف و لا تسعى إلّا

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 158.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الخامس عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الخامس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 19

..........

______________________________

بوضوء. «1» و هي تامة من حيث الدلالة و ظاهرة في النهي عن السعي بدون الوضوء كالطواف بدونه و الحمل كما عن الشيخ قدّس سرّه على النهي عن مجموع الأمرين لا عن كل واحد بانفراده خلاف الظاهر جدّا.

و أمّا الطائفة الأخرى، فهي كثيرة جدّا. مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلّا الطواف. فإنّ فيه صلاة و الوضوء أفضل. و في نقل آخر:

و الوضوء أفضل على كلّ حال. «2»

و التعليل يشعر بأن اعتبار الوضوء في الطواف إنّما هو لأجل لزوم الإتيان بالصلاة بعده و كونها مرتبطة و متصلة به و يحتمل بعيدا أن يكون المراد هو أن الطواف صلاة، كما فيما روي من أن الطواف بالبيت صلاة.

و صحيحة رفاعة بن موسى. قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أشهد شيئا من المناسك و أنا على غير وضوء؟ قال: نعم، إلا الطواف بالبيت، فإن فيه صلاة. «3»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، إنه سئل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن امرأة طافت بين الصفا و المروة و حاضت بينهما. قال: تتم سعيها، و سأله عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى. قال: تسعى. «4»

و رواية يحيى الأزرق. قال: قلت لأبي

الحسن عليه السّلام رجل سعى بين الصفا و المروة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 7.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب السعي، الباب الخامس عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 20

..........

______________________________

فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة، ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء. فقال: لا بأس، و لو أتم مناسكه بوضوء لكان أحبّ إلي. «1»

و الظاهر اعتبار سند الرواية و أن يحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الأزرق و هو ثقة. و غير ذلك من بعض الروايات الظاهرة في عدم اعتبار الطهارة من الحدث في السعي.

و هذه الطائفة قرينة على أن المراد بقوله: و لا تسعى في الموثقة هي الكراهة بدون الطهارة أو استحبابها.

و لو أغمض عن الجمع الدلالي و فرض ثبوت التعارض يكون الترجيح مع الطائفة الثانية لموافقتها للشهرة الفتوائية المحققة، و هي أوّل المرجحات في باب التعارض- على ما ذكرنا غير مرة.

هذا و ربما يقال كما قيل بأنّ الأحوط مانعية خصوص الجنابة عن السعي، لرواية عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثم سعى بين الصفا و المروة أربعة أشواط، ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته ثم غشي أهله. قال: يغتسل ثم يعود و يطوف ثلاثة أشواط و يستغفر ربّه و لا شي ء عليه .. «2»

نظرا إلى إن الأمر بالاغتسال مع عدم كونه واجبا نفسيّا ظاهر في شرطية الطهارة عن حدث الجنابة في السعي، هذا و لكن الرواية مضافا إلى خلو نقل التهذيب عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الخامس عشر،

ح 6.

(2) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الحادي عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 21

..........

______________________________

قوله: يغتسل، و إلى معارضتها ببعض الروايات الظاهرة في عدم اعتبار الطهور مطلقا في السعي تشبيها للصفا و المروة بالجماد يكون معرضا عنها لدى المشهور شهرة عظيمة- كما عرفت.

و أمّا عدم اعتبار الطهارة من الخبث، فلم ينقل الخلاف فيه من أحد. نعم حكي عن جماعة التصريح باستحبابها، و أورد عليه في الجواهر بأنه لا دليل على الاستحباب أيضا سوى التعظيم. و من المعلوم أن عنوان التعظيم أيضا صدقة غير معلوم لعدم وضوح الخصوصيات، و إلّا فاللازم أن يقال بأن التعظيم في مثل الصوم أيضا يقتضي ذلك. مع أنه من الواضح خلافه و من العجيب ظهور كلام بعض الأعلام في ذهاب جماعة من الأصحاب إلى اعتبار الطهارة من الخبث، فراجع.

و أمّا عدم اعتبار ستر العورة، فلأجل عدم قيام الدليل على اعتباره في السعي و مجرد وجوبه النفسي في خصوص ما إذا كان معرضا لنظر الغير لا يستلزم الشرطية بالإضافة إلى السعي التي يكون لازمها رعاية الستر و لو لم يكن هناك ناظر أصلا- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 22

[مسألة 4] في وجوب كون السعي بعد الطواف و صلاته

مسألة 4- يجب أن يكون السعي بعد الطواف و صلاته، فلو قدّمه على الطواف أعاده بعده و لو لم يكن عن عمد و علم. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأوّل: في أصل اعتبار تأخر السعي و لزوم كونه بعد الطواف و صلاته.

و قد حكي في الجواهر اعتراف غير واحد بنفي وجدان الخلاف فيه. قال: بل الإجماع بقسميه عليه. بل يمكن دعوى القطع به.

أقول: و ذلك

مضافا إلى ارتكاز المتشرعة و ثبوت السيرة العملية المستمرة منهم على ذلك يدل عليه النصوص المشتملة على بيان الحج قولا و فعلا و القدر المتيقن بطلان السعي إذا قدمه على الطواف أو صلاته عمدا و عن علم، لأنه لا يتصور أقل منه بعد ملاحظة دليل الاعتبار و ثبوت شرطية الترتب و التأخر.

المقام الثاني: فيما إذا كان التقديم عن غير عمد أو غير علم، بأن وقع جهلا أو نسيانا. و الظاهر ثبوت البطلان فيهما أيضا لصحيحة منصور بن حازم. قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت. قال: يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا و المروة فيطوف بينهما. «1»

و قد حكي عن الفاضل و الشهيد و غيرهما أن مقتضى إطلاق السؤال في الرواية و ترك الاستفصال في الجواب، هو البطلان في الصورتين.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثالث و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 23

[مسألة 5] في وجوب كون السعي من الطريق المتعارف

مسألة 5- يجب أن يكون السعي من الطريق المتعارف. فلا يجوز الانحراف الفاحش. نعم يجوز من الطبقة الفوقانية أو التحتانية، لو فرض حدوثها بشرط أن يكون بين الجبلين لا فوقهما أو تحتهما. و الأحوط اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث الطبقتين. (1)

______________________________

هذا و الظاهر أن مورد السؤال في الرواية يختص بالمقام و لا يشمل صورة العمد و العلم، بل كان البطلان في هذه الصورة مفروغا عنه عند السائل، و كانت الشبهة الموجبة لسؤال هو احتمال الصحة في صورة الجهل أو النسيان. و عليه فلا يبقى مجال لاحتمال عروض التقييد لإطلاقه بسبب حديث الرفع، و لا لرفعه بسبب ذلك الحديث بعد كون الجهل و النسيان دخيلا

في ترتب الحكم المذكور في الصحيحة، فتدبر.

ثم إن ظاهر المتن في المسألة الرابعة من مسائل الطواف المتقدمة أنّ لزوم إعادة السعي في هذا الفرض بعد حمل العبارة عليه إنّما هو بنحو الاحتياط الوجوبي دون الفتوى. حيث إنه قال هناك: لو سعى قبل الطواف فالأحوط إعادته بعده. لكن الظاهر ما هنا.

(1) من الظاهر أن المتفاهم العرفي من السّعي الواجب بين الصفا و المروة هو السعي بينهما من الطريق المتعارف. فلا يجوز الانحراف الفاحش يمينا أو يسارا، كما إذا ابتدأ بالسعي من الصفا ثم دخل المسجد الحرام و وصل قريبا من الكعبة ثم رجع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 24

..........

______________________________

إلى المسعى و انتهى إلى المروة.

فإنه من الواضح عدم جوازه سواء كانت الحركة بنحو الخط المنكسر أو المنحني أو ابتدأ بالسعي من الصفا ثم انحرف عن يمينه إلى الساحة الكبيرة التي أحدثت أخيرا ثم رجع إلى المسعى و انتهى إلى المروة بنحو أحد الخطين المذكورين.

نعم لا يجب أن يكون بنحو الخط المستقيم الهندسي الدقيق بل العرفي منه المطابق للسيرة المستمرة العملية من المتشرعة و ارتكازهم أيضا.

و أمّا السعي من الطبقة الفوقانية الموجودة بالفعل أو من الطبقة التحتانية لو فرض حدوثها أو الطبقات المتصلة بإحدى الطبقتين كذلك، فجوازه متوقف على صدق عنوان السعي بين الجبلين، و أما إذا كان العنوان هو فوقهما أو تحتهما فلا يجتزأ به بعد كون المدار ما ذكرنا في الكتاب و السنّة و ارتكاز المتشرعة. و مقتضى الاحتياط الكامل الذي ينبغي أن يراعى سيّما في مثل الحج الذي لا يكاد يتحقق من المكلف في طول العمر إلّا مرة أو مرات متعددة اختيار الطريق المتعارف قبل إحداث طبقة أخرى فوقانية

أو تحتانية- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 25

[مسألة 6] في اعتبار الاستقبال إلى المروة أو إلى الصفا عند السعي

مسألة 6- يعتبر عند السّعي إلى المروة أو إلى الصفا الاستقبال إليهما.

فلا يجوز المشي على الخلف أو أحد الجانبين. لكن يجوز الميل بصفحة وجهه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف. كما يجوز الجلوس و النوم على الصفا أو المروة أو بينهما قبل تمام السعي و لو بلا عذر. (1)

______________________________

(1) قد عرفت أن المتفاهم من الكتاب و السنة هو المشي على النحو المتعارف المتداول الذي استمرت عليه السيرة العملية من المتشرعة. فلا يجوز المشي على البطن أو على أربع أو معلّقا أو مثلها مما هو خارج عن النحو المذكور. و عليه فالمعتبر بعد فرض لزوم الابتداء في السعي من الصفا الاستقبال إلى المروة و في الرجوع الاستقبال إلى الصفا. فلا يجوز المشي على الخلف و القهقري أو أحد الجانبين اليمين و اليسار.

نعم لا يعتبر عنوان الاستقبال بالنحو المعتبر في باب الصلاة الذي يقدح فيه الالتفات يمينا أو شمالا بنحو يرى الخلف، فإنه يجوز في المقام الميل بصفحة الوجه إلى أحد الجانبين أو إلى الخلف، لعدم كونه منافيا لما هو المتفاهم من عنوان السعي بين الصفا و المروة بالنحو المتعارف.

و أمّا الجلوس أو النوم للاستراحة، فإن كان على نفس الجبلين و على الصفا و المروة، فلا إشكال في الجواز نصّا و فتوى. و أمّا إذا كان بينهما من جهد و تعب فلا إشكال فيه أيضا. و أمّا إذا كان لمجرد الاستراحة من دون أن يكون جهد و مشقة فمقتضى جملة من الروايات الجواز، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 26

..........

______________________________

صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه

عليه السّلام عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟ قال: نعم، إن شاء جلس على الصفا و المروة و بينهما فليجلس. «1»

و صحيحة معاوية بن عمّار في حديث، انه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة يجلس عليهما، قال: أو ليس هو ذا يسعى على الدواب. «2»

و مقتضى بعض الروايات العدم، مثل: صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا يجلس بين الصفا و المروة إلّا من جهد. «3»

و الظّاهر ان استثناء الجهد قرينة على كون المراد من المستثنى منه هو الحكم التنزيهي لا التحريمي. فلا مجال لدعوى التقييد خصوصا مع التصريح في الصحيحة الأولى بالجواز بينهما معلّقا على المشيّة لا مشروطا بالجهد، و لكن الأحوط مع ذلك في هذه الصورة الترك. و قد قيدنا في التعليقة على المتن أصل الحكم في الجواز بأن الأحوط أن لا يكون بمقدار يقدح في الموالاة العرفية.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العشرون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب السّعي، الباب العشرون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 27

[مسألة 7 في أن الأحوط عدم تأخير السّعي إلى الليل]

مسألة 7- يجوز تأخير السعي عن الطواف و صلاته للاستراحة و تخفيف الحرّ، بلا عذر حتى إلى الليل، و الأحوط عدم التأخير إلى اللّيل، و لا يجوز التأخير إلى الغد بلا عذر. (1)

______________________________

(1) أمّا أصل جواز التأخير في الجملة فممّا لا إشكال فيه، بل و لا خلاف، كما في الجواهر نفى وجدانه فيه. و أمّا التأخير إلى الليل فجوازه هو المشهور كما أن عدم جوازه إلى الغد أيضا كذلك.

لكن قال المحقّق في الشرائع

في المسألة الخامسة من مسائل الطواف: من طاف كان بالخيار في تأخير السّعي إلى الغد، ثم لا يجوز مع القدرة. و ظاهره جواز الإتيان به في الغد، لظهوره في كون الغاية داخلة في المعنى كدخولها فيه بالإضافة إلى الليل، فإن الظاهر ان المشهور القائلين بجواز التأخير إلى الليل لا يفرقون بين أجزاء الليل أوّلا و وسطا و آخرا.

و عليه فظاهر كلام المحقق أيضا دخول الغد مع أن الظاهر انه لم يقل به أحد غيره.

فلا بد من حمل كلامه على خروج الغاية ليخرج من الندرة.

و أعجب من ذلك، أنه حكي عن الحدائق انه نقل عن الشهيد انه قال بعد نقل ذلك من المحقق: و هو مروي مع أنه لم يصل إلينا رواية دالة على جواز التأخير إلى الغد بالنحو المذكور. اللهم الّا على سبيل الإطلاق،- كما في بعض الروايات- و كيف كان فالرّوايات الواردة في هذه المسألة عبارة عن:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يقدم مكّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 28

..........

______________________________

و قد اشتد عليه الحرّ فيطوف بالكعبة و يؤخّر السعي إلى أن يبرد. فقال: لا بأس به و ربما فعلته. و قال: و ربما رأيته يؤخر السعي إلى اللّيل. «1»

قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد اللّٰه بن سنان مثله إلى قوله: و ربما فعلته. إلا أنه قال: يقدم مكة حاجا. و رواه الصدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان مثل رواية الكليني و زاد: و في حديث

آخر: يؤخره إلى الليل.

و الرواية مشتملة على حكايتين، حكاية القول و حكاية الفعل.

أما الأولى، فمفادها جواز تأخير السعي إلى أن يبرد. و الظاهر أن الجواز لا يختص بصورة الحرج و التعب و الجهد لعدم كون اشتداد الحر ملازما للحرج أولا، و ظهور الرواية في جواز التأخير إلى البرودة الظاهرة في جواز الإتيان به عند حدوث البرودة أو في الوسط أو في الآخر ثانيا، و عليه فلا مجال لتوهم كون مفاد الرواية جواز التأخير في خصوص صورة الحرج.

و أما الثانية، فلا يستفاد منها الجواز إلى الليل مطلقا و لو من دون عذر، لأنها حكاية فعل الإمام عليه السّلام و الفعل لا إطلاق له إلا إذا كان الحاكي له هو إمام آخر، و كان غرضه من حكايته بيان الحكم و في غير ذلك لا وجه للتمسك بالإطلاق. و عليه فيحتمل أن يكون تأخيره عليه السّلام في مورد العذر، فلا دلالة للرواية على جواز التأخير إلى الليل مطلقا، كما أن الزيادة في نقل الصدوق لا تصلح لإثباته، فتدبر.

و صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أحدهما عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الستّون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 29

..........

______________________________

فأعيا، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ قال: نعم «1».

و صحيحة العلاء بن رزين. قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا، أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: لا «2».

و في الوسائل بعد نقل الرواية عن الكليني: و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و رواه الصدوق بإسناده عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام.

و يظهر من الجواهر أن

الرواية الأخيرة روايتان، يكون الراوي في أحدهما هو العلاء و في الثانية هو محمد بن مسلم. و عليه فما يدل على عدم جواز التأخير إلى الغد روايتان صحيحتان مع أن ظاهر الوسائل كونهما رواية واحدة. و يؤيده أن الراوي عن محمد هو العلاء.

و عليه فيحتمل اتحادهما مع الصحيحة الأولى أيضا، و إن كان بينهما اختلاف في الجواب من جهة الإثبات و النفي، و كذا في السؤال من جهة إطلاق التأخير و تقييده بالتأخير إلى الغد، و لكنه مع ذلك لا يكون احتمال الاتحاد منتفيا- خصوصا بعد اتحاد عبارة السؤال- لأنه لا مجال لتعدد السؤال، سواء كان السؤال الأول واقعا قبل الثاني أو بعده.

أمّا في الفرض الأوّل فلأنّه بعد السؤال عن تأخير السعي بنحو الإطلاق الشامل للتأخير إلى الغد و الجواب بالإثبات كذلك لترك الاستفصال فيه لا مجال للسؤال

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الستون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الستون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 30

[مسألة 8] في ركنية السّعي

مسألة 8- السّعي عبادة تجب فيه ما يعتبر فيها من القصد و خلوصه، و هو ركن، و حكم تركه عمدا أو سهوا حكم ترك الطواف، كما مرّ. (1)

______________________________

الثاني أصلا، إلا أن يقال بظهور السؤال في التأخير في الجملة، و هو لا يشمل التأخير إلى الغد.

و أمّا في الفرض الثاني فمقتضى القاعدة تقييد مورد السؤال بغير الغد- كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في كون السعي عبادة بعد وقوعه جزء للحج أو العمرة. و لا مجال لأن يكون جزء العبادة غير عبادة، و عليه فيعتبر فيه ما يعتبر في العبادة من النيّة و الخلوص من الرياء و غيرها، فينوي السّعي الذي هو جزء

لحجة الإسلام- مثلا- أو عمرتها امتثالا لأمر اللّٰه تعالى.

و قد تقدم التحقيق في ذلك في باب الطواف، فراجع. كما أنه قد تقدم معنى الرّكن في باب الحج و أنه مغاير لمعناه في باب الصلاة في أوّل بحث الطواف، و الذي ينبغي التعرض له هنا أمران:

أحدهما: أنه بعد وضوح كون الإخلال بالسّعي عالما عامدا موجبا لبطلان العبادة لأنه حدّ أقل آثار الجزئية الثابتة له على ما هو المفروض، إذ لا يجتمع صحة العبادة مع الإخلال بالجزء في صورة العلم و العمد. نعم حكي عن أبي حنيفة: ان السّعي واجب غير ركن، فإذا تركه كان عليه دم. و عن أحمد في روايته: انه مستحبّ،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 31

..........

______________________________

لكن لا ريب في فسادهما، كما في الجواهر.

وقع الكلام في أنّ الإخلال به عن جهل هل يوجب البطلان أم لا؟ سواء كان الجهل عن قصور أو تقصير. و الظاهر هو الأوّل، لصحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام من ترك السّعي متعمّدا فعليه الحج من قابل «1».

و مقتضى إطلاق المتعمد الشمول للجاهل، لأن الجاهل أيضا متعمد و عمله صادر عن قصد و إرادة، و إن كان المنشأ هو الجهل، من دون فرق بين قسميه، فالمتعمد في مقابل الناسي و غير الملتفت، لا في مقابل الجاهل. و بذلك يتحقق معنى ركنية السعي و أن الإخلال به عالما أو جاهلا إذا كان عن قصد و إرادة يوجب بطلان الحج و لزومه من قابل.

ثانيهما: فرض النسيان. قال المحقق في الشرائع: «و لو كان ناسيا وجب عليه الإتيان به، فإن خرج عاد ليأتي به، فإن تعذّر عليه استناب فيه». و في الجواهر بعد

العبارة «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه».

و عمدة المستند الروايات الواردة في الباب، و هي:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت له رجل نسي السّعي بين الصفا و المروة، قال: يعيد السّعي. قلت: فإنّه خرج (فاته ذلك حتى خرج) قال:

يرجع فيعيد السّعي، إن هذا ليس كرمي الجمار، إن الرمي سنّة و السعي بين الصّفا و المروة فريضة .. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب السابع، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الثامن، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 32

..........

______________________________

و من الواضح أن المراد بالإعادة هو أصل الإتيان لفرض تركه للنسيان.

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة، قال: يطاف عنه «1».

و رواية زيد الشّحام عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى يرجع إلى أهله، فقال: يطاف عنه «2».

و أنت خبير بأنّ ظاهر الرواية الأولى تعين الإتيان بالسّعي المنسي مباشرة و بنفسه و ظاهر الأخيرتين تعين الاستنابة و السعي عنه، و هما متنافيان.

لكن في الجواهر بعد نقل الرّوايات: «المتجه الجمع بينها و لو بملاحظة الفتاوى و الإجماع المحكي و قاعدة المباشرة في بعض الأفراد و نفي الحرج و قبوله للنيابة في آخر بما عرفت» و الباء في قوله بما عرفت متعلقة بالجمع. و مراده من الموصول ما تقدم من عبارة الشرائع التي نفى وجدان الخلاف فيه.

و يظهر منه أن الجمع بين الروايات بما ذكر يحتاج إلى قرائن خارجية، و أنه بدونها لا يتحقق الجمع بالنحو المذكور. و

لأجله ذهب الرازقي في محكي المستند إلى أن اللازم الجمع بينها بالحمل على التخيير الذي مرجعه إلى تخيير الناسي للسّعي بين أن يرجع فيسعى بنفسه و بين أن يستنيب فيتحقق من النائب.

هذا، و لكن تصدى بعض الأعلام قدّس سرّه للجمع بينها بنحو ينطبق على المشهور أوّلا، و لا يكون خارجا عن الجمع الدلالي العرفي ثانيا. و ذكر لتقريبه أمرين:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الثامن ح 3.

(2) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الثامن، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 33

..........

______________________________

الأمر الأوّل: أنّ الوجوب قد يكون وجوبا شرطيّا أو شطريّا، كالاستقبال و التشهد بالإضافة إلى الصلاة، و الأمر به يكون إرشادا إلى الشرطيّة أو الجزئيّة.

و كذلك النهي عن إتيان شي ء في الصلاة يكون إرشادا إلى المانعيّة. مثل النهي عن الإتيان بها في أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و مقتضى هذه الأوامر و النواهي الشرطية المطلقة و الجزئية كذلك، و المانعية أيضا كذلك، من دون فرق بين صورتي العلم و الجهل، و كذا الالتفات و عدمه. و لأجله لكان مقتضى القاعدة الحكم بالفساد في جميع موارد الفعل، لكن حديث «لا تعاد» المعروف في باب الصلاة اقتضى الصحة في غير الخمسة المستثناة فيه.

و قد يكون مولويا- كما في المقام- فإن الأمر بإعادة السّعي هنا أمر مولوي ضرورة عدم بطلان الحج- مثلا- بسبب نسيان السعي و إن لم يتحقق منه أصلا لا مباشرة و لا تسبيبا. و كذا الأمر بالاستنابة.

و من الواضح أن التكليف المولوي مشروط بالقدرة و عدم التعذر و الحرج عليه.

ففي صورة التعذر و الحرج يرتفع الوجوب بدليل نفي الحرج، فيكون الوجوب المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار مقيدا بالقدرة و عدم الحرج.

و عليه فتكون النسبة بينها و بين صحيحة محمد بن مسلم نسبة التقييد و الإطلاق. فإن صحيحة ابن مسلم و إن كانت مقيدة أيضا بالقدرة و عدم الحرج بالإضافة إلى الاستنابة. إلّا أنّها مطلقة بالإضافة إلى السّعي بنفسه من جهة القدرة و عدمها. فالصحيحة الأولى مقيدة للثانية، و النتيجة- حينئذ- مع المشهور.

الأمر الثاني: ما وصفه بكونه تقريبا أوضح، و حاصله ان كل أمر نفسي مولوي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 34

..........

______________________________

ظاهر في الوجوب التعيني، فيما لم تكن قرينة على خلافه. فالوجوب التعيني ما يقتضيه إطلاق الدليل.

فإذا ورد أمران في موضع واحد و لم ينهض دليل على أن الواجب شي ء واحد، بل احتمل أنه واجبان فيثبت أن كل واحد واجب تعيني و لا وجه لرفع اليد عن ذلك، بل اللازم الالتزام بالوجوبين معا. كما ورد الأمر في مورد القتل الخطائي بالدية و الكفارة و هما واجبان معا. و كذا في باب الصلاة بالإضافة إلى بعض الأجزاء المنسيّة.

و أمّا إذا كان التكليف واحدا و لم يحتمل تعدّد الواجب، فلا يجري احتمال الوجوب التعيني لهما معا. كما في مورد الأمر بصلاة الظهر و الجمعة أو بالقصر و الإتمام، فحينئذ يقع التعارض بين الدليلين. لكن طرفا التعارض ليس هما الوجوبان بذاتهما لعدم المنافاة، بل هي بين الوجوبين التعينيين، فالنتيجة سقوط الإطلاقين و ثبوت الوجوبين بنحو التخيير.

و لا مجال لتوهم كون المقام من هذا القبيل، لأن سقوط الإطلاقين في المقام لا موجب له، و ذلك للعلم بسقوط الإطلاق من صحيحة ابن مسلم، لأنه لا تحتمل أن تكون الاستنابة واجبا تعيينيا، لأنها إمّا تخييري أو في مرتبة متأخرة، فلا إطلاق للصحيحة المذكورة.

و أمّا صحيحة معاوية

فلا مانع من الأخذ بإطلاقها و بطبيعة الحال يقيد بالتمكن فقط، لأدلّة نفي الحرج. فالوجوب التعييني للاستنابة ساقط، لكن الوجوب المباشري المستفاد من صحيحة معاوية نحتمل تعينه، فيؤخذ بإطلاقه. فالنتيجة أيضا مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 35

..........

______________________________

المشهور.

لكن هذا الأمر الثاني يبتنى على استفادة التعيينية من إطلاق الوجوب الذي تدل عليه هيأت الفعل أو مثل لفظ «يجب» و قد حققنا في الأصول تبعا لسيدنا الأستاذ الماتن قدّس سرّه انه لا يعقل أن تكون نتيجة الإطلاق الذي ينطبق على المقسم هو واحد القسمين بعد لزوم أن يكون في القسم خصوصية زائدة على المقسم مغايرة للخصوصية الموجودة في القسم الآخر، فما أفاده من استفادة الوجوب التعييني من الإطلاق مع كونه قسما من مطلق الواجب و نوعا من طبيعته مما لا يستقيم لوجه و مع الإغماض عن هذا المبنى يكون تقريبا صحيحا، لما ذهب إليه المشهور، و لا يبقى مجال للتخيير الذي أفاده صاحب المستند قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 36

[مسألة 9] في الزيادة على السبعة سهوا

مسألة 9- لو زاد فيه سهوا شوطا أو أزيد صحّ سعيه، و الأولى قطعه من حيث تذكر، و إن لا يبعد جواز تتميمه سبعا، و لو نقصه وجب الإتمام أينما تذكره. و لو رجع إلى بلده و أمكنه الرجوع بلا مشقة وجب، و لو لم يمكنه أو كان شاقّا استناب، و لو أتى ببعض الشوط الأوّل و سها و لم يأت بالسّعي، فالأحوط الاستئناف. (1)

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين.

المقام الأول: في الزيادة السهوية. و لا شبهة نصّا و فتوى في عدم كونها قادحة في صحة السّعي و تماميته من دون فرق

بين أن تكون الزيادة كذلك شوطا أو أزيد. إنما الكلام في حكمه بعد التذكر من جهة لزوم القطع أو جواز التتميم سبعا. و قد ورد فيه طائفتان من الرّوايات:

الطائفة الأولى: ما ظاهرها لزوم القطع و الطرح من حيث تذكر، مثل:

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السّلام في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط. ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ طرح واحدا و اعتد بسبعة «1».

و صحيحة معاوية بن عمّار، قال: من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا، طرح ثمانية و اعتدّ بسبعة، قال: و إن بدأ بالمروة فليطرح و يبدأ بالصفا. «2»

و صحيحة جميل بن درّاج، قال: حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الثالث عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أورد صدرها في أبواب السعي، الباب الثالث عشر، ح 4، و ذيلها في الباب العاشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 37

..........

______________________________

أربعة عشر شوطا، فسألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن ذلك، فقال: سبعة لك و سبعة تطرح. «1»

و لكن الظاهر أن موردها الجهل. خصوصا بقرينة قوله: «و نحن صرورة» و غير ذلك من الروايات الظاهرة في ذلك.

الطائفة الثانية: ما ظاهرها لزوم إضافة الستّة إلى الشوط الزائد الذي وقع نسيانا و هي:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: إن في كتاب عليّ عليه السّلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستقين ثمانية أضاف إليها ستّا، و كذلك إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا. «2» و قد جمع الأصحاب بين الطائفتين بالحمل على التخيير. نعم حكي عن ابن زهرة الاقتصار على الثاني،

و لكنه ليس خلافا- كما في الجواهر- خصوصا بعد الحكم بجوازه و كونه مندوبا.

لكنه أشكل التخيير في محكي الحدائق بقوله: إن السّعي ليس كالطواف و الصلاة يقع واجبا و مستحبا فإنا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبّا.

قال في المدارك: و لا يشرع استحباب السعي إلّا هنا و لا يشرع ابتداء مطلقا و اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة، فكيف يجوز أن يعتد به و يبني عليه سعيا مستأنفا مع اتفاق الأخبار و كلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في السعي من الصفا. و أنه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة، عمدا كان أو سهوا.

و بالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأوّلة من طرح الزائد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السّعي، الباب الثالث عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرّابع و الثلاثون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 38

..........

______________________________

و الاعتداد بالسبعة الأوّلة. و أمّا العمل بهذا الخبر فمشكل. قال: و العجب من سيّد المدارك حيث لم ينتبه لذلك و جمد على موافقة الأصحاب في هذا الباب.

و تبعه في ذلك صاحب الرياض مع إضافة أنّ صحيحة محمد بن مسلم تحمل على كون مبدإ الأشواط فيها بالمروة دون الصفا، و يكون الأمر بإضافة الست إنّما هو لبطلان السبعة الأولى لوقوع البدأة فيها بها. بخلاف الشوط الثامن لوقوع البدأة فيه من الصّفا.

هذا، و لكن الإشكال في غير محلّه، بل كما في الجواهر: اجتهاد في مقابل النص، فإنه لا مانع من استحباب السّعي بهذه الكيفية المذكورة في الرواية، و إن كان السّعي الابتدائي لا يكون مستحبّا لعدم كونه مثل الطواف في الاتصاف بالوجوب

و الاستحباب. كما أن الدليل على عدم وقوع ابتداء السعي من المروة مطلق قابل للتقييد بهذه الصورة، لأنه ليس من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص أو الأحكام التي كان طبعها آبيا عن التخصيص.

و عليه فلا مانع من اتصاف السعي بالصحة في خصوص المورد و إن كان الابتداء به من المروة. و الحمل المذكور في الرياض خلاف الظاهر جدّا. و عليه فلا محيص عمّا هو المشهور.

ثم إن هنا رواية صحيحة يكون مفادها مغايرا لكلتا الطائفتين المتقدمتين المشتركتين في صحة أصل السعي الواقع الذي زيد عليه سهوا.

و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إن طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية، و إن طاف بين الصفا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 39

..........

______________________________

و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و ليستأنف السعي، و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى و يبدأ بالصّفا. «1»

و المحكيّ عن الشيخ قدّس سرّه في التهذيب: أنه حمل الصحيحة على صورة العمد حيث ذكر: إن من تعمّد ثمانية أعاد السعي و إن سعى تسعة لم تجب عليه الإعادة و له البناء على ما زاد، و استشهد بالرواية.

و يرد عليه- مضافا إلى ظهور الصحيحة في غير صورة التعمد- إن حملها عليها لا يصحّحها، لأن الزيادة العمديّة مبطلة في السعي- كما عرفت في أوّل البحث- مع أن الشوط التاسع الذي يكون ابتداءه من الصفا و إن كان واجدا للشرط من هذه الجهة إلّا أنه قد أتى به فرضا بعنوان الجزئية للسعي الأوّل الباطل، فكيف يكون جزء لعبادة مستقلة أخرى.

و المحكي عنه في الاستبصار المتابعة للصدوق في الفقيه في حمل

الفرضين في الصحيحة على صورة النسيان و أن الفرض استيقان الزيادة و هو على المروة لا الصفا فيبطل سعيه في الفرض الثاني لابتدائه من المروة، لأنه لا يجتمع استيقان الثمانية على المروة إلّا مع كون الشروع منها. و يصحّ الشوط التاسع في الفرض الأوّل لابتدائه التاسع من الصّفا.

و يرد عليه أيضا أن حمل الصحيحة على صورة النسيان و إن كان صحيحا إلّا أن دعوى كون المراد منها في كلا الفرضين صورة التذكر و الاستيقان و هو على المروة لا شاهد لها أصلا. بل الظاهر منها أن شروع السعي في كلا الفرضين كان من الصفا، و إن

______________________________

(1) الوسائل: أورد صدرها فيه في الباب الثاني عشر من أبواب السعي، ح 1، و ذيلها في الباب العاشر منها، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 40

..........

______________________________

الإشكال إنّما هو من ناحية الزيادة بحيث لو لم تكن زيادة في البين، لما كان إشكال في السعي بوجه، و أن الفرق بين الصورتين إنّما هو من ناحية الزيادة الواقعة من جهة الشوط أو الشوطين.

و يرد عليه أيضا ما أوردناه على الحمل الأوّل من عدم وقوع الشوط التاسع بعنوان السّعي الذي هو عبادة مستقلة، بل بعنوان الجزئية للسّعي الأوّل.

و الإنصاف ان الصحيحة غير قابلة للحمل و التوجيه و معارضة للطائفتين الأوّليين. فإمّا أن يقال بلزوم الإعراض عنها لإعراض المشهور، و هو قادح في الحجية. و إمّا أن يقال بأنه على فرض التعارض تصل النوبة إلى المرجحات. و أوّلها- كما ذكرنا مرارا- هي الشهرة في الفتوى المطابقة لغيرها.

ثم الظاهر انه إذا كان الزائد المنسيّ أقلّ من شوط واحد. فالروايات و إن كانت لا تشمله لورودها في مورد زيادة

شوط واحد أو شوطين أو أزيد، إلّا أن دلالة الطائفة الأولى على حكمه إنّما هي بنحو الأولويّة، لأنّه إذا كان الشوط الكامل أو أزيد لازم الطرح في صورة النسيان فطرح الأقل من شوط واحد. و إلغائه إنما يكون بطريق أولى. و الشاهد فهم العرف و استفادتهم ذلك.

و أمّا الطائفة الثانية الدالة على التكميل و الإضافة، فلا دلالة لها على جواز التكميل في هذه الصّورة لأن موردها- مع وحدتها- هي صورة إضافة شوط كامل نسيانا و لا تشمل صورة زيادة الأقل و لا أولوية بالإضافة إلى هذه الطائفة، لأنه لا يكون في البين أولوية من هذه الجهة. و لا ملازمة بين الجهتين أصلا.

نعم يستفاد منها جواز التكميل و التتميم بالإضافة إلى الزائد عن شوط واحد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 41

..........

______________________________

بطريق أولى. فإنه إذا كان التكميل أسبوعين مشروعا مع زيادة شوط واحد على الأشواط السبعة الأصلية فمشروعيته فيما إذا كان الواقع زائدا على شوط واحد بطريق أولى- كما لا يخفى- هذا تمام الكلام في الزيادة السهويّة.

المقام الثاني: في النقيصة السهوية. و هي بخلاف الزيادة لا تكاد تتحقق إلّا على تقدير فوت الموالاة بناء على اعتباره أو الدخول فيما يكون مترتّبا على السعي مثل التقصير.

أمّا الأقوال، فالظاهر اتفاقها على عدم كون الإخلال بالسعي بهذا النحو موجبا لبطلانه في الجملة. إنّما الاختلاف في سعة هذه الدائرة و ضيقها. ففي الجواهر: إن مقتضى إطلاق المتن و القواعد و الشيخ في كتبه و بني حمزة و إدريس و البرّاج و سعيد على ما حكي عن بعضهم عدم الفرق بين تجاوز النصف و عدمه. لكن عن المفيد و سلّار و أبي الصلاح و ابن زهرة

اعتبار التجاوز عن النصف في البناء مثل الطواف، بل عن الغنية الإجماع عليه.

و منه يظهر أن نسبة التفصيل إلى الفقهاء قدّس سرّه في غير المحلّ بل ظاهر الجواز أن الشهرة على خلافه، و ما يمكن أن يستدل به على التفصيل روايتان:

إحديهما: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت و بين الصّفا و المروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمّت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 42

..........

______________________________

ثانيتهما: مرسلة أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت، قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصّفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فإذا هي قطعت طوافها في أقلّ من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله. «1»

و الرّوايتان مضافا إلى ضعف سندهما، يكون اشتمالهما على مانعية الحيض عن السعي. كالطواف مانعا عن الأخذ بهما لمعلومية عدم مانعية الحيض بالإضافة إلى السعي بوجه، و عدم اشتراط الطهارة فيه كذلك. فإنه يجوز للحائض الشروع في السّعي و تكميله بخلاف الطواف- على ما مرّ- فلا مجال للأخذ بالروايتين أصلا.

و قد استدل صاحب المستند على الإطلاق برواية صحيحة لمعاوية بن عمار المشتملة على قوله عليه السّلام: فإن سعى الرجل أقل من سبعة أشواط، ثم رجع إلى أهله، فعليه أن يرجع فيسعى تمامه و ليس عليه شي ء، و

إن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعا، و إن كان قد أتى أهله أو قصّر و قلم أظافيره فعليه دم بقرة.

و الظاهر أنّها لا تكون رواية، بل من كلام الشيخ قدّس سرّه في التهذيب ذكره بعد صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في الزيادة السّهوية بعنوان صورة المسألة و بيانها أوّلا حتى يستدل عليه بالرواية أو الروايات الواردة فيها و لا تكون رواية أصلا، و الشاهد عليه قوله بعده: روى ثم ذكر رواية سعيد بن يسار دليلا و قد اشتبه على مثل صاحب المستند و بعض آخر. فلا مجال للاستناد بإطلاقها بعنوان الرّواية.

و الرواية الصحيحة الواردة في المقام هي صحيحة سعيد بن يسار الآتية في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الثمانون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 43

..........

______________________________

المسألة العاشرة الواردة في رجل سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه و قلم أظافيره و أحلّ ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط المشتملة على قوله عليه السّلام: إن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا ..

إلى آخر الحديث. «1» و مثلها رواية عبد اللّٰه بن مسكان التي في سندها محمد بن سنان. «2»

و موردها و إن كان هو السّعي ستة أشواط إلّا أنه لا شبهة في إلغاء الخصوصية منه فيما إذا سعى خمسة أشواط و ذكر بعد التقصير و الإحلال، بل فيما إذا سعى أربعة أشواط التي يتحقق بها التجاوز عن النصف.

و أما التعميم بالإضافة إلى صورة عدم التجاوز عن النصف، كما إذا سعى ثلاثة أشواط أو أقل فيحتاج إلى الدليل. خصوصا

بعد ما عرفت من فتوى جماعة من الأصحاب بالتفصيل بين الصورتين و ذهاب المشهور إلى خلافه- كما عرفت- انه مقتضى إطلاق كلماتهم و تصريح صاحب الجواهر قدّس سرّه بذلك لا يكون قرينة على سعة دائرة إلغاء الخصوصية و عموميّته لجميع الموارد، خصوصا بعد ثبوت التفصيل في باب الطواف- على ما عرفت- و لا ملازمة بين عدم اعتبار مثل الطهارة في السعي و عدم الفرق بين الصورتين- كما لا يخفى.

فالإنصاف أن استفادة الإطلاق من الصحيحة مع ورودها في مورد التجاوز عن النصف مشكلة جدّا. فمقتضى الاحتياط الوجوبي الاستئناف من رأس إذا لم يتمّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 44

..........

______________________________

الشوط الرّابع.

ثم إنه في المتن بعد الحكم بلزوم إتمام النقيصة أينما تذكر بنحو الإطلاق احتاط وجوبا بالاستئناف فيما إذا لم يأت بشوط واحد كامل حينما عرض له النسيان. ففي الحقيقة يكون مقتضاه تفصيلا آخر غير التفصيل المتقدم. و لم يعلم وجه هذا التفصيل بوجه.

بقي في هذا المقام أمران:

الأمر الأوّل: أنه لا إشكال في أنّه إذا أراد الناسي أن يأتي بالنقيصة مباشرة لا يجب عليه إلّا الإتمام و التكميل و الإتيان بالناقص. و أمّا إذا استناب لأجل عدم التمكن من المباشرة أو العسر و الحرج فظاهر الكلمات أن النائب أيضا يأتي بالناقص و يتم السعي لا أنه يأتي بسعي كامل مشتمل على سبعة أشواط.

و يمكن أن يقال بعد كون النيابة أمرا على خلاف القاعدة و لا بد في مثله من الاقتصار على القدر المتيقن أنه إذا وصلت النوبة إلى النيابة و النائب يكون اللازم إتيانه بسعي كامل.

خصوصا مع عدم معهودية النّيابة في بعض العمل العبادي.

و مقتضى الاحتياط في الجمع بين هذه الجهة و بين ما هو ظاهر الكلمات أن يأتي النائب بسعي كامل قاصدا به فراغ ذمة المنوب عنه بالتمام أو الإتمام من دون تعيين.

الأمر الثاني: ما نبّه عليه بعض الأعلام قدّس سرّه و محصّله أنه في صورة لزوم الإتمام على الحاج مباشرة لا إشكال في لزوم الإتيان به في شهر ذي الحجّة، لأنه من أجزاء الحج و مناسكه. فيجب إيقاعه في أشهر الحج. و أمّا لو تذكر النقص بعد مضي أشهر الحج أو تذكر فيها و لكن لم يمكن له التصدي للإتمام مباشرة في أشهر الحج، بل تمكّن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 45

[مسألة 10] في ما لو أحلّ قبل تمام السّعي سهوا

مسألة 10- لو أحلّ في عمرة التمتع قبل تمام السعي سهوا بتخيل الإتمام و جامع زوجته، يجب عليه إتمام السّعي و الكفارة بذبح بقرة على الأحوط، بل لو قصر قبل تمام السعي سهوا، فالأحوط الإتمام و الكفارة، و الأحوط إلحاق السعي في غير عمرة التمتع به فيها في الصورتين. (1)

______________________________

منه بعده.

فاللازم أن يقال بأن الإتمام- حينئذ- غير ممكن لزوال وقته. فالسعي الواقع الناقص باطل. فاللازم الإتيان به قضاءا. و لا دليل على الاكتفاء بالإتمام و إتيان الباقي في القضاء بحيث كان العمل الواحد مركّبا من الأداء و القضاء. و استظهر أن مراد الأصحاب من إتيان الباقي بعد الفراغ من الحج إتيانه بعد الفراغ من مناسكه.

فطبعا يقع السعي بأجمعه في شهر ذي الحجة، فكلامهم غير ناظر إلى مضي شهر ذي الحجة.

هذا، و لكن هذا الكلام لا يجري في العمرة المفردة التي لا يكون لها شهر خاص و زمان مخصوص، و لا

اختصاص لمورد كلامهم بغير العمرة المفردة- كما لا يخفى.

(1) قال المحقق في الشرائع: و لو كان متمتعا بالعمرة، و ظنّ أنه أتمّ فأحلّ و واقع النّساء، ثم ذكر ما نقص، كان عليه دم بقرة على رواية و يتمّ النقصان. و كذا قيل لو قلّم أظفاره أو قص شعره.

و في الجواهر حكي القول الأوّل عن الشيخين و أبي إدريس و سعيد و جماعة منهم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 46

..........

______________________________

الفاضل في جملة من كتبه. و القول الثاني عن الشيخ و جمع من الأصحاب على ما في المدارك.

أقول: قد وردت في هذه المسألة روايتان:

إحديهما: صحيحة سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل متمتع سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط، ثم رجع إلى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه و قلم أظافيره و أحلّ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط. فقال لي: يحفظ انه قد سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط، فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما.

فقلت: دم ما ذا؟ قال: بقرة، قال: و إن لم يكن حفظ انّه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدئ السّعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة. «1»

ثانيتهما: رواية ابن مسكان، و في سندها محمد بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بين الصّفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنّها سبعة، فذكر بعد ما حلّ و واقع النساء أنه إنما طاف ستّة أشواط، قال: عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر. «2» و اللازم التكلم في مفاد الروايتين، فنقول:

أمّا الصحيحة، فبعد كون موردها عمرة التمتّع و

أنه بعد ما طاف ستّة أشواط اعتقد تمامية السّعي و أنه أتى بالأشواط السبعة، و إن كان يبعّد هذا الفرض انه في هذه الصورة لا محالة يكون على الصفا، مع أنّ الختم لا بد و أن يكون بالمروة، يكون مورد السؤال أنّه قلّم أظافيره و أحلّ من إحرام عمرة التمتع.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 47

..........

______________________________

و الظاهر أنه لم يكن في ذهن السائل خصوصية للتقليم، بل كان مراده تحقق الإحلال بالتقصير الذي هو آخر أعمال عمرة التمتع. لعدم وجوب طواف النساء فيها، بخلاف غيرها من أنواع الحج و العمرة المفردة. و التقصير الذي يتحقق به الإحلال في العمرة المذكورة كما يتحقق بالتقليم، كذلك يتحقق بقصّ الشعر و لا اختصاص له بالأوّل.

و عليه فمراد السائل هو تحقق الإحلال بالتقصير. لكن لا دلالة له على حصول المواقعة بعد صيرورته محلّا.

فالرواية تدل على أنه في هذه الصورة يجب عليه إتمام السعي بإتيان الشوط المنسي، و لزوم كفارة البقرة. و لا مجال لدعوى أنه لا وجه لثبوت الكفارة مع كون المفروض أن موردها الخطأ، خصوصا بملاحظة ما دلّ على أن الكفارة إنما تثبت في حال الخطأ في خصوص الصيد و لا كفارة في غيره في هذا الفرض.

و ذلك لأنّ ما دلّ على ذلك لا يكون حكما غير قابل للتخصيص. لأنه حكم تعبدي شرعي قابل لعروض التخصيص له في هذا المورد أو غيره.

و بالجملة، مفاد الرواية صحة السعي و ما يترتب عليه من التقصير الموجب للإحلال. غاية الأمر لزوم الإتيان بالمقدار الناقص و ثبوت كفارة البقرة بمجرد الإحلال بسبب

التقصير.

و امّا الرّواية الثانية، فاللازم ملاحظة أن موردها هل هو عمرة التمتع كالصحيحة الصريحة في ذلك؟ أو أن موردها مطلق السعي سواء كان في عمرة التمتع أو في غيرها من العمرة المفردة و الحج بأنواعه الثلاثة؟ ربما يقال بالثاني. نظرا إلى أنه لا إشعار في السؤال بالاختصاص بعمرة التمتع. فمقتضى إطلاقه و ترك الاستفصال في الجواب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 48

..........

______________________________

الشمول لجميع الموارد.

هذا، و لكن الظاهر الاختصاص. لأن ذكر مواقعة النساء بعد الإحلال لا يلائم إلّا مع السعي في عمرة التمتع، لأنّ حلّية النساء في غيرها إنما ترتبط بطواف النساء الثابت فيه دون عمرة التمتع. حيث إنه لا يجب فيها طواف النساء. و على ما تقدم من البحث فيها مع أن الإحلال في الحج إنّما يتحقق قبل السعي بتمامية مناسك يوم النحر في منى. حيث إنه يحلّ الحاجّ من جميع محرمات الإحرام، عدي الطيب و الصيد و النساء، و حليّة الأوّل متوقفة على الطواف و السعي، و الثاني من محرمات الحرم، و الثالث يرتفع بطواف النساء.

و بالجملة فحصول الإحلال بعد السّعي و مواقعة النساء بعد الإحلال إنّما يكون مرتبطا بالسعي في عمرة التمتع، و لذا فهم المحقق في الشرائع في عبارته المتقدمة من هذه الرّواية عنوان التمتع. فقال: و لو كان متمتعا بالعمرة ..». مع أنّ الإطلاق موجب للإشكال في الرّواية من جهة أنّ وقوع المواقعة و إن كان في حال عدم الالتفات إلى نقصان السّعي، إلّا أن وقوعها قبل طواف النساء إنّما يكون مع الالتفات، و اللازم- حينئذ- ثبوت كفارة البدنة، لما مرّ في بحث الجماع من محرمات الإحرام أن كفارته إذا وقع قبل الطواف المذكور هي

البدنة. مع أنّ ظاهر الرواية عدم ثبوت غير كفارة البقرة.

و لذا حكي عن المحقق في النكت احتمال أن يكون المراد إنه طاف طواف النّساء ثم واقع لظنّه إتمام السّعي. كما أنه حكي عن المختلف احتمال أن يكون قد قدّم طواف النساء على السّعي لعذر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 49

..........

______________________________

و من الظاهر ان الحمل على عمرة التمتع- كما هو الظاهر بقرينة ما ذكرنا- يوجب عدم توجه الإشكال و عدم وروده حتى يحتاج إلى دفعه بمثل ما ذكر ممّا يكون خلاف الظاهر جدّا. هذا من ناحية.

و أمّا من الناحية الأخرى فربما يقال بعدم كون هذه الرواية مرتبطة بالمقام، نظرا إلى أن الموجب للكفارة فيها إنّما هو الخروج من السعي غير قاطع و لا متيقن لإتمامه، بل خرج منه عن ظنّ منه. و من المعلوم إنّه لا يجوز أن يخرج منه مع الظن. بل اللّازم الخروج مع القطع و اليقين. فالرواية غير واردة في الناسي الذي هو المبحوث عنه في المسألة.

هذا، و لكن الظاهر بطلان هذا القول. لأنّ منشأه استعمال كلمة «الظن» في السؤال مع أن الظاهر ان المراد منه هو الاعتقاد القطعي و استعمال الظنّ في هذا المعنى شائع حتى في الكتاب العزيز، مثل قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلٰاقُوا رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ «1» و يدل عليه في خصوص مورد الرواية تفريع التذكر عليه و هو لا يلائم الظنّ المصطلح في قبال اليقين. فإن التذكر فرع النسيان. فالإشكال في الرواية من هذه الجهة لا وجه له أصلا.

و بعد ذلك يقع الكلام في الجمع بين مفاد الروايتين. حيث إن ظاهر الصحيحة ثبوت الكفارة بعد الإحلال و إن لم يتحقق منه

مواقعة النساء. و ظاهر الرواية الثانية ثبوت الكفارة بعد الإحلال و مواقعة النساء، فكيف يجمع بينهما؟

فنقول: ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم ما يرجع إلى أنّ المواقعة و الإحلال حيث

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 46.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 50

..........

______________________________

لا يكونان في رتبة واحدة و في عرض واحد. لأن الإحلال متقدم على المواقعة و هي متأخرة عنه. و قد دلّت الصحيحة على أنّ الإحلال بسبب التقصير يوجب الكفارة فهي ثابتة بمجرد الإحلال قبل تحقق المواقعة، فلا يبقى أثر للعمل المتأخر عنه أي شي ء كان- مواقعة كانت أم غيرها- و عليه فتمام الملاك هو الإحلال.

أقول: إن قلنا بأن رواية مسكان لأجل الضعف في سندها بمحمد بن سنان لا تكون معتبرة. فاللازم الاتكال على الصحيحة فقط. و ليس فيها إشعار بالمواقعة أصلا، بل مقتضاها ترتب الكفارة على التقصير و الإحلال.

و إن قلنا باعتبارها، إمّا لأجل المنع عن ضعف محمد بن سنان، و إمّا لأجل انجباره بفتوى جماعة من أعاظم الأصحاب على طبقها كما مر. فالظاهر أن مقتضى الجمع بينها و بين الصحيحة هو الحكم باعتبار كلا الأمرين معا في ترتب الكفارة و ثبوت الطولية و الترتب لا يمنع عن مدخليّة كليهما. فتكون الرواية بمنزلة المقيد لإطلاق الصحيحة. حيث إن ظاهرها ترتب الكفارة على الأمر الأول. سواء وقع الأمر الثاني عقيبه أم لا.

فالجمع بينهما يقضي بلزوم تحقق كلا الأمرين حتى تثبت الكفارة التي في البين.

و لعلّه لأجل ذلك عنون المسألة في المتن بهذه الصّورة. نعم الاحتياط الوجوبي المجامع لاحتمال عدم الوجوب لا مجال له في هذه الصورة، لأن اللازم الالتزام بثبوت الكفارة. سواء قلنا باعتبار رواية ابن مسكان أيضا أم لم نقل به.

بل اقتصرنا على خصوص الصحيحة لأنه لا إشكال في ثبوتها في مورد اجتماع الأمرين: الإحلال و المواقعة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 51

..........

______________________________

نعم للاحتياط الوجوبي في الصورة الثانية التي أفاد حكمها مع كلمة «بل» الظاهرة في الترقي مجال، لأنّ الحكم بثبوت الكفارة مع فرض عدم تحقق المواقعة مخالف للرواية الثانية التي يحتمل اعتبارها. و لكنه حيث لم تكن المواقعة مذكورة في الصحيحة على ما ذكرنا فمقتضى الاحتياط الوجوبي ترتب الكفارة عليه أيضا.

نعم في بعض نسخ المتن إضافة قوله: و فعل ذلك عقيب قوله سهوا في هذه الصورة. و الظاهر أن المراد من الجملة الإضافية هو وقوع المواقعة المفروض في الصورة الأولى. و من الظّاهر أنه على هذا التقدير لا يبقى فرق بين الصّورتين. لأن المفروض في كلتيهما الإحلال و المواقعة. بل الظاهر هو ما في هذه النسخة.

و المراد من الصورة الثانية خصوص ما إذا تحقق التقصير و الإحلال من دون مواقعة، بخلاف الصورة الأولى المشتملة على تحقق المجامعة- كما لا يخفى.

بقي الكلام في أمرين:

الأمر الأوّل: إنه احتاط في المتن وجوبا في إلحاق السعي في غير عمرة التمتع بالسّعي فيها. و الظاهر أن منشأه هو توهم الإطلاق في رواية ابن مسكان حيث لم يصرّح فيها بالمتمتع أو مثله. و لكنّك عرفت أنّ الدقة في مفادها تقتضي اختصاص مورد السؤال منها بعمرة التمتع. و لذا فهم منها المحقق في الشرائع في عبارته المتقدمة ذلك.

فإن الإحلال بالتقصير بعد السعي و ترتب جواز المواقعة إنّما يكون في السعي في خصوص عمرة التمتع، لما عرفت من أن حليّة النساء في غيرها متوقفة على طواف النساء، و الإحلال أيضا يقع في الحج قبل السعي بتمامية مناسك

يوم النحر. و عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 52

..........

______________________________

فلا يتوجه إشكال على الرواية حتى يحتاج إلى دفعه بأحد الوجهين المتقدمين آنفا.

و على ما ذكرنا فلا يبقى مجال للاحتياط الوجوبي في هذه الجهة. بل غاية الأمر هو الاحتياط الاستحبابي.

الأمر الثاني: إن مقتضى إطلاق المتن تبعا للشرائع أنه لا فرق في النقيصة السهوية بين أن يكون شوطا واحدا أو أزيد عليه فالكفارة ثابتة في كلا الفرضين.

و لكنه ذكر في الجواهر: ينبغي الاقتصار على الستّة بظنّ أنها سبعة لا غير ذلك.

و لعل الوجه فيه أنه حيث يكون الحكم بالكفارة في هذا المورد الذي هو من موارد الخطأ و النسيان على خلاف القاعدة، فاللازم الاقتصار فيه على مورد الروايتين، و هو من طاف ستة و نقص واحدا، و لا ينافي عمومية الحكم بلزوم الإتمام، و أحكام النقيصة لجميع الموارد على ما عرفت في المسألة السّابقة مستندا إلى الروايتين لأنه لا ملازمة بين الحكمين. فإذا اقتصر في الثاني على خصوص المورد لأجل المخالفة مع القاعدة، فهذا لا يلازم الاقتصار في الأول عليه أيضا.

و لكن يرد عليه بعد التفكيك بل منعه. فإنه إذا كان الحكم الأول عامّا، فالظاهر كون الحكم الثاني أيضا كذلك، و إن شئت قلت إن العرف يرى أنه لا خصوصية للمورد بالإضافة إلى كلا الحكمين من دون ثبوت فرق في البين. فلا مجال لما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 53

[مسألة 11] في الشك في عدد الأشواط

مسألة 11- لو شك في عدد الأشواط بعد التقصير يمضي و يبني على الصحة، و كذا لو شك في الزيادة بعد الفراغ عن العمل. و لو شك في النقيصة بعد الفراغ

و الانصراف، ففي البناء على الصحة إشكال، فالأحوط إتمام ما احتمل من النقص، و لو شك بعد الفراغ أو بعد كل شوط في صحة ما فعل، بنى على الصحة، و كذا لو شك في صحة جزء من الشوط بعد المضي. (1)

______________________________

(1) الشك قد يكون في أصل الوجود و هو العدد، و قد يكون في وصف الموجود و هي الصحة فللشك صورتان:

الصورة الأولى: الشك في أصل الوجود، و هو العدد و حدوثه قد يكون بعد التقصير المترتب على السعي و المتأخر عنه، و قد يكون قبله بعد الفراغ عن السعي و الانصراف. ففيها فرضان:

الفرض الأوّل: ما لو كان حدوث الشك في العدد بعد التقصير. و قد حكم فيه في المتن بجواز المضي و البناء على الصحّة. و مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين ما لو كان للشك طرفان أو ثلاثة أطراف أو أزيد حتى إذا كان له سبعة أطراف، كما إذا احتمل أن يكون قد سعى شوطا واحدا و احتمل أن يكون المأتي به شوطين و هكذا إلى السبعة.

و الوجه في الحكم بالصحة قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحة في مورد الشك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 54

..........

______________________________

و المتقدمة على الاستصحاب الجاري في كثير من الموارد المقتضي لعدم الإتيان بالمشكوك من دون فرق بين الفروض المتقدّمة.

و ربما يقال بأن مقتضى قاعدة الفراغ و إن كان ذلك إلّا أن ذيل صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة في المسألة السابقة يقتضي الاعتناء بالشك و ترتيب الأثر عليه لا بالإتيان بالناقص المحتمل فقط بل بالاستئناف، حيث إنه قال الإمام عليه السّلام فيه: «و إن لم يكن حفظ أنه قد سعى ستة فليعد فليبدأ السعي حتى يكمل

سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة». «1»

فإن مفاده أنه مع عدم حفظ الستة يجب عليه الاستئناف من رأس، و لعلّه لذا ذكر المحقق في الشرائع: «إن من لم يحصر عدد سعيه أعاده» و مقتضى إطلاقه لزوم الإعادة، و لو كان حدوث الشك بعد التقصير.

هذا، و لكن ذيل الصحيحة بيان للشق الثاني من الشقين المحتملين في مورد السؤال، و هو تذكر النقص بعد التقصير و العلم بكون السعي ناقصا، فإنه في هذا الفرض تارة يكون حافظا للستة و متيقنا لها، و أخرى غير حافظ لها و قد حكم في الصحيحة بلزوم إتمام ما نقص في الشق الأوّل و الابتداء بالسعي بجميع أشواطه في الشق الثاني، فكلا الشقّين واردان مع القطع بعدم تمامية السعي و ثبوت نقصان شوط واحد فيه يقينا، و أين هذا من الصورة المفروضة في المقام، و هي الشك في عدد الأشواط الحادث بعد التقصير.

و الفارق جريان قاعدة الفراغ في المقام دون مورد الرواية- كما هو واضح- و قد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 55

..........

______________________________

حمل صاحب الجواهر قدّس سرّه عبارة المحقق في الشرائع على كون الشك في الأثناء، فلا تشمل المقام.

الفرض الثاني: ما لو كان الشك حادثا بعد الفراغ قبل التقصير. و اللازم فرضه بناء على اعتبار الموالاة في السعي، بخلاف ما هو المشهور و فرض فواتها. و في هذا الفرض تارة يكون الشك في الزيادة و أخرى يكون في النقيصة.

ففي الفرع الأوّل لا إشكال في صحة السعي، لأنه مضافا إلى جريان أصالة عدم الزيادة، أن الزيادة على تقدير وقوعها حيث تكون زيادة سهوية لا تضرّ بصحة السعي، لما مرّ

من عدم كون الزيادة السهوية مبطلة و إن كانت معلومة، فضلا عما إذا كانت مشكوكة- كما في المقام.

و في الفرع الثاني وقع الإشكال في جريان قاعدة الفراغ و عدمه، و منشأ الإشكال انه هل يكفي في جريان القاعدة الفراغ و لو كان اعتقاديّا غير واقعي، أو أنه يعتبر في جريانها أن يكون الشك متعلقا بشي ء لا يمكن تداركه بالفعل لتعلقه بأمر قد مضى، سواء كان المضي حقيقيا أو حكميّا، كالشك في القراءة بعد الدخول في السّورة؟

فعلى الأوّل تجري القاعدة و تقتضي الصحة، و على الثاني لا تجري لعدم تحقق المضيّ بوجه مطلقا و فوات الموالاة بناء على اعتبارها لا يقتضي تحقق عنوان المضيّ. و لذا لو كان بعض الأشواط منسيا يجب إلحاقه بما أتى به و إن فاتت الموالاة.

و هذا لا يستلزم عدم تحقق الفراغ لو شك بعد التقصير- كما لا يخفى-، و لذا استشكل في المتن في هذا الفرع في البناء على الصحة و احتاط وجوبا بإتمام ما نعقل و ترتيب الأثر على الشك و هو الظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 56

[مسألة 12] في الشك في عدد الزيادة

مسألة 12- لو شك و هو في المروة بين السّبع و الزيادة كالتسع- مثلا- بنى على الصحّة، و لو شك في أثناء الشوط أنّه السبع أو الست- مثلا- بطل سعيه، و كذا في أشباهه من احتمال النقيصة، و كذا لو شك في أنّ ما بيده سبع أو أكثر قبل تمام الدّور. (1)

______________________________

الصورة الثانية: الشك في الصحة، و هو مجرى أصالة الصحة الجارية في مورد الشك فيها.

(1) الشك في عدد الأشواط تارة يكون متمحّضا في الزيادة فقط، و أخرى في النقيصة كذلك، و ثالثة في الزيادة و

النقيصة معا.

أمّا الصورة الأولى كما إذا شك و هو في المروة بين السبع و التسع- مثلا- فالظاهر أن الحكم فيها هو عدم الاعتناء بالشك و البناء على الصحة- كما في المتن- و الدليل عليه أنّ الزيادة السهوية المعلومة غير قادحة في صحة السعي- كما مرّ- فالزيادة المشكوكة التي تجري فيها أصالة عدم تحققها و عدم حدوثها بطريق أولى، فلا حاجة في الحكم بالصحة في هذه الصورة إلى إقامة دليل خاص. و لكنّه مع ذلك يدل عليه التعليل الوارد في صحيحة الحلبي، الواردة في الطواف بالبيت:

قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف أم ثمانية؟ فقال: أمّا السبعة فقد استيقن و إنّما وقع وهمه على الثامن فليصلّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 57

..........

______________________________

ركعتين. «1» فإنّ مقتضى عموم التعليل و شموله للسعي في الشك في الزيادة الصحة، و عدم الاعتناء بما وقع وهمه عليه منها- كما لا يخفى- فالحكم في هذه الصورة ظاهر.

و أمّا الصورة الثانية التي لم يقع التعرض لها في المتن بالإضافة إلى حال تمامية الشوط و كان ينبغي التعرض لها كما إذا شك و هو على المروة بين السبع و الخمس- مثلا- فالظاهر أن المتسالم عليه بينهم هو الحكم بالبطلان و لزوم استئناف السعي من رأس. و قد استدل عليه بأمرين:

أحدهما: صحيحة أخرى للحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة، قال: يستقبل. «2»

نظرا إلى أن كلمة «الطواف» إذا لم يكن معها عنوان «البيت» أو مثله يشمل السعي بين الصفا و المروة أيضا لإطلاق الطواف عليه في الآية و الروايات الكثيرة

التي مرّت جملة منها في المباحث السّابقة.

هذا و الظاهر جريان المناقشة في هذا الأمر بأن إطلاق الطواف على السعي في الكتاب و السنّة إنّما كان مقرونا بإضافة «بهما»- كما في الآية- أو «بين الصفا و المروة» لا بنحو الإطلاق. و هذا بخلاف الطواف بالبيت الذي أطلق عليه الطواف المطلق كثيرا، و لأجله لم يحرز ثبوت الإطلاق للطواف في الرواية بنحو يشمل السعي- كما لا يخفى.

ثانيهما: ذيل صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، و هو قوله عليه السّلام: و إن لم يكن حفظ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الثلاثون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثالث و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 58

..........

______________________________

أنه قد سعى ستّة، فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة. «1» فإنّ ذكر الستّة و إن كان لا خصوصيّة فيه- كما مرّ البحث فيه- و لذا يستفاد من الرّواية بالنسبة إلى موردها أنه لو سها عن شوطين- مثلا- و قد حفظ الخمسة يكون سعيه صحيحا، و لا بد من إتمام ما نقص و لا يكون باطلا من رأسه، إلا أنّ الخصوصية الموجودة اثنتان، و لا يجوز إلغاء شي ء منهما بوجه.

إحديهما: كون الستّة نقيصة و الموجب للإعادة و لزوم الاستئناف ليس هو الشوط المنسي، بل عدم كون المأتي موردا لحفظه، فتدلّ على أنّ النقيصة إذا لم تكن محفوظة يكون السعي باطلا من رأس، بخلاف الزيادة. و لذا حكمنا في الصورة الأولى بالصحة- كما عرفت- ثانيتهما: ان الملاك في الحفظ ليس هو وجود القدر المتيقن في البين، ضرورة تحقق عنوان عدم الحفظ فيما إذا شك بين الخمسة و الستّة- مثلا- مع أن

القدر المتيقن و هي الخمسة موجود. و لو نوقش في شمول الرواية لهذا الفرض، فنقول: لا شبهة في شمولها لما إذا كان مرددا بين الشوط الواحد أو الاثنين و هكذا، مع أنه في هذه الصورة يكون الشوط الواحد متيقنا، فيظهر أنّ وجود القدر المتيقن أمر و ثبوت الحفظ أمر آخر.

و الملاك الموجب للإعادة بحسب الرواية هو عدم الثاني.

و عليه فيستفاد منها أنه إذا كان عدم الحفظ بالإضافة إلى النقيصة يوجب ذلك بطلان السّعي، فتدل على البطلان في الصورة المفروضة في المقام لفرض الشك في النقيصة.

______________________________

(1) وسائل: أبواب السعي، الباب الرابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 59

..........

______________________________

و أمّا الصورة الثالثة: و هي حدوث الشك في أثناء الشوط قبل تماميّته بالوصول إلى المروة، فتارة تكون مقرونة باحتمال النقيصة و أخرى باحتمال الزيادة.

و قد حكم في المتن بالبطلان في كليهما. و يظهر منه أن الملاك في البطلان هو مجرد كون الحدوث- أي حدوث الشك في أثناء الشوط- من دون دخل لاحتمال النقيصة في ذلك.

و هو يتفرغ على أن يكون المستفاد من صحيحة ابن يسار المتقدمة هو كون الحفظ المعتبر في ناحية النقيصة متعلقا بالشوط مع وصف الكمال و التمامية. فإذا لم يكن الشوط بهذا الوصف محفوظا فهو يوجب البطلان. و في صورة حدوث الشك في الأثناء و لو كان هناك خطوة إلى المروة لم يكن الحفظ من هذه الناحية متعلقا بالشوط الكامل، من دون فرق بين صورة احتمال النقيصة و بين صورة احتمال الزيادة.

أمّا في الصورة الأولى فواضح. و أمّا في الصورة الثانية فلعدم تعلق الحفظ بالشوط الكامل من هذه الجهة، لفرض عدم الوصول إلى المروة.

هذا و يمكن منع استفادة

ذلك من الصحيحة، نظرا إلى أن المستفاد منها مدخلية العدد. أي عدد الأشواط في الحفظ و عدمه، من دون فرق بين فرض تمامية الشوط و عدمها، فالملاك هو تعلق الحفظ بالعدد في ناحية النقيصة.

و عليه فاللازم الفرق بين الصورتين بالحكم بالبطلان في صورة احتمال النقيصة و الصحة في الصورة الأخيرة التي لا يكون فيها إلّا احتمال الزيادة من جهة العدد، لفرض عدم تحقق احتمال النقيصة و عدم اعتبار الحفظ بالإضافة إلى الزيادة. و عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 60

[مسألة 13] في الشك في الإتيان بالسّعي

مسألة 13- لو شك بعد التقصير في إتيان السّعي بنى على الإتيان، و لو شك بعد اليوم الّذي أتى بالطواف في إتيان السّعي، لا يبعد البناء عليه أيضا. لكن الأحوط الإتيان به إن شك قبل التقصير. (1)

______________________________

فلا يستفاد من الرواية الحكم بالبطلان فيه، إلّا أن يستند فيه إلى كونه متسالما عليه بين الأصحاب رضوان اللّٰه تعالى عليهم، فتدبر.

(1) لو شك في أصل الإتيان بالسّعي و عدمه، فإن كان بعد التقصير المترتب على السعي فلا اعتبار بشكّه، بل يبني على الإتيان و كون التقصير واقعا في محلّه و هو بعد السّعي، و هذا كما فيما إذا شك بعد الإتيان بصلاة العصر بعنوان العصر في أنه أتى بصلاة الظهر قبلها أم لم يأت بها قبل الإتيان بالعصر، فإنه لا يعتنى بهذا الشك و يبنى على الإتيان بصلاة الظهر. و إن كان في صورة النسيان يأتي بصلاة الظهر بعد العصر.

و تسقط شرطية الترتيب بالإضافة إلى العصر. أمّا في صورة الشك فلا يجب عليه الإتيان بالمشكوك أصلا.

و إن كان الشك قبل التقصير، فإن كان في اليوم الذي أتى بالطواف فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم

الإتيان به قبله. و إن كان بعد اليوم الذي أتى بالطواف و هو الغد، فقد نفى البعد عن البناء على الإتيان بالسّعي و احتاط استحبابا بالإتيان. و لكن مقتضى ما مرّ في مسألة تأخير السعي إلى الغد و أنه لا يجوز التأخير إليه إذا لم يكن هناك عذر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 61

..........

______________________________

و يجوز مع العذر التفصيل هنا أيضا، بأن يقال أنّه إن كان المشكوك هو التأخير لعذر على فرض الترك في اليوم الذي أتى بالطواف، فلا مجال لنفي البعد عن البناء على الإتيان بالسعي. لأنه لم يتحقق في البين شي ء يقتضي الإتيان بالسعي لا التقصير- كما هو المفروض- و لا التأخير إلى الغد، لأن الفرض أيضا كونه مع العذر المجوّز للتأخير، فلا وجه للبناء على الإتيان.

و هذا بخلاف ما إذا كان التأخير على فرضه لا لعذر، فإنه حينئذ لا يبعد البناء عليه، لأنّه مع عدمه لا بد من الالتزام بتحقق عمل غير مشروع، و هو التأخير لا لعذر، و هو خلاف ظاهر حال المسلم. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتيان به- كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في مباحث السعي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 63

[القول في التقصير]

اشارة

القول في التقصير

[مسألة 1- يجب بعد السّعي التقصير]

مسألة 1- يجب بعد السّعي التقصير. أي قصّ مقدار من الظفر أو شعر الرأس أو الشارب أو اللّحية، و الأولى الأحوط عدم الاكتفاء بقصّ الظفر، و لا يكفي حلق الرأس، فضلا عن اللّحية (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الجهة الأولى: في أصل وجوب التقصير في عمرة التمتع و جزئيّته لها.

و قد ذكر في الجواهر: هو أحد المناسك فيها- أي في عمرة التمتع- عندنا على وجه يكون تركه نقصا فيها، بل في المنتهى: إجماع علمائنا عليه و إن حصل الإحلال له منها، خلافا للشافعي في أحد قوليه، فجعله إطلاق محظور كالطيب و اللّباس، قال:

و لا ريب في فساده عندنا بعد ما سمعت من الإجماع بقسميه عليه.

و يدل على الوجوب و الجزئية طوائف من الروايات، مثل الأخبار البيانيّة الواردة في كيفية الحج و العمرة، و مثل الروايات التي يأتي جملة منها الواردة في كيفية التقصير الظاهرة في مفروغية وجوبه و جزئيته، و في بعضها إطلاق الطواف عليه كإطلاقه على الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة. فهذه الجهة بملاحظة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 64

..........

______________________________

الروايات لا شبهة فيها أصلا.

الجهة الثانية: في كيفية التقصير.

و قبل الخوض فيها لا بد من إيراد جملة معتد بها من الروايات الواردة في هذا المجال، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمعته يقول: طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة و يقصر من شعره فإذا فعل ذلك فقد أحلّ. «1»

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فرغت من سعيك و أنت متمتع، فقصر من شعرك من

جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم أظفارك و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت منه فطف بالبيت تطوّعا ما شئت. «2»

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ثم ائت منزلك فقصّر من شعرك و حلّ لك كل شي ء. «3»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع قرض أظفاره و أخذ من شعره. بمقص، قال: لا بأس. ليس كل أحد يجد جلما. «4»

و في رواية الصدوق: قرض من أظفره بأسنانه. و الجلم هو المقراض الذي هي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأول، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأول، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأوّل، ح 3.

(4) وسائل أبواب التقصير، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 65

..........

______________________________

الآلة المتعارفة في قص الشعر بخلاف المقص.

و صحيحة جميل بن درّاج و حفص بن البختري و غيرهما عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في محرم يقصّر من بعض و لا يقصر من بعض، قال: يجزيه. «1»

و صحيحة الحلبي، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك إنّي لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصّر، قال: عليك بدنة، قال: قلت: إنّي لما أردت ذلك منها و لم يكن قصّرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها اللّٰه كانت أفقه منك، عليك بدنة و ليس عليها شي ء. «2»

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة. «3»

و الصحيحة الأولى

لمعاوية بن عمار و إن كان ظاهرها لزوم الجمع بين قص الشعر و بين تقليم الأظفار، بل و في الأوّل يجب الجمع بين الأخذ من الرأس و من الشارب و من اللحية، بل و في الأوّل يجب الجمع بين جوانب الرأس و الأخذ من كل جانب إلّا أنّ الروايات الأخرى المؤيدة بالفتاوى و إن كان ظاهر بعض الفتاوى غيره قرينة على عدم لزوم الجمع، بل هو مخير بين الأمور الأربعة المذكورة فيها، و في الأمر الأوّل بين الجوانب المتعددة.

نعم ذكر في المتن: أن الأولى الأحوط عدم الاكتفاء بقص الظفر، و لعلّه لعدم صدق عنوان «التقصير» المعروف الذي هو أحد مناسك عمرة التمتع عليه، فلا يطلق على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الثالث، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الثالث، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الثاني، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 66

..........

______________________________

قصّ الظفر انّه قصّره، بخلاف الشّعر. نعم يطلق عليه فيما إذا اجتمع مع الشعر بعنوان التغليب.

و أمّا من جهة الآلة، فالظاهر انّه لا خصوصية فيها و انّها لا تختص بالآلة المتعارفة في قصر الشعر و قصّ الظفر، بل لو كان بغير الآلة المتعارفة حتى مثل الأسنان في قرض الشعر أو الظفر فلا مانع- كما عرفت التصريح به في جملة من الروايات المتقدمة، و قد وقع في بعضها التعبير بأنّه ليس يجد كلّ أحد جلما، أي مقراضا- و أمّا من جهة العدد، فالظاهر في باب الأظفار جواز الاكتفاء بظفر واحد، بل بعض ظفر واحد، و لعلّ الوجه فيه كونه محسوسا ملموسا. و أمّا الشعر فالمحكي عن جملة من كتب العلّامة إنّ أدنى التقصير أن يقصّ شيئا من شعر

رأسه و أقلّه ثلاث شعرات، بل عن المنتهى النسبة إلى اختيار علمائنا. لكن المحكيّ عن المبسوط اشتراط كون المقطوع جماعة من الشعر. و الظاهر أن مراده من الجماعة هي معناها العرفي الذي يكون زائدا على الثلاث بكثير.

هذا و ينبغي إحالة ذلك إلى العرف بعد كون التقصير الذي هو جزء للعمرة و يجب الإتيان به فيها عنوانا عرفيّا موكولا إلى العرف. و لذا لم يفسّر في الروايات من هذه الجهة أصلا بخلاف عنواني الطواف و السعي اللذين لهما حدود شرعية و خصوصيات تعبدية، فالمعيار فيه هو العرف، و اللازم هو الصدق بنظرهم. نعم لا خصوصية من ناحية المقدار الذي يقرض و يقصر من كل شعر. و قد وقع التصريح في مسألة ابن أبي عمير المتقدمة بجواز القصّ بمقدار الأنملة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 67

..........

______________________________

و أمّا النتف، ففي كلام صاحب الجواهر و محكيّ كلام صاحب الحدائق جوازه. لأن المقصود هي الإزالة بأية كيفية تحققت و من جملتها النتف.

هذا و الظاهر أنّ النتف ليس من أفراد ماهيّة التقصير و مصاديقها، و اللازم إيجاد تلك الماهية، و عليه فيرد على القائل بجوازه أنه إن أراد أنّ النتف من مصاديق عنوان التقصير فيرد عليه وضوح منعه، ضرورة عدم كونه منها، و إن أراد الاجتزاء به مع عدم كونه منها، فاللازم إقامة الدليل عليه. و هو غير موجود- كما لا يخفى- الجهة الثالثة: في كفاية الحلق مكان التقصير و عدمها. فالمشهور عدم جوازه و عدم الاجتزاء به. و قد وقع التصريح به من غير واحد من الأصحاب. و قد نسب إلى الشيخ قدّس سرّه التخيير بين الأمرين، و إلى العلّامة أن الواجب هو التقصير، و

لكن لو حلق يجزئ عن التقصير، و عن صاحب الحدائق جواز الحلق إذا كان متعلقا ببعض الرأس دون تمامه.

و يرد على الشيخ الروايات المتقدمة الظاهرة في تعين التقصير، و الظاهر مغايرة عنوان الحلق مع التقصير. و لذا يكون التخيير بينهما في باب الحج إنّما يرجع إلى التخيير بين العنوانين المتبائنين لا المترادفين و لا الأقل و الأكثر. فإن قام دليل على التخيير بين الأمرين في عمرة التمتع- كما قام في الحج- نقول به. و لكن الظاهر أنه ليس في شي ء من الرّوايات ذلك. فاللازم الاقتصار على خصوص عنوان التقصير.

و يرد على العلّامة ما أومأنا إليه من أنه إن أراد أن الحلق من مصاديق التقصير و لأجله يكتفي به، فيرد عليه وضوح منعه- كما مرّ- و إن أراد الاجتزاء به و إن لم يكن من مصاديقه، فاللازم إقامة الدليل عليه و لم يقع. نعم ربما يوجّه ما أفاده بأن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 68

..........

______________________________

التقصير يتحقق بأوّل جزء من الحلق. لكنه- مضافا إلى منعه لعدم تحقق التقصير و لو بأوّل جزء من الحلق.

و الشاهد هو العرف الذي يرى العنوانين متباينين من أوّل الأمر- أنّ اللازم في التقصير و مثله تعلق النية بعنوانه و أنّ النية كذلك- كما سيجي ء في المسألة الثانية، إن شاء اللّٰه- أوّل الخصوصية المعتبرة في النيّة.

و من المعلوم إنّ من نوى الحلق و شرع فيه لم يتحقق منه قصد عنوان التقصير، و إن فرض تحققه بأوّل جزء من الحلق، فتدبر.

و ممّا ذكرنا ظهر ما يرد على صاحب الحدائق من الإشكال. و أنه لا يتحقق عنوان التقصير و لو بحلق بعض الرأس دون تمامه. و يدلّ على تعين

التقصير مضافا إلى ما عرفت صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام- في حديث- قال: و ليس في المتعة إلّا التقصير. «1»

ثم الظاهر أنه لو حلق مكان التقصير يترتب عليه مضافا إلى استحقاق العقوبة لأنه من محرّمات الإحرام، و قد ارتكبه في حال الإحرام قبل أن يحلّ الكفارة التي تقدّم البحث عنها، و هي دم شاة. للأدلّة المذكورة هناك و لا حاجة هنا إلى إقامة دليل خاص على ثبوت الكفارة في المقام، و لكنه مع ذلك يدل عليه رواية أبي بصير، قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه فإذا كان يوم النّحر أمّر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الرّابع، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الرابع، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 69

[مسألة 2] في اعتبار النية في التقصير

مسألة 2- التقصير عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، فلو أخلّ بها بطل إحرامه إلّا مع الجبران. (1)

______________________________

و لكنها مضافا إلى ضعف السند- لأن في طريق الشيخ قدّس سرّه محمد بن سنان و في طريق الصدوق علي بن أبي حمزة- فيها مناقشة من حيث المفاد و الدلالة. لأنّ ظاهرها ثبوت الكفارة في صورة الخطأ و قد ادعى الإجماع ممّن عدا المحقق على عدم وجوب ذلك عليه. و لكنك عرفت أنه لا حاجة إلى نص خاص بعد ثبوت كفارة الدم في الحلق في باب محرمات الإحرام، فراجع.

(1) لا شبهة في أن التقصير حيث إنه من أجزاء العمرة يكون عبادة، تجب فيه النية المشتملة على قصد عنوان التقصير و إنّه من أجزاء عمرة التمتع مع القربة، و تقدم تفصيل

البحث في النيّة في باب الطواف و هذا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال في التفريع المذكور في المتن. فإن ظاهره أنه مع الإخلال بالنيّة يبطل إحرامه، مع أن لازم الإخلال بالنيّة عدم وقوع التقصير الذي هو جزء من العبادة، فلا يترتب عليه الإحلال. فيتوقف تحققه على الإتيان بتقصير جديد مشتمل على النية ليتحقق به الإحلال و الخروج عن الإحرام.

و عليه فيرد على المتن أنّه ما المراد بالإحرام الذي يبطل بالإخلال بالنيّة في التقصير؟

فإن كان المراد هو إحرام عمرة التمتع، فمن المعلوم أن بطلان التقصير المأتي به لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 70

..........

______________________________

يستلزم بطلان الإحرام المذكور.

و إن كان المراد هو إحرام حجّ التمتع الذي يكون مترتبا على عمرته، فيرد عليه مضافا إلى أنه لم يفرض في المتن وقوع إحرام الحج بعد التقصير الذي أخلّ بنيّته. بل المفروض فيه مجرد الإخلال بالنيّة فقط، إنه قد تعرض في المسألة الثالثة بصورة ترك التقصير و الإحرام بالحج. و ذكر أنه في صورة العمد تبطل عمرته. و معناه عدم بطلان إحرامه للحجّ، غاية الأمر صيرورته إفرادا، و في صورة السّهو تصحّ عمرته. و معناه أيضا صحة إحرامه للحج و تمامية عمرته بعنوان التمتع، و عليه فلا يبقى مجال في هذه المسألة للحكم ببطلان إحرامه للحج بمجرد الإخلال بالنية في التقصير الذي لا يؤثر إلا في بطلانه.

ثم إنّ استثناء صورة الجبران من الحكم بالبطلان محلّ إشكال أيضا.

فإنه إن كان المراد بالجبران الإعادة، فيرد عليه- مضافا إلى أن التعبير عن الإعادة بالجبران غير مأنوس- أن الإعادة لا يوجب خروج الباطل عن كونه باطلا بل هو أمر مستقلّ.

و إن كان المراد بالجبران هي الكفارة و الفدية، فلم

يعلم مورد تكون الكفارة موجبة لخروج الباطل عن وصف البطلان و الاتصاف بكونه صحيحا. و عليه فلم يعلم المراد من هذا التفريع المذكور في المتن، و لذا استشكلنا عليه في التعليقة مما يرجع إلى ما ذكرنا، فتدبر جيّدا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 71

[مسألة 3] في ما لو ترك التقصير و أحرم بالحجّ

مسألة 3- لو ترك التقصير عمدا و أحرم بالحجّ بطلت عمرته، و الظاهر صيرورة حجّه إفرادا، و الأحوط بعد إتمام حجّه أن يأتي بعمرة مفردة و حجّ من قابل، و لو نسي التقصير إلى أن أحرم بالحج صحّت عمرته و تستحبّ الفدية بشاة، بل هي أحوط. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فرضان:

الفرض الأوّل: ما لو ترك التقصير في عمرة التمتع عمدا و أحرم بحج التمتع الذي يكون مترتّبا على عمرته و قد حكم في المتن ببطلان عمرته، و استظهر صيرورة حجّه إفرادا. و من الواضح أن هذا على خلاف القاعدة، فإنّ مقتضاها كون الإحرام بالحج باطلا، لأن المفروض صورة العمد و تكون العمرة صحيحة، غاية الأمر نقصانها بسبب ترك التقصير، فاللازم إكمالها بالإتيان بالتقصير ثم الإحرام بالحجّ بعده.

و عليه فالحكم المذكور في المتن على خلاف القاعدة، لكنّه منسوب إلى المشهور- كما عن الدروس- بل لم ينقل الخلاف من المتقدمين إلّا من ابن إدريس بناء على أصله و هو عدم حجّية خبر الواحد مطلقا. و منشأ فتوى المشهور روايتان واردتان في هذا الفرض:

إحديهما: موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبّى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 72

..........

______________________________

بالحج قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر و ليس عليه متعة. «1» و في محكي التهذيب

و كذا في الجواهر: و ليس له متعة، و هو الظاهر.

ثانيتهما: مضمرة العلاء بن الفضيل التي رواها عنه محمد بن سنان، قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصر، قال: بطلت متعته، هي حجة مبتولة. «2»

و قد ناقش سيّد المدارك في سند الأولى بأن الراوي عن أبي بصير هو إسحاق بن عمار، و هو مردّد بين الثقة و غيرها. فلا يجوز الأخذ بها و لو بناء على القول بحجية خبر الثقة، و في سند الثانية باشتماله على محمّد بن سنان.

و لكن الظاهر اندفاع المناقشة في الأولى بعدم تردده بين الثقة و غيره. فإن الظاهر أن المراد به هو إسحاق بن عمار الساباطي الصيرفي الفطحي الذي يكون ثقة. و لعل منشأ مناقشته كونه راويا عن راو آخر و هو أبو بصير، فتدبّر. نعم الإشكال في سند الثانية بحاله.

و أمّا من جهة الدلالة، فالرّواية الثانية ظاهرة، بل صريحة في بطلان التمتع و صحة إحرام الحج و صيرورته حجة مبتولة، أي حج إفراد. و الوجه فيه أنه بعد بطلان عمرة التمتع لا يمكن أن يقع حجّه حجّ التمتع، لاشتراطه بالعمرة السابقة عليه، الواقعة بعنوان التمتع، كما أنه لا يمكن أن يقع حجّ قران بعد عدم وجود الإشعار و التقليد في إحرامه، فلا محالة يكون حجّ إفراد.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الإحرام، الباب الرابع و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 73

..........

______________________________

أمّا الرّواية الأولى، فليس لها الصراحة بل و لا الظهور، لكن الدقة في مفادها تقتضي كونها متحدة مع الثانية في المراد. لأنّ سلب جواز التقصير و نفي ثبوت المتعة له

بناء على كون النتيجة هي «له» لا «عليه» يمكن أن يكون منشأه بطلان العمرة و الحج معا. بمعنى أنه لا طريق له إلى إكمال العمرة بالإتيان بالتقصير و لا إلى الإهلال بالحج و الشروع فيه. و هذا خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع عدم فهم المشهور منها ذلك. و يمكن أن يكون منشأه صحة الإحرام بالحج و بطلان عمرة التمتع، فلا محالة يصير حجّه إفرادا. و هو الذي تدل عليه الرواية الثانية.

و يظهر من ذلك دلالة النص على خلاف القاعدة من جهة أخرى أيضا، و هي أن الحجّ الذي أحرم به قد قصده بعنوان حج التمتع. و النص ظاهر في وقوع غير ما قصد و وقوع الحج بعنوان الإفراد. كما أن ظاهر النص تحقق الانقلاب قهرا و صيرورته حج إفراد كذلك. فيستمرّ في أعماله و يأتي بأجزائه و مناسكه بهذا العنوان.

و يقع الكلام في الاحتياط الوجوبي الذي ذكره في المتن بالإضافة إلى إتيان الحج من قابل، و ظاهره الإتيان بحج التمتع الذي بطلت عمرته في هذا العام. و مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون حج التمتع في هذا العام الذي صار باطلا حجّا واجبا عليه أو كان مستحبا عليه، لأن المستحب أيضا يجب إتمامه بالشروع فيه بنفس العنوان الذي شرع فيه.

و الوجه في الاحتياط أنه لا دلالة للنص إلّا على بطلان حج التمتع و صيرورة حجّه إفرادا. و أمّا الاكتفاء به عن التمتع فلا دلالة له عليه، و قيام الدليل على الاكتفاء في بعض الموارد- مثل ما إذا منعها الحيض عن إتمام عمرة التمتع، حيث إنه تنقلب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 74

..........

______________________________

وظيفتها إلى الإفراد و يكفي عن التمتع-

لا يستلزم الاكتفاء به في مثل المقام، خصوصا بعد ثبوت الفرق بأن الانقلاب هناك قهري ناش عن الحيض الذي لا يكون اختياريا، بخلاف المقام الذي يكون منشأه ترك التقصير عمدا على ما هو المفروض.

نعم لو كانت عبارة الرواية: «ليس عليه متعة» يكون ظاهرها نفي وجوب التمتع عليه. لكن هذه النسخة غير ثابتة فلا دلالة حينئذ على الاكتفاء به عن التمتع- كما في مثل الحيض- و عليه فمقتضى قاعدة الاشتغال الإتيان بحج التمتع من قابل.

الفرض الثاني: ما لو ترك التقصير سهوا إلى أن أحرم بالحج، و الظاهر أنه لا خلاف في صحة عمرته و حج التمتع. و قد ورد فيه روايتان مشتركتان في هذه الجهة:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أهلّ بالعمرة و نسي أن يقصّر حتى دخل في الحج. قال: يستغفر اللّٰه و لا شي ء عليه و تمّت عمرته. «1»

و يجري في قوله عليه السّلام: «و لا شي ء عليه» ثلاث احتمالات:

الأول: أن يكون المراد بالشي ء المنفي خصوص العقاب و المؤاخذة الأخرويّة.

و يؤيّده العطف على قوله: «يستغفر اللّٰه» و هذا لا ينافي ثبوت الكفارة.

الثاني: أن يكون المراد به مطلق المؤاخذة الأخروية و الدنيوية بمعنى الكفارة، فيدل على نفي الكفارة عليه.

الثالث: أن يكون المراد به خصوص دم الشاة الذي هو المتداول و الشائع في الكفارة في باب الحج في كثير من الموارد.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 75

..........

______________________________

ثانيتهما: موثقة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحج، فقال: عليه دم يهريقه. «1» و الرواية ظاهرة في لزوم كفارة

الدّم الذي يراد به دم الشاة، لما ذكرنا عليه، كما أنّها ظاهرة في عدم بطلان متعته بسبب نسيان التقصير إلى أن أهلّ بالحج، و حينئذ إن قلنا بأن المراد من الرواية الأولى هو الاحتمال الثالث، فمقتضى الجمع بينهما حمل هذه على الاستحباب. لظهور الأولى بل صراحتها في عدم الوجوب.

و إن قلنا بأن المراد منها هو الاحتمال الأوّل، فلا منافاة بينهما بوجه لدلالة الأولى على نفي العقاب و الثانية على ثبوت الكفارة. و إن قلنا بأن المراد منها هو الاحتمال الثاني، يكون مقتضى قاعدة الإطلاق و التقييد رفع اليد عن إطلاق الأولى بسبب الثانية.

و مما ذكرنا ظهر أن الأحوط لو لم يكن أقوى هو لزوم الفدية بشاة، لأنه لم يثبت في مقابل النص الدال عليه ما يوجب الصرف عن الظاهر و الحمل على خلافه. كما أن الظاهر بمقتضى كلمة «بل» في المتن، الظاهرة في الترقي، انّ الاحتياط المذكور في المتن وجوبي لا استحبابي، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب السادس، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 76

[مسألة 4] في ما لو ترك التقصير سهوا

مسألة 4- يحلّ بعد التقصير كل ما حرّم عليه بالإحرام حتى النّساء. (1)

______________________________

(1) المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف إلّا من بعض علماء الحديث انه يحلّ بعد التقصير كل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، مع توقف حليتهن في غير عمرة التمتع من العمرة المفردة و جميع أنواع الحج على طواف النّساء و حتى حلق جميع الرأس، فإنه يجوز عندهم الحلق في الفصل بين عمرة التمتع و حجّه.

و المحكيّ عن بعض المحدثين، أنه قال: يحلّ له بالتقصير كل ما حرم عليه بالإحرام إلّا الحلق. و هو ظاهر الأصحاب.

و قد استشكل في حلّيته المحقق

النائيني قدّس سرّه في متنه في الحج، حيث قال: يحلّ له بفعله كلّ ما حرّم عليه بعقد إحرامه على إشكال في حلق جميع الرأس، و ما استظهره المحدث المزبور من الأصحاب محلّ نظر. فإن الظاهر أنهم قائلون بالحلية- كما عرفت- و لعلّ المستظهر قد خلط بين الحلق الواقع بعد التقصير و تمامية العمرة و بين الحلق مكان التقصير فيها الذي عرفت البحث فيه. و أنّه لا يجزي عن التقصير عند الأصحاب.

و كيف كان منشأ توهّم الحرمة و عدم حلية حلق الرأس بتمامه بعد تمامية العمرة بالتقصير، روايتان:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث السعي، قال:

ثم قصّر (قصّ خ ل) من رأسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلّم أظفارك و أبق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم و أحرمت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 77

..........

______________________________

منه. «1»

نظرا إلى ظهورها في وجوب الإبقاء منها للحج كظهورها في أصل وجوب التقصير، و وجوب الإبقاء. و إن كان بلحاظ حال التقصير قبل تمامية العمرة، إلّا أنه يستفاد منه الوجوب بعد التمامية أيضا. لأنه لا يتحقق الإبقاء للحج بدونه، كما أنّ الظاهر رجوع ضمير التأنيث الذي يراد منه الحج إلى خصوص شعر الرأس بلحاظ الجوانب المذكورة في الرواية، و ذلك بقرينة الإبقاء للحج الذي يراد به الإبقاء للحلق في الحج يوم النّحر.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 77

فإن الحلق فيه

إمّا متعين و لو في بعض الموارد- كالصرورة على احتمال- و إمّا أن يكون أحد طرفي التخيير. و في هذا الفرض أيضا يكون الحلق أفضل. فالإبقاء للحج قرينة على أن المراد الإبقاء للحج لأجل الحلق المذكور.

لكن يرد على الاستدلال بالرواية أنه لو سلّم جميع ما ذكر، يكون ظاهرها وجوب الإبقاء لا حرمة الحلق التي هي محل البحث. و قد حقق في محلّه أن وجوب شي ء لا يكون ملازما لحرمة تركه. و كذا العكس. و إلّا يلزم اجتماع حكمين في جميع موارد الوجوب أو الحرمة. و من الواضح خلافه.

ثانيتهما: صحيحة جميل بن درّاج، إنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شي ء، و إن تعمّد ذلك في أوّل شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و إن تعمّد بعد الثلاثين يوما التي يوفّر فيها الشعر

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الأوّل، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 78

..........

______________________________

للحج، فإن عليه دما يهريقه. «1»

و قوله في السؤال «حلق لرأسه بمكة» ظاهر في أن المراد هو الحلق بعد تمامية العمرة و الخروج عن إحرامها بالتقصير، لأنه مع عدم تماميتها لا يكون فرق بين مكّة و غيرها، لأن حلق الرأس من محرمات الإحرام يتحقق بمجرد تحققه.

كما أن ظاهر السؤال المفروغية عن الحرمة و محط السؤال هو تحقق الحرام، و أنه ما ذا يترتب عليه؟ و الجواب ظاهر في التقرير من هذه الجهة، غاية الأمر التفصيل بين الفروض من جهة ثبوت الكفارة و عدمها.

و بالجملة الرواية دلالتها ظاهرة، و لكنه حيث يكون معرضا عنها لدى الأصحاب قاطبة مع كونها بمرئي منهم، فاللازم الإعراض عنها

و عدم الفتوى على طبقها و الحكم بجواز حلق الرأس بتمامه في الفصل بين العمرة و الحج، و إن كان الزمان قليلا جدّا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب التقصير، الباب الرابع، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 79

[مسألة 5] في أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء

مسألة 5- ليس في عمرة التمتع طواف النّساء، و لو أتى به رجاء و احتياطا لا مانع منه. (1)

______________________________

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة في البحث عن أعمال عمرة التمتع و الفرق بينها و بين العمرة المفردة. و تقدم أنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء. نعم يجوز الإتيان به رجاء و احتياطا، كما أنه قد تقدم الفرق بينهما في محلّ طواف النساء على تقدير إرادة الإتيان به في عمرة التمتع. فإنّ محلّه في العمرة المفردة بعد التقصير و في عمرة التمتع قبله. فراجع ما هناك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 81

[القول في الوقوف بعرفات]

اشارة

القول في الوقوف بعرفات

[مسألة 1- يجب بعد العمرة، الإحرام بالحجّ]

مسألة 1- يجب بعد العمرة، الإحرام بالحجّ، و الوقوف بعرفات بقصد القربة كسائر العبادات، و الأحوط كونه من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، و لا يبعد جواز التأخير بعد الزوال بمقدار صلاة الظهرين إذا جمع بينهما، و الأحوط عدم التأخير، و لا يجوز التأخير إلى العصر. (1)

______________________________

(1) لما فرغ من بيان مناسك عمرة التمتع و أحكامه، شرع في بيان مناسك حج التمتع المترتب على عمرته.

و أوّل أعماله الإحرام به- و قد مرّ البحث في مكانه و زمانه في البحث عن كيفيّة حج التمتع إجمالا، فراجع.

و ثاني أعماله الوقوف بعرفات مقرونا بالنية المشتملة على تعلق القصد بالوقوف بعنوان حجّ التمتع مع رعاية قصد القربة المعتبرة في العبادات. و لا شبهة في وجوب الوقوف و الجزئية للحج، بل هو من الواضحات بل الضروريات. و لذا لم يقع السؤال عن وجوبه في شي ء من الروايات و مخالفة العامّة إنما هي في وجوب النية في الوقوف لا في أصل وجوبه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 82

..........

______________________________

و بعد ذلك يقع الكلام في مبدأ الوقوف من حيث الزمان و في منتهاه:

أمّا المبدأ، فالمشهور أنّه الزوال. أي زوال الشمس يوم عرفة. و نسب إلى جماعة من القدماء و جملة من المتأخرين جواز التأخير عن الزوال بمقدار الاشتغال بالغسل و صلاة الظهرين إذا جمع بينهما.

و العجب أنه ليس في شي ء من الأخبار الواردة في هذا المجال ما يظهر منه اعتبار الشروع من الزوال، بحيث كان دخول وقت الظهرين مقارنا لاعتبار الوقوف و دخول وقته. بل ظاهر جملة منها يعطي ما يغاير المشهور، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المفصلة

الطويلة المشتملة على بيان كيفية حج النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع، المتضمنة لقوله عليه السّلام: حتى انتهوا- إلى النبي و من كان معه- إلى نمرة و هي بطن عرفة بحيال الأراك، فضربت قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلمّا زالت الشمس خرج رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به .. «1»

و دلالتها على عدم وجوب الكون في الموقف من الزوال واضحة ظاهرة، و احتمال كون نمرة موضعا آخر في عرفة- كما في الجواهر- خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع قوله عليه السّلام: «ثم مضى إلى الموقف فوقف به» كما هو ظاهر.

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إنما تعجل الصلاة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 83

..........

______________________________

و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدّعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتي الموقف .. «1»

و رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، فأمّا النزول تحته حتى تزول الشمس و ينهض إلى الموقف، فلا بأس. «2»

و صحيحة ثالثة لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام (في حديث) قال: فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و نمرة هي بطن عرفة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، فإنما تعجل

العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة. و حدّ عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز و خلف الجبل موقف. «3»

أقول: المهمّ في المقام أن ملاحظة الكلمات و العبارات و خصوصا الكتب المؤلّفة بيان المسائل الخلافية التي وقع فيها الاختلاف بين فقهاء الشيعة- ككتاب مختلف الشيعة للعلامة الحلّي الموضوع لهذه الجهة- ترشد إلى أنّ هذه المسألة بهذه الكيفية الراجعة إلى الاختلاف في المبدأ من حيث كونه هو الزوال أو بعده بمقدار ساعة- مثلا- تكون ظرفا للغسل و الجمع بين الصلاتين بأذان واحد و إقامتين و الذهاب إلى الموقف للوقوف، لم تكن محلّ خلاف بين الفقهاء أصلا، بحيث كانت الشهرة على الأوّل و جماعة على الثاني، خصوصا مع الاتفاق على عدم مشروعية الوقوف قبل الزوال و مشروعيّته بعده.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الرابع عشر، ح 7.

(3) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، أورد صدرها في الباب التاسع، ح 1، و ذيلها في الباب العاشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 84

..........

______________________________

فيقوى في النظر أنّ التعرض لعنوان الزوال في المبدأ مع أنك عرفت أنه لم ينص عليه في شي ء من الروايات الواردة في هذا المجال لا يكون مشابها لاعتباره في دخول وقت صلاتي الظهر و العصر. فإنّ اعتباره بالإضافة إليه إنّما يكون مرجعه إلى أن الزوال بمعناه الحقيقي شرط لدخول وقت الصلاتين، فلا يتقدم الدخول عليه و لو بلحظة و لا يتأخّر عنه كذلك، بل إنّما يكون في مقابل أحد أمرين:

الأوّل: ما حكي عن أحمد:

من أنّ أوّله طلوع الفجر من يوم العرفة فيكون المقصود من اعتبار الزوال نفي هذا القول، و أنه لا يجب قبل الزوال.

الثاني: ما حكي عن جماعة من أعاظم الفقهاء: من أنّ الواجب في الوقوف لا يغاير ما هو الركن منه. فكما أن الركن لحظة من الوقوف فيما بين الزوال و الغروب، فكذلك الواجب ليس إلّا هذا المقدار. و لا اختلاف بين الركن و الواجب في الوقوف بعرفة. و عليه فيكون المقصود من اعتبار الزوال نفي هذا القول، و أن دائرة الواجب أوسع من دائرة الركن، و الاختلاف بينهما من جهة السّعة و الضيق محقق لاعتباره من أوّله حقيقة كما في وقت صلاتي الظّهر و العصر.

و لا بدّ من ملاحظة جملة من الكلمات، مثل:

ما حكي عن الصدوق في الفقيه من قوله: «فإذا أتيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة قريبا من المسجد، فإنّ ثمّ ضرب رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خباه و قبّته، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية و اغتسل و صلّ بها الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و إنما يتعجل في الصلاة و يجمع بينهما ثم يقف بالموقف ليفرغ للدّعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم ائت الموقف و عليك السكينة و الوقار، وقف بسفح الجبل في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 85

..........

______________________________

ميسرته» و احتمال كون ضمير التأنيث في قوله: «صلّ بها» راجعا إلى عرفة لا إلى نمرة- كما في الجواهر- خلاف الظاهر جدّا، خصوصا مع قوله في الذيل: «ثم يقف بالموقف»- كما لا يخفى.

و ما حكي عن مقنعة المفيد من قوله: «ثم ليلب و هو غاد إلى عرفات فإذا أتاها ضرب

خباه بنمرة قريبا من المسجد، فإن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ضرب قبته هناك- إلى أن قال:- فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل و يقطع التلبية و يكثر من التهليل و التمجيد و التكبير، ثم يصلي الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين- إلى أن قال:- ثم يأتي الموقف و يكون وقوفه في ميسرة الجبل. فإن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم وقف هناك و يستقبل القبلة».

و قول سلّار فيما حكي عنه: «فإذا جاءها نزل نمرة قريبا من المسجد إن أمكنه، و نمرة بطن عرفة، فإذا زالت الشمس فليغتسل و ليقطع التلبية و ليكثر من التهليل و التمجيد و التكبير، و ليصلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين ثم ليأت الموقف، و ليختر الوقوف في ميسرة الجبل» و دلالته على الإتيان بالموقف بعد الصلاتين و اختيار الميسرة بعد الإتيان بالموقف ظاهرة.

و قول ابن إدريس في السرائر كذلك: «فإذا زالت اغتسل و صلّى الظهر و العصر جميعا يجمع بينهما بأذان و إقامتين لأجل البقعة، ثم يقف بالموقف- إلى أن قال:- و لا يجوز الوقوف تحت الأراك، و لا في نمرة، و لا في ثوية، و لا في عرفة، و لا في ذي المجاز فإن هذه المواضع ليست من عرفات، فمن وقف فيها بالحج فلا حجّ له، و لا بأس بالنزول بها غير أنه إذا أراد الوقوف بعد الزوال جاء إلى الموقف فوقف، و الوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره، و ليس ذلك بواجب ..».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 86

..........

______________________________

و قول كاشف اللثام: «و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخلّ به في جزء

منه أثم، و إن تمّ؟ ظاهر الفخرية ذلك، و صرّح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال، و أنه يأثم بالتأخير، و لم أعرف له مستندا، ثم قال: و ظاهر الأكثر وفاقا للأخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين ..

و الأوضح من الجميع ما في الرياض، حيث قال: «و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخلّ به في جزء منه أثم و إن تمّ حجّه؟- كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس و اللمعة و شرحها بل صريح ثانيهما- أم يكفي المسمّى و لو قليلا؟- كما عن السرائر و عن التذكرة ان الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النيّة- ربما يفهم هذا أيضا من المنتهى إشكال، و ينبغي القطع بفساد القول الأوّل لمخالفته لما يحكي عن ظاهر الأكثر و المعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل و صلاة الظهرين. ثم حكى النصوص المتقدمة، ثم قال: و الأحوط العمل بمقتضاها، و إن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب ..».

و يستفاد من هذه العبارة أن القول بوجوب الاستيعاب ظاهر أوّل الشهيدين و صريح ثانيهما فقط، و لم يذهب إليه غيرهما. و ظاهر الأكثر خلافه. و عليه فنسبة الاستيعاب إلى المشهور في غير محلّها، و أنه مما ينبغي القطع بفساده لمخالفته مع ظاهر الأكثر و المعتبرة المستفيضة، كما أنه يظهر منها ان المقابل للاستيعاب هو القول بكفاية المسمّى و لو قليلا- كما عن السرائر و التذكرة- و اختاره هو أيضا.

و من العجيب بعد ذلك ما في الجواهر، من قوله: لعلّ الأظهر و الأحوط وجوب الاستيعاب و قد تأول مثل الكلمات المتقدمة الظاهرة في تحقق الوقوف بعد الزوال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 5، ص: 87

..........

______________________________

و الاشتغال بالغسل و الجمع بين الصلاتين في غيرها. و قد تقدم نقل بعض التأويلات مع أنه يسأل عنه إنه ما الموجب للتأويل و ما الداعي إلى التوجيه بما يخالف الظاهر؟

فإنه لو كان في البين ما يدل على اعتبار كون المبدأ هو الزوال كدخول وقت الصلاتين بالإضافة إليه لكان وجه للتوجيه، و إن كان بخلاف الظاهر. إلّا أنه مع عدم وجود دليل دال عليه لا من الروايات لعدم تعرض شي ء منها لعنوان الزوال مبدأ للوقوف، و لا من العبارات و الكلمات لظهور الأكثر في الخلاف. و قد عرفت تصريح صاحب الرياض بأنه ينبغي القطع بفساده و تصريح كشف اللثام بأنه لم يعرف له مستندا لأيّ مستند يسوغ التوجيه و للوصول إلى أيّ غرض يجوز التأويل؟

و لا يوجد في كلام صاحب الجواهر بطوله و تفصيله ما يمكن أن يكون شاهدا لهذا التوجيه، إلّا بعض الأمور التي لا ينبغي الاتكال عليها بوجه. مثل أن المستحب في باب الجمع بين صلاتي الظهر و العصر، هو الجمع بعرفة.

و حكي عن التذكرة أنه يجوز الجمع لكلّ من بعرفة من مكي و غيره، و قد أجمع علماء الإسلام على أن الإمام يجمع بين الظهر و العصر بعرفة. قال: و حينئذ فيكون المراد من مضيه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم إلى الموقف الرواح إلى المكان المخصوص المستحبّ فيه الوقوف، أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء و التمجيد و التهليل و التكبير و الدعاء لنفسه و لغيره، ممّا جاءت به النصوص في ذلك الموقف.

و مثل أنه نسب في المدارك إلى الأصحاب، الوجوب من أوّل الزّوال مع أنه ليس لهم إلّا هذه العبارات. إلّا من صرح منهم بذلك

كالشهيدين و الكركي و المقداد.

و مثل أنه هو من البديهيات و أن عدم ذكر الابتداء في كلامهم إنما هو للاتكال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 88

..........

______________________________

على معلوميته، و من الواضح بطلان هذه الأمور. فإنه هل يجوز أن ينسب إلى الأصحاب خلاف ما هو معدود من البديهيات؟ و تعبير صاحب المدارك بأوّل الزوال في مقابل كفاية المسمّى في الإتيان بالواجب لا في مقابل التأخير عنه بالمقدار اليسير المذكور. كما أن الحكم باستحباب الجمع في عرفة يكون المراد به هو الاستحباب في عرفة و ما يقاربها مثل النمرة في مقابل منى و الأمكنة البعيدة عن عرفات. و الشاهد عمل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع على ما عرفت.

و قد تحصل مما ذكرنا أنه لا مجال لدعوى اعتبار الزوال بمعناه الحقيقي الراجع إلى عدم جواز التأخير عنه. و نسبة صاحب المدارك ذلك إلى الأصحاب- إن لم يكن مراده ما ذكرناه- يرد عليها وضوح أنه لم يكن عنده كلمات أخرى للأصحاب، غير ما نقلنا عنهم و مثله و كيف تصح هذه النسبة مع قول صاحب الرياض أنه ينبغي القطع بفساد هذا القول و لم ينقل إلّا عن واحد أو اثنين- كما عرفت.

و مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي- كما في المتن- رعاية أوّل الزوال خصوصا مع وضوح مشروعية الوقوف من حين الزّوال و عدم مشروعيته قبله- كما في صلاتي الظهر و العصر- و إن كان الأفضل تأسّيا بالنبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع و امتثالا للأمر المحمول على الاستحباب جزما في بعض الروايات هو التأخير بالكيفية التي فعلها صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم.

و هل يجوز التأخير من دون الكيفية المزبورة الراجعة إلى النزول في نمرة حتى تزول الشمس ثم الغسل و الجمع بين الصلاتين بأذان واحد و إقامتين، كما إذا تأخرت حركته من مكة إلى زمان يعلم بالورود في عرفات بعد ساعة من الزوال، أم كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 89

..........

______________________________

جواز التأخير مختصّا بما إذا كان مراعيا للكيفية المزبورة، فلا يجوز التأخير بغير تلك الكيفية؟

الظاهر هو الأوّل- كما في المتن- حيث نفى البعد عن جواز التأخير بمقدار الصلاتين، و ظاهره التأخير بهذا المقدار و إن لم يصلّهما و إن كان مقتضى الاحتياط هو الثاني. نعم ينبغي إضافة مقدار الغسل قبل الصلاتين للتصريح به في جملة من الرّوايات.

هذا و أما التأخير إلى وقت العصر فلا يجوز لعدم دلالة شي ء من الرّوايات على جوازه، بل ظهور جملة منها في لزوم إتيان الموقف بعد الأعمال المذكورة بلا فصل.

نعم بناء على كون الواجب من الوقوف مطابقا للركن و هو المسمّى يجوز التأخير إليه، فاللازم إحالة هذا البحث إلى المسألة الثالثة الآتية الموضوعة لهذا البحث، فانتظر.

هذا تمام الكلام بالإضافة إلى المبدأ.

و أمّا المنتهى فلا خلاف في أنه هو الغروب الشرعي. و يدل عليه نصوص مستفيضة مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و أفاض بعد غروب الشمس. «1»

و رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام متى تفيض من عرفات؟

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 5، ص: 90

في المراد بالوقوف

مسألة 2- المراد بالوقوف مطلق الكون في ذلك المكان الشريف، من غير فرق بين الركوب و غيره و المشي و عدمه. نعم لو كان في تمام الوقت نائما أو مغمى عليه، بطل وقوفه. (1)

______________________________

فقال: إذا ذهبت الحمرة من هاهنا، و أشار بيده إلى الشرق و إلى مطلع الشمس. «1» في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه بدنة. «2»

و رواية ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس. قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله. «3»

هذا و قد تقدّم التحقيق في ماهية الغروب الشرعي و حقيقته في باب أوقات الصلاة، فراجع.

(1) وقع التعرض في هذه المسألة لأمرين:

أحدهما: أن المراد بالوقوف الواجب في عرفات- أعم من الرّكن و غيره- هو مطلق الكون في ذلك المكان الشريف. سواء كان راكبا أم غيره، و سواء كان ماشيا أم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة الباب الثالث و العشرون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 91

..........

______________________________

لم يكن.

و الدليل عليه استمرار السيرة القطعية العملية من المسلمين جميعا على عدم الاستمرار على الحالة التي كانت عليها عند الشروع في الوقوف و الذهاب إلى قضاء حوائجهم المختلفة و صرف الوقت في الصلاة المركبة من حالات مختلفة و غيرها

من الحالات، فيدل ذلك على أن المراد بالوقوف ما ذكرناه في المتن.

و ثانيهما: أنه لو كان في تمام الوقت نائما أو مغمى عليه، يكون وقوفه باطلا.

و السرّ فيه أنّ الوقوف الواجب لا بد و أن يكون مستندا إلى الفاعل و صادرا عن إرادة و اختيار، و هو لا يتحقق مع كونه نائما في جميع الوقت و من الزوال إلى الغروب أو مغمى عليه كذلك و إن كان قبله عازما على الوقوف و ناويا لإتيانه مع جميع الشرائط المعتبرة في عباديته، مثل قصد القربة في ظرفه الزماني، إلّا أنه مع استيعاب النوم أو الإغماء لجميع الوقت لم يصدر منه الوقوف عن إرادة و اختيار.

نعم لو كان في بعض الوقت غير نائم و لا مغمى عليه فنوى الوقوف العبادي يكفي لتحقق ما هو الركن الذي هو مسمى الوقوف، فيكون حجه صحيحا، و الإخلال بالواجب غير الركن لا يقدح بعد فرض تحقق النوم أو الإغماء- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 92

[مسألة 3] في أن الركن مسمّى الوقوف

مسألة 3- الوقوف المذكور واجب، لكن الركن منه مسمّى الوقوف و لو دقيقة أو دقيقتين، فلو ترك الوقوف حتى مسمّاه عمدا، بطل حجّه.

و لكن لو وقف بقدر المسمّى و ترك الباقي عمدا، صحّ حجّه و إن أثم. (1)

______________________________

(1) قد مرّ في المسألة الأولى أنّ مبدأ الوقوف الواجب ليس هو الزوال بمعناه الحقيقي، بل يجوز التأخير بمقدار ساعة تقريبا. و ظاهر الروايات المتقدمة هناك لزوم الشروع بالوقوف بعد المقدار المذكور. لكنه ذهب جملة من الفقهاء إلى عدم اختلاف الواجب و الركن في باب الوقوف، و أنه في كليهما هو المسمّى و اسم الحضور.

و قد استدلّ صاحب الرياض في ذيل كلامه

المتقدم بالأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه و عدم اشتراط شي ء زائد منه فيه، مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة و دلالتها على الوجوب غير واضحة.

و أمّا ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية. و مع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة. و أمّا ما تضمن منها فعله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فكذلك بناء على عدم وجوب التأسي، و على تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي و كلامنا فيه لا في سابقه للاتفاق- كما عرفت على عدمه.

و لكن الظاهر، أن المتفاهم العرفي من النصوص و الروايات المزبورة وجوب الإتيان إلى الموقف بعد الفراغ عن الصلاتين مع الجمع بينهما. و دعوى عدم كونه مفيدا للفورية أو عدم ظهوره في الوجوب مندفعة بفهم العرف في خصوص المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 93

..........

______________________________

و يؤيّده فهم المشهور منها ذلك. بل قد عرفت أن صاحب المدارك اعتبر الوقوف من أوّل الزوال ناسبا له إلى الأصحاب- و إن تقدم توجيه كلامه و تفسير مرامه- مع أنه لا خلاف ظاهرا في حرمة الإفاضة قبل الغروب و ثبوت الكفارة عليها مع التعمّد.

و هذا الحكم لا يجتمع مع كون الواجب هو المسمّى كالركن، لأن الإفاضة مسبوقة بتحقق الواجب حينئذ، فلا وجه للحرمة و احتمال كونها حكما آخر غير وجوب الوقوف، بحيث كان هناك حكمان مستقلان غير مرتبطين لا مجال له أصلا- كما هو أوضح من أن يخفى حكمه.

نعم يقع الكلام بعد ذلك في أمرين:

الأوّل: أنه لا مجال لاحتمال كون جميع أجزاء الوقوف الواجب ركنا بحيث كان الإخلال بشي ء منه عمدا

موجبا لبطلان الحج، بناء على ما مرّ مرارا من تفسير الركن في باب الحج و مغايرته مع الركن في باب الصلاة، و الدليل على بطلان هذا الاحتمال الروايات التي تقدم بعضها في ذيل المسألة الأولى الدالة على أنّ الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمدا يترتب عليه الكفارة. و معناها عدم كونها موجبة لبطلان الحج، مع أنه لو كان الوقوف الركني شاملا لجميع أجزاء الوقت المذكور لكانت الإفاضة العمدية موجبة لبطلان الحج و عدم تماميته.

فهذه الروايات شاهدة على عدم كون الركن شاملا لجميع أجزاء الوقت- كما هو ظاهر.

الثاني: أنه لا مجال لاحتمال أنه لا يتصف الوقوف بعرفة بالركنية أصلا، بحيث كان واجبا غير ركني. و يدل على الاتصاف بالركنية في الجملة مضافا إلى ما رواه العامّة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 94

..........

______________________________

عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و يوجد مثله في بعض روايات الخاصة، أنه قال: «الحجّ عرفة» فإنّه لا مصحح لهذا التعبير بدون الاتصاف بالركنية. كذلك ما ورد بطريق صحيح عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أنه قال: «أصحاب الأراك لا حج لهم» مثل ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في الموقف: «ارتفعوا عن بطن عرنة»، و قال: «أصحاب الأراك لا حجّ لهم». «1»

و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا وقفت بعرفات فادن من الهضاب (الهضبات) و الهضاب هي الجبال. فإن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم قال: «إن أصحاب الأراك لا حج لهم» يعني الذين يقفون عند الأراك.

«2»

فإن الأراك من حدود عرفة، و حدود عرفة كلها خارجة عنها. فالحكم بنفي الحج لأصحاب الأراك الظاهر في بطلان حجهم لا يجتمع إلّا مع كون الوقوف ركنا في الجملة مؤثرا في البطلان مع الإخلال به- كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب التاسع عشر، ح 10.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب التاسع عشر، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 95

[مسألة 4] في الإفاضة من عرفات قبل الغروب

مسألة 4- لو نفر عمدا من عرفات قبل الغروب الشرعي و خرج من حدودها و لم يرجع، فعليه الكفارة ببدنة يذبحها للّٰه في أيّ مكان شاء.

و الأحوط الأولى أن يكون في مكّة، و لو لم يتمكن من البدنة صام ثمانية عشر يوما. و الأحوط الأولى أن يكون على ولاء. و لو نفر سهوا و تذكّر بعده يجب الرجوع، و لو لم يرجع أثم و لا كفارة عليه و إن كان أحوط، و الجاهل بالحكم كالنّاسي، و لو لم يتذكّر حتى خرج الوقت، فلا شي ء عليه. (1)

______________________________

(1) لا شبهة في أن الإفاضة من عرفات قبل الغروب الشرعي لا توجب بطلان الحج و فساده، و إن كان متعمّدا في ذلك و لم يرجع إليها. و أمّا بالإضافة إلى الكفارة فتارة تكون الإفاضة عمدا و أخرى جهلا و ثالثة سهوا.

ففي الصورة الأولى، قد نفى صاحب الجواهر قدّس سرّه وجدان الخلاف في ثبوت الكفارة فيها، بل عن المنتهى إنه قول عامة أهل العلم إلّا من مالك، فقال: لا حجّ له، و قال:

و لا نعرف أحدا من أهل الأمصار قال بقوله.

و يدل على ثبوت الكفارة روايات متعدّدة، مثل:

صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في

رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان متعمّدا فعليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 96

..........

______________________________

بدنة. «1»

و صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله. «2» و بعض الروايات الآخر.

و الصحيحة الأولى الظاهرة في اختصاص الكفارة بالمتعمد مقيدة للصحيحة الثانية الظاهرة في إطلاق ثبوت الكفارة- كما هو ظاهر.

و المحكي عن الصدوقين إن الكفارة شاة، و لم يعرف لهما مستند. نعم في محكي الجامع نسبه إلى الرواية، و عن خلاف الشيخ قدّس سرّه إنّ عليه دما، للإجماع و الاحتياط و قول النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في خبر ابن عبّاس: من ترك نسكا فعليه دم.

و تمسكه بالاحتياط يشعر بأنّه في مقابل من لم يوجب عليه شيئا من العامة، فلا يكون مراده من الدم خصوص الشاة،- كما هو المنصرف إليه من إطلاق الدم في باب كفارات الحجّ.

و كيف كان فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى الروايات الصحيحة الظاهرة في ثبوت خصوص البدنة.

و في الصورة الثانية- و هي صورة الجهل- يكون مقتضى النص و الفتوى عدم ثبوت الكفارة.

و في الصورة الثالثة- و هي صورة النسيان- فالمشهور أن حكمها حكم الصورة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب الثالث و العشرين، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب إحرام الحج و الوقوف، الباب الثالث و العشرين، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 97

..........

______________________________

الثانية و أنّه لا

شي ء على الناسي كالجاهل. و عن الحدائق الاستشكال في الإلحاق، نظرا إلى أن حكم الناسي غير مذكور في الرواية، و الإلحاق لا دليل عليه و لا مانع من اختصاص الحكم بالجاهل. لأنه أعذر. و الناسي بسبب علمه سابقا و غفلته لاحقا لا يساوي الجاهل الذي لم يتلبس بالعلم أصلا. و لذا ورد النص على وجوب قضاء الصلاة على ناسي النجاسة دون الجاهل بها.

و يرد عليه:

أوّلا: ان المراد من المتعمد الذي معناه هو صدور الفعل عنه عن عمد و قصد و إرادة و اختيار، هل هو الذي أفاض قبل الغروب مع قصد الإفاضة و إرادتها في مقابل من أفاض جبرا بلا إرادة و اختيار؟ أو أن المراد منه هو الذي يكون قاصدا للمخالفة و مريدا لها. فعلى الأوّل لا يصح التقابل بينه و بين الجاهل لأنه أيضا يفيض عن قصد و عمد. غاية الأمر إنه لا يكون عالما بالحرمة، فالمقابلة شاهدة على بطلان هذا الاحتمال.

و على الثاني يكون الناسي داخلا في الجاهل، لعدم كونه قاصدا للمخالفة بعد فرض النسيان و الغفلة عن حرمة الإفاضة كلّا. بل الناسي لأجل الغفلة يكون أولى من الجاهل في هذه الجهة- كما هو ظاهر.

و ثانيا: انه لو سلم عدم التعرض في الصحيحة لحكم الناسي، يكون مقتضى حديث رفع الخطأ و النسيان عدم وجوب الكفارة على الناسي.

و مما ذكرنا ظهر أن الأصل في عدم ثبوت الكفارة بمقتضى الرواية هو الجاهل و الناسي ملحق به، بخلاف ما هو المذكور في المتن. ثم إن ظاهر الصحيحة لزوم كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 98

..........

______________________________

نحرها يوم النحر الذي هو يوم العيد الأضحى الذي يكون الحاجّ فيه بمنى لأجل أعماله

و مناسكه. و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع التي يفهمها العرف، أن مكانه أيضا هو منى، خصوصا مع التعبير عن العيد بيوم النحر. و عليه فلو لم يكن الذبح يوم العيد و في منى أقوى من حيث الفتوى، فلا شبهة في أنه مطابق للاحتياط الوجوبي، فتدبّر.

ثم الظاهر بملاحظة صحيحة ضريس- مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة في مطلق الصوم المتعدد من جهة اعتبار التتابع و التوالي و عدمه المبحوث عنها في كتاب الصوم- عدم اعتبار التوالي في صيام ثمانية عشر يوما، و أن اللازم رعاية نفس العدد المزبور من دون فرق بين الاتّصال و الانفصال. و دعوى الانصراف إلى التتابع ممنوعة جدا. كما في مثله من الأمور العادية، فإنه لو أمر الطبيب مريضه بالمشي كل يوم ساعتين لا يستفاد منه إلّا لزوم المشي فيهما من دون أن يكون منصرفا إلى اعتبار التوالي بينهما. نعم رعاية الاحتياط الاستحبابي لا.

بقي الكلام في النّاسي من جهة أنه لو لم يتذكر بعد الإفاضة حتى خرج الوقت و دخل الغروب فلا شي ء عليه أصلا. و أمّا لو تذكر قبل الخروج بنحو لو رجع إلى عرفات يدرك مقدارا من الوقت قبل الغروب فلا إشكال بمقتضى ما ذكرنا من وجوب الاستيعاب، و أن دائرة الواجب في الوقوف أوسع من دائرة الركن الذي هو المسمّى في وجوب الرجوع إلى عرفات لدرك ذلك المقدار من الوقت. فإن امتثل و أتى بالواجب فلا إشكال. و إن خالف و لم يرجع فلا شبهة في تحقق الإثم و استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الوجوبي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 99

[مسألة 5- لو نفر قبل الغروب عمدا و ندم و رجع]

مسألة 5- لو نفر قبل الغروب عمدا و ندم و رجع

و وقف إلى الغروب، أو رجع لحاجة لكن بعد الرجوع وقف بقصد القربة، فلا كفارة عليه. (1)

______________________________

و هل يجب عليه الكفارة لأجلها أم لا؟ حكي عن المسالك أنه يكون كالعامد في لزوم الدّم.

و لكنّه ممنوع، لأن الكفارة لا تكون مترتبة على مخالفة التكليف الوجوبي المتعلق بالوقوف، و لا يكون اللازم ثبوت الكفارة على من ترك الوقوف بعرفات عمدا، عدا لحظة منه قبل غروب الشمس. مع أنه من الواضح خلافه، بل تكون مترتبة على عنوان الإفاضة المحرّمة قبل الغروب، و المفروض أن الإفاضة لا تكون محرمة بالإضافة إلى الناسي. غاية الأمر إنه كان الرجوع إلى عرفات واجبا عليه في هذه الصورة. و قد تحققت المخالفة بالنسبة إلى هذا التكليف. و لم يدل دليل على إيجابه للكفارة. لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي رعايتها.

(1) الوجه في عدم ثبوت الكفارة على العامد في الفرضين، أن المتفاهم عند العرف من الإفاضة التي علّق عليها الحكم بثبوت الكفارة في الرّوايتين المتقدمتين، هي الإفاضة التي لم يتعقبها الرجوع إلى عرفات، بحيث يدرك مقدارا من الوقوف قبل الغروب. و أمّا الإفاضة المتعقبة بالرجوع بالنحو المذكور، فهي و إن كانت محرّمة أيضا ضرورة إلّا أنه لا يستفاد من الدليل أنها أيضا توجب الكفارة، للفهم العرفي المذكور.

و عليه فلا يكون البحث في سقوط الكفارة حتى يقال، أن السقوط بعد الثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 100

[مسألة 6] في الوقوف الاضطراري للعرفات

مسألة 6- لو ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب لعذر- كالنسيان و ضيق الوقت و نحوهما- كفى له إدراك مقدار من ليلة العيد و لو كان قليلا. و هو الوقت الاضطراري للعرفات، و لو ترك الاضطراري عمدا و بلا عذر، فالظاهر بطلان حجّه

و إن أدرك المشعر، و لو ترك الاختياري و الاضطراري لعذر كفى في صحة حجّه، إدراك الوقوف الاختياري بالمشعر الحرام- كما يأتي. (1)

______________________________

يحتاج إلى دليل و هو مفقود. كما عن النزهة و استوجهه في محكي كشف اللثام لما عرفت من عدم دلالة الدليل على ثبوتها في هذه الصورة بوجه.

نعم الاستدلال على عدم الثبوت بمثل ما في الجواهر من أنه لو لم يقف إلّا هذا الزمان لم يكن عليه شي ء، غير صحيح أيضا. لأنه لا مجال لتوهّم المماثلة بعد عدم تحقق الإفاضة في الفرض المذكور بوجه. و قد مرّ آنفا في ذيل المسألة السابقة، أن الكفارة لا تكون مترتبة على ترك الوقوف الواجب، بل على الإفاضة المحرّمة، فلا وجه للتشبيه أصلا. و العمدة في الدليل ما ذكرنا، فتدبّر.

(1) للوقوف بعرفات وقتان. اختياري و اضطراري.

أمّا الاختياري فهو ما تقدّم من أوّل الزوال أو مضي مقدار ساعة منه إلى الغروب. و مرّ أن الواجب هو الوقوف في المجموع و الاستيعاب و الركن هو المسمّى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 101

..........

______________________________

منه المتحقق بدقيقة أو دقيقتين. و مرّ أن الإخلال بالركن إذا كان عن علم و عمد فهو يوجب البطلان. و أمّا إذا كان عن عذر فلا يوجب الفساد بوجه.

و لهذه الجهة تصل النوبة بالإضافة إلى هذا النحو من الترك إلى الاضطراري و هو من الغروب إلى طلوع الفجر من يوم النحر. و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر.

بل حكي عن المدارك و غيرها الإجماع عليه، و عن الشيخ في الخلاف إطلاق أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم العيد.

و أورد عليه ابن إدريس بأن هذا القول

مخالف لأقوال علمائنا. و إنما هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا. و أجاب عنه العلّامة في المختلف بأن النزاع هنا لفظي. و أن الشيخ قصد الوقت الاختياري، و هو من زوال الشمس إلى غروبها، و الاضطراري و هو من الزوال إلى طلوع الفجر، فتوهم ابن إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري، فأخطأ في اعتقاده ..

و كيف كان، فالظاهر أن الواجب و الركن في الوقت الاضطراري واحد، و هو مسمّى الوقوف ليلا بعرفة. و بهذا يفترق عن الوقت الاختياري، كما أن مقتضاه إنّ الإخلال بالوقوف الاضطراري إذا كان عن غير عذر موجب لبطلان الحج و فساده.

فما تشعر به عبارة العلّامة في محكي القواعد من أنّ الوقوف الاختياري بعرفة ركن، من تركه عامدا بطل حجّه، من اختصاص الركن بالوقوف الاختياري لا يكون مقصودا له ظاهرا، خصوصا بعد ظهور النصوص و الفتاوى في غيره. مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: إنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 102

..........

______________________________

فليأتها، و إن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجّه. «1»

و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن

اللّٰه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل. «2»

و رواية إدريس بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي ان مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال:

إن ظنّ أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه. «3»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في سفر فإذا شيخ كبير. فقال: يا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن ظنّ أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها. و إن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجّه. «4»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 3.

(4) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 103

..........

______________________________

و يغلب على الظن اتحادها مع صحيحة الأولى، و إن كانت هذه مشتملة على أزيد من تلك. لكن وحدة التعبيرات و الراوي و المرويّ عنه يوجب الظنّ الغالب بالاتّحاد.

و المستفاد من مجموع

هذه الروايات و ضم بعضها ببعض أمور:

الأوّل: ثبوت الوقت الاضطراري للعرفات، و عدم الاختصاص بالوقت الاختياري.

الثاني: اختلاف الوقتين الاختياري و الاضطراري في مقدار الواجب. فإن الواجب من الوقت الاختياري عبارة عن مجموع ساعات متعددة، و الوقت الاضطراري الواجب عبارة عن مقدار قليل من الليل.

الثالث: ثبوت الركن للوقت الاضطراري أيضا، و لازمة كون الإخلال به لغير عذر موجبا لبطلان الحج، و إن كان الإخلال بالوقوف الاختياري لعذر مانع عن بطلان الحج.

الرابع: أنه لو كان ترك الوقتين مستندا إلى العذر، يكفي في صحة الحج و تماميته إدراك الوقوف الاختياري للمشعر الحرام، المتحقق بالإدراك قبل طلوع الشمس و قبل الإفاضة من المشعر إلى منى. و سيأتي البحث في هذا الأمر في مباحث الوقوف بالمشعر إن شاء اللّٰه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 104

[مسألة 7] في ما لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا

مسألة 7- لو ثبت هلال ذي الحجّة عند القاضي من العامّة و حكم به و لم يثبت عندنا فإن أمكن العمل على طبق المذهب الحقّ بلا تقية و خوف وجب، و إلّا وجبت التبعية عنهم و صحّ الحج لو لم تتبين المخالفة للواقع، بل لا تبعد الصحة مع العلم بالمخالفة و لا تجوز المخالفة، بل في صحة الحج مع مخالفة التقية إشكال، و لما كان أفق الحجاز و النجد مخالفا لآفاقنا، سيّما أفق إيران، فلا يحصل العلم بالمخالفة إلّا نادرا. (1)

______________________________

(1) لو لم يثبت هلال ذي الحجة عندنا و لكنه ثبت عند القاضي من العامّة و حكم على طبقه فإن لم يكن في البين تقيّة و لا خوف وجب العمل على طبق المذهب الحق، و هو مقتضى استصحاب عدم ثبوت الهلال في ليلة اليوم المشكوك و عدم كون اليوم المزبور

أوّل ذي الحجة.

و لكنه لا بد و أن يعلم انه ربما لا يكون في البين خوف شخصي و خطر متوجه إلى الشخص نفسا أو غيرها، بل يكون في البين هتك حرمة الشيعة و انحطاط شأنهم و جعلهم في معرض التهمة و مظنة السّوء، كما إذا كانوا مجتمعين في الحج و الوقوف- كما في هذه الأزمنة- فإنه لا بد في هذه الصورة من حفظ مقامهم لئلّا يقعوا في معرض الاتهام و ينظر الناس إليهم بعين الابتعاد عن الإسلام و الالتزام بشؤونه. فلا يجوز التخلف عنهم في الوقوف و نحوه، و إن لم يكن تقية و لا خوف في البين أصلا.

و كيف كان ففي صورة التقية و مثلها تجب المتابعة عنهم و رعاية شئون التقية، و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 105

..........

______________________________

شبهة في هذه الجهة من حيث الحكم التكليفي. فقد وردت روايات متواترة، بل فوق حدّ التواتر في مشروعية التقية و لزوم رعايتها. و في بعضها أنه لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا.

إنّما الكلام في الإجزاء عن الواجب الواقعي الأولي و الاتصاف بالصحة و التمامية.

و محلّ البحث في الإجزاء في باب التقيّة ما إذا كانت التقية موجبة للإخلال بالجزء أو بالشرط أو الإتيان بالمانع أو القاطع، كما إذا كانت التقية موجبة لترك مسح الرجلين و الغسل بدل المسح في باب الوضوء أو غسل اليد منكوسا و معكوسا أو التكتف أو قول آمين في الصلاة. و أمّا إذا كانت التقية موجبة لترك الواجب رأسا كما في الإفطار في يوم الشك من آخر رمضان إذا حكم قاضيهم بكونه يوم العيد، فإنه لا مجال لتوهم الإجزاء بعد ترك العبادة رأسا.

و

عليه فالحكم بالقضاء في مثله لا يستلزم الحكم بعدم الإجزاء في محلّ البحث. كما في مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: دخلت على أبي العبّاس في الحيرة، فقال: يا أبا عبد اللّٰه ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا. فقال: يا غلام عليّ بالمائدة، فأكلت معه و أنا أعلم و اللّٰه أنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما و قضائه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّٰه. «1»

فمحلّ الكلام ما ذكرنا و حينئذ إن قلنا بأن الضابطة في المسألة الأصولية التي يبحث فيها عن أجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري و أنه يجزي عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع و الخمسون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 106

..........

______________________________

الإتيان بالمأمور به بالأمر الاختياري- كما هو الظاهر- أم لا، بالإجزاء، فاللازم هو القول بالإجزاء في المقام، لأنّ التقية من موارد الاضطرار، و قد عبّر عنها به في بعض الروايات الصحيحة المعروفة بصحيحة الفضلاء، قالوا سمعنا أبا جعفر عليه السّلام يقول: إن التقية في كل شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له. «1»

و إن قلنا بعدم الإجزاء في المسألة الأصولية، فاللازم هو القول بالإجزاء في خصوص المقام لا لما ذكره صاحب الجواهر من أنّه لا يبعد القول بالإجزاء هنا إلحاقا له بالحكم للحرج، و احتمال مثله في القضاء. قال: و قد عثرت على الحكم بذلك منسوبا للعلامة الطباطبائي قدّس سرّه و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

بل لأنّه قد مضى على الأئمة عليهم السّلام و شيعتهم ما

يزيد عن مأتي سنة كان ثبوت الهلال مرتبطا بحكم الحاكم و قاضيهم و لم يكن مورد واحد و لو إشارة و إشعارا حكموا فيه ببطلان الحج، بلحاظ كون الوقوف مستندا إلى حكم قاضي النّاس مع عدم ثبوته عند الشيعة. و كون مقتضى الاستصحاب العدم.

و من الواضح ثبوت الاختلاف كثيرا بهذه الكيفية الراجعة إلى الثبوت عندهم و الشك عند الشيعة. و لا مجال لدعوى عدم وقوع الاختلاف أصلا في هذه المدة الكثيرة، خصوصا مع ملاحظة مثل موثقة أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام انا شككنا في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت على أبي جعفر عليه السّلام و كان بعض أصحابنا يضحي، فقال: الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الأمر و النهي، الباب الخامس و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب السابع و الخمسون، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 107

..........

______________________________

كما أن دعوى إن ذلك من جهة عدم تمكن الشيعة من الوقوف الثاني مدفوعة بمنع عدم التمكن دائما، لإمكان الوقوف في برهة من الزمان، و لو مرّة واحدة في طول هذه المدّة، و لو بعنوان آخر بحسب الظاهر. فلا وجه لذلك غير الإجزاء و كفاية الوقوف الصّادر تقية.

مع أنه هنا شي ء آخر ينبغي الالتفات إليه و هو أنّ الأئمّة عليهم السّلام و شيعة المدينة كانوا يحجون من المدينة و هم باعتبار قرب بلدهم إلى مكة لم يكن اللازم عليهم الخروج عنها قبل هلال ذي الحجة. فالقاعدة تقتضي الخروج بعده و إن كانت المراكب السابقة غير المراكب الفعلية، لكنه مع ذلك لم

يكن الخروج قبله بلازم، و حينئذ في مورد الشك و عدم الثبوت لو كان الحج كذلك غير صحيح، و لا محالة لا يكون مستحبّا أيضا. لأن العمل الباطل لا يتصف بشي ء من الوجوب و الاستحباب، لما كان وجه للخروج إلى الحجّ، خصوصا بعد وضوح عدم اختلاف أفق مدينة و مكة، و كون حكم القاضي في الأولى نافذا بالإضافة إلى الثانية أيضا، مع أنه لم يعلم و لو مرة واحدة امتناعهم عن الخروج لأجل ذلك. و تبيين هذه العلة و لو لخواصّ أصحابهم مع التعرض لمثله في موارد كثيرة، فلا مجال لاحتمال عدم الإجزاء مع التوجه إلى ما ذكرنا في صورة عدم العلم بالمخالفة.

و أمّا في صورة العلم بالمخالفة و عدم موافقة حكم القاضي للواقع قطعا، فقد نفى البعد في المتن عن الحكم بالصحة فيها، و لكنه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه في مناسكه أنه في هذه الصورة لا يجزي الوقوف معهم. فإن تمكن المكلف من العمل بالوظيفة- و الحال هذه و لو بأن- يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون أن يترتب عليه أيّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 108

..........

______________________________

محذور- و لو كان المحذور مخالفته للتقية- عمل بوظيفته. و إلّا بدّل حجة بالعمرة المفردة و لا حج له. فإن كانت استطاعته من السنة الحاضرة و لم تبق بعدها سقط عنه الوجوب، إلّا إذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد.

أقول: الظاهر هو الحكم بالصحة في هذه الصورة أيضا، لأن تحققها في ذلك الزمان الطويل الذي أشرنا إلى أنه يزيد عن مأتي سنة، و إن كان قليلا بالإضافة إلى صورة الشك و عدم العلم بالمخالفة، إلّا أنه لا مجال لإنكاره. و قد مرّ

في مرسلة رفاعة، أن الإمام عليه السّلام حلف بأن اليوم الذي أفطر فيه تقية كان من شهر رمضان، و أنه كان عالما بذلك حين الإفطار، و مع ذلك أفطر كذلك.

فيدل ذلك على وقوع هذه الصورة أحيانا. و مع ذلك لم نر و لم نعهد منهم عليهم السّلام الإشارة إلى عدم الإجزاء و لزوم التطرق إلى طريق صحيح، و مع عدم إمكانه لزوم تبديل الحج بالعمرة المفردة، و لو في مورد واحد مع كون فريضة الحج من الفرائض المهمة الإلهية.

و دعوى كون السيرة العملية من الأدلة اللبية التي لا بد فيها من الاقتصار على القدر المتيقن- و هي صورة الشك و عدم العلم بالمخالفة- مدفوعة بأنه مع ملاحظة ما ذكرنا لا يكون شمولها لصورة العلم مشكوكا حتى لا يجوز الاستدلال له بها. بل الظاهر أنه لا شك في الشمول، نعم ربما يستدل على عدم الإجزاء- كما في تقريرات بعض الأعلام قدّس سرّه في شرح المناسك- بأنه بعد عدم ثبوت السيرة في هذه الصورة و عدم نص خاص على الإجزاء ليس في البين إلّا أدلة التقية.

و هي مع أنها لا تدل على الإجزاء تكون دلالتها عليها على تقديرها في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 109

..........

______________________________

خصوص صورة الشك لا في مورد القطع بالخلاف أيضا. فإن العامّة لا يرون نفوذ حكم حاكمهم حتى عند القطع بالخلاف، فالعمل الصادر منه لا يكون مصداقا للتقية.

أقول: الظاهر أن عدم نفوذ حكم حاكمهم في صورة القطع بالخلاف إنّما هو بالإضافة إلى متابعيهم من الناس، و أمّا بالإضافة إلينا فحيث إنه لا دليل على كون المخالفة مستندة إلى القطع بالخلاف تجري التقية و يكون العمل الصادر مصداقا لها.

و

لو ذلك ينسد باب التقية في مثل الوقوف و أعمال منى و عيد الفطر إذ كان للشيعة الاعتذار عن المخالفة بالعمل بالخلاف و عدم نفوذ حكم الحاكم في هذه الصورة. مع أنك عرفت تحقق الإفطار منه عليه السّلام مع العلم بالخلاف. فلم لم يعتذر عن عدمه بالعلم بكون الواقع مخالفا بحكم القاضي؟

و بالجملة لازم هذا القول انسداد باب التقية في الوقوف مطلقا، و لا أقلّ في خصوص صورة العلم بالمخالفة واقعا. و هذا ما لا يقول به المستدل، فالجمع بين جريان التقية الخوفية في صورة العلم بالمخالفة، كما لا محيص عن الالتزام به، و لذا حكم بإتمام حجه عمرة مفردة في هذه السنة في كلامه المتقدم و بين عدم الإجزاء و بين عدم نفوذ حكم حاكمهم في هذه الصورة لا يكاد يمكن، فلا بد إمّا أن يقال بأنه لا تقية في هذه الصورة أصلا، و إمّا أن يقال بالإجزاء، كما في صورة الشك، و حيث إنه لا سبيل إلى الأوّل فيتعين الثاني.

بقي الكلام في المسألة في حكم مخالفة التقيّة و أن العمل العبادي المخالف للتقية هل يتصف بالصحة و الإجزاء أم لا؟ و فيه احتمالات، بل أقوال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 110

..........

______________________________

أحدها: القول بالبطلان مطلقا. و هو المحكي عن شارحي الشرائع صاحبي الجواهر و المصباح قدّس سرّهما.

ثانيها: القول بالصحة كذلك. و هو المحكي عن جماعة. و ذهب إليه الإمام الخميني قدّس سرّه و إن استشكل فيها هنا.

ثالثها: التفصيل بين الأجزاء و الشرائط التي تكون متحدة مع العبادة، و بين الأجزاء و الشرائط التي تكون خارجة عنها. ففي الأوّل ترك التقية موجب للبطلان- كالسجدة على التربة- إذا كانت التقية مقتضية

لتركها، و في الثاني لا يوجب البطلان- كترك التكتف في الصّلاة كذلك- و هو المحكي عن الشيخ الأعظم الأنصاري و تبعه المحقق النائيني و بعض آخر.

و العمدة ملاحظة ما يمكن أن يكون وجها للبطلان، و هو أحد أمرين:

الأمر الأوّل: كون العمل المخالف للتقية منهيّا عنه. و النهي المتعلق بالعبادة يوجب فسادها.

و لكنه يرد عليه أن تعلق النهي بالعمل المذكور إن كان من جهة أن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن الضد، فقد حقق في المباحث الأصولية أنه لا يقتضي النهي عن الضد، و إلّا يلزم اجتماع حكمين في موارد ثبوت الوجوب.

و إن كان من جهة استفادة الحرمة من بعض التعبيرات الواردة في التقية، مثل ما ورد من أن تركها موجب لوهن المذهب، أو أن تركها ذنب لا يغفر. فمن الواضح أنه لا وجه للاستفادة المزبورة أصلا- كما هو غير خفي.

الأمر الثاني: إن العمل المخالف للتقية و إن لم يكن منهيّا عنه و متعلقا للحرمة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 111

..........

______________________________

بوجه، إلّا أن بطلانه فيما إذا كان عبادة- كما هو المفروض- إنّما هو لأجل خلوّه عن الأمر و عن الملاك و المناط الذي يكون طريق استكشافه نوعا هو الأمر.

و الوجه في خلوّه ما عرفت من أنّ التقية من موجبات الاضطرار- كما عبّر به عنها في صحيحة الفضلاء المتقدمة- و عليه فموردها من مصاديق المأمور به بالأمر الاضطراري أو الواقعي الثانوي، كالأمر بالصلاة مع التيمم عند عدم وجدان الماء، أو كون استعماله حرجيّا موجبا للوقوع في العسر و المشقة الشديدة. فالمكلف عند تحقق شرائط التيمم لا يكون مكلّفا إلا بالصلاة مع التيمم. و مرجعه إلى عدم كون الصلاة مع الوضوء مأمورا بها

بالإضافة إليه أصلا. و عليه فإذا تحمّل المكلف الحرج و المشقة و توضّأ مكان التيمم، تكون صلاته فاقدة للأمر، و لا تقع صحيحة. و لا دليل على كونها واجدة للملاك و المناط. و لذا رجحنا في البحث عن قاعدة الحرج، أن الترخيص المستفاد منها إنما يكون بنحو العزيمة دون الرخصة.

و هذا بخلاف ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه في بحث الصلاة المزاحمة مع الإزالة التي هي واجب أهم، من أنه لو اختار الصلاة و ترك الإزالة تكون صلاته صحيحة، لأنها و إن لم تكن غير مأمور بها إلّا انّها تشتمل على المناط و الملاك، و هو يكفي في صحة العبارة.

فإن إحراز الاشتمال على الملاك إنما هو لأجل عنوان التزاحم الذي مرجعه إلى ثبوت الملاك في كلا الطرفين- سواء كان هناك أهمّ في البين أم لم يكن- و أمّا في مثل المقام فلا سبيل إلى إحراز الملاك و استكشاف المناط بوجه و الطولية في التقية و مثلها لا تقتضي كون الإتيان بالواقع مجزيا و مسقطا، و عليه فيقوى في النظر رجحان القول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 112

..........

______________________________

بالبطلان.

و أمّا ما حكي عنه الشيخ الأعظم في توجيه التفصيل المتقدم من أن ترك التكتف لا يكون إخلالا بالمأمور به، فإن التكتف واجب مستقل خارج عن المأمور به، فيرد عليه إن أريد باستقلال وجوب التكتف إنه واجب غير مرتبط بالصلاة بل ظرفه إنّما تكون هي الصلاة، فالظاهر عدم كونه بهذه الكيفية واجبا عندهم. و إن أريد به إن الإخلال به لا يوجب الإخلال بالوظيفة المقررة الشرعية من جهة الصلاة، فالظاهر أنه بعد ارتباطه بها تكون الصلاة مع الإخلال به غير ما هو المأمور

به، فيرجع إلى القسم الأوّل، فيبطل التفصيل.

هذا تمام الكلام في مباحث الوقوف بعرفات.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 113

[القول في الوقوف بالمشعر الحرام]

اشارة

القول في الوقوف بالمشعر الحرام يجب الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس، و هو عبادة تجب فيه النيّة بشرائطها، و الأحوط وجوب الوقوف فيه بالنيّة الخالصة ليلة العيد بعد الإفاضة من عرفات إلى طلوع الفجر، ثم ينوي الوقوف بين الطلوعين، و يستحبّ الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بنحو لا يتجاوز عن وادي محسّر، و لو جاوزه عصى و لا كفارة عليه، و الأحوط الإفاضة بنحو لا يصل قبل طلوع الشمس إلى وادي محسّر، و الركن هو الوقوف بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بمقدار صدق مسمى الوقوف- و لو دقيقة أو دقيقتين- فلو ترك الوقوف بين الطلوعين مطلقا، بطل حجّه بتفصيل يأتي. (1)

______________________________

(1) لا خلاف بين المسلمين في أن الوقوف بالمشعر من واجبات الحج و أجزاءه.

و يدل عليه قوله تعالى: .. فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ .. «1» و لذا أطلق عليه عنوان «الفريضة» في الروايات باعتبار دلالة القرآن

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 198.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 114

..........

______________________________

عليه، و على عرفة «السنّة» باعتبار عدم التصريح به. و في جملة من النصوص: «إن من فاته الوقوف بالمشعر فلا حج له» و في بعضها: «إن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» و يطلق عليه «المزدلفة» بكسر اللام و «جمع» بإسكان الميم، و المشعر و أحد المشاعر التي هي مواضع المناسك.

و التسمية بالمزدلفة باعتبار أنه يتقرب فيه إلى اللّٰه تعالى. و في بعض الروايات الصحيحة: «ما للّٰه

تعالى منسك أحبّ إلى اللّٰه تعالى من موضع المشعر الحرام و ذلك أنه يذل فيه كل جبّار عنيد»، أو باعتبار ازدلاف فيها إلى منى بعد الإقامة، أو لمجي ء الناس إليها في زلف من الليل، أو لأنها أرض مستوية مكنوسة، كما أن التسمية بالجمع على ما في بعض الروايات، لأجل أنّ آدم عليه السّلام جمع فيها بين الصلاتين المغرب و العشاء.

و كيف كان ففي بعض كتب اللغة: إن المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة و اسمه قزح.

لكن في القاموس: و وهم من قال جبلا يقرب من البناء الموجود الآن، و هو الظاهر.

و بعد ذلك يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولى: أنه لا شبهة في وجوب الوقوف بعد طلوع الفجر في الجملة. و في جملة من الكتب دعوى الإجماع عليه. إنّما الإشكال في الوجوب قبل طلوع الفجر، فالمشهور- كما قيل- هو العدم، و لكن صاحب الجواهر قد قوى الوجوب، بل نسبه إلى ظاهر الأكثر، و استدل عليه بوجوه:

الأوّل: التأسي بالنبي و الأئمة عليهم السّلام حيث إنهم كانوا يقفون في المشعر قبل طلوع الفجر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 115

..........

______________________________

و يرد عليه أن الفعل أعم من الوجوب، و من المحتمل أنه كان الوجه فيه هو استحبابه أو تأكد استحبابه من دون أن يكون هناك وجوب.

الثاني: صحيحة الحلبي التي رواها عنه معاوية بن عمّار و حمّاد، قال: قال لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا فصلّ بها المغرب و العشاء الآخرة بأذان و إقامتين، و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، و تقول: اللّٰهم هذه جمع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير- إلى آخر الدعاء .. «1». نظرا إلى أن الحياض من حدود المشعر الخارجة

عنه كخروج حدود عرفات عنها على ما مرّ. فالنهي عن تجاوزها في الليلة المزبورة التي تكون تماميتها بطلوع الفجر دليل على وجوب الوقوف قبل الطلوع أيضا.

و يرد عليه مضافا إلى أنّ قرينة السّياق تقتضي كون النّهي للكراهة لا للحرمة، و إلى أنّها أخصّ من المدّعى. لأن عدم تجاوز الحياض يجتمع مع تأخير الإفاضة من عرفات و عدم الورود في المشعر ليلة العيد، إلّا في الأجزاء الآخرة و مع التوقف بين عرفات و المشعر. أنّ الظاهر كون النهي عن تجاوز الحياض بلحاظ التحفظ على إمكان الوقوف بالمشعر، نظرا إلى أنه يحتمل مع التجاوز أن لا يدرك المشعر بين الطلوعين و يفوت عنه كذلك، كالنهي عن الخروج عن مكة، بعد الفراغ عن عمرة التمتع. على ما مرّ التحقيق فيه سابقا من أنّه إنما هو بلحاظ خوف عدم إمكان الرجوع إلى مكة و الإحرام منها لأجل الحج، فلا يكون هناك نهي، بالإضافة إلى من يعلم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، أورد صدرها في الباب السادس، ح 1، و وسطها في الباب الثامن، ح 3، و ذيلها في الباب العاشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 116

..........

______________________________

بإمكان الرجوع و عدم كون الخروج مورد الخوف بالنسبة إليه. و عليه فلا دلالة للصحيحة على ما رامه صاحب الجواهر قدّس سرّه.

ثم إنه جعل فيها هذه الرواية صحيحة معاوية بن عمّار، مع أنك عرفت أنه قد رواها هو و حمّاد عن الحلبي.

الثالث: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث شئت. فإذا وقفت فاحمد اللّٰه عزّ و

جلّ و أثن عليه و اذكر من آلائه و بلائه ما قدرت عليه، و صلّ على النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم .. «1» و في الجواهر: بل ربما ظهر منه المفروغية عن ذلك.

و يرد عليه منع المفروغية، بل غاية مفادها لزوم تحقق الإصباح في المشعر. و من المعلوم أنه لا يتوقف الإصباح على المبيت فيه- الذي هو مدعى صاحب الجواهر قدّس سرّه- ضرورة أن الإصباح يتحقق بالكون فيه قبل الطلوع دقائق فقط، و لا محيص عنه حتى على القول بعدم الوجوب. لأن العلم بتحقق الوقوف من أوّل طلوع الفجر لا يتحقق نوعا إلا بالوقوف فيه قبله الدقائق، كما أن الوقوف في عرفات من أول الزوال بناء على اعتباره لا يتحقق العلم به، إلّا بالوقوف فيها قبل الزوال بالمقدار المذكور، فالرواية أجنبية عن الدلالة على مرامه.

الرّابع: رواية عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سمي الأبطح أبطح، لأن آدم عليه السّلام أمر أن يتبطح في بطحاء جمع، فتبطح حتى انفجر الصّبح، ثم أمر أن يصعد جبل جمع، و أمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك، فأرسل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 117

..........

______________________________

اللّٰه نارا من السماء فقبضت قربان آدم. «1»

و يرد عليه أوّلا ضعف سند الرواية بمحمد بن سنان الواقع في سند الرواية و بعبد الحميد، فلا مجال للاستدلال بها.

و ثانيا عدم انطباقها على المدّعى. لأنّ التبطّح المأمور به بالإضافة إلى آدم عليه السّلام لا يتوقف على المبيت، بل يتحقق بالمكث قبل الفجر و لو بقليل.

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنه لم

ينهض شي ء مما استدل به صاحب الجواهر قدّس سرّه لإثبات مدعاه الذي قواه و نسبه إلى ظاهر الأكثر. نعم حكي عن العلامة في التذكرة أنه استدل للقول بعدم الوجوب مضافا إلى الأصل صحيحة هشام بن سالم و غيره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، و التقدم من مزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس. «2»

نظرا إلى أن الظاهر كون وقوع صلاة الفجر في أوّل وقتها، و هو يستلزم الإفاضة من المشعر قبل الفجر بساعتين أو ساعات. فنفي البأس به ظاهر في عدم وجوب المبيت.

و صحيحة مسمع عن أبي إبراهيم «عبد اللّٰه خ ل» عليه السّلام في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. «3»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 8.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 118

..........

______________________________

بناء على كون المراد من الشرطية الثانية صورة العلم و العمد على ما تقتضيه قرينة المقابلة مع الشرطية الأولى.

هذا، و لكن الظاهر أن الرّواية الأولى تختص بالمعذور بقرينة الروايات الأخرى، و الرواية الثانية على فرض كون المراد منها ذلك- كما فهمه المشهور- يكون الحكم فيها بثبوت دم شاة كاشفا عن ثبوت الإثم و تحقق العصيان الموجب للكفارة نوعا.

لكن سيجي ء التحقيق في معنى الرّواية إن شاء اللّٰه تعالى، كما أنه لا حاجة لإثبات عدم

الوجوب إلى إقامة الدليل عليه، بل القائل بالوجوب لا بدّ له من إقامته.

ثم إنه قال المحقق قدّس سرّه في الشرائع في عدد واجبات الوقوف: و أن يكون الوقوف بعد طلوع الفجر. فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا- و لو قليلا- لم يبطل حجّه، إن كان وقف بعرفات و جبره بشاة، و تجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة و من يخاف على نفسه من غير جبران، و لو أفاض ناسيا لم يكن عليه شي ء.

و البحث معه في أمرين:

الأمر الأوّل: صحة التفريع الذي تفيده كلمة «الفاء» و عدمها. و وجّهه صاحب الجواهر قدّس سرّه بأن المراد من الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور.

و يرد عليه مضافا إلى أنّ التفريع بلحاظ المدلول الالتزامي الذي يدل عليه كلمة الجبر في غير المحل، أن الظاهر كون الجملة التفريعية مسوقة لإفادة عدم بطلان الحج- كما وقع التصريح به فيها.

و من الواضح أنّ تفريع عدم البطلان بترك الواجب على بيان الواجب لا يخلو من التهافت. فإنّ ما يناسب أن يفرّع على بيان الواجب، هو البطلان بتركه، لا عدم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 119

..........

______________________________

البطلان بسبب الترك. نعم تجوز إضافة الحكم بالعدم عليه، لكن الإضافة غير التفريع. و مما ذكرنا ظهر انّه لا وجه للتفريع المذكور في كلام المحقق قدّس سرّه.

الأمر الثاني: صحة الفرع الذي ذكره و عدمها. و المنشأ له صحيحة مسمع المتقدمة آنفا، بناء على كون المراد من الجملة الشرطية الثانية بيان حكم العالم في مقابل الجاهل الواقع في الشرطية الأولى.

و على هذا التفسير تدل الصحيحة على أن الرّكن من الوقوف بالمشعر الذي يوجب الإخلال به عمدا البطلان، أعم مما بين

الطلوعين، فيكون الركن مسمى الوقوف بالمشعر من الليل إلى طلوع الشمس. و عليه فلو أفاض قبل الفجر عامدا بعد أن وقف به ليلا- و لو كان قليلا- لا يتحقق ترك الركن بوجه، لأن مقتضى لزوم الجبر بالشاة عدم البطلان. و لكنه ذكر صاحب الحدائق قدّس سرّه ان معنى الرواية أمر آخر غير ما ذكر. قال: إن الرواية غير ناظرة إلى حكم العامد، و إنما نظرها إلى حكم الجاهل من حيث الإفاضة قبل الفجر و بعده.

فموضوع السؤال في الرّواية أنه وقف مع الناس الوقوف المتعارف. و هو الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، خصوصا أن قوله: «وقف مع الناس» ظاهر جدّا في أنه وقف معهم في هذا الوقت، فإن الناس يقفون و يجمعون في هذا الوقت.

و لكن أفاض قبل أن يفيض الناس. أي: قبل طلوع الشمس. فقال: لا شي ء عليه، ثم إنّ الإمام عليه السّلام تدارك و ذكر انه إنما لا شي ء عليه إذا أفاض بعد الفجر و إن لم يصبر إلى طلوع الشمس. و لكن لو أفاض الجاهل قبل الفجر، فعليه دم شاة.

فالرواية في الحكمين ناظرة إلى حكم الجاهل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 120

..........

______________________________

و أمّا العالم العامد فالرواية ساكتة عنه، و لا دليل عليه بخصوصه. فإذا تشمله الروايات الدالة على أن من لم يدرك المشعر مع الناس، فقد فاته الحج. و لا أقلّ من إجمال رواية مسمع، فالمرجع أيضا تلك العمومات الدالة على بطلان الحج بترك الوقوف في المشعر.

فحاصل المعنى من الرواية بعد فرض الإفاضة في كلام السائل بعد الفجر و قبل طلوع الشمس هكذا: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه في إفاضته في ذلك الوقت، و إن

كانت إفاضته قبل طلوع الفجر، فعليه شاة.

و الإنصاف أن ما أفاده في معنى الرواية مما تقتضيه الدقة فيه. و قد أيّده بعض الأعلام قدّس سرّه بصحيحة عليّ بن رئاب، ان الصّادق عليه السّلام قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى إلى منى متعمّدا أو مستخفّا فعليه بدنة. «1»

نظرا إلى أن وجوب البدنة على المتعمد يكشف عن أنّ وجوب الشاة عليه- كما في رواية مسمع في مورد الجاهل- و إلّا فكيف يحكم في مورد واحد تارة بأنه عليه شاة، و أخرى بأنّه عليه بدنة.

هذا و لا يخفى جريان المناقشة في التأييد. و إن كان أصل ما أفاده صاحب الحدائق حقّا. فإنه لو قلنا بأن الشرطية الثانية في رواية مسمع واردة في مورد العالم المتعمد- كما فهمه الأكثر و منهم المحقق في الشرائع على ما عرفت في عبارته المتقدمة و صاحب الجواهر في الشرح- يكون موردها مختلفا مع مورد هذه الرواية. و لا يستلزم الحكم في مورد واحد تارة بثبوت الشاة و أخرى بثبوت البدنة، ضرورة أنّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السادس و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 121

..........

______________________________

مورد رواية مسمع من وقف بالمشعر و أحدث الوقوف فيه مع النية و سائر الشرائط المعتبرة فيها. غاية الأمر أنه أفاض قبل طلوع الفجر مع أنه لم يكن له الإفاضة حينئذ.

و أمّا مورد هذه الرواية فهو «من ترك الوقوف بالمشعر رأسا» لأن التعبير الوارد فيها «انه لم يلبث بعد الإفاضة من عرفات بالمشعر أصلا بل مضى إلى منى» و من المعلوم أنّ مجرد الكون في المشعر مقدارا من الزمان في حال السير و

الحركة لا يكفي في الوقوف الذي تعتبر فيه النيّة و غيرها.

و عليه فمورد هذه الرواية هو ترك الوقوف بالمشعر رأسا مع العلم و العمد. و من الواضح أنه يوجب بطلان الحج في هذا الحال، بعد كون الوقوف بالمشعر ركنا- كالوقوف بعرفة.

و بالجملة ظاهر رواية مسمع ثبوت كفارة الشاة مع عدم بطلان الحج. و أمّا هذه الرواية فالحكم بثبوت كفارة البدنة إنّما هو لأجل البطلان. فيكون الموردان مختلفين و لأجل ما ذكرنا ترى أن صاحب الوسائل ذكر في عنوان الباب الذي لم يورد فيه إلّا هذه الرواية باب ان من ترك الوقوف بالمشعر عمدا بطل حجّه و لزمه بدنة، فالتأييد في غير محلّه.

الجهة الثانية: في أن الوقوف الواجب بين الطلوعين يجب أن يكون شروعه من حين طلوع الفجر و منتهاه طلوع الشمس. فيجب الاستيعاب بالإضافة إلى أجزاء هذا الزمان- كما هو المشهور- أم لا يجب الاستيعاب- كما يظهر من جماعة منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 122

..........

______________________________

و قد استدل لعدم الوجوب من طلوع الفجر، بقوله عليه السّلام في صدر رواية معاوية بن عمار المتقدمة: أصبح على طهر بعد ما تصلّى الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل و إن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد اللّٰه و أثن عليه .. «1» نظرا إلى ظهوره في عدم وجوب النيّة عند طلوع الفجر.

و الظاهر ابتناءه على كون الظرف في قوله بعد ما تصلّى الفجر متعلّقا بالإصباح.

و عليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتأخر عن طلوع الفجر، فيكون الوقوف متأخرا عن الطلوع، مع أنّ الظاهر إن الإصباح الذي يكون معناه هو الدخول في الصبح و الورود فيه لا يلتئم مع البعدية

عن صلاة الفجر، و إن كانت واقعة في أوّل وقتها- كما هو المتعارف خصوصا في المشاعر و المواضع المعدة للعبادة- فإنّ الإصباح قد تحقق قبلها لا محالة.

فاللازم أن يقال بتعلق الظرف بالطهر و مرجعه إلى إدامة الكون على حالة الطهارة بعد صلاة الفجر المقارنة مع هذه الحالة لا محالة. و عليه فالوقوف واقع عقيب الإصباح المتحقق بطلوع الفجر. فالاستدلال في غير المحلّ.

كما أنه قد استدل لعدم الوجوب في ناحية المنتهى، و هو طلوع الشمس بعدّة من الروايات:

منها: ذيل الصحيحة المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام: ثم أفض حيث يشرق لك بثير و ترى الإبل مواضع أخفافها. «2» و قد رواه في الوسائل بالفاء بقوله «حيث

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الحادي عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 123

..........

______________________________

يشرف» مع أن الظاهر كونه بالقاف لشهرة هذا التعبير، مع كونه في المصدر أيضا كذلك.

قال في الجواهر: «إن الأمر بالإضافة حين يشرق له ثبير و حين ترى الإبل مواضع أخفافها» أعم من ذلك- أي من طلوع الشمس- و الظاهر إرادة الأسفار من الإشراق فيه بقرينة قوله: «و ترى الإبل» إلى آخره الذي لا يعبر به عن بعد طلوع الشمس. و منه يعلم رجحان ما قلنا على صورة العكس.

و يرد عليه أوّلا:

أن قوله «يشرق لك ثبير» الذي معناه الحقيقي هو إشراق ثبير الذي هو جبل بمكة. و الظاهر أن خصوصيته إنما هي بلحاظ كونه أوّل جبل يطلع الشمس عليه من ناحية المشرق له معنى كنائي و هو طلوع الشمس.

و من الواضح أن الاستعمالات الكنائية يكون المقصود الأصلي ما هو الملزوم، لا المعنى

الحقيقي الذي هو لازم لذلك المعنى. و الملاك في الصدق و الكذب فيها هي مطابقة المقصود الأصلي للواقع و عدم مطابقته لا مطابقة المدلول المطابقي و مخالفته.

فقوله: زيد كثير الرماد يكون الملاك في صدقه و كذبه هو كونه ذا جود و سخاء و عدم كونه كذلك، لا كونه كثير الرّماد واقعا و عدمه.

و الدليل على كون المعنى الكنائي في المقام هو طلوع الشمس، مضافا إلى دلالة اللغة عليه تفسيره بذلك في بعض الروايات المعتبرة. ففي رواية معاوية بن عمار- التي يحتمل قويّا أن تكون هي الرواية المتقدمة، غاية الأمر اشتمالها على إضافة في الذيل- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: «ثم أفض حيث يشرق لك ثبير و ترى الإبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 124

..........

______________________________

مواضع أخفافها» قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: «كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير يعنون الشمس كيما يغير (نغير) و إنّما أفاض رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خلاف أهل الجاهلية كانوا يفيضون بإيجاف الخيل و إيضاع الإبل، فأفاض رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خلاف ذلك بالسكينة و الوقار و الدعة، فأفض بذكر اللّٰه و الاستغفار و حرّك به لسانك». «1»

و العجب أنّ صاحب الوسائل نقل قوله: «حيث يشرق» أيضا بالفاء مكان القاف، و لم ينقل قوله: «يعنون الشمس» مع وجوده في المصدر الذي هو التهذيب على ما راجعت. و عليه فالرواية دالة على التفسير بطلوع الشمس. و أمّا قوله: «كيما نغير» ففي محكي النهاية: «أشرق ثبير كيما نغير» أي نذهب سريعا. يقال: أغار إذا أسرع في العدو. و قيل: أراد نغير على لحوم الأضاحي من الإغارة

و النهب. و في القاموس: غار أسرع و منه أشرق ثبير كيما نغير، أي: نسرع إلى النحر. و أمّا قوله:

إيضاع الإبل ففي الصحاح: وضع البعير أو غيره. أي: أسرع في سيره. و عليه فلا يبقى مجال لتفسيره بالأسفار- كما في الجواهر.

و منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تجاوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس. «2» بناء على كون المراد من التجاوز المنهي عنه هو العبور و المجاوزة المتحققة بالعبور عن جميع أجزاء الوادي.

و من الواضح أن وادي محسّر من حدود المشعر الخارجة عنه، و هو الواقع بين المشعر و منى. و لا يكون جزء من شي ء منهما. فتدل الرواية على جواز الخروج من

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 125

..........

______________________________

المشعر قبل طلوع الشمس بشرط عدم التجاوز عن الوادي المذكور.

هذا، و لكن الظّاهر أن المراد من التجاوز المنهي عنه هو الدخول. و معناه النهي عن الدخول في الوادي الملازم للخروج عن المشعر قبل الطلوع، كما أن المراد من التجاوز المنهي عنه في ليلة المزدلفة بالإضافة إلى الحياض الذي هو أيضا من حدود المشعر، قد عرفت انّه الدخول فيه، لا العبور عنها.

و يؤيده بل يدل عليه أنه لو كان المراد منه ذلك لكان المناسب التعبير بالدخول في منى، لأن التجاوز عن وادي محسّر يلازم الدخول و الورود فيها. فالتعبير بالتجاوز دونه قرينة على كون المراد منه هو الدخول. و العجب من صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث جعل الصحيحة دالة على مرامه، و ان جعل التجاوز المنهي عنه بمعنى

الدخول، نظرا إلى أنه أعم من الأسفار المتحقق قبل طلوع الشمس مع أنه على هذا التقدير لا يبقى للأسفار موقع أصلا.

و منها: مرسلة ابن مهزيار عمّن حدثه عن حماد بن عثمان عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، و سائر النّاس إن شاءوا عجّلوا، و إن شاءوا أخّروا. «1»

و المراد بالإمام هو أمير الحاج. و الرواية ظاهرة في جواز تعجيل سائر الناس عنه، و لازمة الخروج عن الموقف قبل طلوع الشمس.

و لكن الرواية مضافا إلى كونها غير معتبرة بسبب الإرسال، فلا ينبغي الاتكال عليها تجري المناشقة في دلالتها أيضا، نظرا إلى أن المناسبة تقتضي أن يكون المراد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 126

..........

______________________________

بوقوف الإمام بالمشعر هو الوقوف في خصوص الموضع الذي اختاره للوقوف من المشعر و كان الناس يرجعون إليه في مقاصدهم و مشاكلهم، لا الوقوف الشامل للخروج عن ذلك الموضع و الحركة عنه بطرف منى، و إن كان محل سيره و حركته هو المشعر بعد.

و عليه فالمراد من تعجيل الناس هو تعجيلهم في الحركة عن الموضع الذي قد اختاروه للوقوف بجمع أثاثهم و لوازمهم. و من الواضح أن الحركة عنه لا تستلزم الورود في وادي محسّر، بل يحتاج إلى زمان معتد به و حركة معتد بها. فلا دلالة للرواية على مرام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و منها: موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام أيّ ساعة أحبّ إليك أن أفيض من جمع؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل، فهو أحبّ السّاعات إليّ، قلت: فإن مكثنا

حتى تطلع الشمس؟ قال: لا بأس. «1»

و الجواب عن الاستدلال بها هو الجواب عن الرواية السابقة، بالإضافة إلى الدلالة و يزيده وضوحا في هذه الرواية السؤال الثاني الظاهر في وجود الشبهة للسائل من جهة أصل الجواز، فسئل عن جواز المكث حتى طلوع الشمس، مع أنه لو كان المراد منها ما أفاده صاحب الجواهر و لازمة أن يكون المراد هو المكث في المشعر حتى طلوع الشمس لم يكن في البين ما يوجب الشبهة و الارتياب. فإن جوازه يكون أمرا مسلّما لا شبهة فيه. و قد احتاط رعايته صاحب الجواهر، فاللازم أن يقال بأن المراد به هو المكث في خصوص الموضع الذي اختار الوقوف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 127

..........

______________________________

فيه من المشعر.

و حيث إنه عليه السّلام حكم بأن الساعة التي يجب الإفاضة فيها من المشعر، هو قبل طلوع الشمس بقليل توهم السائل ان التأخير عنها حتى تطلع، هل يكون جائزا أم لا؟

فأجاب عليه السّلام بنفي البأس. فالموثقة ظاهرة في خلاف ما عليه الجواهر، فتدبر.

الجهة الثالثة: فيما هو الركن من الوقوف بالمشعر. ففي المتن أن الرّكن هو المسمّى من الوقوف بين الطلوعين. و عليه فالإخلال به عمدا يوجب بطلان الحج، كما صرّح به ابن إدريس و قال العلامة في المختلف، إن قول الشيخ في الخلاف يوهم ذلك. فإنه قال: فإن دفع قبل طلوع الفجر مع الاختيار لم يجزئه. و في الجواهر: أنه ربما كان هذا ظاهر عبارة الدروس بناء على إرادة عدم الدخول في وادي محسّر، من قوله فيها:

و لما يتجاوز، و تبعه الكركي و ثاني الشهيدين.

أقول: لا بد في هذه الجهة من

ملاحظة أمرين:

الأوّل: عدم سعة دائرة الركن بالإضافة إلى الوقوف قبل طلوع الفجر. و حيث إن المختار عندنا عدم وجوب الوقوف قبله. فيظهر عدم سعة دائرته بالنسبة إليه، لأنّه بعد عدم اتصافه بالوجوب لا مجال للاتصاف بالركنيّة أصلا، لأن الركنيّة إنّما هي في المرتبة المتأخرة عن الوجوب، لأنه لا يجتمع الاستحباب مع الركنيّة بوجه.

الثاني: إن الركن الذي تكون دائرته محدودة بما بين الطلوعين يكون مجرد المسمّى لا المجموع. و يدل عليه مضافا إلى اتفاق الأصحاب على أن الركن هو المسمى- سواء قيل بسعة دائرته بالإضافة إلى قبل طلوع الفجر، أم لم يقل بذلك- الرّوايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 128

..........

______________________________

الكثيرة التي يستفاد منها ذلك، مثل:

صحيحة محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس، فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فان شاء أقام بمكّة و إن شاء رجع، و عليه الحج من قابل. «1»

و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج. «2»

و رواية إسحاق بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل دخل مكّة مفردا للحج فخشي أن يفوته الموقف، فقال: له يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حجّ، فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكّة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة. فقلت له: إذا صنع ذلك

فما يصنع بعد؟

قال: إن شاء أقام بمكة و إن شاء رجع إلى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء، و إن شاء رجع إلى أهله و عليه الحج من قابل. «3»

و صحيحة عبيد اللّٰه و عمران ابني عليّ الحلبيين عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج. «4» بناء على كون المراد بفوت المزدلفة هو فوتها في جميع أجزاء بين الطلوعين لا في المجموع. و الأوّل هو الظاهر. و غيرها من الروايات.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 10.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 5.

(4) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 129

..........

______________________________

الجهة الرابعة: في لزوم تعدد النية و عدمه. فنقول: قال في محكي المسالك: ثم إن لم نقل بوجوبه (أي المبيت) فلا إشكال في وجوب النيّة للكون عند الفجر، و إن أوجبنا المبيت فقدم النيّة عنده، ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر، و يظهر من الدروس عدم الوجوب.

و ينبغي أن يكون موضع النزاع ما لو كانت النيّة للكون به مطلقا، أمّا لو نواه ليلا أو نوى المبيت- كما هو الشائع في كتب النيّات المعدة لذلك- فعدم الاجتزاء بها عن نيّة الوقوف نهارا متّجه، لأن الكون ليلا و المبيت مطلقا لا يتضمنان النّهار، فلا بد من نيّة أخرى، و الظاهر أن نيّة الكون به عند الوصول كافية عن النيّة نهارا، لأنه فعل واحد إلى طلوع الشمس- كالوقوف بعرفة- و ليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك.

و أورد عليه في

الجواهر بقوله: و هو محلّ النظر، إذ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الاجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل، كما أن الوجوب بخصوصه لا يقتضي الاجتزاء بالنيّة الواحدة، مع فرض وجوب الكون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بخصوصه، على وجه يكون فعلا مستقلّا، كما هو الظاهر من نصّهم عليه بالخصوص.

أقول: الظاهر أنه على تقدير القول بوجوب الوقوف قبل طلوع الفجر أيضا هو الاجتزاء بالنيّة الواحدة. لأنه من المستبعد أن يكون في الوقوف بالمشعر واجبان مستقلان. خصوصا مع التسانخ و الاتصال و عدم الانفصال.

و أمّا بناء على ما في المتن من كون الوقوف الواجب إنّما هو الوقوف بين الطلوعين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 130

..........

______________________________

و أن مقتضى الاحتياط الوجوبي هو الوقوف قبل طلوع الفجر بعد الوصول إلى المشعر. فالظاهر أنه لا مجال للاكتفاء بالنية الواحدة، لأنّ نيّة الواجب المحرز تغاير نية الواجب الاحتياطي، و لا يمكن الاجتزاء بالثانية في الواجب المحرز. و عليه فاللازم- كما في المتن- هو التعدّد.

بقي في المتن قوله: «و تستحب الإفاضة ..» و منشأ الاستحباب ما تقدم من بعض الروايات الدالة على ذلك، و انّ أحبّ الساعة إليه عليه السّلام ذلك. و قد مرّ أن المراد من عدم التجاوز عدم الدخول، كما أنه على تقدير الدخول لا كفارة عليه. و إن حكي عن بعض المشايخ ذلك، لكنه لا دليل عليه إلّا الفقه الرضوي الذي لا اعتبار به، و لا مجال للقياس على الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس، لبطلان القياس.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 131

[مسألة 1] في جواز الإفاضة في الليل للضعفاء

مسألة 1- يجوز الإفاضة من المشعر ليلة العيد، بعد وقوف مقدار منها

للضّعفاء- كالنّساء و الأطفال و الشيوخ- و من له عذر- كالخوف و المرض- و لمن ينفر بهم و يراقبهم و يمرضهم، و الأحوط الذي لا يترك أن لا ينفروا قبل نصف الليل. فلا يجب على هذه الطوائف الوقوف بين الطلوعين. (1)

______________________________

(1) قال في محكي المنتهى: يجوز للخائف و النساء و لغيرهم من أصحاب الأعذار و من له ضرورة، الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة. و هو قول كل من يحفظ عنه العلم.

و قال في المدارك عقيب قول المحقق: «و تجوز الإفاضة للمرأة و من يخاف على نفسه من غير جبران»: هو مجمع عليه بين الأصحاب. و المنشأ وجود روايات متعددة في هذا الباب، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار المفصلة المشتملة على بيان حجّ النبيّ في حجة الوداع المتضمّنة لقوله عليه السّلام: ثم أفاض و أمر الناس بالدّعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة و هي المشعر الحرام، فصلّى المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين، ثم أقام فصلّى فيها الفجر و عجّل ضعفاء بني هاشم باللّيل .. «1»

و صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك، معنا نساء

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 132

..........

______________________________

فأفيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم، ما تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم؟ قلت: نعم، قال: أفض بهنّ بليل، و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح، فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن و يمضين إلى مكّة في وجوههنّ، و يطفن بالبيت و

يسعين بين الصفا و المروة، ثم يرجعن إلى البيت و يطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجّهن، و قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أرسل معهنّ أسامة. «1»

و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للنساء و الصّبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلّوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكّة و وكّلن من يضحي عنهنّ. «2»

و صحيحة أخرى، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: لا بأس بأن يقدم النّساء إذا زال الليل فيفضن عند المشعر الحرام في ساعة، ثم ينطلق بهنّ إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن و ينطلقن إلى مكّة فيطفن، إلّا أن يكن يردن أن يذبح عنهنّ فإنهنّ يوكلن من يذبح عنهنّ. «3» و الظاهر أن المراد من زوال الليل هو انتصافه، لا زواله بمعنى ارتفاعه و دخوله الفجر. فإنه كان المناسب حينئذ التعبير بطلوع الفجر، لا زوال الليل.

و مرسلة جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا بأس أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 133

..........

______________________________

يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا. «1»

و رواية علي بن عطيّة، قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام بن عبد الملك الكوفي، فكان هشام خائفا فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أيّ

شي ء أحدثنا في حجّنا؟ فنحن كذلك إذ لقينا أبا الحسن موسى قد رمى الجمار و انصرف، فطابت نفس هشام. «2»

إذا عرفت ذلك، فالكلام يقع في أمور:

الأمر الأول: لا إشكال في دلالة كثير من الروايات المتقدمة على جواز التعجيل بالنساء للإفاضة من المشعر في الليل و قبل طلوع الفجر، و كذا الشيوخ و الصبيان، و قد وقع التصريح في إحدى روايتي أبي بصير.

و أمّا الشيوخ، فهم داخلون في الضعفاء الذي يستفاد جواز تعجيلهم من صحيحة معاوية بن عمّار، و كذا يستفاد الجواز لمن ينفر بهم من صحيحة سعيد الأعرج الدالة على أن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أرسل مع النساء أسامة.

و أمّا الخائف، فيدل على جواز تعجيله المرسلة و الرواية الأخيرة، و إن كان فيهما ضعف من حيث السند، فهو منجبر بفتوى المشهور، على ما يستفاد من تعبير المنتهى و المدارك، على ما مرّ في أوّل البحث.

و أمّا المريض، فيدل على جواز تعجيله مضافا إلى إمكان دعوى انطباق عنوان الضعيف عليه لحاجته إلى غيره نوعا استفادة المناط من الجواز في مثل النساء

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمى جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 134

..........

______________________________

و الخائف، فإن العرف يستفيد من العنوانين ثبوت العذر، سواء كان أصليا- كما في الأوّل- أو عارضيّا- كما في الثاني- و المرض من هذا القبيل، خصوصا مع ملاحظة عطف جميع أصحاب الأعذار و من له ضرورة على الخائف و النساء في عبارة المنتهى المتقدّمة. مع أنّ الظاهر إن تعجيل أبي الحسن عليه السّلام على ما في رواية ابن عطية كان

لأجل مرضه، لأنه بدونه لا وجه له.

و أمّا الناسي، فيدل على جواز إفاضته حديث رفع الخطأ و النسيان. كما أنه لا كفارة عليه.

و أمّا الجاهل، فبناء على التفسير المتقدم عن صاحب الحدائق الذي اخترناه في رواية مسمع المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله: «و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» يكون مفادها ثبوت الكفارة على الجاهل الذي أفاض قبل طلوع الفجر. و ثبوت الكفارة يكشف عن ثبوت الحرمة و تحقق الإثم- كما اعترف به صاحب الجواهر- و عليه فلا يجوز للجاهل الإفاضة المذكورة للرّواية.

الأمر الثاني: ان ظاهر المتن أن مقتضى الاحتياط الوجوبي أن لا ينفروا قبل نصف الليل. و يظهر من الجواهر كون الاحتياط المذكور استحبابيّا، حيث قال:

و ينبغي للمعذورين أن لا يفيضوا إلّا بعد انتصاف الليل.

و لم يظهر لي وجه لهذا الاحتياط، إلّا قوله عليه السّلام في إحدى روايتي أبي بصير: «إذا زال الليل» بناء على كون المراد من زواله هو انتصافه لا زواله و ارتفاعه.

الأمر الثالث: ان الظاهر هو الاختلاف بين الطوائف المذكورة من جهة أنه لا يجب على النساء و الشيوخ العود إلى المشعر لإدراك الوقوف بين الطلوعين، و إن كانا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 135

[مسألة 2] في ما لو خرج قبل طلوع الفجر متعمدا

مسألة 2- من خرج قبل طلوع الفجر بلا عذر و متعمّدا و لم يرجع إلى طلوع الشمس فإن لم يفته الوقوف بعرفات و وقف بالمشعر ليلة العيد إلى طلوع الفجر، صحّ حجّه على المشهور و عليه شاة. لكن الأحوط خلافه، فوجب عليه بعد إتمامه الحجّ من قابل، على الأحوط. (1)

______________________________

قادرين على ذلك، بخلاف غيرهما من الخائف و المريض و من ينفر بالنساء و يمرض المريض، فإنه بعد

جواز الإفاضة لهم يكون الجواز باقيا ما دام كان العنوان باقيا.

و أمّا إذا ارتفع الخوف و المرض بعد الإفاضة، و أمكن العود إلى المشعر للوقوف المذكور فالظاهر هو الوجوب، خصوصا بعد كون الواجب محدودا ببين الطلوعين و كون الركن مسمّى هذا الواجب. و جواز الإفاضة لا يستلزم جواز عدم العود بعد زوال العنوان و إمكانه. و منه يظهر الحال بالإضافة إلى من ينفر بهم، و كذا بالإضافة إلى الجاهل و الناسي بعد زوال الجهل و النسيان بطريق أولى، فتدبر.

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة في أوائل بحث الوقوف بالمشعر. و تقدم أن المستند في ذلك هي رواية مسمع المتقدمة «1» على ما فهم منها المشهور. و مرّ أيضا أن مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق.

و عليه لا دلالة لها على صحة الحج في مفروض المسألة، بل مقتضى ما تقدم من أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثامن عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 136

..........

______________________________

الركن في باب الوقوف بالمشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين هو البطلان، للإخلال به متعمّدا، فيجب عليه بعد الإتمام، الحج من قابل.

و الذي ينبغي البحث عنه هنا، أنه لو سلم دلالة الرواية على مرام المشهور فما الوجه في تقييد الحكم بعدم فوت الوقوف بعرفات- كما في المتن- تبعا للمحقق في الشرائع مع أنه لا يوجد هذا التقييد في الرّواية أصلا؟

و الظاهر أن الوجه في عدم تقييد الحكم به في الرواية أن الصحة التي دلت عليه الرواية على هذا التقدير هو حكم حيثي، و بالإضافة إلى خصوصية الوقوف بالمشعر و لا يكون حكما مطلقا حتى يكون مقتضى إطلاقه عدم الفرق

بين صورة إدراك الوقوف بعرفات و صورة الفوت- كما في جميع الموارد التي يحكم فيها بالصحة في الأعمال المركّبة- فإن الظاهر ثبوت الفرق فيها بين الحكم بالصحة و الحكم بالبطلان.

فإنّ الأوّل إضافي و الثاني مطلق. و عليه فلا بد في الحكم بالصحة المطلقة من فرض عدم فوت الوقوف بعرفة، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 137

[مسألة 3] في ما لو لم يدرك الوقوف بين الطلوعين و الوقوف بالليل لعذر

مسألة 3- من لم يدرك الوقوف بين الطلوعين و الوقوف باللّيل لعذر و أدرك الوقوف بعرفات، فإن أدرك مقدارا من طلوع الفجر من يوم العيد إلى الزّوال و وقف بالمشعر و لو قليلا، صحّ حجّه. (1)

______________________________

(1) من لم يدرك الوقوف بالمشعر أصلا لا في الليل و لا فيما بين الطلوعين و كان السبب في عدم الإدراك هو العذر، كما إذا أفاض من عرفات بعد غروب الشمس و لم يصل إلى المشعر لأجل الانحراف عن طريقه أو كثرة الزحام و الوسائل النقلية و عدم إمكان المشي بدونها. فالظاهر أن وقت الوقوف بالمشعر يمتدّ بالإضافة إليه إلى زوال الشمس.

و حكى ابن إدريس عن السيّد: الامتداد إلى الغروب، لكن في محكي المختلف أنكره أشدّ الإنكار. و قد ادعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه على الأوّل.

و منشأه روايات متعددة واردة في هذه المجال، مثل:

صحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النّحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ. «1»

و رواية عبد اللّٰه بن المغيرة، قال: جاءنا رجل بمنى، فقال: إنّي لم أدرك الناس بالموقفين جميعا- إلى أن قال- فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر،

فقد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 138

..........

______________________________

أدرك الحج. «1»

و رواية يونس ان عبد اللّٰه بن مسكان لم يسمع من أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إلّا حديث «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج» قال: و كان أصحابنا يقولون من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج. فحدثني محمد بن عمير و أحسبه رواه: إن من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحجّ. «2»

و رواية الحسن العطّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى، و لا شي ء عليه. «3»

و غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 13.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 139

[مسألة 4] في أقسام إدراك الوقوفين

1- إدراك اختياريهما 2- عدم إدراك الاختياري و الاضطراري منهما

مسألة 4- قد ظهر ممّا مرّ أنّ لوقوف المشعر ثلاثة أوقات: وقتا اختياريّا و هو بين الطلوعين، و وقتين اضطراريين: أحدهما ليلة العيد لمن له عذر، و الثاني من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال كذلك. و أنّ لوقوف عرفات وقتا اختياريّا و هو من زوال يوم عرفة إلى الغروب الشرعي، و اضطراريا و هو ليلة العيد للمعذور. فحينئذ بملاحظة إدراك أحد الموقفين أو كليهما اختياريا أو اضطراريا، فردا و تركيبا، عمدا أو جهلا أو نسيانا أقسام كثيرة. نذكر ما هو مورد الابتلاء:

الأوّل: إدراك

اختياريهما. فلا إشكال في صحة حجّه من هذه الناحية.

الثاني: عدم إدراك الاختياري و الاضطراري منهما، فلا إشكال في بطلانه، عمدا كان أو جهلا أو نسيانا، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الذي للحج، و الأولى قصد العدول إليها، و الأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه، و لو كان عدم الإدراك من غير تقصير لا يجب عليه الحج إلّا مع حصول شرائط الاستطاعة في القابل، و إن كان عن تقصير يستقر عليه الحج و يجب من قابل، و لو لم يحصل شرائطها. (1)

______________________________

(1) أشار في المتن إلى أنّ منشأ الأقسام الكثيرة تعدّد الموقف و ثبوت الاختياري و الاضطراري لكل منهما، بل ثبوت اضطراريين للثاني من جهة و كون الإدراك فردا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 140

..........

______________________________

و ممتزجا تركيبيّا من جهة ثانية. و كون المنشأ لعدم الإدراك، التعمد أو الجهل أو النسيان من جهة الثالثة، فاللازم التعرض لما وقع التعرض له في المتن مما هو مورد الابتلاء، فنقول:

أمّا القسم الأوّل: و هو فرض إدراك الاختياري من الوقوفين، فلا إشكال في صحة الحج فيه من هذه الجهة، و إن كان يمكن عروض البطلان له من ناحية- مثل الجماع على ما مرّ تفصيله.

و أمّا القسم الثاني: الذي يكون مقابلا للقسم الأوّل، و هو ما إذا لم يتحقق إدراك شي ء من الوقوفين لا الاختياري و لا الاضطراري. فالكلام فيه يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في بطلان الحجّ و الذي يحتاج إلى إقامة الدليل صورة عدم التعمد، لأنّ مقتضى الركنية البطلان مع الإخلال بواحد منهما عمدا، فضلا عن كليهما.

و الدليل عليه الروايات الكثيرة الدالة عليه، مثل:

صحيحة الحلبي: قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات، فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّٰه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل. «1»

فإنّ قوله عليه السّلام في الذيل: «فإن لم يدرك المشعر الحرام» إن كان المراد منه هو عدم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الثاني و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 141

..........

______________________________

إدراكه بكلا وقتية الاختياري و الاضطراري- أي: النهاري الذي يكون شروعه من طلوع الشمس و منتهاه الزوال- فيدلّ على البطلان بالمطابقة في المقام، و هو عدم الإدراك لعذر. و إن كان المراد منه هو عدم إدراكه بوقته الاختياري الذي وقع التعرض له قبله، فدلالته على البطلان في المقام إنما هي بالأولوية- كما لا يخفى- و على أيّ تدل الرواية على البطلان مع عدم الإدراك لعذر.

و صحيحة عبيد اللّٰه و عمران ابني عليّ الحلبيّين عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فاتتك المزدلفة، فقد فاتك الحج. «1» و الرواية دالة بالمنطوق على أن فوت المزدلفة سبب لفوت الحج و عدم إمكان إدراكه. و القدر المتيقن من موردها هو المقام من جهة كون المفروض فيه فوت الوقوف بعرفات أيضا، و من جهة كون فوت المزدلفة شاملا لفوت أوقاته الثلاثة بأجمعها، و من جهة كون الفوت

لو لم يكن منحصرا بالفوت لعذر فلا أقل من شموله له و عدم الاختصاص بخصوص الترك عن عمد- كما لا يخفى.

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك جمعا فقد أدرك الحج .. «2» فإن المتفاهم العرفي منها أنه مع عدم إدراك الجمع و المشعر الحرام لا يكاد يتحقق إدراك الحج بوجه.

و صحيحة ضريس بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتّعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر، فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التلبية

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، باب الخامس و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 142

..........

______________________________

حتى يدخل مكة، فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف إلى أهله إن شاء. و قال: هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط فإن عليه الحج من قابل. «1»

قال في الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ: و رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب، إلّا أنه قال: يقيم بمكة على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل الحرم، فيطوف بالبيت و يسعى و يحلق رأسه و يذبح شاته- إلى أن قال:- عند إحرامه أن يحلّه حيث حبسه. فإن لم يشترط. فإن عليه الحج و العمرة من قابل.

و الظاهر بقرينة تعين الحلق، كون المراد من الأعمال التي يجب عليه الإتيان بها هي أعمال العمرة المفردة، مع أن عمرة التمتع لا تتخلف عن الحج.

و صحيحة حريز، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن مفرد الحج، فاته الموقفان جميعا، فقال

له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت الشمس يوم النحر، فليس له حجّ و يجعلها عمرة، و عليه الحجّ من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن شاء أقام بمكّة، و إن شاء أقام بمنى مع النّاس، و إن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شي ء. «2»

و صحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس، فقد أدرك الحجّ. «3»

و غير ذلك من الروايات الدالة عليه. و معها لا يبقى مجال للإشكال في البطلان، مع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 143

..........

______________________________

أنه لم ينقل الخلاف فيه عن أحد.

المقام الثاني: في أنه بعد بطلان الحج فيما هو المفروض من فوت الموقفين مطلقا، لا شبهة في لزوم الإتيان بالعمرة المفردة، سواء كان إحرامه الأول للحج أو لعمرة التمتع- كما في مورد صحيحة ضريس المتقدمة- و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه أنّ النصوص في أعلى درجات الاستفاضة، إن لم تكن متواترة بمعنى القطع بما تضمّنه من وجوب العمرة حينئذ. إنما الإشكال في أنه هل يجب عليه نية العمرة، بمعنى قلب إحرامه السابق إليها بسبب نية العدول، أو يتحقق الانقلاب إليها قهرا من دون توقف على نيّة العدول؟ ظاهر الروايات الواردة في هذا المجال مختلف، فطائفة منها ظاهرة في النية و طائفة أخرى ظاهرة في الانقلاب القهري.

أمّا الطائفة الأولى: فهي الروايات الدالة على أنه

يجعلها عمرة مفردة، مثل:

ذيل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المقام الأوّل، و هو قوله: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام أيّما حاجّ سائق للهدي، أو مفرد الحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل. «1»

و صحيحة حريز المتقدمة آنفا. «2»

و صحيحة الحلبي المتقدمة في صدر المقام الأوّل أيضا. «3»

و أمّا الطائفة الثانية: فهي ما تدل بظاهرها على الانقلاب القهري و صيرورة الحج بعد بطلانه و فواته عمرة مفردة كذلك، مثل:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 144

..........

______________________________

رواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس، فهي عمرة مفردة و لا حجّ له، فإن شاء أقام بمكّة و إن شاء رجع و عليه الحجّ من قابل. «1»

و روى مثلها محمد بن سنان، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام و ذكر نحوه. «2»

و صحيحة ضريس المتقدمة آنفا. «3»

و صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل جاء حاجّا ففاته الحج و لم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراما أيّام التشريق و لا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصّفا و المروة و أحلّ و عليه الحج من قابل،

يحرم من حيث أحرم. «4» و بعض الروايات الأخر.

و الظاهر أن دلالة هذه الطائفة على الانقلاب القهري أظهر من دلالة الطائفة الأولى على اعتبار نيّة التبدّل و الانقلاب، فيجب حملها عليها بكون مفادها هو لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة عن نيّة و اختيار و إن لم يكن الانقلاب مفتقرا إلى النيّة و القصد، لكن الاحتياط رعاية النيّة- كما في المتن- تبعا للجواهر.

بقي الكلام في هذا القسم في أمرين:

الأمر الأوّل: في لزوم الإتيان بالحج في العام القابل و عدمه. قال المحقق في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 145

..........

______________________________

الشرائع: من فاته الحج تحلّل بعمرة مفردة ثم يقضيه إن كان واجبا على الصفة الّتي وجب تمتعا أو قرانا أو إفرادا. و قد فسّره صاحب الجواهر بأن المراد بالوجوب ما إذا كان وجوب الحج قد استقر عليه أو استمرّ إلى العام القابل، و عليه فمقتضى كلام المحقق أنه لا يجب عليه الإتيان بالحج في القابل، إذا كان الحج واجبا عليه في هذا العام أو مستحبّا و لم تستمرّ الاستطاعة إلى العام القابل.

و عن الصدوق في الفقيه و الشيخ في التهذيب: إنّ من اشترط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء، و مع عدم الاشتراط يجب عليه الحج من قابل.

و عن ابني حمزة و البرّاج: إن فائدة الاشتراط جواز التحلّل، فيكون المراد حينئذ أن عليه البقاء على إحرامه إلى أن يأتي بالحج من قابل إن

لم يشترط، و مع الاشتراط يجوز له التحلل.

و في المتن التفصيل بين ما إذا كان عدم الإدراك من غير تقصير. فلا يجب عليه الحج، إلّا مع حصول شرائط الاستطاعة في القابل، و إن كان عن تقصير يستقر عليه الحج و يجب من قابل، و لو لم يحصل شرائطها.

ثم إنّ مستند الصدوق و الشيخ ظاهرا صحيحة ضريس المتقدمة المشتمل ذيلها على قوله عليه السّلام بعد الحكم بلزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة بعد فوات الحج، و جواز الانصراف إلى الأهل الظاهر في تمامية المسألة و عدم لزوم الحج من قابل: «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط، فإن عليه الحج من قابل». هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه، فإن لم يكن اشترط، فإن عليه الحج من قابل». «1»

و هي خالية عن المناقشة في السند و الدلالة، بل لو كان في مقابلها ما يدل على

______________________________

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 146

..........

______________________________

لزوم الحج من قابل مطلقا أو عدم لزومه كذلك، أو الطائفتان معا، تصلح هذه الرواية للتقييد في الأوليين و شاهدة للجميع بينهما في الصورة الثالثة.

و لكنه ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه في مقام الجواب قوله: «و يشكل بعد الإعراض عن الصحيح المزبور و منافاته، لما هو المعلوم من غيره نصّا و فتوى بأنه إن كان مستحبا لم يجب القضاء، و إن لم يشترط، و كذا إن لم يستقرّ و لا استمر وجوبه، و إن كان واجبا وجوبا مستقرّا أو مستمرّا وجب. و إن اشترط. فالوجه حمله على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط و كان مندوبا أو

غير مستقر الوجوب و لا مستمرّة».

قلت: مع أن تأثير الأمر الاستحبابي و هو الاشتراط وجودا و عدما في ثبوت تكليف إلزامي مثل الحج المشتمل على مشقات كثيرة و عدمه في غاية الاستبعاد.

فهذا القول غير قابل للقبول.

نعم يرد على تفصيل المحقق في الشرائع، أنه لا مستند له ظاهرا سواء فسّرنا الوجوب في كلامه بما فسّره به صاحب الجواهر فيما تقدم، أم قلنا بأن المراد بالوجوب فيه أعم من المستقر و المستمرّ، بل هو شامل للوجوب في هذا العام، بمعنى كون إحرامه بنيّة حجة الإسلام، و إن لم يستقر عليه سابقا و لم يستمرّ لاحقا.

كما أن تفصيل المتن لا شاهد له، بل شواهد من الروايات على خلافه.

ففي صحيحة الحلبي المتقدمة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلة فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّٰه تعالى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 147

..........

______________________________

أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل. «1»

فإنّ الرواية ظاهرة في مورد العذر في جميع الصور الثلاثة، و مع ذلك تدل على لزوم الحج من قابل و مقتضى إطلاقها أنه لا فرق في لزومه بين وجود الاستطاعة في العام القابل و عدمها فيه. كما أن مقتضى إطلاق السؤال فيها و ترك الاستفصال في

الجواب، أنه لا فرق بين كون الحج الذي أحرم له وفاته الموقفان واجبا أو مستحبّا، و في صورة الوجوب بين كونه مستقرا أو حاصلا في عام الحج. و بهذه الرواية تجاب عن تفصيل المحقق بكلا تفسيريه.

و مثلها رواية محمد بن فضيل، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له، فإن شاء أقام بمكّة و إن شاء رجع، و عليه الحج من قابل. «2»

و صحيحة حريز، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعا، فقال له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حجّ و يجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل. «3»

و أظهر منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك جمعا

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 147

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 148

..........

______________________________

فقد أدرك الحج، قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام أيّما حاجّ سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة

إلى الحج قدم و قد فاته الحج فليجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل. «1»

و صحيحة أخرى لمعاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: رجل جاء حاجّا ففاته الحجّ و لم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق و لا عمرة فيها فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحلّ، و عليه الحجّ من قابل، يحرم من حيث أحرم. «2»

و في هذه الروايات، مضافا إلى ما استظهرنا منها من الإطلاق بالنسبة إلى الحج الذي أحرم له، و التعبير بالفوت في أكثرها الذي يكون القدر المتيقن منه صورة الترك لعذر، نكتة أخرى. و هي انّ الظاهر منها بملاحظة عطف لزوم الحج من قابل على جعل الإحرام عمرة مفردة ثبوت الأوّل في جميع موارد ثبوت الثاني. فكما أنه لا يختص التبديل بالعمرة المفردة بصورة وجوب الحج أو كون الترك عن تقصير، كذلك لا يختص لزوم الحج من قابل بإحدى الصورتين، بل يكون مورده جميع موارد التبديل.

نعم هنا رواية رواها داود بن كثير الرّقي، قال: كنت مع أبي عبد اللّٰه عليه السّلام بمنى، إذ دخل عليه رجل، فقال: قدم اليوم قد فاتهم الحج، فقال: نسئل اللّٰه العافية، قال: أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلّون «يحلق» و عليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، و إن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكّة، ثم خرجوا إلى بعض

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 149

..........

______________________________

مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه و اعتمروا،

فليس عليهم الحج من قابل. «1»

و الرواية مخدوشة من حيث السند و الدلالة معا.

أمّا من جهة السند، فلوقوع الاختلاف في داود، حيث إنه ضعفه النجاشي و ابن الغضائري. و لكن يظهر من المفيد و العلّامة قبول روايته و وثاقته.

و أمّا من جهة الدلالة، فلأنّ مفادها لزوم اراقة دم شاة في مورد فوت الحج، و هو موافق لمذهب الشافعي و أكثر العامّة، نعم قال في الدروس: أوجب علي بن بابويه و ابنه على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان، العمرة و دم شاة و لا شي ء على المفرد سوى العمرة، و قال صاحب الجواهر: لا ريب في ضعفه و إن كان أحوط.

و لأنّ مفادها جواز الإحلال بل وجوبه بمجرد فوت الموقفين، و هو مخالف لجميع الروايات المتقدمة و الفتاوى، كما انّه لو كان الصادر «يحلق» يكون مفادها لزوم الحلق بمجرده و حصول الإحلال بعده من دون لزوم الإتيان بأعمال العمرة المفردة و هو أيضا كذلك، كما أن التخيير بين الإتيان بالعمرة المفردة مع إحرام جديد بعد مضيّ أيام التشريق، و بين الحج من قابل مخالف للنص و الفتوى. و عليه فاللازم طرح الرواية، و إن حملت على محامل متعددة من القدماء و المتأخرين.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لو كنّا نحن و القواعد و لم يكن في البين شي ء من الروايات المتقدمة الواردة في المسألة، لكان مقتضى القاعدة عدم لزوم الحج من قابل فيما إذا كان الحج مستحبّا، أو كان وجوبه في نفس العام الذي وقع فيه فوت الموقفين في الحج و لم يكن وجوبه مستقرا و لا الاستطاعة باقية إلى العام القابل. لأنّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع و العشرون، ح 5.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 150

..........

______________________________

غاية الأمر بطلان الحج بسبب فوت الموقفين، و هو يستلزم التبدل إلى العمرة المفردة، لأنه لا طريق إلى الإحلال غيره.

و أمّا لزوم الحج من قابل فلا وجه له، و إن كان الفوت لا لعذر، لأن إبطال العمل الاستحبابي لا يكون موجبا لقضائه و الإتيان به ثانيا، و إن كان الإبطال عمدا. نعم لو كان الحج مستقرا عليه، وجب عليه الحج من قابل. و كذا لو بقيت الاستطاعة إليه و لا يكفي حصولها في هذا العام، لأنّ الفوت يكشف عن عدم الاستطاعة، إلّا إذا كان الإبطال عمدا.

و منه يظهر وجه التفصيل المذكور في المتن. و إن كان يرد عليه أنّ اللازم استثناء صورة الاستقرار أيضا من مورد عدم وجوب الحج من قابل، بل استثناء هذه صورة الاستقرار أيضا من مورد عدم وجوب الحج من قابل، بل استثناء هذه الصورة أولى من استثناء صورة حصول الاستطاعة في العام القابل- كما لا يخفى.

هذا كلّه مع قطع النظر عن الروايات الواردة. و أمّا مع ملاحظتها فاللازم أن يقال- بمقتضى الدقة في مفادها و التأمل في مدلولها- بلزوم الحج من قابل، في جميع موارد التبدل إلى العمرة المفردة في مورد بطلان الحج. و لا يكون في البين ما يقتضي التقييد و الاختصاص. فالأحوط لو لم يكن أقوى ذلك. و الاستبعاد في مورد الحج الاستحبابي خصوصا مع فرض كون الفوت لعذر لا وجه له مع وجود الدليل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 151

3- في اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النّهاري

الثالث: درك اختياري عرفة مع الاضطراري المشعر النّهاري، فإن ترك اختياري المشعر عمدا بطل، و إلّا صحّ. (1)

______________________________

(1) أمّا البطلان في صورة ترك اختياري

المشعر الذي هو الوقوف بين الطلوعين من يوم العيد عمدا، فلأنه مقتضى الركنيّة التي عرفت البحث فيها، و عرفت أن الركن هو المسمى من الوقوف بين الطلوعين، و الإخلال به عمدا يوجب البطلان.

و أمّا الصحة في صورة الترك لعذر، و درك اضطراري المشعر النهاري الذي هو مسمّى الوقوف من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال- على ما مرّ- فهو المشهور، و يدل عليه روايتان، و إن جعلهما في الوسائل ثلاث روايات:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى؟ قال: فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها و إن كان الناس قد أفاضوا من جمع. «1» و الظاهر أنّ مورد الترك العمدي خارج عن محطّ السؤال.

ثانيتهما: رواية يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى، فرمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع إلى المشعر فيقف به، ثم يرجع و يرمى الجمرة. «2»

فالحكم في هذا القسم ظاهر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الواحد و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الواحد و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 152

4- في درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة

الرّابع: درك اختياري المشعر مع اضطراري عرفة، فإن ترك اختياري عرفة عمدا بطل، و إلّا صحّ. (1)

______________________________

(1) أمّا البطلان في صورة ترك اختياري عرفة عمدا، فلأنه مقتضى ركنيّة الوقوف بعرفة- على ما مرّ- فإن لازمها كون الإخلال العمدي به موجبا للبطلان.

و أمّا الصحة في صورة كون الترك مستندا إلى العذر فمضافا إلى أنّها مقتضى القاعدة، لأن المفروض درك اختياري المشعر،

و كون ترك الوقوف الاختياري بعرفة ناشئا عن العذر، و هو يوجب الانتقال إلى الاضطراري منه. و قد فرض دركه و عدم فوته منه. فلا يكون في البين ما يوجب البطلان، و إلى الروايات الدالة على أنّ من أدرك المشعر أدرك الحج- كما مرّ نقل بعضها و سيأتي أيضا. يدل عليها الروايات الخاصّة الواردة في فرض المسألة، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال في رجل أدرك الإمام و هو بجمع، فقال: (إن ظنّ ظ) أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظنّ أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع، فقد تمّ حجّه. «1»

و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 153

5- في درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي

الخامس: درك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي، فإن ترك اختياري المشعر بعذر صحّ، و إلّا بطل على الأحوط. (1)

______________________________

يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجّه حتى يأتي عرفات .. «1»

و رواية إدريس بن عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي إن مضى إلى عرفات يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: إن ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجّه.

«2» و غير ذلك من الروايات الدالة على الصحة في هذا الفرض.

(1) الوجه في الصحة في صورة ترك اختياري المشعر بعذر واضح، لأن المفروض أنه أدرك اختياري عرفة و كون ترك اختياري المشعر مستندا إلى العذر المجوّز له كالطوائف المتقدمة اللّاتي رخّص لهن النفر من المشعر قبل طلوع الفجر- كالنساء و الخائف و المريض- فإنّ الترخيص مرجعه إلى الصحة و التماميّة- كما هو ظاهر.

و أمّا إذا كان ترك اختياري المشعر لغير عذر- كما إذا نفر من المشعر قبل طلوع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 154

6- في درك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر الليلي

السادس: درك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر الليلي، فإن كان صاحب عذر و ترك اختياري عرفة عن غير عمد، صحّ على الأقوى، و غير المعذور إن ترك اختياري عرفة عمدا بطل حجّه، و إن ترك اختياري المشعر عمدا فكذلك على الأحوط، كما أن الأحوط ذلك في غير العمد أيضا. (1)

______________________________

الفجر عالما عامدا- فهو مورد المسألة الثانية المتقدمة التي ذكرنا فيها أن المشهور حكموا فيه بالصحة نظرا إلى ما فهموا من رواية مسمع من كون ذيلها ناظرا إلى العالم العامد. و قد مرّ أن مقتضى التحقيق في مفاد الرواية ما استفاد منها صاحب الحدائق من عدم تعريض الرواية لحكم العالم العامد بوجه، و أن اللازم فيه الرجوع إلى القاعدة المستفادة من سائر الروايات، من أنّ الركن من الوقوف بالمشعر هو المسمى ممّا بين الطلوعين و أن الإخلال العمدي به موجب للبطلان، فالأقوى في هذا الفرض هو البطلان- كما تقدّم.

(1) الوجه في الصحّة في صورة وجود

العذر، بالإضافة إلى ترك اختياري عرفة و درك اضطراريها، و كذا بالإضافة إلى الخروج من المشعر بعد الوقوف فيه في اللّيل و النفر فيه قبل طلوع الفجر هو الترخيص بالنسبة إلى كليهما. فإن مقتضى قيام اضطراري عرفة مقام الاختياري و الترخيص في النفر عن المشعر قبل طلوع الفجر بالنسبة إلى المعذورين، الصحّة مع رعاية كلا الأمرين. إلّا أن يناقش بعدم معلومية شمول دائرة الترخيص للمعذورين لمن لم يدرك اختياري عرفة بل أدرك

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 155

..........

______________________________

اضطراريهما. فإن القدر المتيقن منها خصوص من أدرك الاختياري من عرفة.

و لكن المناقشة مدفوعة بثبوت الإطلاق في أدلة الترخيص و عدم الاختصاص بمن ذكر حتى الصحيحة الحاكية لحجّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع المشتملة على قوله عليه السّلام «و عجّل ضعفاء بنى هاشم بالليل» فإن العمل و إن كان لا إطلاق له، إلّا انّه إذا كان الحاكي له هو الإمام عليه السّلام و كان الغرض من حكايته بيان الحكم يستفاد من الإطلاق و عدم التقييد ثبوته بنحو الإطلاق. و عليه فلا مجال للمناقشة المزبورة بوجه.

و أمّا ترك اختياري المشعر بالنفر منه قبل طلوع الفجر عامدا، فقد عرفت أنّ الحكم فيه هو البطلان. خلافا للمشهور الذي حكموا فيه بالصحّة- على ما مرّ- و مما ذكرنا ظهر وجه الاحتياط في الحكم بالبطلان في صورة غير العمد أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 156

7- في من أدرك الاضطراريين

السابع: درك اضطراري عرفة و اضطراري المشعر اليومي. فإن ترك أحد الاختياريين متعمّدا بطل، و إلّا فلا يبعد الصحة، و إن كان الأحوط الحج من قابل، لو استطاع فيه. (1)

______________________________

(1)

الفتوى بالبطلان فيما إذا كان ترك أحد الاختياريين مستندا إلى التعمد مع أنه قد احتاط بالبطلان في ترك اختياري المشعر كذلك، إنّما هو لأجل الفرق بين الموردين، لأنّ مورد الاحتياط المتقدم ما إذا كان المتعمد مدركا للوقوف بالمشعر بالليل، غاية الأمر النفر منه إلى منى قبل طلوع الفجر كذلك.

و مورد الفتوى هنا ما إذا كان ترك الوقوف بالمشعر في مجموع الليل و فيما بين الطلوعين عامدا، فإنه في هذا الفرض لا محيص عن الحكم بالبطلان، سواء قلنا بأن الركن هو المسمى مما بين الطلوعين- كما اخترناه- أو قلنا بأن الركن هو المسمّى منه و من الوقوف بالليل.

و أمّا إذا لم يكن ترك شي ء من الاختياريين عمدا بل كان مستندا إلى العذر، فقد ورد فيه نص خاص ظاهر في الصحّة و التمامية، و هي:

صحيحة الحسن العطّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أدرك الحاجّ عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 157

..........

______________________________

ثم إنه لو قلنا في القسم الحادي عشر الآتي و هو ما إذا أدرك اضطراري المشعر النهاري فقط بالصحة و عدم البطلان، فاللازم الحكم بالصحة في هذا القسم بطريق أولى. لأنّ المفروض فيه درك اضطراري عرفة أيضا. و هذا بخلاف ما لو قلنا هناك بالبطلان، فإنه لا يستلزم الحكم بالبطلان هنا بعد ورود رواية خاصة دالة على الصحة- كما مرّ- فاللازم البحث في ذلك القسم هنا، فنقول:

المشهور هو البطلان بل عن

المنتهى و المختلف و التنقيح أنه موضع وفاق، لكن المحكيّ عن ابن الجنيد و الصدوق و السيّد و الحلبيين و جماعة من المتأخرين كالشهيد الثاني و صاحب المدارك هو العدم. و منشأ الخلاف وجود الروايات المختلفة في هذا المجال. و هي على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما تدل بظاهرها على أنّ عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر يوجب البطلان. و هي كثيرة، مثل:

ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة و هو قوله عليه السّلام: و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات- يعني الاختياري و الاضطراري منه- فليقف بالمشعر الحرام، فإنّ اللّٰه تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة و عليه الحج من قابل. «1»

و الظاهر أن المراد من قوله في الذيل «إن لم يدرك المشعر الحرام» هو عدم إدراك المشعر قبل طلوع الشمس بقرينة الجملة السابقة و التفريع، فتدلّ على أن عدم درك

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثاني و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 158

..........

______________________________

الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس يوجب البطلان. و المفروض فيها صورة فوت الوقوف بعرفة مطلقا.

و صحيحة حريز، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج، فاته الموقفان جميعا، فقال له: إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر، فليس له حجّ، و يجعلها عمرة، و عليه الحجّ من قابل. «1»

و غير ذلك من الروايات المتعددة الدالة على هذا المعنى.

الطائفة الثانية: ما تدل بظاهرها على أن إدراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر

يكفي في إدراك الحج و عدم فوته. و هي أيضا كثيرة، مثل:

صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، و من أدرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة «2».

و صحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس، فقد أدرك الحج. «3» و في رواية الصدوق ترك قوله: و عليه خمسة من الناس.

و غير ذلك من الروايات الدالة على هذا الأمر.

الطائفة الثالثة: ما جعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين الأوّليين، و هي روايتان:

إحديهما: صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة، قال: جاءنا رجل بمنى، فقال: إنّي لم أدرك

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 8.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 159

..........

______________________________

الناس بالموقفين جميعا- إلى أن قال- فدخل إسحاق بن عمّار على أبي الحسن عليه السّلام فسأله عن ذلك، فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر، فقد أدرك الحجّ. «1»

ثانيتهما: موثقة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به إلى مكّة فحبسه، فلمّا كان يوم النّحر خلّى سبيله، كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف إلى منى، فيرمي و يذبح و يحلق و لا شي ء عليه .. «2»

و الوجه في كونها شاهدة للجمع، نصوصية هذه الطائفة

في الصحة في مفروض المقام و ظهور الأوليين في البطلان مطلقا، من دون فرق بين صورة درك الوقوف بعرفة و صورة عدمه و في الصحّة المطلقة كذلك. و عليه فالظاهر هي الصحة، و لازمها الحكم بها في المقام بنحو أولى.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصدّ، الباب الثالث، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 160

8- في درك اختياري عرفة خاصة

الثامن: درك اختياري عرفة، فإن ترك المشعر متعمّدا بطل حجّه، و إلّا فكذلك على الأحوط. (1)

______________________________

(1) لا شبهة في البطلان في ما إذا ترك الوقوف بالمشعر بأنواعه الثلاثة متعمّدا و لا خلاف فيه أصلا، و إنّما الإشكال في ما إذا كان الترك كذلك مستندا إلى العذر، كما إذا ضلّ في الطريق بعد الإفاضة من عرفات بحيث لم يتيسر له شي ء من الوقوفين الاضطراريين للمشعر و لا الوقوف الاختياري، فهل الحكم فيه صحة الحج أو بطلانه؟

قال في المسالك: «لو فرض عدم إدراك المشعر أصلا صحّ أيضا، فإن اختياري أحدهما كاف» و قال في موضع آخر: «لا خلاف في الإجزاء بأحد الموقفين الاختياريين».

و أورد عليه سبطه صاحب المدارك بانتفاء ما يدل على الإجزاء بإدراك اختياري عرفة خاصة، قال: مع أنّ الخلاف في المسألة متحقق فإن العلامة في المنتهى صرّح بعدم الاجتزاء بذلك و هذه عبارته: «و لو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فإن كان الفائت هو عرفات فقد صحّ حجّه لإدراك المشعر و إن كان هو المشعر ففيه تردد، أقربه الفوات».

و قال في التحرير: «و لو أدرك أحد الاختياريين و فات الآخر- اختيارا و اضطرارا- فإن كان الفائت هو عرفة صح الحج، و إن كان

هو المشعر ففي إدراك الحج إشكال، و نحوه في التذكرة قال. فعلم من ذلك أن الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 161

..........

______________________________

ليس إجماعيّا- كما ذكره الشارح، يعني صاحب المسالك- و أن المتجه فيه عدم الاجتزاء لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه و انتقاء ما يدل على الصحة مع هذا الإخلال.

و أجاب عن الإيراد صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «قلت قد نفى عنه الخلاف في التنقيح أيضا و عن جماعة نسبته إلى الشهرة، منهم المحدث المجلسي و السيّد نعمة اللّٰه الجزائري في شرح التهذيب و شارح المفاتيح، بل عن الأخير عن بعضهم الإجماع عليه و في الذخيرة و المختلف أنه المعروف بين الأصحاب، بل في الرياض أنه عزاه في الذخيرة إليهم مشعرا بعدم خلاف فيه- كما هو ظاهر المختلف و الدروس أيضا- بل تسمع تصريح المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر إن كان قد وقف بعرفة، كالمحكيّ عن السرائر و الجامع و الإرشاد و التبصرة و الدروس و اللمعة و غيرها. بل هو صريح الفاضل في التحرير و المنتهى أيضا فيكون رجوعا عن الأوّل، و به يتمّ نفي الخلاف حينئذ».

أقول: المهمّ في المقام ملاحظة الأدلة في ما يدل منها على البطلان مضافا إلى ما ذكره صاحب المدارك من عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ما يدل على أن فوت المزدلفة موجب لفوات الحج، من بعض الروايات الصحيحة، مثل:

صحيحة عبيد اللّٰه و عمران ابني عليّ الحلبيين عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج. «1» فإنّ المراد بالفوت أو القدر المتيقن صورة كون الفوت عن

عذر، لا بمعنى كون الفوت عن عمد غير موجب لفوات الحج، بل بمعنى كون محطّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس و العشرون. ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 162

..........

______________________________

النظر في الرواية صورة غير العمد التي ربما يتخيل فيها الصحة و عدم فوات الحجّ، كما أن القدر المتيقن من صورة فوت المزدلفة فوتها بجميع أنواعها الثلاثة.

و عليه فمقتضى إطلاق الصحيحة ان فوت المزدلفة موجب لفوت الحج و إن أدرك اختياري عرفة.

و كذا يدل على البطلان الروايات الدالة على أن إدراك المشعر إمّا قبل طلوع الشمس و إمّا إلى زوال الشمس موجب لإدراك الحج. و قد تقدم نقل جملة منها. فإن المستفاد منها أن عدم إدراكه كذلك يوجب عدم إدراك الحج من دون فرق بين صورة درك اختياري عرفة و صورة عدمه. و لا مجال لما في الجواهر من وجوب تخصيص ذلك كلّه بغير الجاهل الذي وقف اختياري عرفة الملحق به الناسي و المضطرّ بعدم القول بالفصل.

نعم لا وجه للاستناد على البطلان بما ورد في بعض الروايات من أن الوقوف بالمشعر فريضة و الوقوف بعرفة سنّة. «1» بعد كون المراد من السنّة فيه ما ثبت وجوبه بغير الكتاب لا المستحبّ.

كما أنه لا مجال للاستدلال على الصحة بالنبوي العامي: «الحج عرفة» بعد عدم اعتباره، و كذا بما ورد في بعض ما روى من طرقنا من أن الحج الأكبر الوقوف بعرفة و رمي الجمار بعد دلالة الروايات الكثيرة الصحيحة على أن الحج الأكبر يوم الأضحى. و في بعضها التصريح بعدم كونه عرفة.

و العمدة في الدليل على الصحة بعض الروايات الخاصة، مثل:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب إحرام الحج. الباب التاسع عشر، ح 11.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 163

..........

______________________________

مرسل محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في من جهل و لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته، فقال: لا بأس به. «1»

و صحيح محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى. قال: ألم ير الناس ألم ينكر (يذكر خ ل) منى حين دخلها؟ قلت: فإنه جهل ذلك. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته. قال: لا بأس به. «2»

هذا و الظاهر اتحاد الروايتين، مع كون الراوي هو محمد بن يحيى الخثعمي و كون الراوي عنه هو محمد بن أبي عمير، لأنه من البعيد جدّا رواية ابن يحيى تارة بنحو الإرسال و أخرى بدون الواسطة. فالرواية واحدة مرددة بين الإرسال و غيره، و لا تكون معتبرة مع هذه الكيفية. نعم لا مجال للمناقشة في دلالتها بعد ظهورها في درك وقوف اختياري عرفة و فوت وقوف المشعر مطلقا. و مجرد العبور منه لا يكفي بعد كون الوقوف عبادة تحتاج إلى النية و سائر الأمور المعتبرة.

و رواية محمد بن حكيم التي رواها عنه الشيخ و الصدوق بطريق صحيح و الكليني في أحد النقلين كذلك و بسند ضعيف فيه سهل بن زياد في النقل الآخر.

قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أصلحك اللّٰه، الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أ ليس قد صلّوا بها فقد أجزأهم. قلت:

فإن لم يصلوا. فقال: فذكروا اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس و العشرون. ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر. الباب الخامس و العشرون. ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 164

..........

______________________________

فيها، فإن كانوا ذكروا اللّٰه فيها فقد أجزأهم. «1»

هذا، و لكن محمد بن حكيم لم يوثق، و غاية ما ورد فيه أنه كان مأمورا من قبل أبي الحسن عليه السّلام بالجلوس في مسجد المدينة، و المناظرة مع الناس في المسائل الكلامية، و لا مجال لدعوى الانجبار باستناد المشهور إلى هذه الرواية بعد كون المستفاد منها اعتبار أمرين في الصحة في المورد المفروض. أحدهما: العبور من المشعر بعد الإفاضة من عرفات، و ثانيهما: الصلاة في المشعر أو ذكر اللّٰه فيه، و لا يوجد شي ء من القيدين في كلام المشهور. بل- كما قال صاحب الجواهر قدّس سرّه- لم يجده قولا لأحد من الأصحاب حتى المتأخرين و متأخريهم إلّا صاحب الذخيرة حيث اعتبر في الصحة في الفرض ذلك.

مع أنه يستفاد من الرواية أن المراد من ذكر اللّٰه المأمور به في قوله تعالى:

فَاذْكُرُوا اللّٰهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ هو معناه الظاهر الشامل للصلاة و مطلق الذكر، مع أن الظاهر ان المراد به هو الوقوف الذي هو أمر عبادي متقوم بالقصد المتوقف على تشخيص المشعر، و عليه فلا مجال للأخذ بالرّواية.

و دعوى أن استناد المشهور إلى رواية ابن يحيى جابر لضعفها الناشئ عن التردّد بين الإرسال و غيره مدفوعة بأن استناد المشهور إليها إن كان مرجعه إلى ترجيحها على الروايات الدالة على أن فوت المزدلفة موجب لفوت الحج، بمعنى الإعراض عنها فملاحظة كلماتهم تقتضي بخلافه، و أنهم لم يعرضوا عنها بوجه، و إن كان

مرجعه إلى الجمع الدلالي، فقد عرفت عدم إمكانه. فاللازم أن يقال: بعدم تمامية دليل القول بالصحة، و انّ الأحوط لو لم يكن أقوى هو البطلان- كما في المتن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الخامس و العشرون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 165

9- في درك اضطراري عرفة خاصة

التاسع: درك اضطراري عرفة فقط. فالحج باطل. (1)

10- في درك اختياري المشعر خاصة

العاشر: درك اختياري المشعر فقط. فصحّ حجّه إن لم يترك اختياري عرفة متعمّدا، و إلّا بطل. (2)

______________________________

(1) في الدروس أنه غير مجز قولا واحدا، و عن الذخيرة لا أعرف فيه خلافا، و عن جماعة الإجماع عليه، و ما يشعر به عبارة المفاتيح من النسبة إلى الشهرة مشعرة بوجود خلاف فيه في غير محله. و الوجه في البطلان على تقدير القول بالبطلان في درك اختياري عرفة خاصة- كما رجّحناه- واضح.

و على تقدير القول بالصحة هناك- كما اختاره المشهور- فالوجه في البطلان هنا عدم شمول شي ء من أدلة الصحة للمقام من دون فرق بين النبويّ الحج عرفة أو الحج الأكبر الموقف بعرفة لظهورهما في الوقوف الاختياري، و بين الروايات الخاصة المتقدمة الظاهرة في الاختياري.

(2) نفى الإشكال في الصحة هنا صاحب الجواهر، و في محكي الدروس أنه خرج الفاضل وجها بإجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة.

و الدليل على الصحة في هذا القسم مضافا إلى أنه لا خلاف فيه، دلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن إدراك المشعر قبل طلوع الشمس إدراك للحجّ أو أن إدراكه قبل زوال الشمس موجب لإدراكه و لا يعارضها في هذه الجهة شي ء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 166

11 و 12- في درك اضطراري المشعر فقط

الحادي عشر: درك اضطراري المشعر النهاري فقط. فبطل حجّه. (1)

الثاني عشر: درك اضطرارية الليلي فقط، فإن كان من أولى الأعذار و لم يترك وقوف عرفة متعمّدا صحّ على الأقوى، و إلّا بطل. (2)

______________________________

و في رواية محمد بن فضيل المتقدمة في الجواب عن سؤال الحدّ الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج. قال عليه السّلام: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة

له .. «1»

و من الظاهر خصوصا بملاحظة السؤال عدم تقييده بما إذا أدرك الوقوف بعرفة، فمقتضاه أن إدراك الاختياري من المشعر يكفي لإدراك الحج. فلا شبهة في هذا القسم.

(1) قد مرّ البحث عن هذا القسم في شرح البحث عن القسم السابع و تقدم أنّ الظاهر فيه الصحة، خلافا لما في المتن الموافق للمشهور. فراجع.

(2) الصحّة في ما إذا كان من أولى الأعذار و لم يترك وقوف عرفة متعمدا، فلأجل أنّه لا يكون ترك الوقوف بعرفة مستندا إلى التعمد حتى يستلزم البطلان.

و المفروض انّه من أولى الأعذار الذين رخص لهم النفر قبل طلوع الفجر من

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب الثالث و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 167

..........

______________________________

المشعر.

و عليه فمنشأ البطلان لا بد و أن يكون إمّا عدم الترخيص، و الفرض خلافه، لأنه من أولى الأعذار، و لا مجال لاحتمال كون الترخيص مختصّا بمن أدرك الوقوف بعرفة، فإنه خلاف إطلاق أدلة الترخيص، مع ورودها في مقام البيان و عدم إشعار في شي ء منها بصورة إدراك عرفة.

و إمّا عدم كون الترخيص مستلزما للصحة. و من الظاهر ثبوت الاستلزام، فإنه لا يكون الترخيص الخالي عن الحكم بالصحة ممّا له وجه. فلا بد من الالتزام باستلزام الترخيص للحكم بالصّحة، فلا شبهة فيه مع وجود هذين القيدين. و إمّا مع عدم واحد منهما، فإن كان قد ترك وقوف عرفة متعمّدا، فلا شبهة في بطلان الحج بمقتضى ما مرّ من ركنيّته كركنيّة الوقوف بالمشعر. و المفروض كون الإخلال به ناشئا عن التعمّد. ففي هذه الصورة لا مجال للإشكال في البطلان.

و أمّا إذا كان ترك وقوف عرفة عن غير تعمد و اختيار، و

لم يكن من الطوائف المعذورين الذين رخّص لهم النّفر من المشعر قبل طلوع الفجر، كما إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر جاهلا. فالمحكي عن الشهيد الثاني قدّس سرّه الصّحة. و لكنه تردد فيها صاحب المدارك. و الوجه في الصحة أحد أمرين:

الأوّل: الأولويّة بالإضافة إلى الاضطرار اليومي للمشعر بناء على كون إدراكه فقط موجبا لإدراك الحج و صحته. وجه الأولوية أنّ الاضطراري الليلي فيه شائبة الاختيار، و لذا يجوز للمرأة اختيارا و من دون عذر. فإذا كان الاضطراري اليومي كافيا في الصحة فالاضطراري الليلي بطريق أولى. فإذا أفاض قبل طلوع الفجر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 168

..........

______________________________

جاهلا، يكفي ذلك في صحة الحج.

و يرد على هذا الأمر مضافا إلى عدم كون الصحة هناك مسلّمة، و إن اخترناها فيه منع الأولوية بعد عدم وضوح الملاكات لنا بوجه، خصوصا بعد ثبوت الاختلاف في الموارد المشابهة، فإنك قد عرفت أن اختياري كلا الوقوفين ركن، مع أن الاكتفاء بإدراك الوقوف الاختياري للمشعر كاف في صحة الحج بلا كلام.

و الاكتفاء بإدراك الوقوف الاختياري بعرفة محل خلاف. و إن اختار المشهور ذلك.

و مثل ذلك يرشدنا إلى عدم وضوح الملاكات حتى يكون هنا مقايسة أو أولوية، فتدبر.

الثاني: رواية مسمع عن أبي إبراهيم (عبد اللّٰه خ ل) في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: أن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. «1»

و لا مجال للتشكيك في سند الرواية- كما يظهر من الجواهر- فإنه صحيح بنفسه أولا، و على تقدير وجود الخلل فيه يكون استناد المشهور إلى الرواية خصوصا في حكم لم يقع التعرض

له في غير هذه الرواية، و هي صحة الحج لو أفاض قبل الفجر عامدا عالما يكفي في الانجبار. و نحن و إن منعنا ما استفاده المشهور من دلالة الرواية و قلنا بأن مورد كلتا الشرطيتين هو الجاهل. و الاختلاف إنّما هو في الإفاضة قبل طلوع الشمس و الإفاضة قبل طلوع الفجر. إلّا أنّ جبر الضعف على تقديره بالاستناد لا يكاد يصلح للمنع، فالرواية من جهة الحجيّة و الاعتبار لا مناقشة فيها.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السّادس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 169

..........

______________________________

و أمّا من جهة الدلالة، فإن قلنا بثبوت الإطلاق في موردها، و أنّ المراد منه هو الرجل الذي أدرك الوقوف بالمشعر، و لكنه أفاض قبل إفاضة الناس أعم ممّا إذا كانت الإفاضة قبل طلوع الشمس. و ما إذا كانت قبل طلوع الفجر من دون مدخليّة قيد درك الوقوف بعرفة، فاللازم الحكم بالصحة في مفروض المقام لدلالة الرواية على كفاية درك الوقوف الاضطراري الليلي، و إن لم يدرك الوقوف بعرفة. و الفرض كون الرجل جاهلا و هو لا يكون من الطوائف المتقدمة.

و إن لم نقل بثبوت الإطلاق في موردها، فلا دلالة لها على الصحة في المقام. بل القدر المتيقن صورة درك وقوف عرفة أيضا. و الظاهر من الرواية هو الثاني لما عرفت سابقا من ثبوت الفرق بين الحكم بالصحة و بين الحكم بالبطلان في الأعمال المركبة المشتملة على الأجزاء و الشرائط، من جهة أنّ البطلان حكم مطلق لا يكون إضافيّا و حيثيّا. و الصحة تكون خلافه.

و عليه فمراد الرواية أن الوقوف الكذائي المفروض فيها يكفي من ناحية الوقوف بالمشعر، و يتصف الحج بالصحة من هذه الحيثية.

و لا ينافي أن يكون الحج باطلا لجهة أخرى مؤثرة فيه كترك الوقوف بعرفة في المقام. و عليه فغاية مفاد الرواية الصحة.

بالإضافة إلى موردها و لا إطلاق لها يشمل كلتا الصورتين فلا يستفاد منها الصحة في المقام.

و من جميع ما ذكرنا ظهر أن الحكم بالبطلان في هذه الصورة لو لم يكن أقوى- كما في المتن- فلا أقل من أن يكون أحوط لعدم ثبوت الترخيص، و عدم وجود دليل على الصحة. فتدبر. هذا تمام الكلام في الوقوفين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 171

[القول في واجبات منى]

اشارة

القول في واجبات منى

1- رمي جمرة العقبة

اشارة

و هي ثلاثة: الأوّل رمى جمرة العقبة بالحصى، و المعتبر صدق عنوانها، فلا يصحّ بالرّمل و لا بالحجارة و لا بالخزف و نحوها. و يشترط فيها أن تكون من الحرم، فلا تجزى من خارجه، و أن تكون بكرا لم يرم بها و لو في السنين السّابقة، و أن تكون مباحة، فلا يجوز المغصوب، و لا بما حازها غيره بغير إذنه، و يستحبّ أن تكون من المشعر. (1)

______________________________

(1) قال في الجواهر في وجه تسمية منى: «سمّيت بذلك لما يمنى بها من الدعاء و لما عن ابن عباس أن جبرئيل عليه السّلام لما أراد أن يفارق آدم عليه السّلام قال له: تمنّ، قال: أتمنّى الجنّة. فسمّيت بذلك، لأمنيّة آدم.

و في خبر ابن سنان المروي عن العلل عن الرّضا عليه السّلام لما سأل عن ذلك، قال: لأن جبرئيل عليه السّلام قال هناك لإبراهيم عليه السّلام: تمنّ على ربّك ما شئت، فتمنى أن يجعل اللّٰه مكان ولده إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له، فأعطاه اللّٰه مناه».

و كيف كان، فأوّل واجبات منى و مناسكها يوم النحر رمي جمرة العقبة أو الجمرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 172

..........

______________________________

الكبرى أو العظمى أو القصوى على الاختلاف في تعابير الروايات الناشئ عن الخصوصيات المتعددة الموجودة فيها.

و لا شبهة في وجوبه، و عن المنتهى و التذكرة لا نعلم فيه خلافا. و منشأ توهّم وجود الخلاف في الوجوب أحد أمرين:

الأوّل: تعبير الشيخ الطوسي قدّس سرّه في محكي كتاب الجمل ب: «أنّ الرّمي مسنون» فربما يتخيل أن مراده من قوله: «مسنون» أنه مستحبّ لا واجب. و لذا ذكر ابن حمزة في محكي الوسيلة: أن الرّمي واجب عند

أبي يعلى- صاحب المراسم- مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر قدّس سرّه.

و لكنّه أبطل هذا التخيل صاحب السّرائر بقوله: «لا خلاف فيه- أي في الوجوب- بين أصحابنا و لا أظنّ أحدا من المسلمين يخالف فيه، و قد يشتبه على بعض أصحابنا و يعتقد أنه مسنون غير واجب، لما يجده من كلام بعض المصنفين و عبارة موهمة أوردها في كتابه و يقلّد المسطور بغير فكر و لا نظر. و هذا غاية الخطأ و ضدّ الصواب. فإن شيخنا قال في الجمل: «و الرمي مسنون»، فظنّ من يقف على هذه العبارة أنّه مندوب، و إنّما أراد الشيخ بقوله: «مسنون» أن فرضه علم من السنّة، لأن القرآن لا يدل على ذلك».

و يؤيده بل يدل عليه ما مرّ من بعض الروايات الدالة على أن المشعر فريضة، و عرفة سنة، مع وضوح وجوب الوقوف بعرفات كوجوب الوقوف بالمشعر.

و الاختلاف بينهما في ما ذكر.

ثانيهما: أن المفيد قدّس سرّه في المقنعة و الشيخ في المبسوط قد أهملا ذكر الرّمي في تعداد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 173

..........

______________________________

فرائض الحج. فربما يتوهم منه عدم الوجوب. و لكن يدفعه تصريحهما بلزوم إتيان الجمرة التي عند العقبة. أو بأن مناسك منى يوم النحر ثلاثة، أوّلها: رمي الجمرة الكبرى. فيدل ذلك على أن المراد بالفرائض ما يستفاد وجوبها من القرآن. و إن كان يبعده عدم دلالة الكتاب على بعض الفرائض، فتدبر.

و كيف كان فيدل على وجوب الرّمي روايات كثيرة، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: خذ حصى الجمار، ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها، و تقول و

الحصى في يدك .. «1»

و رواية عليّ بن أبي حمزة عن أحدهما عليه السّلام قال: أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام بليل فلا بأس، فليرم الجمرة، ثم ليمض، و ليأمر من يذبح عنه و تقصر المرأة و يحلق الرّجل، .. «2»

و صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهنّ بليل؟ فقال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم؟ قلت: نعم، قال: أفض بهنّ بليل، و لا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة، .. «3»

و الروايات الكثيرة الآتية- إن شاء اللّٰه- الدالة على أنه يرمى عن المريض و المغمى عليه و الكسير و المبطون، الظاهرة في وجوب الاستنابة و لازمها وجوب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الأوّل، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 174

..........

______________________________

الرمي، و كذا الروايات الحاكية لحجة الوداع الصادرة من النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و غيرها، فلا شبهة في أصل الحكم. ثم إنه يعتبر في ما يرمى به أمور:

الأوّل: أن يصدق عليه عنوان الحصى. و فرّع عليه في المتن عدم صحة الرّمي بالرمل و لا بالحجارة و لا بالخزف و نحوها، و لكنّه ذكر المحقق في الشرائع: «أنه يشترط فيه أن يكون مما يسمّى حجرا».

و قال الشهيد الثاني في شرحه: «احترز باشتراط تسميتها حجرا عن نحو الجواهر و الكحل و الزرنيخ و العقيق فإنّها لا تجزي

خلافا للخلاف. و يدخل فيه الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفا. و ممّن اختار جواز الرّمي به الشهيد في الدّروس. و يشكل بأنّ الأوامر الواردة إنّما دلّت على الحصاة، و لعلّ المصنف أراد بيان جنس الحصى، لا الاجتزاء بمطلق الجنس، و مثله القول في الصغيرة جدّا، بحيث لا يقع عليها اسم الحصاة. فإنّها لا تجزي أيضا و إن كانت من جنس الحجر».

و قال سبطه في المدارك: «الأجود تعين الرّمي بما يسمّى حصاة، فلا يجزي الرّمي بالحجر الكبير الذي لا يسمّى حصاة. خلافا للدّروس و كذا الصغير جدّا بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة».

و يدل على اعتبار عنوان الحصى الذي يعتبر فيه أمران: كونه من جنس الحجر و كونه غير كبير و لا صغير جدّا، الروايات التي يأتي التعرض لجملة منها إن شاء اللّٰه.

الثاني: أن يكون من الحرم لا من خارجه- كما هو المشهور- بل كما في الجواهر:

لا أجد فيه خلافا محقّقا إلّا ما سمعته من الخلاف، و مراده منه تجويزه الرمي بمثل البرام و الجواهر مع بعد حرمتيهما. و يدل على اعتبار هذا الأمر أيضا بعض النصوص

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 175

..........

______________________________

الآتية و في بعضها استثناء المسجدين: المسجد الحرام و مسجد الخيف. كما عن الأكثر و عن القواعد. و الجامع استثناء جميع المساجد.

الثالث: أن يكون بكرا لم يرم به الجمار رميا صحيحا، و لو في الأزمنة السابقة و السنين الماضية. و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر، بل حكي عن الخلاف و الغنية و الجواهر الإجماع عليه، و يدل عليه بعض الروايات الآتية:

و أمّا النصوص:

فمنها: صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: حصى الجمار

إن أخذته من الحرم أجزأك و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال و قال: لا ترم الجمار إلّا بالحصى. «1»

فإن ذيلها ظاهر بل صريح في عدم جواز رمي الجمار إلّا بالحصى. و قد عرفت اعتبار أمرين في صدق عنوانه. و صدرها دالّ أيضا على اعتبار أن يكون من الحرم. و أنه لا يجزي الحصى المأخوذ من غير الحرم بوجه.

و التعبير بالجمار بصيغة الجمع شامل للجمرة العقبة، و مقتضى الإطلاق أنه لا فرق بين ما إذا انفردت بالرمي- كما في يوم النحر- و بين ما إذا كانت مع الجمرتين الآخرتين- كما في اليومين أو الأيام الثلاثة بعد يوم النحر- و عليه فلا إشكال في دلالة الرواية في المقام.

و منها: رواية حنّان التي رواها الكليني و الصدوق مع اختلاف يسير في المتن.

و لأجله جعلها في الوسائل روايتين. و الظاهر اتحادهما. فقد روى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال: يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلّا من المسجد الحرام،

______________________________

(1) وسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 176

..........

______________________________

و مسجد الخيف. «1»

و الظاهر أنه لا يجوز التعدي من المسجدين إلى جميع ما في الحرم من المساجد، و إن كان ربما يستدل عليه بأنّ إخراج الحصى من المسجد منهي عنه، و هو يقتضي الفساد.

و لكنه يمنع أوّلا بأن من أحكام المساجد كراهة الإخراج لا الحرمة، و ثانيا أن حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمي إلّا بناء على مسألة الضد إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له.

و منها: مرسلة حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ

حصى الجمار؟ قال: لا تأخذ من موضعين: من خارج الحرم و من حصى الجمار، و لا بأس بأخذه من سائر الحرم. «2»

و هي تدل على أن أخذ حصى الجمار من حصى الجمار- و معناه الأخذ من الحصى الذي لا يكون بكرا، بل مستعملا قبلا في الرمي- غير جائز، و إرسالها منجبر باستناد المشهور إليها.

ثم أن الظاهر استحباب التقاط الحصى من المشعر، لدلالة روايات متعددة عليه و في بعضها استحباب أخذها من منى بعد المشعر، و لم يوجد من نص عليه.

الرابع: أن تكون الحصيات مباحة، فلا يجوز الرمي بما لا يجوز التصرف فيه، لعدم إذن صاحبه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب التاسع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 177

[مسألة 1] في وقت الرّمي

مسألة 1- وقت الرّمي من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبه، و لو نسي جاز إلى يوم الثالث عشر، و لو لم يتذكر إلى بعده، فالأحوط الرمي من قابل و لو بالاستنابة. (1)

______________________________

و الوجه فيه أنه حيث يكون الرّمي عبادة و يعتبر فيها قصد القربة، فلا يجتمع ذلك مع المبغوضية المتحققة في الحرام، و هو التصرف في مال الغير، إلّا بناء على صحة الصلاة في الدار المغصوبة- كما اخترناه في محلّه.

(1) في هذه المسألة أحكام:

الأوّل: وقت الرّمي، و هو المختار وفاقا للمشهور من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروبها، و يدل عليه روايات متعددة، مثل:

صحيحة صفوان بن مهران، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. «1»

و دلالتها على توقيت رمي جمرة العقبة يوم العيد إنّما هي بالإطلاق لشمولها لكلتا حالتي

رمي جمرة العقبة: حالة الانضمام مع رمي الجمرتين الآخرتين- كما في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، بل و الثالث عشر في بعض الموارد، و حالة الاستقلال و عدم الانضمام و هو رمي يوم النّحر.

و أظهر منه ما رواه الشيخ بالسند المذكور أيضا عنه عليه السّلام أنه قال: الرمي ما بين

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 178

..........

______________________________

طلوع الشمس إلى غروبها. «1» فإنّ الرمي مطلق و مقتضاه الشمول للرمي يوم العيد.

و صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. «2»

و صحيحة زرارة و ابن أذينة عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر عليه السّلام: يا حكم أ رأيت لو أنّهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه: احفظ علينا متاعنا حتى أرجع، أ كان يفوته الرّمي؟ هو و اللّٰه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. «3»

و صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قلت: له إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس. «4» و المراد من ارتفاع النهار و لو بقرينة الروايات السّابقة هو طلوع الشمس.

لكن يعارض ما ذكر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة. «5»

و لو لم تحمل هذه الصحيحة على الاستحباب كما عن الشيخ قدّس سرّه لكان اللازم طرحها بعد كون الشهرة الفتوائية

على وفق المستفيضة المتقدمة، فلا مجال للإشكال في أنّ وقت الرمي مطلقا هو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.

الثاني: حكم ما لو نسي رمي جمرة العقبة يوم النحر إلى غروب الشمس. و في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 5.

(5) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 179

..........

______________________________

المتن: جاز إلى يوم الثالث عشر، و ذكر المحقق في الشرائع: و لو نسي رمي يوم قضاه من الغد مرتبا يبدأ بالفائت و يعقب الحاضر. و هو يشمل نسيان الرمي في المقام أيضا. و قد نفى وجدان الخلاف في الجواهر في أصل وجوب القضاء و في لزوم رعاية الترتيب المزبور. بل الإجماع أو حكايته عليه.

و الدليل الوحيد من الروايات في خصوص المقام، ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان في الصحيح، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرّتين: مرّة لما فاته و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس. «1»

و رواه الكليني عن عبد اللّٰه بن سنان مثله، إلّا أنه قال: فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرّتين أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس و هي ليومه.

و رواه الصّدوق بإسناده عن عبد اللّٰه بن سنان مثل رواية الكليني.

و العجب انّ صاحب الجواهر قدّس سرّه ذكر أن الصدوق و الشيخ رويا هذه الرواية في الصحيح عن معاوية بن عمار مع أن صاحب الوسائل نقل عن المشايخ الثلاثة أنهم رووها بأسانيدهم عن عبد اللّٰه بن سنان- كما نقلناه.

و كيف كان فقوله عليه السّلام في الجواب: يرمي إذا أصبح مرّتين، ظاهر في أصل وجوب القضاء و أن الفائت من رمى جمرة العقبة يوم العيد يجب تداركه في خارج وقته، كما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 180

..........

______________________________

أن ظاهره عدم جواز تقديم القضاء على الغد، بالإتيان به في ليلة اليوم الحادي عشر، و عدم جواز التأخير عن الغد على ما هو المتفاهم منه عرفا.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و ليفرّق بينهما ..» فهو بظاهره يدل على لزوم أمرين: أحدهما التفريق و الإتيان بأحدهما بكرة و الآخر عند زوال الشمس، و الآخر الترتيب بتقديم القضاء على الأداء. و حيث إنّ ظاهرهم عدم الخلاف في استحباب الأوّل و عدم وجوبه و إن أشعر بوجود الخلاف بعض العبارات، فهل يوجب ذلك الارتياب في وجوب الترتيب أيضا، بلحاظ أنّ بيانه يكون في ضمن بيان التفريق و كيفيته، فإذا لم يكن التفريق واجبا فالترتيب أيضا كذلك؟ أو أنه لا يوجب ذلك، بملاحظة أن قيام الدليل على عدم وجوب التفريق لا يستلزم الحكم بكون الترتيب أيضا كذلك، بعد كونهما حكمين مستقلين لا يرتبط أحدهما بالآخر، و إن وقع بيان أحدهما في ضمن بيان الآخر؟ يظهر الأوّل من صاحب الرياض. و لذا استظهر أنه لا مستند لوجوب

الترتيب سوى الإجماع.

هذا، و لكن الظاهر هو الأوّل و أن الحكمين مستقلان. و حمل أحدهما على الاستحباب لا يوجب حمل الآخر عليه أيضا. فالإنصاف دلالة الرواية على لزوم الترتيب في المقام، و يؤيده الروايات الآتية في نسيان رمي الجمار. و قد وقع في بعضها التصريح بأنّه ترمى الجمار كما كانت ترمى.

ثم انّ القدر المتيقن من مورد الرواية صورة النسيان.

و أمّا الجهل فالظاهر أنّ التعبير بعروض العارض خصوصا مع التفريع بالفاء لا يشمله، لأنه لا معنى لعروض الجهل بعد الورود بمنى عقيب الإفاضة من المشعر، إلّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 181

..........

______________________________

أن يقال بأنه لا خصوصية للنسيان في الحكم المذكور، بل الملاك موجود في الجهل أيضا.

و أمّا شموله للترك عن التسامح و التساهل في إتيان الرّمي و نحو ذلك من العوارض و الموانع، فمحل نظر بل منع، فتدبر.

ثمّ أنه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنه يمكن أن يستدلّ- أي في المقام- بصحيح جميل الوارد في جميع أعمال الحجّ الدال على أنّ تأخير ما حقّه التقديم و بالعكس غير ضائر بصحة العمل.

فقد روى المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن جميل بن درّاج، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرّجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أتاه أناس يوم النّحر، فقال بعضهم يا رسول اللّٰه أنّي حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئا كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدّموه، فقال: لا حرج. و في رواية الصدوق: فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلّا أخروه،

و لا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قدّموه، فقال: لا حرج. «1»

قال: و صدره و إن كان في مورد النسيان و لكن لا نحتمل أن جميع هذه الموارد التي يقع فيها التقديم و التأخير منشأها النسيان، بل الغالب هو الجهل.

و ما استفاده من الصحيحة من الضابطة الكلية و إن كان تامّا، خصوصا مع كون مورد السؤال هو الطواف قبل الحلق. و استشهد الإمام عليه السّلام للصحة فيه بما وقع يوم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 182

..........

______________________________

النحر من المسائل المذكورة التي موردها النسيان و الجهل. إلّا أنّ الظاهر عدم ارتباط الضابطة المذكورة بالمقام.

فإن البحث هنا بعد الفراغ عن كون وقت الرمي يوم النحر هو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، في أنه هل يجب قضاء الرمي المسني أم لا؟ و على تقدير الوجوب، هل يجب الإتيان به قبل الرمي الأدائي الثابت يوم الحادي عشر- مثلا- أو لا؟ و لا ارتباط للضابطة المزبورة بهذه الجهة أصلا، فالإنصاف أنه لا دلالة للرواية على حكم المقام بوجه.

الثالث: حكم ما لو يتذكر نسيان رمي جمرة العقبة يوم النحر، إلّا بعد انقضاء أيام التشريق و مضي اليوم الثالث عشر. فالمشهور بل عن الغنية الإجماع على أنه لا شي ء عليه، بل تجب عليه الرمي في القابل بالمباشرة إن حجّ. و مع عدمه يستنيب في القابل. لكن في بعض العبارات إجمال، كعبارة المحقق في الشرائع، حيث قال: «و لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكّة رجع و رمى، و إن خرج من مكة لم يكن عليه شي ء إذا انقضى زمان الرمي، فإن عاد في القابل رمى،

و إن استناب فيه جاز».

فإن صاحب المدارك حمل الصدر على إطلاقه و أن مفاده وجوب الرجوع من مكّة و الرمي سواء بقي من أيام التشريق أو انقضى.

و استظهر من الذيل أن العود في القابل لقضاء الرمي أو الاستنابة إنّما هو على سبيل الاستحباب، كما صرح به المحقق في النّافع و أجاب صاحب الجواهر عنه بأنّ إطلاق الصدر منزّل على قوله بعده إذا انقضى أيام التشريق الذي عبر عنه بقوله زمان الرمي و بأنه لا ظهور في الذيل في الندب، بل قوله فيه: «رمي» ظاهر في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 183

..........

______________________________

الوجوب. بل حكي عن المسالك دعوى ظهور قوله: و إن استناب جاز فيه أيضا.

و لكن مع ذلك اعترف في آخر كلامه بأن العبارة مجملة.

و كيف كان فقد ورد في المقام روايتان، و إن كان ظاهر الوسائل و الكتب الفقهية أنه يكون هنا أربع روايات. لكن حيث إن ثلاثا منها رواها معاوية بن عمار و في كثير منها يكون الراوي عنه هو ابن أبي عمير. و العبارات غير مختلفة إلّا يسيرا.

فالظاهر عدم تعدد روايات معاوية بن عمّار.

الأولى: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل فإن لم يحج رمى عنه وليّه، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمى عنه، فإنه (و إنّه خ ل) لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق. «1»

و في سندها محمد بن عمر بن يزيد الذي ذكر صاحب المدارك و غيره أنه لم يرد فيه توثيق و لا مدح يعتدّ به. فالرواية من حيث هي

غير معتبرة، و لكن استناد المشهور إليها يجبر الضعف- كما في الجواهر.

الثانية: صحيحة معاوية بن عمار- و قد عرفت أنّها واحدة و إن جعلت متعددة و لنقتصر على نقل واحدة منها- قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرميها. قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكّة، قال: يرجع فيرمي متفرّقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته و خرج. قال: ليس

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 184

..........

______________________________

عليه أن يعيد. «1» و في بعضها التعبير في الجواب عن السؤال الأخير بقوله: ليس عليه شي ء.

و الاختلاف بين الروايتين بعد اعتبارهما كما مرّ، إنّما هو في أمرين:

الأمر الأوّل: دلالة رواية عمر بن يزيد صدرا و ذيلا و خصوصا من حيث الذيل الوارد مورد التعليل، و هو قوله «فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق» على أنّ مضي الأيام المذكورة يمنع عن صحة الرمي أداء أو قضاء، و أن ظرفه الزماني يختص بتلك الأيام، و ثبوت الإطلاق في صحيحة معاوية من جهة دلالتها على وجوب الرجوع من مكة للرّمي من دون تقييد بما إذا لم تمض أيّام التشريق.

و قد مرّ أن صاحب المدارك حمل عبارة الشرائع على الإطلاق و أن مقتضاها وجوب الرجوع من مكّة مطلقا، مع أن مقتضى حمل المطلق على المقيد تخصيص ذلك بصورة عدم الانقضاء، و قد مرّ أن صاحب الجواهر حمل عبارة الشرائع عليه بقرينة ما بعدها. فلا إشكال في هذا الأمر.

الأمر الثاني: دلالة رواية عمر بن يزيد على أنه بعد مضي أيام التشريق يلزم الرمي من قابل سواء

كان بنفسه أو بوليّه أو نائبه. و دلالة الصحيحة على أنه بعده ليس عليه شي ء، و ظاهره عدم وجوب الرمي في العام القابل، و عدم وجوب غيره من الكفارة أو مثلها أو أنه ليس عليه أين يعيد. و ظاهره عدم الوجوب في القابل.

هذا، و المشهور و إن حكموا بالوجوب نظرا إلى رواية عمر بن يزيد، إلّا أنّ الظاهر ثبوت الجمع الدلالي بين الروايتين بجعل قوله «ليس عليه أن يعيد» قرينة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 185

[مسألة 2] في ما يعتبر في الرمي من الأمور

اشارة

مسألة 2- يجب في رمي الجمار أمور:

[الأوّل: النيّة]

الأوّل: النيّة الخالصة للّٰه تعالى كسائر العبادات.

[الثاني: إلقاءها بما يسمّى رميا]

الثاني: إلقاءها بما يسمّى رميا، فلو وضعها بيده على المرمى لم يجز. (1)

______________________________

على أن المراد من قوله «عليه أن يرميها من قابل» على الاستحباب- كما في نظائره- فإن قوله «ليس عليه أن يعيد» في الدّلالة على عدم الوجوب أظهر من دلالة قوله «عليه أن يرميها ..» على الوجوب، فيحمل الثاني على الاستحباب.

و عليه فمقتضى القاعدة هو الحكم بالاستحباب، كما مرّ أن المحقق صرح به في النافع و تحتمله عبارة الشرائع، لكن حيث إن المشهور حكموا بالوجوب فمقتضى الاحتياط الوجوبي- كما في المتن- هو الرمي من قابل و لو بالاستنابة.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لما يعتبر في رمي الجمار من الأمور، من دون فرق بين رمي جمرة العقبة فقط الذي هو من أعمال يوم النحر و بين رمي الجمرات الثلاثة الذي يجب في اليومين أو الأيام الثلاثة بعد يوم النحر، فنقول:

الأوّل: النيّة، و قد مر التحقيق فيها في الطواف و السعي و الوقوفين، و يزيد هنا وجود القضاء فيه دون الأمور المذكورة. فإذا كان عليه القضاء و الأداء، فاللازم التعيين في النيّة لعدم تعين شي ء من العنوانين بدون التعيين في النيّة.

الثاني: الإلقاء بما يسمى رميا. فلا يصح الوضع و إن كان باليد. و الوجه فيه أن العنوان المأخوذ في متعلق الوجوب نصّا و فتوى هو الرمي الذي يعتبر فيه الإلقاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 186

[الثالث: أن يكون الإلقاء بيده]

الثالث: أن يكون الإلقاء بيده. فلا يجز لو كان برجله، و الأحوط أن لا يكون الرّمي بآلة كالمقلاع و إن لا يبعد الجواز.

[الرّابع: وصول الحصاة إلى المرمى]

الرّابع: وصول الحصاة إلى المرمى، فلا يحسب ما لا تصل. (1)

______________________________

بنحو يصدق عليه هذا العنوان، و هو مغاير لعنوان الوضع، فهو لا يجزي و إن كان مستلزما للوصول.

(1) الثالث: أن يكون الإلقاء بسبب اليد في صورة الإمكان، فلا يجز لو كان بسبب الرجل. و لو فرض كونه أسهل في بعض الأفراد.

و الوجه فيه الانصراف إلى اليد مع استمرار السيرة عليه و إن اختلف المسلمون في ما يرمي به من جهة اعتبار كونه حصى أو عدم اعتباره و جواز رمي غيره من الأشياء الآخر، إلّا أن العمل استمر على الرّمي باليد.

و أمّا الرمي بالآلة كالمقلاع و إن كان بسبب اليد فقد احتاط في المتن استحبابا أن لا يتحقق الرمي به مع أن الظاهر إن الاحتياط في ذلك وجوبي ينشأ من الانصراف المذكور، و إن كان يبعّده في الجملة أن الرمي في الصيد و نحوه يكون بالآلة غالبا. و لا ينافي ذلك صدق الرّمي بوجه.

الرّابع: وصول الحصاة إلى المرمى و عدم كفاية مجرد نية الوصول و قصد الإيصال.

و السرّ فيه عدم تحقق رمي الجمرة، أي الرمي المضاف إليها بدون الوصول و الإصابة و إن كان قاصدا له. فالمعتبر مضافا إلى القصد تحقق المقصود.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 187

[الخامس: أن يكون وصولها برميه]

الخامس: أن يكون وصولها برميه. فلو رمى ناقصا فأتمّه حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز. نعم لو رمى فأصابت حجرا أو نحوه و ارتفعت منه و وصلت المرمى صحّ. (1)

______________________________

و يدلّ عليه صدر صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال:

فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، و إن أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت

على الجمار، أجزأك. «1»

(1) الخامس: أن يكون وصولها بسبب رميه، بمعنى عدم كون رميه ناقصا في السببية. فلو كان كذلك و كان الإتمام مستندا إلى حركة غيره من حيوان أو إنسان بحيث لو لم تكن حركة الغير لم يكن رميه كافيا في الإصابة و الوصول، لا يكون ذلك مجزيا و مثاله على ما في الجواهر ما لو أصابت ثوب إنسان فنفضه حتى أصابت عنق بعير فحرّكه فأصابت.

نعم هنا فرضان آخران:

أحدهما: ما لو أصابت في طريقه إنسانا أو غيره و وقعت على المرمي بعد الإصابة المذكورة من دون أن تكون الإصابة المزبورة مؤثرة في الوصول بل واقعة في طريقه و الظاهر أنه لا مانع منه. و أن ذيل الصحيحة المتقدمة آنفا ناظر إليه فهو مجز.

ثانيهما: ما لو أصابت في طريقه شيئا صلبا فوقعت بإصابته على الجمرة. و الظاهر

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 188

[السّادس: أن يكون العدد سبعة]

السّادس: أن يكون العدد سبعة.

[السّابع: أن يتلاحق الحصيات]

السّابع: أن يتلاحق الحصيات. فلو رمى دفعة لا يحسب إلّا واحدة، و لو وصلت على المرمى متعاقبة، كما أنه لو رماها متعاقبة صحّ، و إن وصلت دفعة. (1)

______________________________

فيه عدم الإجزاء خلافا لصاحب الجواهر حيث حكم بالجواز، معلّلا بالصدق بعد أن كانت الإصابة على كلّ حال بفعله.

و الوجه في عدم الإجزاء أنّ الإصابة المتحققة في الخارج قد تأثرت من إصابة الحجر الصلب، و إن كان لو لم يصبه لأصاب الجمرة أيضا إلّا أن الواقع في الخارج كان متأثرا من غيره أيضا. و هذا بخلاف الفرض الأول فإن الحكم فيه و إن كان عدم الإجزاء إلّا أن الملاك فيه نقصان السببية في نفسه، فتدبّر.

و مما ذكرنا يظهر الإشكال على المتن لو كان مراده خصوص الفرض الأخير أو الأعم منه، و من الفرض السابق.

(1) أمّا اعتبار كون العدد سبعة، فيدل على اعتباره- مضافا إلى نفي وجدان الخلاف فيه كما في الجواهر، بل عن المنتهى إجماع المسلمين عليه- الروايات المتعددة الواردة في بعض خصوصيات المسألة الدالة على أن أصل اعتبار العدد المذكور كان أمرا مسلّما مفروغا عنه عند السائلين و الرواة، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة فرمى بها فزادت واحدة فلم يدر أيّهن نقص، قال: فليرجع و ليرم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 189

..........

______________________________

كلّ واحدة بحصاة، فإن سقطت عن رجل حصاة فلم يدر أيّهن هي فليأخذ من تحت قدميه حصاة و يرمي بها، .. «1»

فإن الحكم بلزوم رمي كل واحدة بحصاة مع العلم الإجمالي بنقصان إحديهن، إنّما هو للتحفظ على عدد السبع و لزوم

رعايته بنحو الجزم و اليقين.

و مورد الرواية و إن كان رمى الجمرات الثلاثة و محل البحث هو رمي جمرة العقبة، إلّا أن الرواية تدل على اعتبار العدد المذكور فيه أيضا. إمّا لأجل أنه لا فرق بين رمي الجمرات الثلاثة و بين رمي جمرة العقبة من هذه الجهة قطعا، و إمّا لأجل أن الجمرة العقبة إحدى الجمرات، فإذا كان العدد معتبرا فيها مع الانضمام، فيكون معتبرا فيها مع الاستقلال أيضا، لأنه لا فرق بين الحالتين قطعا.

و رواية أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات، فقال: خذ واحدة من تحت رجليك. «2»

و مورد الرواية إمّا خصوص رمي جمرة العقبة الذي هو من مناسك مني أو أن مقتضى الإطلاق الشمول لرمي جمرة العقبة فيدل على المقام بالدلالة اللفظية.

و رواية عبد الأعلى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قلت له رجل رمى الجمرة بستّ حصيات فوقعت واحدة في الحصى، قال يعيدها إن شاء من ساعته و إن شاء من الغد إذا أراد الرّمي، و لا يأخذ من حصى الجمار، .. «3»

و الظاهر كون الواحدة الواقعة في الحصى هي السّابعة. فيدل على لزوم العدد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السابع، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 190

..........

______________________________

المذكور و احتمال كون الواحدة من الست. فلا يكون دالّا على السبع. كما في الجواهر في غاية البعد.

و أمّا اعتبار تلاحق الحصيات الذي عبّر عنه صاحب الجواهر بالتفريق في الرمي، و المراد لزوم التعدد في الرمي حسب تعدد

الحصيات بنحو التعاقب و التلاحق، فقد حكي عن الخلاف و الجواهر الإجماع عليه. بل لم يحك الخلاف فيه عن أحد من علماء المسلمين إلّا عطاء حيث حكم بإجزاء الرّمي بها دفعة.

و استدلّ عليه بالتأسي و السيرة المستمرة العمليّة من المسلمين، و يوضحه أنه لو لم يكن الرمي بالكيفية المزبورة متعيّنا لكان مقتضى مراعاة الأسهل الرمي دفعة لسهولته، خصوصا مع ملاحظة الزحام الكثير و حرارة الهواء نوعا، فعدم التوسل إلى الأسهل قرينة على عدم كفايته و عدم الاجتزاء به.

و أمّا الاستدلال عليه بالروايات الدالة على استحباب التكبير عند رمي كل واحدة من الحصيات نظرا إلى أنه لو جاز الرمي مرة واحدة كفى تكبيرة واحدة، فتعدد التكبيرة يكشف عن تعدد الرمي فغريب جدّا، لأن غاية ما يستفاد من ذلك استحباب تعدّد الرمي لتتحقق التكبيرات السبعة. و أمّا الوجوب فلا دلالة له عليه، كما أن الاستدلال عليه باستحباب الرّمي خذفا- كما في بعض الروايات- و هو أن يضع الحصى على الإبهام و يدفعه بظفر السبّابة حيث إنه لا يجتمع ذلك إلّا مع تعدد الرّمي كما هو ظاهر، غير تام، لأن مقتضاه استحباب التعدد الذي هو الموضوع للكيفية المزبورة و لا دلالة له على الوجوب، فالعمدة في الدليل ما ذكرنا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 191

[مسألة 3] في موارد الشك في الرمي

مسألة 3- لو شك في أنّها مستعملة أم لا، جاز الرّمي بها، و لو احتمل أنّها من غير الحرم و حملت من خارجه لا يعتني به، و لو شك في صدق الحصاة لم يجز الاكتفاء به، و لو شك في عدد الرمي يجب الرّمي حتى يتيقن كونه سبعا، و كذا لو شك في وصول الحصاة إلى المرمى يجب

الرّمي إلى أن يتيقن به، و الظنّ في ما ذكر بحكم الشك، و لو شك بعد الذبح أو الحلق في رمي الجمرة أو عدده لا يعتني به، و لو شك قبلهما بعد الانصراف في عدد الرّمي فإن كان في النقيصة فالأحوط الرجوع و الإتمام و لا يعتني بالشك في الزيادة، و لو شك بعد الفراغ في الصحة بنى عليها بعد حفظ العدد. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع كثيرة:

1- الشك في أن الحصاة التي يريد الرمي بها هل تكون مستعملة قبل هذا الرمي في رمي صحيح أم لا؟

و الحكم فيه جواز الرّمي بها لجريان استصحاب عدم الاستعمال فيها بعد كون معنى البكارة المعتبرة فيها مجرد عدم الاستعمال في الرّمي الصحيح. فلا يكون الاستصحاب بمثبت أصلا.

2- الشك في كونها من الحرم أو من خارجه و قد حملت إليه. و في المتن أنّه لا يعتني بهذا الاحتمال.

و الوجه فيه إن كان هو استصحاب عدم الحمل و عدم الانتقال، فهو لا يثبت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 192

..........

______________________________

كونها من الحرم و إن كان هو الظاهر، فيرد عليه مضافا إلى منع الصغرى أنه لا دليل على حجيّته. فالأحوط الاعتناء و رفع اليد عن الرّمي بها.

3- الشك في صدق عنوان الحصى الذي قد عرفت أنه يعتبر فيه أمران: كونه من جنس الحجر و عدم كونه كبيرا أو صغيرا جدّا. و لا يجوز الاكتفاء به بعد لزوم إحراز العنوان المأخوذ في متعلّق الأمر، و هو عنوان الحصى.

4- الشك في عدد الرمي و احتمال النقص فيه. كما إذا دار الأمر بين الستة و السبعة و مقتضى أصالة عدم الإتيان بالعدد المشكوك، وجوب الرمي حتى يتيقن كونه سبعا.

5-

الشك في وصول الحصى و إصابته الى المرمى و عدم إصابته. و مقتضى استصحاب عدم الإصابة وجوب الرمي إلى أن يتيقن بها.

6- لو شك بعد الذبح أو الحلق بعد ملاحظة ترتبهما على رمي جمرة العقبة في أصل رمي الجمرة وجودا و عدما أو العدد المعتبر في الرّمي. فلا يعتني بهذا الشك بعد كون الشك بعد التجاوز عن المحلّ و الدخول في الغير، لفرض ترتب الذبح و الحلق على الرّمي و حدوث الشك بعدهما أو بعد إحديهما.

7- الشك قبل الذبح و الحلق بعد الانصراف عن الرّمي. كما إذا كان في طريق الرجوع و شك في عدد الرمي و أن العدد هل كان ستة أو سبعة- مثلا-؟ و قد احتاط في المتن وجوبا بالرجوع إلى الجمرة و الإتمام. و منشأه الشك في جريان قاعدة التجاوز هنا. و إن كان الشك بعد الانصراف لعدم كون الانصراف مانعا عن إتمام الرمي و لحوق المشكوك، و مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان به.

و في هذا الفرض لو كان الشك في الزيادة لا يعتني به بعد كون الاستصحاب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 193

[مسألة 4] في عدم اعتبار الطهارة في الرمي

مسألة 4- لا يعتبر في الحصى الطّهارة، و لا في الرّامي الطهارة من الحدث أو الخبث. (1)

______________________________

مقتضيا لعدم الإتيان بالزائد المشكوك. و بعبارة أخرى لا اختلاف بين مفاد الاستصحاب و مقتضى قاعدة التجاوز، بخلاف احتمال النقيصة.

8- الشك بعد الفراغ في الصحة بعد كون العدد محفوظا. و الحكم فيه البناء على الصحّة لأصالة الصحة في العمل الصادر قطعا و شك في صحته و فساده.

(1) أمّا عدم اعتبار الطهارة في الحصى فلعدم الدّليل عليه، و مقتضى القاعدة العدم و مثله عدم اعتبار الطهارة من الخبث

في الرامي و أمّا عدم اعتبار الطهارة من الحدث في الرّامي فهو المشهور، و إن اعتبارها إنّما هو على سبيل الاستحباب لكن حكي عن السيّد و المفيد و أبي علي التعبير بعدم الجواز و ظاهره عدم الجواز الوضعي الذي يرجع إلى الاعتبار.

و الرّوايات الواردة في هذا المجال على طائفتين، بمقتضى ظاهرها:

الطائفة الأولى: ما هو دليل للمشهور، مثل:

صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و يستحبّ أن ترمى الجمار على طهر. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 194

..........

______________________________

و رواية أبي غسان حميد بن مسعود، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رمي الجمار على غير طهور، قال: الجمار عندنا مثل الصّفا و المروة حيطان إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، و الطّهر أحبّ إليّ، فلا تدعه و أنت قادر عليه. «1»

الطائفة الثانية: ما ظاهره الاعتبار، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الجمار، فقال: لا ترم الجمار إلّا و أنت على طهر. «2»

و مثلها رواية علي بن الفضل الواسطي المروية في قرب الإسناد عن أبي الحسن عليه السّلام قال: لا ترم الجمار إلّا و أنت طاهر. «3»

و الظاهر أن المراد من إسناد الطهارة إلى الإنسان لا إلى أعضاء جسده هي الطهارة عن الحدث- كما لا يخفى.

هذا، و الظاهر أن مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هو حمل الطائفة الثانية على النهي التنزيهي الذي لا يجتمع مع الاعتبار، و الحكم بالاستحباب الذي ذهب إليه المشهور، و يجري هذا الاحتمال في كلام المخالفين للمشهور.

ثم أن صاحب الجواهر حكي عن بعض الأصحاب استحباب

الغسل عند إرادة الرّمي. و قد ورد في هذا المجال رواية صحيحة، جعلها فيها في الوسائل روايتين مع وضوح عدم التعدد، و إن كان بينهما اختلاف يسير في الذيل.

إحديهما: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الغسل إذا رمى

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 195

..........

______________________________

الجمار، فقال: ربما فعلت فأمّا السنّة فلا و لكن من الحرّ و العرق. «1»

ثانيتهما: صحيحة عنه عليه السّلام قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الغسل إذا أراد أن يرمي، فقال: ربما اغتسلت فأمّا من السنّة فلا. «2»

و صاحب الجواهر بعد المناقشة في الاستحباب لأجل الروايتين، قال: اللّٰهمّ إلا أن يكون المراد من نفي السنّة أنه لم يرد عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فعله لأمور رجّحت ذلك بالنسبة إليه و إن كان هو راجحا في نفسه.

و هذا التوجيه يجري في الرواية بناء على النقل الثاني، و أمّا على النقل الآخر فظاهره أنه بلحاظ الحرّ و العرق، لا بلحاظ الاستحباب في نفسه، و يؤيده التعبير ب «ربما» الظاهر في الترك أحيانا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 196

[مسألة 5] في الاستنابة في الرّمي

مسألة 5- يستناب في الرّمي من غير المتمكن كالأطفال و المرضى و المغمى عليهم، و يستحبّ حمل المريض مع الإمكان عند المرمى و يرمى عنده بل هو أحوط. و لو

صحّ المريض أو أفاق المغمى عليه بعد تمامية الرمي من النائب لا تجب الإعادة، و لو كان ذلك في الأثناء، استأنف من رأس و كفاية ما يرمي (رماه ظ) النائب محلّ إشكال. (1)

______________________________

(1) أمّا جريان النيابة- التي هي أمر على خلاف القاعدة على ما تقدم في مبحث الحج النيابي- في الرمي في موارد العذر المحقق في عناوين خاصة بخلاف الوقوفين، حيث إنهما لا يقبلان النيابة إلّا في ضمن الحج الواقع نيابة. فيدل عليه روايات مستفيضة، عمدتها:

صحيحة معاوية بن عمّار و عبد الرّحمن بن الحجاج، جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الكسير و المبطون يرمى عنهما، قال: و الصبيان يرمى عنهم. «1»

و موثقة إسحاق بن عمّار، أنه سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه. قلت لا يطيق «ذلك» قال يترك في منزله و يرمى عنه. «2»

و صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أغمي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 197

..........

______________________________

عليه، فقال يرمى عنه الجمار. «1»

و غير ذلك من الروايات الواردة في العناوين الخمسة مطلقا أو مع تقييد المريض بعدم الاستطاعة أو المغلوب، فلا إشكال في أصل الحكم و هي مشروعية النيابة في الرّمي في الجملة، إنّما الإشكال في بعض الخصوصيات، فنقول:

لا إشكال في جريان النيابة في الرمي في مورد العذر إذا كان مستوعبا لجميع الوقت و هو من أول طلوع الشمس إلى غروبها، كما أنه لا إشكال في عدم

جريانها إذا لم يكن إلّا في بعض الوقت بحيث يمكن الإتيان به بالمباشرة بعده، لوضوح أن العذر في بعض الوقت لا يكفي في جريان النيابة بعد العلم بزواله في البعض الآخر كذلك.

و أمّا لو فرض وجوده في بعض الوقت مع احتمال بقائه إلى آخر الوقت و احتمال عدم بقائه و ارتفاعه، فالظاهر جواز الاستنابة فيه، استنادا إلى استصحاب بقاء العذر إلى آخر الوقت. فإن البقاء مشكوك يجري فيه الاستصحاب بلحاظ أثره الشرعي المترتب عليه في الحال، و هو جواز الاستنابة في أوّل الوقت كجواز البدار في التيمم مع احتمال بقاء الفاقدية إلى آخر الوقت.

ثم أنه لو بقي العذر في الفرض المزبور إلى آخر الوقت، فلا إشكال في الإجزاء و الكفاية.

و أمّا لو لم يبق بل ارتفع بحيث يمكن له الرمي بالمباشرة في الوقت، فالظاهر هو الإجزاء و عدم لزوم الاستئناف مباشرة لأجل قاعدة الإجزاء المحققة في الأصول.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 198

..........

______________________________

و لو نوقش فيها لكان مقتضى الروايات الواردة في المقام هو الإجزاء كما هو المتفاهم منها عند العرف، فان مفادها لا يكون مجرد بيان المشروعية للنيابة في الرمي في الجملة، بل هو مع صحة الرمي الواقع نيابة في مورد العذر و عدم لزوم الإعادة- كما لا يخفى.

نعم هنا فرض رابع، و هو زوال العذر في أثناء الرمي و إمكان الإتيان بالمجموع مباشرة و لا شبهة فيه في عدم جواز إكمال النائب الباقي بعد ارتفاع العذر و زوال الإغماء و المرض- مثلا.

إنّما الإشكال في لزوم استئناف المجموع من رأس مباشرة أو كفاية ما رماه النائب و إكمال المنوب عنه

الباقي. فيه وجهان:

و الظاهر هو الوجه الأوّل، لعدم وضوح شمول الروايات المتقدمة لهذه الصورة.

و قد عرفت أنّ النيابة إنما تكون على خلاف القاعدة، و يحتاج جريانها في مورد إلى قيام الدليل الظاهر فيه. و عليه فاللازم هو الاستئناف من رأس و عدم الاكتفاء بما رماه النائب. نعم مقتضى الاحتياط الراجح هو الجمع بين الأمرين.

بقي في هذه المسألة أمران:

أحدهما: أنّ الظاهر هو استحباب حمل المريض في صورة الإمكان إلى محلّ الرمي و الرمي في حضوره. و إن كان ظاهر الموثقة و بعض الروايات الآتية في مسألة الرمي في الليل هو الوجوب. و لذا جعله في المتن أحوط.

ثانيهما: أنّ الظاهر ان جريان النيابة في الموارد الخمسة المذكورة إنّما هو بعد تحقق الاستنابة من المنوب عنه و صدور الإذن منه. نعم في الصبي لا يحتاج إلى الاستنابة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 199

[مسألة 6] في من كان معذورا في الرمي يوم العيد

مسألة 6- من كان معذورا في الرّمي يوم العيد جاز له الرّمي في الليل. (1)

______________________________

بل يتصدّى الولي لنفسه أو يستنيب هو، و لا حاجة إلى إذن الصبي، كما أنه في المغمى عليه لا مجال للاستنابة لعدم إمكانها، بل يتصدّى الولي لذلك، و مع عدمه المؤمنون، بل ربما يستفاد من صحيحة رفاعة المتقدمة الوجوب بنحو الواجب الكفائي بناء على كون قوله: «يرمى عنه الجمار» دالّا على وجوب الرمي عنه، لا مجرد مشروعية النيابة بالإضافة إليه.

(1) قال المحقق في الشرائع: و لا يجوز أن يرمي ليلا إلّا لعذر كالخائف و المريض و الرعاة و العبيد. و قال في الجواهر عقيبه: بلا خلاف أجده فيه.

و المستند الروايات الكثيرة الواردة في هذه المسألة، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام

قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل و يضحي و يفيض باللّيل. «1»

و موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص للعبد و الخائف و الراعي، في الرمي ليلا. «2»

و صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في الخائف: لا بأس

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 200

..........

______________________________

بأن يرمي الجمار بالليل و يضحي باللّيل و يفيض باللّيل. «1»

و رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال: الحاطبة و المملوك الذي لا يملك من أمره شيئا، و الخائف و المدين و المريض الذي لا يستطيع أن يرمي، يحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي و إلّا فارم عنه و هو حاضر. «2»

و المستفاد من الروايات جواز الرّمي في الليل بالإضافة إلى العناوين المذكورة فيها. و جامعها عنوان المعذور كما فهمه الفقهاء.

و غير خفي أنّ هذه العناوين تختلف مع الطوائف الثلاثة الذين رخص لهم النفر من المشعر إلى منى قبل طلوع الفجر، حيث إنّ الظاهر جواز الرمي لهم بعد الورد إلى منى و إن لم يطلع الفجر من ليلة العيد، فضلا عن طلوع الشمس يومه. كما وقع التصريح بذلك في بعض الروايات الدالة على الترخيص. فإن النساء بعنوانهن من جملة تلك الطوائف مع أنه لا يصدق عليهن عنوان المعذور إلّا بالإضافة إلى بعضهن كالرجال.

و الثمرة تظهر في جواز الرمي في الليل في غير ليلة العيد، فإنه لا يجوز

على الطوائف المذكورة ذلك إلّا مع الدخول في عناوين روايات هذا الباب، كالخائف- مثلا- في بعض مصاديقه.

و كيف كان ظاهر روايات المقام الدالة على جواز الرّمي في الليل أنه لا فرق في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرّابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 201

..........

______________________________

الليل بين المتقدم و المتأخر لعموم النصوص و الفتاوى. كما ذهب إليه صاحب الجواهر تبعا لكاشف اللثام.

و لكن قال في محكيّ المدارك: «و الظاهر أن المراد بالرّمي ليلا رمي جمرات كل يوم في ليلته، و لو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنه أولى من الترك أو التأخير، و ربما كان في إطلاق بعض الروايات المتقدمة دلالة عليه».

و مقتضى الإطلاق أنه لا فرق بين صورتي التمكن و عدمه، و عليه فيجوز للمعذور في الليلة الثاني عشر رمي الجمار مرتين، مرة لليوم الماضي و أخرى لليوم الآتي.

فرع هل المريض الذي لا يتمكن من الرمي في اليوم، يجب عليه أن يستنيب للرمي في اليوم، أو يتعين عليه أن يصبر و يرمي بالمباشرة في الليل، أو يتخير بين الأمرين، وجوه:

ظاهر الماتن قدّس سرّه في الجواب عن السؤال عنه هو الوجه الثالث، و لعلّ وجهه جريان كلا الدليلين بالإضافة إليه الدليل الدال على أن غير المتمكّن يرمى عنه الجمار. و قد ورد بعض رواياته في خصوص المريض.

و الدليل الدّال على أن المعذور عن الرّمي في اليوم يرمي في الليل، و حيث إنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر فهو يتخير بين الأمرين و يحتمل ترجيح الثاني على الأوّل، لأن النيابة أمر

على خلاف القاعدة لا يصار إليها إلّا مع قيام الدليل الواضح عليها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 202

[مسألة 7] في جواز الرّمي ماشيا و راكبا

مسألة 7- يجوز الرّمي ماشيا و راكبا، و الأوّل أفضل. (1)

______________________________

و مع وجود الدليل على توسعة زمان الرّمي بالإضافة إلى الليل و لو بالنسبة إلى خصوص بعض العناوين لا يصار إلى النيابة. و لعلّ في رواية أبي بصير المتقدمة إشارة لو لا دلالة إلى ذلك، فتدبر. فالأحوط الرمي في الليل في الفرض المزبور.

(1) قد وقع التصريح في جملة من الكتب الفقهية بأنّ المستحب هو الرمي ماشيا.

و الظاهر أنّ المراد هو الرّمي راجلا. لأنّ الرّمي يغاير الطواف و السعي حيث إن الحركة مأخوذة في مفهومهما، بخلاف الرّمي، فإنه لا تعتبر الحركة في معناه و ماهيته.

فالمراد من عنوان الماشي هو الراجل في مقابل الرّاكب. نعم في الحركة عن الخيمة التي هي مقرة إلى محلّ الرمي يتصور عنوان الماشي.

و كيف كان فالدليل على الاستحباب و جواز الرّمي راكبا ملاحظة الجمع بين الرّوايات المتعددة الواردة في المقام، مثل:

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال: كان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يرمي الجمار ماشيا. «1»

و رواية أحمد بن محمّد بن عيسى، انّه رأى أبا جعفر عليه السّلام رمى الجمار راكبا. «2»

و مرسلة محمد بن الحسين عن بعض أصحابنا عن أحدهم عليه السّلام في رمي الجمار، أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 203

..........

______________________________

رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم رمى الجمار راكبا

على راحلته. «1»

و رواية معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل رمى الجمار و هو راكب، فقال: لا بأس به. «2»

هذا، و عن المبسوط و السرائر: انّ الركوب أفضل، لأنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم رماها راكبا.

و في محكي المدارك: لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الأصحاب.

قلت: لو كان المراد أنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم رماها راكبا أحيانا فهو لا يدل على استحبابه، خصوصا بعد دلالة صحيحة علي بن جعفر، على أنه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان يرمي الجمار ماشيا.

و لو كان المراد استمرار عمله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم على الرمي راكبا، فلا يكون في البين ما يدل عليه أصلا.

ثم إن هنا بعض الروايات المتعرضة لكيفيّة الحركة إلى محل الرّمي، مثل:

رواية عنبسة بن مصعب، قال: رأيت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام بمنى يمشي و يركب، فحدثت نفسي أن أسأله حين أدخل عليه، فابتدأني هو بالحديث، فقال: إن علي بن الحسين عليه السّلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا رمى الجمار و منزلي اليوم أنفس (أبعد) من منزله فأركب حتى آتي إلى منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمار «الجمرة». «3»

و مرسلة الحسن بن صالح عن بعض أصحابه، قال: نزل أبو جعفر عليه السّلام فوق المسجد بمنى قليلا عن دابته حتى توجه ليرمي الجمرة عند مضرب علي بن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن ح 2.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثامن، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص:

204

..........

______________________________

الحسين عليه السّلام فقلت له: جعلت فداك لم نزلت هاهنا؟ فقال: إنّ هذا مضرب علي بن الحسين عليه السّلام و مضرب بني هاشم و أنا أحبّ أن أمشي في منازل بني هاشم. «1»

و رواية علي بن مهزيار، قال: رأيت أبا جعفر عليه السّلام يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة، ثم ينصرف راكبا و كنت أراه ماشيا بعد ما يحاذي المسجد بمنى. «2»

و في دلالة بعضها على استحباب المشي إلى الرّمي بعنوانه تأمل و إشكال، و الأمر سهل.

تنبيه ينبغي في باب الرّمي التنبيه على أمرين:

أحدهما: أنه ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه في معنى الجمرة، و المراد منها ما ملخّصه:

«أن المراد منها البناء المخصوص أو موضعه، إن لم يكن كما في كشف اللثام. سمّي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسماة بالحجار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها أو من الاجمار بمعنى الإسراع، لما روي- في نهاية ابن الأثير- أن آدم عليه السّلام رمى فأجمر إبليس من بين يديه، أو من جمرته و زمرته اى نحيته، و في الدروس انّها اسم لموضع الرّمي و هو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى، و قيل هي مجتمع الحصى لا السائل منه. و صرّح علي بن بابويه بأنه الأرض.

و لا يخفى عليك ما فيه من الإجمال- إلى أن قال بعد ترجيح كلام الدروس على كلام كشف اللثام الظاهر في تقييد الصدق على الأرض بزوال البناء معللا استبعاد موقف الصدق عليه: و يمكن كون المراد بها المحلّ بأحواله التي منها الارتفاع ببناء أو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب التاسع، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 5، ص: 205

..........

______________________________

غيره أو الانخفاض».

و في رواية أبي غسان المتقدمة، تشبيه الجمار بالصفا و المروة و أنّها حيطان، و ظاهرها كون المراد منها هو البناء، لكن الرواية غير معتبرة.

ثانيهما: ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ الجمرة الموجودة في زمن النبي و الأئمة عليهم السّلام لا ريب في تغييرها لعدم إمكان بقائها فشخصها لا يلزم رميه جزما، بعد عدم إمكان البقاء، و بقاء حكم الرمي إلى يوم القيامة قطعا.

و عليه فإذا كان التغيير بنحو بنى بعد زوالها جمرة أخرى أو رممت أو طليت بالجص و السمنت بحيث يعدّ ذلك جزء منها لا بأس برميها.

و أمّا إذا فرض أنه بنى على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة الموجودة في زمانهم عليهم السّلام كما في زماننا هذا، فلا يجتزي برمي المقدار الزائد المرتفع لعدم وجود هذا المقدار في زمانهم، فلم نحرز جواز الاكتفاء برمي هذا المقدار.

قال: و الأحوط لمن لا يتمكن من رمي نفس الجمرة القديمة أن يرمي بنفسه المقدار الزائد المرتفع و يستنيب شخصا آخر لرمي الجمرة القديمة المزيد عليها.

و يرد عليه:

أوّلا: أن البناء على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السّابقة يستلزم الإضافة و الزيادة بالنّسبة إلى الأصل أيضا و لا يكون التغيير حينئذ بمجرد الكيفية فقط، بل التغيير في الكمية أيضا أصلا و فوقا و حينئذ فاللازم عدم الاجتزاء برمي الأصل أيضا و لا مجال للالتزام به.

و ثانيا: أنه مع قطع النظر عما ذكرنا، نقول: أن ارتفاع الجمرة لا يستلزم خروج المقدار المرتفع عن عنوانها، فإن الجمرة سواء كان المراد بها الأرض أو كان المراد البناء باقية بعنوانها، و لا تكون الجمرة المرتفعة جمرة و إضافة بل المجموع هي

الجمرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 206

..........

______________________________

و يؤيد ما ذكرنا التوسعة المتحققة في المسجدين: المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم حيث إنّها لا توجب خروج الزائد عن العنوان و لا عن الأحكام المترتبة عليهما، فإذا قلنا بالتخيير بين القصر و الإتمام في خصوص المسجدين لا في مجموع البلدين يكون التخيير المزبور ثابتا في جميع أجزائهما و لو الأجزاء الحادثة في الأزمنة المتعددة.

كما أنّ الإحرام للحج بالإضافة إلى المتمتع اللّازم وقوعها في بلد مكّة قد مرّ البحث سابقا في أنه يجوز إيجاده من أية نقطة من نقاط مكة و حتى النقاط الحادثة في الأزمنة الأخيرة، و قد تقدم الاستدلال عليه.

و عليه فالتوسعة لا تقتضي عدم توسعة الحكم و المقام من هذا القبيل، فإن الارتفاع لا يقتضي سلب العنوان، و هو الملاك في الأحكام- كما لا يخفى.

فيجوز من المقدار المرتفع الموجود في هذه الأزمنة أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 207

2- الهدي

اشارة

الثاني من الواجبات، الهدي. و يجب أن يكون إحدى النعم الثلاث:

الإبل و البقر و الغنم، و الجاموس بقر، و لا يجوز سائر الحيوانات. و الأفضل الإبل ثم البقر، و لا يجزي واحد عن اثنين أو الزيادة بالاشتراك حال الاختيار، و في حال الاضطرار يشكل الاجتزاء، فالأحوط الشركة و الصوم معا. (1)

______________________________

(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:

الجهة الأولى: في أنه يختص وجوب الهدي بحج التمتع بخلاف رمي جمرة العقبة و الحلق أو التقصير. و أمّا غير حج التمتع فلا يجب فيه الهدي.

قال اللّٰه تبارك و تعالى: .. فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1»

و

مقتضى ظاهره أنه في صورة الأمن و عدم الإحصار يجب على المتمتع ما استيسر من الهدي.

و الروايات الدالة على ذلك كثيرة، مثل:

صحيحة زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل؟

فقال: المتعة، فقلت: و ما المتعة؟ فقال: يهلّ بالحج في أشهر الحج فإذا طاف بالبيت فصلّى الركعتين خلف المقام و سعى بين الصّفا و المروة و قصّر و أحلّ، فإذا كان يوم

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 192.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 208

..........

______________________________

التروية و أهلّ بالحج و نسك المناسك و عليه الهدي، فقلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة و أوسطه بقرة و أخفضه شاة، .. «1»

و رواية سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام من تمتع في أشهر الحج، ثم أقام بمكة حتى يحضر الحاج من قابل فعليه شاة، و من تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنّما هي حجة مفردة و إنّما الأضحى على أهل الأمصار. «2»

و غير ذلك من الروايات الظاهرة في أن الهدي من خصائص حج التمتع و لا يجب في غيره.

لكن هنا رواية ربما يكون ظاهرها غير ذلك، و هي صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال في رجل اعتمر في رجب، فقال: إن كان أقام بمكّة حتى يخرج منها حاجّا فقد وجب عليه هدي، فإن خرج من مكّة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي. «3»

و قد حملها الشيخ قدّس سرّه في التهذيب على من بقي و أقام بمكة ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، و لازمة خروجه من مكّة في الحج. لأن إحرام حج التمتع

لا بد و أن يقع في مكّة، و الشرطية الثانية ناظرة إلى غير المتمتع.

و يحتمل الحمل على وجوه أخر، مثل الحمل على ضرب من الندب أو على أنه ليس المراد بالهدي ما هو الواجب في حج التمتع، بل المراد به هي الكفارة بلحاظ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الخامس، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب العاشر، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأوّل، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 209

..........

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 209

______________________________

وجوب الحج عليه من خارج مكة بالنذر أو غيره فأحرم منها.

و قد احتمل في الجواهر أن ما في الدروس بعد نقل الحديث من أن فيه دقيقة إشارة إلى هذا الوجه. و على تقدير عدم إمكان الحمل لا بد من ردّ علمه إلى أهله- كما لا يخفى.

و كيف كان فلا شبهة في وجوب الهدي في التمتع بل في اختصاصه به و عدم وجوبه في غيره حتى القران لعدم تعينه بوجه.

نعم وقع الكلام في أن المكي إذا تمتع هل يجب عليه الهدي أم لا؟ فالمشهور شهرة عظيمة هو الأوّل، بل في الجواهر: لم يحك الخلاف فيه إلّا عن الشيخ في المبسوط جزما و الخلاف احتمالا.

و الوجه في خلافه قوله تعالى في ذيل الآية المتقدمة ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ بناء على رجوع اسم الإشارة إلى الهدي لا إلى التمتع، لأنه كقوله من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصيا في الرجوع

إلى الجزاء دون الشرط.

و أجيب عنه بأن مقتضى كون كلمة «ذلك» إشارة إلى البعيد أن يكون المشار إليه بها هو التمتع دون الهدي.

أقول: البحث في الآية يقع تارة بملاحظة ما هو مقتضاها في نفسها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها، و أخرى مع ملاحظة تلك الروايات.

أمّا مع قطع النظر عنها، فالظاهر أن وقوع اسم الإشارة عقيب الجملة الشرطية التي أشير به إليها يقتضي أن يكون المشار إليها هو مفاد الجملة الشرطية، و هو ثبوت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 210

..........

______________________________

الملازمة بين الشرط و الجزاء و ترتب الثاني على الأوّل. فالمشار إليه بكلمة «ذلك» في الآية الشرطية هي ترتب وجوب الهدي على حج التمتع الذي هو مفاد الشرطية في قوله تعالى فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ و لا معنى لإرجاعه إلى الهدي وحده، و لا وجه لإرجاعه إلى مشروعية التمتع بعد عدم كون الآية مسوقة لبيانها، بل غاية مفادها أن التمتع يلازم وجوب الهدي.

و عليه فلا وجه للإشارة إلى التمتع، و إن حكى عن أبي حنيفة. فالآية بمقتضى ظاهرها تنطبق على فتوى الشّيخ قدّس سرّه لا بالتقريب الذي أفاده بل بالتقريب الذي ذكرنا.

و أمّا مع ملاحظة الروايات المفسرة فلا يبقى ارتياب في أن مفاد الآية بلحاظ الذيل هي مشروعية التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فانظر مثل:

صحيحة عبيد اللّٰه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير، كلّهم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ليس لأهل مكّة و لا لأهل مرّ و لا لأهل سرف متعة، و ذلك لقول اللّٰه عزّ و جلّ:

ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ

الْحَرٰامِ. «1» و «مرّ» موضع على مرحلة من مكّة و «سرف» ككتف موضع قرب التنعيم.

و دلالة الرواية على أن المراد بالكتاب هي مشروعية التمتع و وجوبه واضحة إلّا أن الاستشهاد بالكتاب لا بد و أن يكون مبتنيا على ظهوره و دلالة العرفية التي يكون العرف حاكما بمفاده، و قد عرفت منع الظهور في الآية في نفسها.

و مثلها: صحيحة علي بن جعفر، قال: قلت لأخي موسى بن جعفر عليه السّلام لأهل مكة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 211

..........

______________________________

أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال: لا يصلح أن يتمتعوا، لقول اللّٰه عز و جل ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ. «1»

نعم، صحيحة زرارة ظاهرة في التفسير و خالية عن الاستشهاد. حيث روى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام قول اللّٰه عز و جل في كتابه: .. ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ .. «2»، قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، .. «3»

فلا يبقى بملاحظة الروايات المتقدمة و مثلها إشكال في المراد من الآية، و عليه فمقتضى إطلاق ما دل على وجوب الهدي على المتمتع أنه لا فرق بين المتمتع النائي و بين المكّي إذا تمتع و لو استحبابا. فإن استحباب الشروع لا ينافي الوجوب بعد وجوبه بالشروع.

الجهة الثانية: في أن الهدي لا بد و أن يكون إحدى النعم الثلاث: الإبل و البقر و الشاة.

و يدل عليه قوله تعالى: .. لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعٰامِ .. «4» فإن الأنعام لا يصدق إلّا على الثلاث المذكورة التي في رأسها الإبل، بحيث إنه

قيل بعدم صدق الجمع إذا لم يكن الإبل في البين، فإضافة البهيمة إلى الأنعام إنما هي من قبيل إضافة الجنس إلى النوع، كما أن التوصيف بالثلاثة إنّما هو للتوضيح

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب السادس، ح 2.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب السادس ح 3.

(4) سورة الحج (22): 34.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 212

..........

______________________________

لا للاحتراز.

و كذا يدل عليه مثل صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على السؤال عن الهدي.

و الجواب بأن أفضله الإبل و أوسطه البقرة و أخفضه الشاة. فإن مفادها عدم خروجه عن هذه الأنواع الثلاثة، مع أن مقتضى السيرة العملية المستمرة من الصدر الأول إلى يومنا هذا ذلك. و لم ينقل من أحد منهم الخلاف، فلا شبهة في هذه الجهة.

و أمّا الجاموس فقد وردت فيه رواية علي بن الريّان بن الصلت، كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام يسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية؟ فجاء في الجواب:

إن كان ذكرا فمن واحد و إن كان أنثى فمن سبعة. «1»

الجهة الثالثة: في عدم إجزاء الهدي الواحد إلّا عن الواحد. فلا يجتزي؟؟؟؟؟

اثنين أو الزيادة بالشركة، كما هو المشهور، بل في الجواهر: عن ضحايا الخلاف الإجماع عليه.

و يدل عليه- مضافا إلى قوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» نظرا إلى أنّ «من» للتبيين. و المراد بالهدي المستيسر هو بيان النعم الثلاثة و أن الميسور منها كاف دون إجزاء الهدي و أبعاضه. و كذا قوله تعالى عقيبه: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ .. «3»

لظهوره في أن المراد عدم وجدان الهدي الكامل التامّ- الروايات الكثيرة المتعددة مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: لا

يجوز البدنة و البقرة إلّا عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 1.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 213

..........

______________________________

واحد بمنى. «1»

و المراد بعدم الجواز هو عدم الإجزاء. و لا اختصاص للحكم بالبدنة و البقرة، بل يشمل الشاة أيضا. و عدم التعرض لها باعتبار عدم تحقق غرض الشركة فيها غالبا، باعتبار عدم كثرة قيمتها.

و التخصيص بمنى و إن كان يوجب خروج الأضحية بغيرها، إلّا أن مقتضى الإطلاق أنه لا فرق في منى بين الهدي و غيره. و القدر المتيقن هو الأوّل.

و رواية محمد بن عليّ الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة؟

قال: أمّا في الهدي فلا و أمّا في الأضحى فنعم. «2»

و؟؟؟؟؟ الرواية ظاهرة الدلالة على عدم إجزاء الهدي الواحد، و لو كان بقرة عن غير الواحد إلّا أنّ في سندها محمد بن سنان.

و صحيحة الحلبي- الذي يراد به عند الإطلاق عبيد اللّٰه بن علي الحلبي- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة و لا تجزي بمنى إلّا عن واحد. «3»

فلا إشكال بملاحظة ما ذكر في عدم الإجزاء في حال الاختيار و عدم الضرورة.

و أمّا في حال الضرورة فالمشهور هو عدم الإجزاء أيضا. و لكنه و ذكر في الشرائع بعد الحكم بعدم الإجزاء مطلقا: و قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة و عن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد، و ظاهره أنّ القول المقابل للمشهور هو الحكم بالإجزاء مع

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب

الثامن عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 214

..........

______________________________

وجود الضرورة و كون المشتركين أهل خوان واحد. و ذكر بعده في الجواهر أنه لم يعرف القائل بذلك. بل حكي عن جماعة الجواز عند الضرورة مطلقا، كالشيخ في جملة من كتبه، و عن بعض الكتب الجواز إذا كانوا أهل خوان واحد.

و الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة. لكن المهمّ منها ثلاث روايات معتبرة:

إحديها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم و مضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال لا أحبّ ذلك إلّا من ضرورة. «1»

و الرواية ظاهرة الدّلالة على جواز الاجتماع في ذبح بقرة واحدة في حج التمتع في حال الضرورة، من دون فرق بين القول بأن التعبير في الجواب بقوله: «لا أحبّ» ظاهر في الكراهة المصطلحة، و بين القول بأنه ظاهر في المبغوضية التي تجتمع مع الحرمة و الكراهة. فإنه على أي تقدير يكون مفاده الجواز في صورة الضرورة، كما أنه من الواضح ثبوت الهدي في حج التمتع مطلقا، سواء كان واجبا أو مستحبّا. فإن التمتع المستحب يصير واجبا بالتلبس به و الشروع فيه. فيجب فيه الهدي.

و هذه الصحيحة صالحة للتقييد لإطلاق الروايات المتقدمة الذي كان مقتضاه عدم الفرق بين الاختيار و الاضطرار- كما لا يخفى.

ثانيتها: صحيحة حمران، قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك، فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم؟ قال: ما خفّ فهو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 10.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 215

..........

______________________________

أفضل. قال: فقلت عن كم تجزى؟ فقال عن سبعين. «1»

و الظاهر أنّه لا خصوصية لسبعين، بل هي كناية عن الكثرة. و هذه الرواية و إن كان مفادها جواز الاشتراك مطلقا إلّا أن رواية الحلبي المتقدمة المفصلة بين الهدي و غيره تصلح لتقييد هذه الرواية بغير الهدي، و إن كان يبعده أن الحمل عليه يوجب الحمل على الأفراد النادرة لندرة غير الهدي بمنى، و دعوى كون أكثر الحجاج سابقا كان حجّهم حجّ إفراد ممنوعة جدّا.

ثالثتها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يجزي البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد. «2»

و الظاهر أنّها الرواية المعتبرة الوحيدة الدلالة على استثناء ما إذا كان الشركاء أهل خوان واحد، بعد ظهور أنه لا خصوصية للبقرة بوجه.

و أورد عليه تارة بأن وقوع أبي الحسين النخعي في سند هذه الرواية و في سند صحيحة الحلبي المتقدمة قرينة على أن مورد هذه الرواية الأضحية لا الهدي الواجب.

و أخرى بأنه على تقدير الإغماض عن تلك الرواية تكون دلالتها على الاجتزاء حتى في الهدي الواجب بالإطلاق. فتقع المعارضة بينها و بين رواية الحلبي المتقدمة الدالة على عدم إجزاء الاشتراك في الهدي. فإن مقتضى إطلاقها أنه لا فرق بين ما إذا كانوا من أهل خوان واحد و عدمه. و النسبة عموم من وجه، و مادة الاجتماع هو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 11.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 216

..........

______________________________

الهدي بالإضافة إلى جماعة يكونون أهل خوان واحد.

فإن صحيحة معاوية تدل بالإطلاق على الاجتزاء و رواية

الحلبي على عدمه، فيتعارضان و يرجع إلى إطلاق الأدلة العامّة الدّالة على لزوم الهدي التام الكامل على كل متمتع.

و الإيراد الأوّل مدفوع بأن وقوع راو واحد في سند الروايتين لا ينافي التعارض بينهما و لا موجب لجعله قرينة على التصرف في دلالة الأخرى بوجه، بل اللازم ملاحظة نفس الدلالتين- كما هو ظاهر.

كما أنّ الإيراد الثاني مدفوع أيضا، مضافا إلى أن هذه الرواية للحلبي لا تكون صحيحة، لوقوع محمد بن سنان في سندها على ما مرّ بأن وقوع المعارضة بينها و بين صحيحة معاوية بن عمّار بنحو العموم و الخصوص من وجه، و الحكم بالتساقط ثم الرجوع إلى الأدلة العامّة، إنّما هو في ما إذا لم يكن لأحد الدليلين خصوصية موجبة لتعين وروده فيه و شموله له، بحيث لا يمكن إخراج مادة الاجتماع عنه.

بخلاف الدليل الآخر الذي يكون شموله لها بمجرد الإطلاق، و لا مانع من تقييده و إخراج مورد الاجتماع عنه. ففي مثله يجب تقييد إطلاق أحد الدليلين و إبقاء الآخر على حاله. و المقام يكون ظاهرا من هذا القبيل.

فإن تقييد رواية الحلبي الدالة على عدم الإجزاء في الهدي بما إذا لم يكن النفر أهل خوان واحد و إن كان ممكنا لا مانع منه أصلا. إلّا أن تقييد صحيحة معاوية بن عمار الدالة على جواز الاشتراك في بقرة واحدة في ما إذا كان المشتركون أهل خوان واحد بغير الهدي الواجب، بمقتضى رواية الحلبي مشكل بل غير جائز. لأنه لو لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 217

..........

______________________________

يكن فيه التقييد بمنى لم يكن مانع عن هذا التقييد بوجه.

و أمّا مع إضافة عنوان منى يكون مقتضاها- حينئذ- أنّ جواز الاشتراك في ما

إذا كانوا أهل خوان واحد يكون مقيّدا بما إذا كان بمنى. مع أنه في الأضحية غير الواجبة لا يكون جواز الاشتراك مقيّدا بمنى بوجه، لوضوح جواز الاشتراك فيها في غير منى مطلقا، سواء كانوا من أهل خوان واحد أم لم يكونوا.

و لا تكون الصحيحة مسوقة لبيان المفهوم حتى يكون الغرض الأصلي منها إفادة عدم الجواز في صورة عدم كونهم أهل خوان واحد، بل الظاهر أن الغرض الأصلي منها بيان المنطوق، و هو الجواز في صورة الأهليّة المذكورة.

و مع ملاحظة ما ذكرنا هل يحتمل جواز حمل الضحية على غير الهدي أو أن التقييد بمنى يوجب نصوصيتها في الشمول لمادة الاجتماع؟

فالإنصاف أنه لا مجال لإخراجها عن الصحيحة، فلا وجه للإيراد الثاني.

و على تقدير ما ذكر تدل الصحيحة على جواز الاشتراك إذا كانوا أهل خوان واحد. كما أن صحيحة ابن الحجاج المتقدمة دلّت على الجواز في صورة الضرورة.

فهل يحكم بلزوم اجتماع القيدين في الحكم بالجواز كما حكاه في الشرائع، أو يحكم بكفاية وجود أحدهما في الحكم المذكور و إن كان لا يظهر من الفقهاء بوجه؟ لا يبعد الثاني لما مرّ من وجهه.

ثم أنه على تقدير عدم وضوح حكم الضرورة من الأدلة نفيا و إثباتا يكون مقتضى العلم الإجمالي بلزوم الاشتراك أو الصوم الذي هو بدل عن الهدي هو الاحتياط بالجمع بين الأمرين- كما أفيد في المتن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 218

..........

______________________________

في اعتبار السنّ في الهدي

[مسألة 8- يعتبر في الهدي أمور]

اشارة

مسألة 8- يعتبر في الهدي أمور:

[الأوّل، السنّ]

الأوّل، السنّ، فيعتبر في الإبل الدخول في السّنة السادسة، و في البقر الدخول في الثالثة على الأحوط، و المعز كالبقر، و في الضأن الدخول في الثانية على الأحوط. (1)

(1) أقول: أمّا الإبل، فالنص و الفتوى متوافقان على أنّ أقلّ ما يجزي منه هو الثني، و هو الذي له خمس و دخل في السّادسة و لا إشكال و لا خلاف في هذا التفسير في صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن علي عليه السّلام أنه كان يقول: الثنية من الإبل و الثنية من البقر و الثانية من المعز و الجذعة من الضأن. «1» فلا شبهة في حكم الإبل.

و أمّا البقر، فقد ورد في صحيحة العيص الثني منها أيضا. و المشهور في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل في محكي كشف اللثام نسبته إلى قطعهم أنّ الثني من البقر ما له سنة و دخل في الثانية. و عن جماعة بل قيل أنه المعروف في اللغة هو ما دخل في الثالثة. فإن فيها تسقط ثنيتها على ما قيل.

و في صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الإبل و البقر أيّهما أفضل أن يضحى بها؟ قال: ذوات الأرحام. و سألته عن أسنانها، فقال: أمّا البقرة فلا يضرك بأيّ أسنانها ضحيت، و أمّا الإبل فلا يصلح إلّا الثنيّ فما فوق. «2»

و هي و إن كانت ظاهرة في عدم اعتبار سن خاص في البقر، إلّا أن ملاحظة أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 219

..........

______________________________

صدق

البقر و انطباق عنوانه يتوقف على مضيّ زمان، لأنه قبله يصدق عنوان العجل دون البقر، كما في ما يرادفه من سائر اللغات مثل اللغة الفارسية، و هذا يقتضي مضيّ زمان أقلّه سنة واحدة. فهذا يؤيّد التفسير المشهور في ثني البقر- كما عرفت.

و في صحيحة محمد بن حمران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: أسنان البقر تبيعها و مسنّها في الذبح سواء. «1»

و قد ذكر عنوان التبيعة في باب الزكاة، و قالوا هناك أن المراد منها ما أكمل سنة واحدة و دخل في الثانية، و الظاهر عدم اختلاف المراد في الموردين، فيدل ذلك على أن المراد بالتبعية هو الثني بالتفسير المشهور.

و عليه فيرتفع اختلاف الروايات، و منه يظهر أنه لا وجه للاحتياط الوجوبي الذي هو ظاهر المتن. بل الظاهر أن الاحتياط استحبابي.

و أمّا الغنم فالمعز منه يعتبر أن يكون ثنيّا فما فوق. و المراد من ثنيّه ما هو المراد من ثني البقر ممّا عرفت. و أمّا الضأن فمقتضى جملة من الروايات الاكتفاء بالجذع منه.

كما في صحيحة العيص المتقدمة و في رواية ابن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: يجزي من الضأن الجذع و لا يجزي من المعز إلّا الثنيّ. «2»

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سأل عن الأضحية، فقال: أقرن- إلى أن قال:- و الجذع من الأضن يجزي و الثني من المعز .. «3»

و في رواية حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام ادنى ما يجزي من أسنان

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 7.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 220

..........

______________________________

الغنم في الهدي. فقال: الجذع من الضأن. قلت: فالمعز. قال: لا يجوز الجذع من المعز.

قلت: و لم؟ قال: لأن الجذع من الضأن يلقح و الجذع من المعز لا يلقح. «1»

و في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و يجزي في المتعة الجذع من الضأن و لا يجزي جذع من المعز. «2»

و غير ذلك من الروايات الدالة على التفصيل بين المعز و الضأن بهذه الكيفية.

و قد وقع الخلاف في تفسير الجذع، فعن جملة من أساطين اللغويين: أنه الداخل في السنة الثانية، و عن جملة من كتب قدماء الأصحاب: أنه عبارة عما لم يدخل في السنة الثانية. بل عن بعضهم التصريح بأنه الذي له سبعة أشهر. و عن العلامة في جملة من كتبه: أنه الذي له ستة أشهر. و عن ابن الأعرابي: الأجذاع وقت و ليس بسن و يختلف باختلاف الحالات.

و كيف كان، فإن قلنا بأنّ الثني من الغنم ما أكمل السنة الواحدة، فاللازم أن يكون الجذع أقلّ منه. ليتحقق الاختلاف بين الثني و الجذع المصرح به في الروايات المتقدمة.

و عليه فالجذع ما لم يكمل السنة الواحدة فينطبق على جملة من التفاسير المتقدمة. ثم أنه يمكن أن يكون مبنى الاحتياط الوجوبي المذكور في المتن في الضأن و في سابقة من ثنى البقر و المعز هو أن غاية ما يستفاد من الأدلة هو اعتبار الثني في البقر و الجذع في الضأن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الحادي عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 221

..........

______________________________

في أنه يعتبر أن لا

يكون الهدي مريضا

[الثاني: الصحة و السّلامة]

الثاني: الصحة و السّلامة، فلا يجزي المريض حتى الأقرع على الأحوط.

[الثالث: أن لا يكون كبيرا جدّا]

الثالث: أن لا يكون كبيرا جدّا. (1)

و بعد الرجوع إلى تفسيرهما نرى تحقق الاختلاف في معناهما. و حيث إنه لم يثبت لنا شي ء من التفسيرين أو التفاسير فيهما، فاللازم الرجوع إلى الأصل العملي و هو يقتضي الاحتياط.

و يرد عليه أنه بعد وصول النوبة إلى الأصل العملي و عدم استفادة شي ء من الأدلة اللفظية و القرائن و الشواهد المذكورة فيها- مما عرفت- يكون مقتضى الأصل العملي هي البراءة عن الكلفة الزائدة و الضيق الزائد المشكوك. لأن المقام من موارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطي كالشك في جزئية شي ء زائد للمركب أو في شرطية أمر زائد للمشروط و نحوهما. و مقتضى التحقيق فيه جريان أصالة البراءة لا الاحتياط- كما قرر في محلّه من الأصول فأصالة الاحتياط تستقيم على هذا الفرض أيضا.

(1) قال العلّامة في محكي المنتهى: «قد وقع الاتفاق من العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع- يعني العناوين الواقعة في الرواية الآتية- في المنع.

و روى البراء بن عازب، قال: قام فينا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم خطيبا، فقال: أربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البيّن عورها، و المريضة البيّن مرضها، و العرجاء البيّن عرجها، و الكبيرة التي لا تنقى. ثم قال: و معنى البين عورها التي انخسفت عينها و ذهبت، فإن ذلك ينقصها، لأن شحمة العين عضو يستطاب أكله، و العرجاء البيّن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 222

..........

______________________________

عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم و مشاركتهن في العلف و الرعي فتهزل، و التي لا مخّ لها لهزالها لأن النّقي بالنون المكسورة و القاف

الساكنة المخّ.

و المريضة قيل هي الجرباء لأن الجرب يفسد اللّحم. و الأقرب اعتبار كلّ مرض يؤثر في هزالها و في فساد لحمها».

و مع قطع النظر عن دعوى العلامة الإجماع و الرواية العاميّة المذكورة، لا دليل على اعتبار الصحة و السّلامة في مقابل المرض، لأنّ عمدة ما ورد في هذا الباب صحيحة علي بن جعفر انّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها، هل تجزي عنه؟ قال: نعم إلّا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا. «1»

و من المعلوم أن موضوع الحكم بعدم الجواز فيها هو الهدي الواجب الناقص.

غاية الأمر أن التطبيق على المورد الذي لا محيص عنه يقتضي الالتزام بكون العوراء ناقصا، لأنه لا مجال لاحتمال عدم الانطباق. و على أيّ فلا دلالة لها على أزيد من عدم جواز عنوان الناقص.

و الظاهر عدم انطباقه على المريض. لأن النقص في مقابل الكمال و التمامية، و المرض في مقابل الصحة و السّلامة، فلا دلالة للصحيحة على المنع من المريض إلّا أن دعوى العلامة في العبارة السابقة الإجماع. و ظاهره إجماع جميع علماء المسلمين لا خصوص علماء الإمامية فقط، بضميمة الرواية المذكورة، و إن كانت غير معتبرة في نفسها مقتضى لزوم رعاية الاحتياط في هذا الأمر. و يمكن أن يكون قوله «على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 223

..........

______________________________

في أنه يعتبر أن يكون الهدي تام الأجزاء

[الرّابع: أن يكون تامّ الأجزاء]
اشارة

الرّابع: أن يكون تامّ الأجزاء. فلا يكفي الناقص كالخصيّ. و هو الذي أخرجت خصيتاه، و لا مرضوض الخصية و لا الخصيّ في أصل الخلقة. (1)

الأحوط»

في المتن راجعا إلى أصل اعتبار هذا الأمر، لا إلى الأقرع، فتدبّر. هذا بالنسبة إلى المرض.

و أمّا بالنسبة إلى عدم كونه كبيرا جدّا، فهو أيضا كالمريض لا دليل عليه، و لا تشمله الصحيحة. بل غاية ما فيه ادعاء العلامة بضميمة الرواية المذكورة، و الوارد في الرواية هي الكبيرة التي لا تنقى. و قد فسرها بالتي لا مخ لها لأن النقي المخ، و منشأه الكبر الذي يوجب و هن العظم و خلوّه من الجوف نوعا.

و أقصى ما فيه أيضا هو الاحتياط اللزومي دون الفتوى كما في المريض. و إن كان ظاهر المتن بناء على الاحتمال الذي ذكرنا هو الفرق بين الأمرين.

(1) أمّا بالنسبة إلى أصل اعتبار التمامية و عدم كفاية الناقص بنحو الإجمال، فتدل عليه صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، و لكنها لا تنافي ثبوت الجواز في بعض مصاديق النقص و موارده، لقيام الدليل عليه، لأن مرجعه إلى صيرورته مقيّدا لإطلاق الصحيحة. فاللازم ملاحظة جملة من الموارد، فنقول:

منها: الخصي، و فسّره في المتن بالذي أخرجت خصيتاه. و إليه يرجع ما في الجواهر من أنه مسلول الخصية. و صرّح غير واحد بعدم إجزائه، بل هو المشهور، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 224

..........

______________________________

و يدل على المنع فيه بالخصوص صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنه سأل عن الأضحية، فقال: اقرن فحل- إلى أن قال:- و سألته أ يضحى بالخصيّ؟ فقال:

لا. «1»

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب و لم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي، هل

يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه. «2»

لكن في مقابلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: النعجة من الضأن (ميش مادة) إذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن، و قال: الكبش (قوچ) السمين خير من الخصي و من الأنثى. و قال: سألته عن الخصي و عن الأنثى، فقال: الأنثى أحبّ إليّ من الخصيّ. «3»

فإنّها ظاهرة في جواز الخصي في الأضحية، و مقتضى إطلاقها أنه لا فرق فيها بين الهدي و غيره من الأضحية المندوبة. و لكن ظهور صحيحة ابن الحجاج في المنع عن الخصي في الهدي، بل دلالتها على كون عدم الجواز مفروغا عنه عند السائل يوجب حمل صحيحة الحلبي على الأضحية المندوبة.

و إن شئت قلت أن صحيحة ابن الحجاج شاهدة للجمع بين صحيحة ابن مسلم الدالة على إطلاق المنع و صحيحة الحلبي الدالة على إطلاق الجواز، فتدبر.

و منها: مرضوض الخصيتين، و هو الذي رضّت خصيتاه. و ظاهر المتن أنه لا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 225

..........

______________________________

يجزي. نعم في بعض نسخه إضافة: «على الأحوط»، و عليه فيتحقق الفرق بينه و بين الخصي و لا يكون بهذا العنوان في شي ء من الفتاوى و لا النصوص.

نعم يوجد في رواية واحدة و هي رواية أبي بصير. قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النعجة أحبّ إليك أم الماعز؟ قال: إن كان الماعز ذكرا فهو أحبّ إليّ و إن كان الماعز أنثى فالنعجة أحبّ إليّ. إلى أن قال:-

قلت: في (فاظ) الخصيّ أحبّ إليك أم النعجة؟ قال: المرضوض أحبّ إليّ من النعجة، و إن كان خصيّا فالنعجة. «1»

و ظاهرها الفرق بين الخصيّ و المرضوض من حيث الجواز و عدمه. و اللازم الأخذ بها.

و منها: الموجأ. و هو كما في الجواهر: مرضوض عروق الخصيتين حتى تفسد. و قد وردت فيه صحيحة معاوية بن عمار في حديث، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام اشتر فحلا سمينا للمتعة. فإن لم تجد فموجأ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز، فإن لم تجد فنعجة، فإن لم تجد فما استيسر من الهدى، .. «2»

و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام في حديث قال: و الفحل من الضأن خير من الموجأ، و الموجأ خير من النعجة، و النعجة خير من المعز. «3»

و رواية أخرى لمعاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث قال: فإن لم تجد كبشا الموجأ من الضأن. «4»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 7.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع عشر، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 226

في حكم مقطوع الذنب و الأذن

و لا مقطوع الذنب و لا الأذن، و لا يكون قرنه الداخل مكسورا و لا بأس بما كسر قرنه الخارج، و لا يبعد الاجتزاء بما لا يكون له أذن و لا قرن في أصل خلقته، و الأحوط خلافه. (1)

______________________________

و بملاحظتها يظهر أن الحكم فيه هو الجواز، و إن حكي عن السرائر أنه غير مجز، و لكنه قال قبله بأسطر: أنه لا بأس به و أنه أفضل من الشاة. ثم أن

الظاهر جريان حكم الخصيّ و هو عدم الإجزاء في الخصيّ بحسب أصل الخلقة. و ذلك لإطلاقات الواردة في الخصيّ الدالة على عدم الجواز الظاهرة في عدم الفرق بين الخصيّ بالعرض و الخصيّ بحسب أصل الخلقة و لا إشعار في شي ء منها بالاختصاص بالأوّل. و تؤيده صعوبة التمييز بين الأمرين و تشخيص الذاتي من العرضي.

و الظاهر أن توصيف الخصيّ بالمجبوب- كما في بعض الروايات المتقدمة- ليس قيدا توضيحيّا ثابتا في جميع موارد الخصيّ بل احترازيا مفاده هو الخصيّ بالذات في مقابل الخصيّ بالعرض، و لكنه يحتاج إلى تتبع في كتب اللغة و الدقة فيها، و إن كان جميع العناوين الواردة في هذا المجال كذلك، فراجع و تأمل.

(1) أمّا مقطوع الأذن، فقد ورد فيه بعض الروايات، مثل:

رواية السكوني- المعتبرة- عن جعفر عن أبيه عن آبائه، قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لا يضحى بالعرجاء بيّن عرجها، و لا بالعوراء بيّن عورها و لا بالعجفاء و لا بالخرفاء «بالخرقاء بالحرباء خ» و بالجذعاء و لا بالعضباء، العضباء: مكسورة القرن، و

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 227

..........

______________________________

الجذعاء: المقطوعة الأذن. «1»

و الظاهر أن التفسير في الذيل من الإمام عليه السّلام.

و مرسلة محمد بن أبي نصر بإسناد له عن أحدهما عليهما السّلام قال: سئل عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة، فقال: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس. «2»

فلا إشكال في حكم مقطوع الأذن.

و أمّا مقطوع الذنب فلم يرد فيه رواية خاصّة، بل عن العلّامة في المنتهى: أنه استقرب إجزاء البتراء و قد فسر بمقطوع الذنب، و إن كان يحتمل أن يكون المراد به ما لا ذنب

له خلقة و بالأصالة.

و كيف كان فيدل على المنع عنه صحيحة عليّ بن جعفر عليه السّلام المتقدمة الدالة على أنه لا يجوز أن يكون الهدي ناقصا بدعوى تحقق النقص فيه، خصوصا مع ملاحظة وجود الذنب بحسب أصل الخلقة، مع أن الظاهر أن المناط في الحكم بعدم الجواز في مقطوع الأذن هو النقص المتحصّل بذلك. و لا فرق من جهة المناط بينه و بين مقطوع الذنب بنظر العرف. فالظاهر أنه لا مجال للإشكال هنا أيضا.

و أمّا كون القرن مكسورا، فمقتضى بعض الروايات عدم الجواز مطلقا من دون فرق بين قرنه الداخل و قرنه الخارج، كرواية السكوني المتقدمة التي نهي فيها عن العضباء مع تفسيرها بمكسورة القرن. لكن مقتضى بعض الروايات التفصيل كما في المتن، و هي:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و العشرون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 228

..........

______________________________

صحيحة جميل عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في الأضحية يكسر قرنها، قال: إن كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي. «1»

و قد جعلها في الوسائل روايتين مع وضوح الوحدة، و إن كان بينهما اختلاف في التعبير قلة و كثرة. و المراد من القرن الداخل هو الأبيض الذي في وسط الخارج.

و أمّا ما لا يكون له أذن و لا قرن في أصل خلقته، فقد نفى البعد عن الاجتزاء به كما في المتن.

قال في المدارك: «قد قطع الأصحاب بإجزاء الجماء و هي التي لم يخلق لها قرن، و الصّمعاء و هي الفاقدة الأذن خلقة للأصل و لأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة و لا في لحمها ..» و ذكر في

الجواهر بعده: «قلت: إن كان إجماع على إجزاء المزبورات فذاك و إلّا فقد يمنع، لأنه مناف لإطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصا في الصحيح المزبور الشامل للجماء و البتراء و الصمعاء و لو خلقة، ضرورة كون المراد النقص بالنسبة إلى غالب النوع لا خصوص الشخص، و عدم النقصان في القيمة و اللحم لا يمنع صدق النقص الذي ينقطع به الأصل المزبور، مع أنه يمنع عدم النقص في القيمة ..»

و أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بما ملخّصه: أنه لو فرض أنّ معزا لا ذنب له حسب جنسه و خلقته الأصلية فلا ريب في عدم صدق عنوان الناقص عليه، و مجرد وجوده في صنف آخر لا يوجب صدق الناقص.

و أمّا لو فرض أن فردا من أفراد نوع لا ذنب له خلقة اتفاقا فالأمر كذلك أيضا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 229

و لو كان عماه أو عرجه واضحا لا يكفى على الأقوى، و كذا لو كان غير واضح على الأحوط. (1)

______________________________

لأن النقص إنما يلاحظ بحسب حياته و عيشه كالعوراء و العرجاء. و بعبارة أخرى الأعضاء التي تساعد الحيوان على عيشه و حياته يعتبر فقدها نقصا.

و أمّا فقد العضو الذي لا يؤثر في استمرار حياته و عيشه فلا يصدق عليه النقصان و يجوز الاجتزاء به إلّا إذا كان هناك نص على عدم الجواز كمقطوع الأذن و مكسور القرن الداخل.

و الجواب عنه: أنه لا شاهد على دعوى اختصاص عنوان الناقص بما إذا كان العضو يساعده على استمرار الحياة و العيش، بل هو أمر عرفي لا بد من الرجوع فيه إلى العرف، و هو لا

يفرق بين الفرضين أصلا.

و عليه فمقتضى إطلاق الصحيحة المنع، لكن دعوى القطع بالنسبة إلى الأصحاب من مثل صاحب المدارك مع دقّته و وسوسته توجب الاطمئنان بكون الحكم هو الجواز. و قد عرفت أنّ صحيحة علي بن جعفر لا تكون بمثابة لا تصلح للتقييد. و لكن مع ذلك الاحتياط في خلافه.

(1) أمّا العرج الواضح أو البيّن، فقد وقع النهي عنه في رواية السكوني المتقدمة و في رواية براء بن عاذب المتقدمة في كلام العلّامة في المنتهى. و قد عرفت أنه ادعى اتفاق جميع العلماء من المنع من الصفات الأربع التي منها العرجاء بيّن عرجها. فلا إشكال فيه مضافا إلى شمول إطلاق صحيحة علي بن جعفر له، لأنه لا شبهة في كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 230

..........

______________________________

العرج كذلك من مصاديق النقص بأيّ معنى فسّر.

نعم مقتضى الصحيحة أنه لا فرق بين البيّن و غيره لعدم الفرق بينهما في صدق عنوان النقص. لكن التقييد بالبيّن في النصوص و الفتاوى يقتضي الفرق بينهما في الحكم، لكنه جعل في المتن الاحتياط في خلافه، و هو الظاهر.

و أمّا العمى الواضح، فقد ذكر العلّامة بعد عبارته المتقدمة في المنتهى: كما وقع الاتفاق على الصفات الأربع المتقدمة فكذا وقع على ما فيه نقص أكثر من هذه العيوب بطريق التنبيه كالعمى فإنه لا يجزي لأن العمى أكثر من العور، و لا يعتبر مع العمى انخساف العين إجماعا، لأنه يخل بالسعي مع الغنم و المشاركة في العلف أكثر من إخلال العرج.

و ظاهره استفادة حكم العمى من طريق الأولوية الذي عبر عنه بطريق التنبيه مع أن انطباق عنوان الناقص المذكور في الصحيحة على الأعمى لا مجال للمناقشة فيه، فلا حاجة

إلى الطريق المذكور.

نعم مقتضى الصحيحة أنه لا فرق بين الواضح و غيره، لأن الوضوح لا يوجب الاختلاف في صدق عنوان الناقص و لم يقيد بالبين كما في الأعرج، فلذا يكون الاحتياط هنا أشدّ منه، فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 231

..........

______________________________

في اعتبار أن لا يكون مهزولا و لا بأس بشقاق الأذن و ثقبه، و الأحوط عدم الاجتزاء به، كما أن الأحوط عدم الاجتزاء بما ابيضّت عينه. (1)

(1) مقتضى رواية السكوني و مرسلة ابن أبي نصر المتقدمتين اختصاص المنع بمقطوع الأذن، خصوصا مع وقوع الثاني جوابا عن السؤال عما إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة. فإن دلالتها على الاختصاص قوية جدّا.

لكن في صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الضحيّة تكون الأذن مشقوقة. فقال: إن كان شقّها وسما فلا بأس و إن كان شقا فلا يصلح. «1»

و مقتضاها التفصيل في الشق بين ما إذا كان وسما فلا مانع منه، و ما إذا لم يكن كذلك فلا يصلح. و الظاهر كون الطائفة الأولى قرينة على كون المراد بما لا يصلح في الضحيّة هي الكراهة لا المنع.

و يؤيده ما قيل من أن شق الأذن في الحيوانات كثير جدا. و مما يكثر الابتلاء به، فكيف يخفى المنع عنه على الأصحاب، مع أنهم صرّحوا بالجواز، مع أن القطع مسبوق بالشق نوعا، فلو كان الشق مانعا لما تصل النوبة في المانعية إلى القطع، فجعله مانعا دليل على عدم كون الشق كذلك، فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و العشرون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 232

[الخامس: أن لا يكون مهزولا]

الخامس: أن لا يكون مهزولا، و يكفي وجود الشحم على

ظهره، و الأحوط أن لا يكون مهزولا عرفا. (1)

______________________________

(1) أمّا أصل عدم اعتبار الهزال في الهدي، فقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر. و يدل عليه روايات متعددة، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام في حديث، قال: و إن اشترى أضحية و هو ينوي أنّها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجزئ عنه. «1»

و رواية سيف عن «بن خ ل» منصور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: و إن اشترى الرجل هديا و هو يرى أنه سمين أجزأ عنه و إن لم يجده سمينا، و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه. «2»

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة، فإنها لا تجزى عنه. «3»

و صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في الهرم الذي قد وقعت ثناياه، أنه لا بأس به في الأضاحي، و إن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأك، و إن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 233

..........

______________________________

اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي. «1»

و مرسلة الصدوق المعتبرة، قال: قال عليّ عليه السّلام: إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزى عنه، و إن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، و في هدي

المتمتع مثل ذلك. «2»

و غير ذلك من الروايات الظاهرة في مانعية الهزال في الجملة، فلا إشكال في الحكم كذلك.

و أمّا معنى الهزال، فقد ورد فيه رواية غير نقية السند مضافة إلى الإضمار، و هي رواية الفضل، قال: حججت بأهلي سنة فعزّت الأضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء، فلمّا ألقيت إهابيهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته بذلك، فقال: إن كان على كليتيهما شي ء من الشحم أجزأت. «3»

و قد أفتى على طبقها جمع كثير من الفقهاء، حتى مثل ابن إدريس في السرائر مع عدم حجية الخبر الصحيح عنده فضلا عن غيره. نعم ذهب بعض متأخري المتأخرين إلى خلافه و أحال الأمر إلى العرف. و لكن الرواية موافقة للاعتبار، كما في الجواهر و كشف اللثام، و هو الوجه في العمل بها.

و أمّا التعبير بوجود الشحم على الظهر- كما في المتن- فلم يعرف له وجه، إلّا أن يكون بين الأمرين التلازم، كما لا تبعد دعواه. و مما ذكرنا ظهر الوجه في الاحتياط الاستحبابي المذكور فيه، بالإضافة إلى حكم العرف و مرجعيته في الهزال و عدمه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 8.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 234

[مسألة 9] في ما لو لم يوجد غير الخصيّ

مسألة 9- لو لم يوجد غير الخصيّ لا يبعد الاجتزاء به، و إن كان الأحوط الجمع بينه و بين التام في ذي الحجة في هذا العام. و إن لم يتيسّر ففي العام القابل أو الجمع بين الناقص و الصوم، و لو وجد الناقص غير الخصيّ فالأحوط الجمع بينه و بين التام في بقيّة ذي الحجة،

فإن لم يكن ففي العام القابل، و الاحتياط التام الجمع بينهما و بين الصوم. (1)

______________________________

(1) أمّا بالنسبة إلى الخصيّ لو لم يوجد غيره فقد نفى البعد عن الاجتزاء به في هذا الفرض. لكن مقتضى إطلاق الأصحاب عدم الإجزاء، كما اعترف به في الحدائق، حتى قال: لم أقف على من قيّد إلّا على الشيخ في النهاية و تبعه الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه.

و الروايات التي استدل لها أو يمكن الاستدلال بها على الإجزاء في صورة عدم وجدان غير الخصيّ، ثلاثة:

إحديها: ما استدل به في المدارك من صحيحة معاوية بن عمّار في حديث، قال:

قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: اشتر فحلا سمينا للمتعة، فإن لم تجد فموجوءا، فإن لم تجد فمن فحولة المعز، فإن لم تجد فنعجة، فإن لم تجد فما استيسر من الهدي. «1»

و الاستدلال إن كان بلحاظ وجود عنوان الموجوء في الرواية، فقد عرفت أن الموجوء غير الخصيّ بل غير المرضوض أيضا. فلا مجال للاستدلال بها على حكم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 235

..........

______________________________

الخصيّ، و إن كان بلحاظ الاستشهاد بقوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1»

و أنه يدل على جواز الميسور من الهدي، و إن كان فاقدا لبعض الأمور المعتبرة فيه.

و بعبارة أخرى تدل الرواية على أنه مع فقد بعض تلك الأمور ينطبق قوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» لا قوله تعالى: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ .. «3» فلا بأس بهذا النحو من الاستدلال.

ثانيتها: رواية أبي بصير عن أبى عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: فالخصيّ يضحى

به؟ قال: لا إلّا أن لا يكون غيره. «4»

و لكنها مخدوشة من حيث السند بعلي بن أبي حمزة الرّاوي عن أبي بصير.

ثالثتها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي فلمّا ذبحه إذا هو خصىّ مجبوب، و لم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجزي الهدي، هل يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه. «5»

و هذه الرواية لا تنطبق على المدعى، لأنه عبارة عما لو لم يوجد غير الخصيّ و هذه الرواية تدل على الاجزاء في ما لو لم يقدر و لم يؤسر على الخصيّ.

و يدلّ عليه صحيحته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيّا مجبوبا، قال: إن كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه. «6»

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) نفس المصدر.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 3.

(5) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 3.

(6) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 236

..........

______________________________

إلّا أن يقال أن الإجزاء في صورة عدم اليسر يدل على الإجزاء في صورة عدم وجدان غير الخصيّ بطريق أولى، فتدبّر.

و بملاحظة ما ذكرنا ينقدح أنه لا يبعد الحكم بالاجتزاء في مفروض المسألة كما في المتن، و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي ما هو المذكور فيه أيضا. هذا بالنسبة إلى الخصيّ.

و أما بالنسبة إلى الناقص غير الخصيّ فالظاهر أن العنوان المفروض في المتن يغاير ما هو المفروض في كلام الفقهاء من زمن الشيخ قدّس سرّه إلى زمان المحقق و من بعده.

فإن المفروض في المسألة هو عدم وجدان غير

الناقص، و مورد كلام الفقهاء هو ما لو اشترى هديا على أنّه تام الأجزاء و خال عن النقص فانكشف بعد الشّراء أنه ناقص غير تامّ، و هما أمران لا بد من البحث في كل منهما مستقلّا، فنقول:

الأمر الأوّل: ما هو المذكور في المتن، و قد احتاط فيه وجوبا بالجمع بين الناقص يوم العيد و بين التام في ذي الحجة في هذا العام أو العام القابل مع عدم التمكن في هذا المقام. و لازمة أنه لم يستفد من الأدلة شيئا من الإجزاء و عدمه، فوصلت النوبة إلى الاحتياط اللّزومي.

و اللازم في هذا الأمر ملاحظة صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام المتقدمة الدالة على أنّه لا يجوز أن يكون الهدي ناقصا. من جهة أنّ المستفاد منها هل هو اعتبار عدم النقص و شرطيته بنحو الإطلاق الذي مرجعه إلى ثبوت الشرطية سواء وجد التام أم لم يوجد؟ أو أن مفادها شرطية التمامية في الجملة، و مرجعها إلى أن القدر المتيقن هي الشرطية في خصوص صورة وجدان التام لا مطلقا؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 237

..........

______________________________

فعلى الأوّل يكون مقتضى إطلاق دليل المقيّد أنه مع عدم وجدان غير الناقص ينتقل إلى الصيام و أن المورد داخل في قوله تعالى: .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ .. «1».

كما أنه على الثاني يكون مقتضى الاقتصار في دليل المقيد على القدر المتيقن و هي صورة وجدان التام، لزم اشتراء الهدي الناقص مع عدم وجدان التام، و أن المورد داخل في قوله تعالى: .. فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2».

و الظاهر من المتن بملاحظة الاحتياط الوجوبي أنه لم يظهر له من الدليل- و هي الصحيحة- شي ء من الإطلاق

و عدمه، مع أن الظاهر ثبوت الإطلاق لها، و لازمة الانتقال إلى البدل و ارتفاع الحكم بلزوم الهدي في الأضحى، و إن كان المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، أن قوله تعالى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يدل على الاكتفاء بالميسور منه، لكنه مجرد استيناس لا يقاوم الإطلاق الذي يدل عليه صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام فتدبّر.

الأمر الثاني: ما وقع التعرض له في صدر المسألة العاشرة الآتية، و هو ما لو انكشف بعد شراء الهدي بعنوان أنّه تام خلافه و أنه ناقص. و المحكيّ عن الأكثر هو عدم الإجزاء مطلقا، سواء ظهر النقص بعد نقد الثمن أو قبله أو بعد الذبح أو قبله.

و الدليل عليه صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام بلحاظ كون موردها هذه الصورة، حيث إنّه روى عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام أنه سأل عن الرجل يشتري الأضحية

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 238

..........

______________________________

عورا فلا يعلم عورها إلّا بعد شرائها، هل تجزى عنه؟ قال: نعم، إلا أن يكون هديا واجبا فإنه لا يجوز (أن يكون ظ) ناقصا. «1»

فإنّ مقتضى انطباق الجواب على السؤال الحكم بعدم الإجزاء في الهدي في مورده الذي هو المقام، و مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب أنه لا فرق في الحكم بعدم الإجزاء بين جميع صور المسألة المتقدمة و غيرها.

لكن هنا روايتان آخرتان صالحتان لتقييد إطلاق الصحيحة المتقدمة:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل يشتري هديا فكان به عيب، عور أو غيره، فقال: إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه

ردّه و اشترى غيره، .. «2»

و الظاهر أن موردها صورة العلم بعد الشراء فتدل على التفصيل بين صورة نقد الثمن و صورة عدمه بالإجزاء في الأولى و الرّد في الثانية، لأجل خيار العيب و عدم إجزاء المعيب في الهدي.

ثانيتهما: صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من اشترى هديا و لم يعلم أنّ به عيبا حتّى نقد ثمنه ثم علم فقد تمّ. «3»

و الظاهر بلحاظ كون القيود مأخوذة في كلام الإمام عليه السّلام في بيان موضوع الحكم بالإجزاء، خصوصا مع كونه مخالفا للضابطة المستفادة من صحيحة عليّ بن جعفر عليه السّلام هي مدخلية الجميع في الحكم المذكور. فكما أن نقد الثمن دخيل في الإجزاء، كذلك

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و العشرون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و العشرون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و العشرون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 239

..........

______________________________

الانكشاف بعد النقد.

فبملاحظة هذه الصحيحة يقيد إطلاق صحيحة علي بن جعفر بالقيدين المذكورين هنا. و قد أفتى على طبقها الشيخ قدّس سرّه في محكيّ التهذيب.

و لكن الإشكال في أنّ فتوى المشهور على طبق رواية علي بن جعفر عليه السّلام و الحكم بعدم الإجزاء بنحو الإطلاق، هل لأجل إعراضهم عن هاتين الروايتين، فلا يبقى مجال للجمع الدلالي بينهما و بينها؟ أو لأجل الجمع الدلالي بالحمل على بعض الوجوه، كحمل الإجزاء على صورة عدم القدرة على استرجاع الثمن أو على الأضحية غير الواجبة؟

الظاهر هو الأول، كما في الجواهر، حتى ذكر أن الشيخ في غير التهذيب أعرض عنه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 240

[مسألة 10] في ما لو اعتقد السمن ثم انكشف الخلاف

مسألة 10- لو

ذبح فانكشف كونه ناقصا أو مريضا يجب آخر، نعم لو تخيل السّمن ثم انكشف خلافه يكفي، و لو تخيل هزاله فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبيّن عدمه يكفي، و لو لم يحتمل السّمن أو يحتمله لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة لا يكفي. و لو اعتقد الهزال و ذبح جهلا بالحكم ثم انكشف الخلاف فالأحوط الإعادة، و لو اعتقد النقص فذبح جهلا بالحكم فانكشف الخلاف فالظاهر الكفاية. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع متعددة:

الفرع الأول: ما لو ذبح فانكشف كونه ناقصا أو مريضا و قد تعرضنا له في الأمر الثاني من الأمرين المتقدمين في ذيل المسألة التاسعة.

الفرع الثاني: ما لو اعتقد السمن و اشتراه مع هذه النية ثم انكشف الخلاف و أنه كان مهزولا، و فيه صورتان:

الصورة الأولى: ما لو كان انكشاف الخلاف بعد تحقق الذبح، ظاهر النصوص و الفتاوى بل صريحها هو الإجزاء و عدم لزوم هدي آخر، و هو القدر المتيقن من النصوص الواردة في هذا المجال، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (في حديث) قال: و إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 241

..........

______________________________

سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه «1».

و رواية منصور عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: و إن اشترى الرجل هديا و هو يرى أنه سمين أجزأ عنه و إن لم يجده سمينا، و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم انّه مهزول لم يجز عنه «2».

و مرسلة

الصدوق المعتبرة، قال: قال علي عليه السّلام: إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزي عنه، و إن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، و في هدي المتمتع مثل ذلك «3». فلا إشكال في الحكم بالإجزاء في هذه الصورة.

الصورة الثانية: ما لو كان الانكشاف بعد الشراء و قبل الذبح. ظاهر إطلاق كلام الأصحاب الإجزاء في هذه الصورة، مثل عبارة المحقق في الشرائع، حيث قال:

«و كذا- يعني تجزي- لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة». و لكنه قيده في شرح الشرائع ببعد الذبح، و قال في ذيل كلامه: «نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز لإطلاق عدم الإجزاء في الخبر السابق السالم عن المعارض بعد انسياق ما بعد الذبح من الوجدان نصّا و فتوى ..».

و مراده بالخبر السابق صحيحة محمد بن مسلم التي نقلها في صفحتين قبل ذلك هكذا عن أحدهما عليهما السّلام سئل عن الأضحية، فقال: أقرن فحل سمين عظيم الأنف و الاذن- إلى أن قال:- إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه. و قال: أن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 242

..........

______________________________

سواد و ينظر في سواد، فإذا لم يجدوا من ذلك شيئا، فاللّه أولى بالعذر.

و أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّهم بأن ما نقله من صحيح محمد بن مسلم قد سها في نقل متنه، و خلط بين روايتين لمحمد بن مسلم،

و ليس فيهما هذه الجملة- أي المشتملة علىٰ عدم الإجزاء- بل الموجود في الصحيحة أجزأت عنه. فالاستدلال بالصحيحة ساقط بالمرة.

و الاعتراض عليه بأنه قد سها في نقل متنه، و إن كان صحيحا واردا إلّا أنه ليس لمحمد بن مسلم روايتان، بل رواية واحدة مفصلة قد قطعها صاحب الوسائل و أورد كل قطعة في الباب المناسب.

و هي ما رواه في التهذيب بعد قوله في الأذن: و الجذع من الضأن يجزي و الثني من المعز، و الفحل من الضأن خير من الموجوء، و الموجوء خير من النعجة، و النعجة خير من المعز. فقال: و إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه، و قال: أن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد و ينظر في سواد، فإذا لم تجدوا من ذلك شيئا فاللّه أولى بالعذر.

و قال: الإناث و الذكور خير من الإبل، و البقر يجزي، و سألته أ يضحى بالخصيّ؟

فقال: لا «1».

و أما انسياق ما بعد الذبح من الوجدان فممنوع جدّا، و إن كان ربما يؤيده أن المعيار في السمن على ما تقدم هو وجود الشحم على الكلية، و هو لا يعلم نوعا إلّا

______________________________

(1) التهذيب: ج 1، ص 505.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 243

..........

______________________________

بعد الذبح، إلّا أنه ليس بمثابة توجب الانصراف. فالإطلاق ثابت في النصوص كالفتاوى.

الفرع الثالث: ما لو تخيل الهزال فتبين عدمه، و فيه صورتان أيضا:

الأولى: ما لو تخيل الهزال فذبح برجاء السمن بقصد القربة فتبين

عدمه، و قد حكم في المتن في هذه الصورة بالكفاية و الإجزاء.

الثانية: ما لو لم يحتمل السمن أو احتمله لكن ذبح من غير مبالاة لا برجاء الإطاعة، و قد حكم فيه في هذه الصورة بعدم الكفاية. و الأصل في هذا الفرع روايات متعددة أكثرها صحاح، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام: و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و رواية منصور المتقدمة أيضا المشتملة على قوله عليه السّلام و من اشترى هديا و هو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه.

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزي عنه «1».

و صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المشتملة على قوله عليه السّلام و إن اشتريته مهزولا فوجدته سمينا أجزأك «2».

و بملاحظة هذه الروايات لا موقع للإشكال في أصل الحكم.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 244

..........

______________________________

إنما الإشكال في أنه إذا كان وجدان الخلاف و تبين كونه سمينا قبل الذبح، يتمشى منه قصد القربة حال الذبح الذي يكون من مناسك الحج، و يكون عبادة يعتبر فيها قصد القربة- كما سيأتي في بعض المسائل الآتية.

و أما إذا لم يتبين الخلاف قبل الذبح بل بعده، فكيف يتمشى منه قصد القربة مع اعتقاد الهزال؟ و العلم باعتبار عدمه في الهدي و لأجله حكي خلاف المشهور عن العماني، حيث إنه لم يقل بالإجزاء في أصل هذا الفرع.

و كيف كان، فالروايات المتقدمة

الظاهرة في الإجزاء هل تكون مخصصة لدليل عبادية الذبح في بعض الموارد، و تكون حاكمة بعدم اعتبار قصد القربة في تلك الموارد؟ أو أنه لا مجال لدعوى عدم اعتبار العبادية و لو في بعض الموارد؟ و الظاهر هو الثاني، و عليه فكيف يجمع بين العبادية و بين الروايات الظاهرة في الإجزاء؟

يظهر من المتن أنه لا بد من التصرف في مورد هذه الروايات، و الحكم بأن موردها ما إذا اجتمع هناك خصوصيتان:

إحديهما: عدم الاعتقاد الكامل بالهزال، بحيث كان عالما به من غير احتمال خلاف و لو كان ضعيفا.

ثانيتهما: الذبح برجاء المطلوبية الراجع إلى الاكتفاء به على تقدير السمن، و ذبح هدي آخر على تقدير عدمه. و مع انتفاء إحدى الخصوصيتين أو كلتيهما لا يحكم بالإجزاء، بل يجب هدي آخر.

و يمكن التصرف في الروايات بالحمل على صورة الانكشاف قبل الذبح. لكن هذا التفصيل مخالف لجميع الفتاوى في هذا الفرع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 245

..........

______________________________

الفرع الرابع: ما لو اعتقد الهزال اعتقادا يقينيا و ذبح جهلا بالحكم، و أنه يعتبر عدم المهزولية في الهدي ثم انكشف الخلاف و أنه كان سمينا، و قد احتاط في المتن وجوبا بالإعادة و تكرار الهدي.

و الظاهر أنه لا سبيل إلى الاحتياط الوجوبي، بل لا يزيد عن الاحتياط الاستحبابي. و ذلك لأنه الخارج من مورد الروايات المتقدمة بعد انكشاف الخلاف و عدم الهزال ما لو كان الذبح الصادر فاقدا لوصف العبادية و خاليا عن قصد القربة.

و أما في المقام فحيث إنه كان الذبح مقرونا بالجهل بالحكم و إن كان معتقدا للهزال، فلا مانع من تمشى قصد القربة و حصوله. و عليه فالذبح قد وقع عبادة.

و المفروض كونه سمينا

واقعا، فلا مجال للارتياب في شمول الروايات المتقدمة الدالة على الإجزاء له. و اقترانه باعتقاد الهزال و الجهل بالحكم لا دليل على قدحه و مانعيته عن صحة الذبح بعنوان العبادية.

و عليه فالظاهر هو الإجزاء و إن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي الإعادة، فتدبر.

الفرع الأخير: ما لو اعتقد النقص فذبح جهلا بالحكم، فانكشف الخلاف و أنه يكون تامّا خاليا عن النقص، و قد استظهر في المتن فيه الكفاية و الإجزاء.

و الوجه فيه أن شرطية التمامية و عدم النقص و إن كانت شرطية واقعية لا اعتقادية، و لذا ذكر في الفرع الأول أنه لو ذبح فانكشف كونه ناقصا يجب آخر، إلّا أن المفروض في المقام تحقق هذا الشرط و كون الحيوان تاما بحسب الواقع.

و حيث إنه كان جاهلا بالحكم حال الذبح و لم يكن عالما باعتبار التمامية، فالذبح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 246

[مسألة 11] في أنه يعتبر أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة

مسألة 11- الأحوط أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة، و الأحوط عدم التأخير من يوم العيد، و لو أخر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق و إلّا ففي بقية ذي الحجة، و هو من العبادات، يعتبر فيه النية و نحوها، و يجوز فيه النيابة و ينوي النائب، و الأحوط فيه نيّة المنوب عنه أيضا، و يعتبر كون النائب شيعيا على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة. و كذا في ذبح الكفارات (1).

______________________________

الصادر قد تحقق متصفا بالعبادية و مقرونا بقصد القربة. فالحيوان المذبوح واجد للشرط الواقعي و ذبحه مقرون بقصد القربة، فلا وجه لعدم الاكتفاء به إلّا مجرد اعتقاد النقص و الجهل بالحكم، و هما بعد عدم دلالة دليل على قدحهما أو قدح واحد منهما يكونان كالحجر

في جنب الإنسان، و عليه فالظاهر هي الكفاية- كما في المتن.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمور:

الأمر الأول: الظاهر اعتبار أن يكون الذبح بعد رمي جمرة العقبة و أن جعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي.

و يدل عليه- مضافا إلى الأخبار البيانية الحاكية لعمل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع الدالة على تأخر النحر عن الرمي، مع أن الغرض من حكايته بيان الحكم بهذه الصورة لا مجرد الحكاية و النقل- بعض الروايات، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 247

..........

______________________________

صحيحة معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر و إلّا فاجعله كبشا سمينا فحلا .. «1».

فإنها ظاهرة في ترتب اشتراء الهدي الذي يكون مقدمة لذبحه أو نحره على رمي جمرة العقبة يوم النحر.

و صحيحة سعيد الأعرج في حديث، أنه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن النساء، قال:

تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن «2».

و هي أيضا ظاهرة في تأخر الذبح عن رمي الجمرة و أنه مع عدم وجوبه تصل النوبة إلى التقصير.

و كذا الروايات الدالة على أن عدم رعاية الترتيب في صورة العذر لا يكون قادحا في الصحة بوجه، و عليه فاعتباره إنما هو بنحو الفتوى.

الأمر الثاني: في جواز التأخير عن يوم العيد و عدمه. و قد احتاط في المتن وجوبا بعدم التأخير، و أضاف إليه قوله: «و لو أخّر لعذر أو لغيره فالأحوط الذبح أيام التشريق، و إلّا ففي بقية ذي الحجة».

قال المحقق في

الشرائع: و يجب ذبحه يوم النحر مقدما على الحلق و لو أخّره أثم و أجزأ. و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز.

و قد ذكر في الجواهر في شرح الفقرة الاولى: أن المسلّم منه كونه بمعنى عدم جواز

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 248

..........

______________________________

تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الإجماع عليه كما ادعاه بعضهم. أمّا عدم جواز تأخيره عنه فهو و إن كان مقتضى العبادة، لكن ستعرف القائل بالجواز صريحا و ظاهرا.

و القائل بالجواز صريحا على ما ذكره بعده صاحب المصباح و مختصره حيث إن فيهما أن الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجة، و يوم النحر أفضل.

و القول به ظاهرا محكي عن النهاية و الغنية و السرائر، حيث عبّروا بالجواز الظاهر في الحكم التكليفي، و يحتمل أن يراد منه الإجزاء كما في الشرائع.

و كيف كان فالقائل بالتعين لا يقول به بنحو وحدة المطلوب، بل بنحو التعدد، و لازمة أن الإخلال بالذبح يوم النحر و لو كان عن عمد و اختيار لا يوجب سقوط أصل التكليف بالذبح. و لازمة حصول الامتثال بعد يوم النحر أيضا.

و قد استدل له أولا بالتأسي. و قد أورد عليه مضافا إلى المناقشة في الكبرى بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكا ضرورة احتياج الذبح إلى وقت.

و ثانيا ببعض الروايات، مثل: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة في الأمر الأول فإنها ظاهرة بحسب المتفاهم العرفي في أن الانتقال إلى التقصير و وصول النوبة إليه إنما هو بعد الذبح في مورد ثبوته و وجوبه.

و رواية أبي

بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكة و وكّلن من يضحي عنهن «1».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر الباب السابع عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 249

..........

______________________________

نظرا إلى أن لزوم التوكيل و الاستنابة في الذبح عليهن مع خوف الحيض المقتضي لتعجيل الطواف و صلاته دليل على تعين وقوعه يوم النحر. و إلّا فمع جواز التأخير يؤخرن الذبح إلى بعده من دون لزوم التوكيل.

هذا، و لكن الظاهر أن لزوم التوكيل لأجل ترتب الطواف على الذبح و لزوم تأخره عنه لا لأجل التعين المذكور. و لا أقل من احتمال كلا الأمرين. فلا مجال للاستدلال بها على التعين.

و رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلم أظفارك و خذ من شاربك «1». بناء على لزوم وقوع الحلق أو التقصير يوم النحر.

و بملاحظة هذه الروايات يظهر أن لزوم وقوع الذبح أو النحر يوم النحر لو لم يكن أقوى يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي- كما في المتن.

و أما ما يدل على الإجزاء في أيام التشريق ثم في بقية ذي الحجة فقط في الجملة أو مطلقا، فعدة من الروايات، مثل:

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث، قال: و قال إذا وجد الرجل هديا ضالّا فليعرّفه يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث «2».

و صحيحة حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في

متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: يخلف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن و العشرون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 250

..........

______________________________

الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه. فإن مضى ذو الحجة، أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة «1».

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه «2».

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى، فقال: ثلاثة أيام، فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين، إله أن يضحي في اليوم الثالث؟ فقال: نعم «3».

و موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن الأضحى بمنى، فقال:

أربعة أيام، و عن الأضحى في سائر البلدان، فقال: ثلاثة أيام «4».

و رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: النحر بمنى ثلاثة أيام. فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام. و النحر بالأمصار يوم، فمن أراد أن يصوم صام من الغد «5».

لكن التفريع من جهة الصوم ربما يشعر بل يدل على أن المراد بكون الأضحى بمنى ثلاثة أيام، هي من جهة الصوم لا من جهة زمان الذبح أو النحر. فإن للأضحى خصوصيتين: الظرفية الزمانية للذبح أو النحر، و عدم جواز الصوم فيه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و

الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 5.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح 2.

(5) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 251

..........

______________________________

نعم هنا رواية ربما يكون ظاهرها خلاف الروايات المتقدمة، و هي رواية أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت «1».

و احتمل صاحب الجواهر فيها إرادة يوم النفر من مكة، و قد كان بعد ذي الحجة.

و لعله لأن حملها على إرادة يوم النفر من منى إلى مكة الذي هو اليوم الثاني عشر نوعا لا يجتمع مع مضي الأيام بصيغة الجمع، لأن أقلّها الثلاثة مع أنه حينئذ لم يمض إلّا يومان لا الثلاثة.

و حكي عن الشيخ أنه حملها على من صام ثلاثة أيام فمضى أيامه بمعنى مضيّ زمان أسقطه عنه للصوم فيه، و هو في غاية البعد. و حمل صاحب الجواهر أقرب. لأن ظهور الجمع في الثلاثة فما فوق أزيد من ظهور يوم النفر في يوم النفر من منى لا من مكة، كما هو ظاهر.

الأمر الثالث: في كون الذبح أو النحر عبادة. و لأجلها يعتبر فيه ما يعتبر في سائر أجزاء الحج من النية المشتملة على قصد القربة و غيره مما مر البحث عنه مفصلا في الطواف و ما يترتب عليه و الوقوفين و ما بعدهما و لا حاجة إلى الإعادة.

الأمر الرابع: في جريان النيابة في الذبح و نحوه و لو مع عدم الضرورة و فقدان

العذر. و الكلام في هذا الأمر يقع في مقامين:

المقام الأول: في أصل جريان النيابة فيه مطلقا. و الدليل عليه وجوه:

أحدها: استمرار السيرة العملية من المتشرعة المتصلة بزمان المعصوم عليه السّلام على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 252

..........

______________________________

الاستنابة في الذبح و نحوه مطلقا. و المعاملة مع الذبح معاملة خاصة مغايرة لسائر أجزاء الحج. حيث إننا نرى وقوع الاستنابة من أكثر الحجاج. بل لا يتصدى له بنحو المباشرة، إلّا قليل منهم. بخلاف سائر الأجزاء.

ثانيها: كون مسألة الذبح حتى في الغنم فضلا عن البقر و كذا النحر بطريق آكد مسألة فنية لا يعرفه إلّا القليل من لناس، فإن المتصدين لذلك أفراد خاصة معدودون. و في مثل هذا الأمر لو فرض توجه التكليف إليه من الشارع لا يكاد يفهم منه، إلّا أن مقصود الشارع تحقق الفعل من المكلف، لا بنحو المباشرة فقط، بل أعم منها و من الاستنابة المتعقبة للصدور من النائب.

و هذا بخلاف مثل الرمي و الطواف و السعي و نحوها من الأفعال التي يمكن صدورها بنحو المباشرة من أغلب الناس، لعدم كونها من الأفعال الفنية. ففي مثل المقام لا حاجة إلى إقامة دليل خاص على مشروعية النيابة، و لو في حال الاختيار، بل المتفاهم العرفي من نفس التكليف أعم من المباشرة، فتدبر.

ثالثها: دلالة روايات كثيرة، مثل:

صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخص رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل. فإذا أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهن (عنهم خ ل) «1».

و ظاهرها

أن جواز التوكيل في الذبح للنساء معلّق على مجرد إرادة زيارة البيت و طوافه و التعجيل فيه. كما ورد هذا التعبير في النقل الآخر لأبي بصير. لكن في النقل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 253

..........

______________________________

الثالث التعليق على خوف الحيض، كما تقدم.

و صحيحة حريز المتقدمة في الأمر الثاني، نظرا إلى أن عدم لزوم بقائه في مكة للتصدي لأمر الذبح، ظاهر في جواز الاستنابة فيه مطلقا. و غير ذلك من الروايات التي تشعر بل تدل على الجواز مطلقا، فلا شبهة حينئذ في هذا المقام.

المقام الثاني: في المتصدي للنية المعتبرة في عبادية الذبح أو النحر، و أنه هل هو النائب الذابح أو المنوب عنه أو كلاهما؟

قال المحقق في الشرائع: و النية شرط في الذبح و يجوز أن يتولاها عنه الذابح. و قال في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن بعض الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق على توليه لها مع غيبة المنوب عنه، لأنه الفاعل. فعليه نيته. فلا يجزي حينئذ نية المنوب عنه وحدها. لأن النية إنما تعتبر من المباشر ..».

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم في هذا المقام كلاما محصّله: «أن باب الوكالة غير باب النيابة، فإن الفعل قد يصدر من المباشر و لكن ينسب إلى الآمر و السبب، من دون دخل قصد قربة العامل فيه أصلا. كبناء المساجد و إعطاء الزكاة بالواسطة. حيث إن المعتبر فيه قصد قربة الآمر و من يجب عليه الزكاة. و قد يصدر من نفس النائب و يكون العمل عمله دون المنوب عنه. و لكن يوجب سقوط ذمة

المنوب عنه بالدليل الشرعي، مثل موارد مشروعية النيابة، فإن النائب هو الذي يقصد القربة و يقصد الأمر المتوجه إلى نفسه، لأن قصد القربة بالأمر المتوجه إلى الغير أمر غير معقول، فلا بد من فرض توجه الأمر إلى شخص النائب، سواء كان الأمر وجوبيا، كالأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 254

..........

______________________________

المتوجه إلى الولد الأكبر بالنسبة إلى قضاء ما فات عن أبيه. أو أمرا استحبابيا تبرعيا فيتقرب النائب بالأمر المتوجه إليه، و به يسقط ما في ذمة المنوب عنه. فلو لم ينو يقع العمل باطلا فلا يوجب فراغ ذمة المنوب عنه، و به يظهر أن مورده ما إذا ثبتت مشروعية النيابة و توجه الأمر إلى النائب. و أما الموارد التي لم تشرع فيها النيابة، فلا معنى لنية العامل كإعطاء الزكاة من الواسطة. و الذبح في المقام من هذا القبيل، لأن الذبح المباشر لا أمر له و لم يرد في النصوص أنه يذبح عنه. فالنيابة غير مشروعة فيه. بل الذابح حاله حال العامل في بناء المساجد من توجه الأمر العبادي إلى شخص الآمر لا العامل».

و يرد عليه في أصل النيابة المشروعة في مواردها، أنّ الظاهر كون النائب في عمله العبادي النيابي بقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه. و هذا و إن كان على خلاف القاعدة، إلّا أن النيابة- كما ذكرنا في فصل الحج النيابي- أمر على خلاف القاعدة مطلقا، و لا يكاد يصار إليها إلّا في مورد ثبوت المشروعية و نهوض الدليل. لكن كون شي ء خلاف القاعدة أمر، و كونه أمرا غير معقول أمر آخر. فالنائب يقصد تقرب المنوب عنه لا تقرب نفسه، و هذا هو الذي يساعده الاعتبار أيضا، حتى

في ما لو كان المنوب عنه ميتا أو مغمى عليه، و غير قابل لصدور قصد القربة منه.

و ما أفاده من توجه الأمر الوجوبي أو الاستحبابي الشرعي إلى النائب مطلقا، يرد عليه أن العمل الصادر من النائب الأجير لا يكاد يصدر منه إلّا بعنوان الوفاء بعقد الإجارة الذي هو وجوب توصلي لا يتوقف سقوطه على تحقق قصد القربة.

و في هذه الصورة لا يتحقق العمل من الأجير بقصد الأمر الاستحبابي التبرعي، و إن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 255

..........

______________________________

كان ثابتا في مورده مع قطع النظر عن الاستيجار. بل ربما يوجد بعض الموارد التي لا يكون التبرع فيه مشروعا بوجه، كالنيابة التبرعية عن الحي في الحج مع استقرار الحج عليه، و كونه غير قادر على الإتيان به لهرم أو مرض لا يرجى زواله- على ما تقدم البحث فيه مفصلا- ففي هذا الفرض لا يكون الأمر الاستحبابي التبرعي ثابتا بوجه، بل اللازم الاستنابة الملازمة لثبوت الأجرة نوعا.

و يرد على ما أفاده في خصوص الذبح في المقام، أن دعوى أنه لم يرد في النصوص أنه يذبح عنه ممنوعة جدا. فإنك عرفت في الأمر الثاني المتقدم دلالة طائفة من الروايات الواردة في الضعفاء و النساء و الخائف و الذي يكون واجدا للثمن و لم يجد الهدي على أن الوكيل يذبح عنه بعين التعبير الوارد في سائر أجزاء الحج، مثل الطواف و الرمي و غيرهما. فدعوى عدم مشروعية النيابة في الذبح غير مسموعة بوجه.

و يترتب على ما ذكرنا أنه لو كانت النيابة في الذبح على نحو النيابة في الطواف و الرمي بنحو كان المتصدي للنية و قصد التقرب هو النائب الذابح، لكان اللازم اعتبار الإيمان أيضا

مضافا إلى الإسلام.

أما الإسلام فلاعتباره في صحة الذبح و ترتب حلية اللحم عليه. و أما الإيمان فلما عرفت في فصل الحج النيابي من اعتبار الإيمان في النائب لعدم صحة عبادة غير المؤمن العارف بالإمامة.

و لو كانت النيابة في أصل إيجاد الذبح لا بوصف العبادية و الجزئية للحجّ بنحو كان المتصدي للنية و قصد التقرب هو المنوب عنه دون النائب، لا يكون اعتبار الإيمان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 256

..........

______________________________

فيه لازما، لأن العبادية لا تكون مرتبطة بالنائب، بل لا يكون النائب متصديا إلّا للذبح فقط. و هو لا يعتبر فيه الزائد عن الإسلام. فاللازم حينئذ التفصيل في الاعتبار، أى اعتبار كون الذابح شيعيّا،- كما لا يخفى.

تتمّة كان المناسب بل اللازم أن يقع التعرض في المتن لمكان الذبح الواجب، و لعلّه اكتفى بعنوان كون واجبات منى ثلاثة، فإن الإضافة المذكورة ظرفية مكانية، و لكن هذا المقدار لا يكفي خصوصا بلحاظ الفرع الحادث في الأزمنة الأخيرة. و هو كون المذبح المقرر من قبل السلطة الحاكمة واقعا بأجمعه أو بكثيره في خارج منى. و هو وادي محسّر. و خصوصا مع تعرض مثل المحقق له في الشرائع.

فنقول: قال فيها: و يجب ذبحه بمنى. و ذكر بعده صاحب الجواهر: عند علمائنا في محكيّ المنتهى و التذكرة و عندنا في كشف اللثام، و هذا الحكم مقطوع في كلام الأصحاب في المدارك.

و حكي عن العامة جوازه في أيّ مكان من الحرم، بل جوازه في الحلّ إذا فرّق لحمه في الحرم.

و يدل على ما ذهب إليه أصحابنا، قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. فإن ظاهره أنّ لطبيعة الهدي لا خصوص الهدي الواجب في صورة

الإحصار الذي هو الموضوع في هذه الآية في هذه الفقرة محلّ خاص و مكان مخصوص. و من المعلوم أنّ ذلك المحلّ بحسب ارتكاز المتشرعة ليس إلّا مني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 257

..........

______________________________

فتدل الآية بنفسها على كون منى محل الذبح و إن أبيت عن ذلك، فهنا رواية واردة في تفسير الآية دالة على هذا المعنى:

و هي مضمرة زرعة، قال: سألته عن رجل، أحصر في الحج، قال: فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه و محلّه أن يبلغ الهدي محلّه، و محلّه منى يوم النحر إذا كان في الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكّة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّٰه تعالى. «1»

و يدلّ على مذهبهم أيضا روايات، مثل:

صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل يضلّ هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه. «2»

فإنها تدل على عدم الإجزاء في صورة الاختيار بطريق أولى.

و لكن المناقشة فيها أنّها تدل على إجزاء التبرع مكان الاستنابة، و هو محلّ الكلام.

و رواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل قدم بهديه مكّة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء، و إن كان قد أشعره أو قلّده فلا ينحره إلّا يوم الأضحى. «3»

و لكن إبراهيم الكرخي ضعيف.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب

الذبح، الباب الثامن و العشرون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 258

..........

______________________________

و رواية عبد الأعلى، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام لا هدي إلّا من الإبل، و لا ذبح إلّا بمنى. «1»

و المناقشة في سندها من جهة تردد عبد الأعلى بين عبد الأعلى بن أعين العجلي الذي هو ثقة، و بين عبد الأعلى بن أعين مولى آل سام و هو لم تثبت وثاقته، و في دلالتها باعتبار كون الفقرة الأولى مرتبطة بنفي الكمال لصحة الهدي من غير الإبل.

و عليه فالظاهر بلحاظ وحدة السياق كون الفقرة الثانية أيضا ناظرة إلى نفي الكمال، فلا دلالة لها على عدم إجزاء الذبح في غير منى.

و رواية مسمع التي في سندها الحسن اللؤلؤي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: منى كلّه منحر، و أفضل المنحر كلّه المسجد. «2»

و المناقشة في سندها من جهة الحسن بن الحسين اللؤلؤي، حيث إن جماعة من الأجلاء قد ضعفوه و إن كان النجاشي وثّقه. و في دلالتها من جهة عدم ظهورها في اختصاص النّحر بمنى. و يحتمل أن يكون المراد به ثبوت المزية لمني من جهة أن كلّه منحر، فتدبر.

و في مقابل هذه الروايات، روايتان:

إحديهما: صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنّ أهل مكّة أنكروا عليك انّك ذبحت هديك في منزلك بمكة، فقال: إن مكّة كلّها منحر. «3»

ثانيتهما: صحيحة أخرى لمعاوية- و إن جعلها في الجواهر صحيحة عمار- عن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 7.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 259

..........

______________________________

أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكّة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزاء عنه. «1»

و قد حملهما في الجواهر على غير الهدي الواجب. كما أنّ الشيخ حمل الأولى على ذلك و استشكال الشهيد على الثانية بأن المراد منها الذبح في غير المحلّ المعدّ للذبح بمنى، مدفوع بصراحتها في الذبح بغير منى.

و إن أبيت عن الحمل المذكور و بنيت على المعارضة، فمقتضى كون أوّل المرجحات هي الشهرة الفتوائية ثبوت الترجيح مع الطائفة الأولى، فانقدح أنّ محل الذبح أو النحر هو منى، من دون فرق بين أبعاضه.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في المذبح الجديد الّذي عرفت أنه بجميعه أو بكثير أبعاضه واقع في خارج منى و هو وادي محسّر، تارة من جهة إجزاء الذبح فيه و كفايته في مقام امتثال الأمر به. و أخرى من جهة تعين وقوع الذبح فيه، بالإضافة إلى الأمكنة البعيدة عن منى و عدم التعين، و جواز الذبح في تلك الأمكنة، غاية الأمر بسبب الاستنابة و المواعدة على وقوع الذبح في زمان خاص متأخر عن رمي جمرة العقبة و متقدم على الحلق أو التقصير. فنقول:

أمّا من جهة الإجزاء فإن قلنا بأنّ في منى أيضا يوجد بعض المذابح القديمة التي يمكن الذبح فيها من دون عسر و حرج و خوف و خطر- كما ربما يقال- فلا إشكال في لزوم الذبح فيها، و عدم جواز الاكتفاء بالذبح في المذبح الجديد أصلا أو في الأجزاء الخارجة منه عن منى، لما عرفت من قيام الدليل من الكتاب و السنة و

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 260

..........

______________________________

اتفاق الفتاوى على كون منى ظرفا مكانيّا للذبح بنحو اللزوم.

كما أنه لو قلنا بأن جزء من المذبح الجديد واقعا في منى و يمكن تشخيصه أوّلا و الذبح فيه ثانيا من دون ممانعة أو عسر و مشقة، فلا شبهة في لزوم الذبح في خصوص ذلك الجزء و عدم جواز الاكتفاء بالذبح في غيره.

و أمّا لو قلنا بأنه بجميع أجزائه يكون واقعا في خارج مني، أو بعدم إمكان تشخيص الجزء الواقع أو كون الذبح في ذلك الجزء مقرونا بالمنع الحكومي أو العسر و الحرج، فإن لم يمكن الذبح في منى و لو مع التأخير عن يوم النحر كأيام التشريق فاللازم الالتزام بإجزاء الذبح في المذبح الجديد، و الاكتفاء به لسقوط الشرطية المكانية بلحاظ عدم التمكن من رعاية الشرط و عدم القدرة عليها.

و لا مجال لتوهم سقوط أصل التكليف بالذبح بعد كون قيد المكان كالزمان مأخوذا بنحو تعدّد المطلوب لا وحدته كما مرّ، فمع عدم القدرة على رعاية منى تسقط الشرطية المكانية، فيجوز الذبح في المذبح الجديد.

و إن أمكن الذبح في منى مع التأخير عن يوم العيد، فإن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور يكون اعتباره بنحو الاحتياط الوجوبي- كما اختاره الماتن قدّس سرّه- فاللازم هو التأخير لا الذبح يوم العيد في المذبح الجديد. لأن الأمر دائر بين رعاية ظرف الزمان التي يكون اعتبارها بنحو الاحتياط، و بين رعاية ظرف المكان التي يكون اعتبارها مسلّما لدى الأصحاب. و من الواضح أن الترجيح مع الثاني.

و إن قلنا بأن عدم التأخير عن اليوم المذكور إنما يكون اعتباره بنحو الفتوى- كما اخترناه- فالأمر يدور بين رعاية أحد الظرفين، و لا ترجيح

في البين، فيكون مخيّرا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 261

..........

______________________________

بين الأمرين. هذا من جهة الإجزاء.

و أمّا من جهة التعين بالمعنى الذي ذكر، فربما يقال إنه بعد سقوط لزوم رعاية شرطيّة الظرف المكاني بسبب عدم التمكن و القدرة- كما هو المفروض- لا مجال لدعوى التعين بالمعنى المذكور، لأنه لا خصوصية للمذبح الجديد و ما يشابهه في الخصوصية، فيكون المكلف مخيرا بين المذبح الجديد و بين سائر الأمكنة و لو كانت بعيدة، بل في غاية البعد. غاية الأمر بنحو الاستنابة و المواعدة المذكورتين. لكنه مبني أوّلا على دعوى انتفاء احتمال لزوم رعاية الأقرب فالأقرب إلى منى بعد عدم إمكان الذبح في منى، و ثانيا على عدم دلالة الدليل على لزوم وقوعه بصورة الاجتماع، و كلاهما ممنوعان.

أمّا الأوّل، فلوجود هذا الاحتمال، و عدم كون منى مثل المسجد الذي إذا نذر أن يصلي فيه فلم يتمكن من الصلاة فيه، لا ينتقل الحكم إلى الأقرب إلى المسجد فالأقرب، و مع وجوده يدور الأمر بين التعيين و التخيير، و أصالة الاحتياط في مثله تقتضي التعيين.

و أمّا الثاني فيستفاد من قوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ لَكُمْ فِيهٰا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ .. «1» إنّ البدن قد جعلها اللّٰه من شعائر اللّٰه.

و الظاهر أن هذا العنوان ينطبق على الأعمال العبادية الاجتماعية، كصلاة الجماعة- كما أنه يستفاد منه- أنه بعد ما وجبت جنوبها و تحقق النحر، يتحقق التمكن من

______________________________

(1) سورة الحج، الآية 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 262

..........

______________________________

الأكل و الإطعام و الصدقة، سواء كانت هذه

الأمور واجبة أو مستحبة. كما يأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى.

و هذا الأمران لا يتحققان إلّا في الذبح في المذبح الجديد أو مثله من الأمكنة المتصلة بمنى الواقع فيها الذبح بنحو العموم و الجماعة، و هذه الجهة مما يساعدها الاعتبار الدالّ على أن اجتماع حجاج المسلمين للذبح بمقدار يتجاوز عن ألف ألف من الأنعام الثلاثة يكشف عن شدة اتصالهم بالمسائل الشرعية و اعتقادهم بالأمور المعنوية. و هذا يدل على كون الإسلام محقّا في دعواه صادقا في خبره، بخلاف صورة التشتت في الذبح و التفرق الذي ليس فيه هذه الحكاية بوجه.

نعم يبقى إشكال تضييع اللحوم بالذبح أو النحر و عدم الاستفادة منها إلّا قليلا، مع أنه في صورة الذبح في محلّ كل مكلف و بلده لا يتحقق هذا التضييع بوجه.

و الجواب عن هذا الإشكال- مع أنّ الوجه فيه ضعف القوى الحاكمة على الحرمين و إلا كان اللازم خصوصا في هذه الأزمنة الاستفادة من الإمكانيات و الوسائل الموجودة بنحو لا يتحقق التضييع بوجه- أنّ كون أحكام الحج مع أنه من الفرائض المهمة الإسلامية تعبدية محضة، لا تكاد تنال عقولنا الناقصة و علومنا الضعيفة إلى مغزاها و عللها و حكمها يقتضي عدم الاتكال على مثل هذا الإشكال، فتأمل حتى لا يشتبه عليك الحال.

و قد انقدح أنه لا تبعد دعوى تعين الذبح في المذبح الجديد بالنحو المذكور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 263

[مسألة 12] في فروع الذبح و النيابة فيه

مسألة 12- لو شك بعد الذبح في كونه جامعا للشرائط أولا، لا يعتنى به، و لو شك في صحة عمل النائب لا يعتنى به، و لو شك في أن النائب ذبح أولا، يجب العلم بإتيانه و لا يكفي الظنّ، و

لو عمل النائب على خلاف ما عيّنه الشرع في الأوصاف أو الذبح، فإن كان عالما عامدا ضمن و تجب الإعادة، فإن فعل جهلا أو نسيانا و من غير عمد، فإن أخذ للعمل أجرة ضمن أيضا، و إن تبرع فالضمان غير معلوم، و في الفرضين تجب الإعادة. (1)

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: ما لو شك بعد الفراغ عن الذبح و تماميته في كونه جامعا للشرائط المعتبرة في المذبوح أو الخصوصيات المعتبرة في الذبح المحلّل، ففي المتن أنه لا يعتنى بهذا الشك و يبنى على صحته و تماميته من كلتا الجهتين.

و الوجه فيه جريان قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحة. و لكن موردها ما إذا احتمل أنه كان محرزا للشرائط حين الذبح. و أمّا مع العلم بالغفلة حال الذبح بحيث كان ثبوت الشرائط مستندا إلى الصدفة، فلا تجري قاعدة الفراغ- كما في نظائره من الموارد.

الثاني: ما لو وقع الذبح من النائب ثم شك في صحة عمله و تماميّته، و في المتن أيضا أنه لا يعتنى به.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 264

..........

______________________________

و الوجه فيه جريان أصالة الصحة في عمل المسلم من دون فرق بين العبادات و المعاملات. ففي العبادات الصادرة من الغير نيابة يحكم بالصحة، مع عدم إحراز خلافها.

الثالث: لو شك في تحقق الذبح من النائب و عدمه. و لا يكون في هذا الفرع ما يدل على البناء على الوقوع من أصل أو قاعدة، بل اللّازم إحرازه بالعلم أو الاطمئنان القائم مقامه عند العقلاء و لا يكفي الظن، فضلا عن الشّك.

الرّابع: ما لو عمل النائب على خلاف الوظيفة المقررة الشرعية في الأوصاف أو الذبح.

فإن كان عالما عامدا، فالنائب ضامن لقيمة المذبوح بالنسبة إلى المنوب

عنه. و الوجه فيه أنه تصرف فيه بالنحو الذي لا يكون مأذونا فيه من قبل المنوب عنه فيكون ضامنا.

و إن كان جاهلا أو ناسيا من دون أن يكون هناك عمد، فإن لم تكن النيابة المتعقبة للاستنابة تبرعيّة، بل كانت في مقابل الأجرة، فالظاهر أيضا ثبوت الضمان لعدم العمل على طبق الإجارة، و وقوع الذبح غير مطابق لما هو نائب فيه فيكون ضامنا، و الجهل أو النسيان لا يقتضي عدمه لعدم مدخلية العلم و العمد في الأحكام الوضعية.

و إن لم تكن في مقابل الأجرة بل كانت النيابة تبرعية محضة، ففي المتن أن ثبوت الضمان عليه غير معلوم. و الوجه فيه جريان قاعدة الإحسان بالإضافة إليه، و لازمة عدم الضمان. و قد حققنا الكلام في مفاد القاعدة في كتابنا «القواعد الفقهية»

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 265

[مسألة 13] في الأكل من الهدي

مسألة 13- يستحبّ أن يقسّم الهدي ثلاثا، يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه، و الأحوط أكل شي ء منه و إن لا يجب. (1)

______________________________

فراجع.

و في الفرضين الأخيرين يجب على المنوب عنه الإعادة، لعدم وقوع الذبح المطابق للمأمور به على ما هو المفروض.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 265

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في أمرين:

الأمر الأوّل: في لزوم الأكل من الهدي و عدمه بل استحبابه. فالمشهور هو عدم اللزوم. و المحكي عن ابن إدريس و المحقق في الشرائع و العلّامة و جمع آخر، هو اللزوم. و قد اختاره بعض الأعلام قدّس سرّه.

و منشأ اللزوم هو

الأمر به في قوله تعالى في آيتين من سورة الحج تفريعا على البدن و بهيمة الأنعام فَكُلُوا مِنْهٰا و ظهوره في خصوص الوجوب. لكن حكي عن كشاف الزمخشري أنه قال: «الأمر بالأكل منها أمر إباحة، لأن أهل الجاهلية ما كانوا يأكلون من نسائكهم، و يجوز أن يكون ندبا لما فيه من مواساة الفقراء و مساواتهم من استعمال التواضع، و من ثم استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث». و مراده أنه حيث يكون الأمر في مقام توهم الحظر، فلا يكون ظاهرا في الوجوب، بل في الجواز بالمعنى الأعم في مقابل الحرمة.

و أورد بعض الأعلام قدّس سرّه على ذلك مضافا إلى أنه لم يثبت قول الزمخشري و

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 266

..........

______________________________

حكايته عن الجاهلية ثبوت الحرمة في الأكل من النسائك، بأن الدين الإسلامي كان ناسخا لأحكام الجاهلية، و مجرد الحرمة عند أهل الجاهلية لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر و لا يوجب وقوع الأمر في مقام توهم الحظر، حتى لا يكون الأمر ظاهرا في الوجوب.

و الجواب عنه- مضافا إلى أنه لا مجال للمناقشة في صحة حكاية الزمخشري مع جلالة قدره و عظمة شأنه، و كان تفسيره الكشاف له موقعية صارت موجبة لتأليف الطبرسي صاحب مجمع البيان، كتابا آخر في التفسير بعد ملاحظة تفسيره، سماه جوامع الجامع- أنّ كون الإسلام ناسخا لأحكام الجاهلية لا يقتضي أزيد من نفي الحرمة التي كانوا يعتقدون بها.

و أمّا ثبوت الوجوب مكانه فلا، إلّا أن يقال إنه مع العلم بعدم الحرمة لا يبقى مجال لتوهم الحظر حينئذ، فيبقى ظهور الأمر في الوجوب بحاله.

لكنه يرد عليه أن كون الإسلام ناسخا لجميع أحكام الجاهلية

ممنوع، سواء كان في المسائل الاعتقادية أو في الفروع العمليّة- كما لا يخفى. فالأمر المذكور واقع في مقام توهم الحظر فلا يبقى له ظهور في الوجوب.

و ربما يستدلّ على وجوب الأكل ببعض الروايات الحاكية لحج رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم:

مثل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام المشتملة على قوله: أمر رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم حين نحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة (حذوة) من لحمها ثم تطرح في مرقة (برمة) ثم تطبخ، و أكل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و علي عليه السّلام منها و حسيا من مرقها. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 267

..........

______________________________

و ما رواه الشيخ عن صفوان و ابن أبي عمير و جميل بن درّاج و حمّاد بن عيسى و جماعة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه عليهما السّلام قالا: إنّ رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أمر أن يؤخذ من كلّ بدنة بضعة، فأمر بها رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فطبخت، و أكل هو و علي عليه السّلام و حسوا المرق و قد كان النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أشركه في هديه. «1»

و لكن الظاهر أنه لا دلالة لها على الوجوب أيضا، لأن عمله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أعمّ منه، و من الممكن أن يكون الوجه فيه هو الاستحباب خصوصا بعد اشتمال مثل هذه الروايات على جملة من المستحبات أيضا.

و يأتي تتمة البحث في ذيل الأمر الثاني، إن

شاء اللّٰه تعالى، فانتظر.

الأمر الثاني: في التقسيم أثلاثا. قال المحقق في الشرائع: و يستحب أن يقسمه أثلاثا يأكل ثلثه و يتصدق بثلثه و يهدى ثلثه. و ذكر بعده في الجواهر: كما هو ظاهر جماعة و صريح أخرى، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، و عن الدروس الوجوب و تبعه ثاني الشهيدين و الكركي، و عن ابن إدريس لزوم الصرف في الأكل و التصدق و لم يذكر الإهداء، بل خصّه بالأضحية.

و الأصل في ذلك الآيتان المذكورتان و قد عطف في الأولى، قوله وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ الْفَقِيرَ «2» و في الثانية، قوله وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ «3» نظرا إلى أنّ القانع و المعتبر إن كانا نوعين من الفقير، غاية الأمر أن القانع هو الفقير الذي يقنع بما يعطى و يرضى به من غير اعتراء. و المعتر هو الفقير المعتري و المعترض لنفسه على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 3.

(2) سورة الحج (22): 28.

(3) سورة الحج (22): 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 268

..........

______________________________

المعطي.

فاللازم اتحاد مفاد الآيتين و دلالتهما على لزوم الإطعام، أي التصدق على الفقير عطفا على الأكل. فلا دلالة فيهما على التثليث بوجه لعدم إشعار شي ء منهما بالإهداء إلى الغير و لو لم يكن مؤمنا.

و احتمال كون الإهداء داخلا في قوله تعالى فَكُلُوا مِنْهٰا على معنى إرادة أكل الناسك و من يهدى إليه من أصدقائه و جيرانه، لأنه من المعلوم عدم إرادة أكل الناسك الثلث بتمامه ضرورة تعذره غالبا، مدفوع بكونه خلاف الظاهر جدّا، و إن ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و إن كان القانع و المعتر خارجين عن الفقير و داخلين في الغنيّ- كما ربما يستفاد من

بعض الروايات الآتية- فيرد في بادي النظر أنه كيف يتحقق الجمع بين الآيتين بعد كون الأولى ظاهرة في الأكل و الصدقة و الثانية في الأكل و الإهداء. فاللازم حملهما على الجمع بين الأمرين، و هو مخالف للظاهر جدّا. خصوصا بعد اشتراكهما في التعرض للأكل.

و الظاهر أن مستند ابن إدريس هو الاحتمال الأول، حيث أوجب الأكل و الصدقة إلى الفقير و لم يذكر الإهداء في مسألة الهدي.

و كيف كان، فاستفادة التثليث من الآيتين و لو بعد الانضمام مشكل. و لا مجال لدعويه بوجه.

هذا مع قطع النظر عن الروايات الظاهرة في تفسير الآيتين أو الدالة على بيان مصرف الهدي. و أمّا مع ملاحظتها، فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 269

..........

______________________________

منها: صحيحة سيف التمار، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجّا فلقي أبي، فقال: إنّي سقت هديا فكيف أصنع؟ فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعتر ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا. فقلت: المساكين هم السؤال؟ فقال:

نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك. «1»

و قد استفاد منها بعض الأعلام قدّس سرّه أن جعل المساكين فيها في مقابل القانع و المعتر، دليل على عدم اعتبار الفقر فيهما، و أنهما يصدقان على الغنى أيضا.

و عليه فتدل على أن الآية الكريمة بنفسها متكفلة للتقسيم الثلاثي بين الصدقة و الإهداء و الأكل. و موردها و إن كان هدي القرآن الذي يساق في إحرامه. إلّا أن الظاهر إنه لا فرق من جهة المصرف بينه و بين الهدي في

حج التمتع. و لذا استدل بالآية فيه.

و يؤيد ما أفاده التعبير في ذيل الصحيحة بأن المعتر أغنى من القانع، فإن هذا التعبير ظاهر في اشتراكهما في الغنى و الخروج عن الفقر.

و يمكن الإيراد عليه بأن جعل المساكين في مقابل القانع و المعتر لا دلالة له على خروجهما عن عنوان الفقير، خصوصا بعد تفسير المساكين بأهل السؤال مع أنه من الواضح أنه لا مدخلية للسؤال في حقيقة الفقر بوجه. و عليه فيحتمل أن تكون المقابلة بين المساكين و بين القانع و المعتر هي المقابلة بين الفقير و المسكين، لأنهما إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 270

..........

______________________________

و يؤيده أن مفاد القانع و المعتر لا يلائم مع الغنى بوجه. فإنّ الغني لا يحتاج إلى إرسال شي ء إليه حتى يقتنع به. كما أنه لا يناسبه الاعتراء و إراءة نفسه إلى الغير و جعلها في معرض نظره ليتحقق منه الإطعام. فإن هذه المعاني لا يلائم مع الغنى بوجه.

بل المستفادة من الصحيحة و لو احتمالا لا يكون مخالفا للظاهر أن المسكين لشدة فقره يرى نفسه محتاجا إلى السؤال، و دونه في الفقر القانع و المعتر حيث إن فقرهما لا يكون بمرتبة يرى أنفسهما محتاجين إلى السؤال بوجه. بل يكون في أحدهما الاعتراء و في الآخر القناعة.

و التعبير في الصحيحة بأن أحدهما أغنى من الآخر إنما هو للاختلاف في مراتب الفقر لا للاشتراك في الغنى. و عليه فلا دلالة للصحيحة على أن مفاد الآيتين هو التثليث بالمعنى المعروف، فتدبّر.

و منها: صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام سقت في العمرة بدنة

فأين أنحرها؟ قال: بمكة. قلت: أيّ شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا و أهد ثلثا و تصدق بثلث. «1»

و موردها و إن كانت البدنة التي لا تكون إلّا مستحبة في العمرة لا واجبة، إلّا أنه لا فرق في المصرف بين الموارد- كما عرفت- و دلالتها على التثليث ظاهرة، إلّا أنها لا إشعار يكون مفاد الآية أيضا ذلك، كما أنه لا دلالة لها على وجوب التثليث بعد عدم كون الأكل واجبا و وقوع الإهداء و التصدق في سياقه.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار- التي جعلها في الوسائل روايتين مع وضوح

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 271

..........

______________________________

اتحادهما- عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم كما قال اللّٰه: ..

فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ .. «1» فقال: القانع الذي يقنع بما أعطيته، و المعتر الذي يعتريك، و السائل الذي يسألك في يديه، و البائس الفقير. «2»

و هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في التفسير للآية، بل الآيتين الواردتين في المقام، إلّا أنه لا دلالة لها على أنّ مفاد الكتاب هو التثليث الذي يكون أحد أقسامه الإهداء الذي لا يعتبر في المهدى إليه الفقر بوجه. بخلاف التصدق الذي يجب أن يكون إلى الفقير. بل ظاهرها الأكل و الإطعام فقط. و أن الاختلاف بين الآيتين إنّما هو في بيان مراتب الفقير و أن القانع و المعتر يكونان كالسائل من مصاديق عنوان الفقير.

فهذه الصحيحة ظاهرة في خلاف ما استفاده بعض الأعلام من صحيحة سيف التمار، فتدبّر.

و منها: صحيحة أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن لحوم

الأضاحي، فقال: كان علي بن الحسين عليه السّلام و أبو جعفر عليه السّلام يتصدقان بثلث على جيرانهم، و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكانه لأهل البيت. «3»

و المراد بالتصدق على الجيران هو إطعامهم لوضوح عدم كونهم بأجمعهم فقراء، كما أن المراد بالإمساك لأهل البيت هو الأكل من هذا الثلث للملازمة العادية بين الأمرين، و لا دلالة في الصحيحة على لزوم التثليث المزبور، لأن الفعل أعم منه. مع

______________________________

(1) سورة الحج (22): 36.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الأربعون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 272

..........

______________________________

أنه يمكن أن يقال بأن الحكاية المزبورة ظاهرة في عدم الوجوب لإشعارها بل دلالتها على الاختصاص بهما عليهما السّلام فلا دلالة لها على الوجوب.

و منها: موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ-: .. فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا .. «1» قال: إذا وقعت على الأرض فكلوا منها و أطعموا القانع و المعترّ، قال: القانع الذي يرضى بما أعطيته و لا يسخط و لا يكلح و لا يلوى شدقه غضبا، و المعتر المارّ بك لتطعمه. «2» و الكلوح تكثر في عبوسة.

و يقال: لوى الرجل رأسه و ألوى برأسه أمال و أعرض و الشدق جانب الفم، و هو الذي يعبر عنه في الفارسية ب «دهن كجى».

و قد انقدح أنه لا يستفاد لا من الآية و لا من الرواية لزوم التثليث. و قد قال صاحب الجواهر: لم أعرف قائلا بوجوبها- يعني القسمة أثلاثا- و قد ذكر قبله أن مقتضى كلام الشهيدين و المحقق الكركي جواز الاقتصار على مصرف واحد منها و لو أكله

أجمع. قال: بل قد يستفاد من نحو عبارة المتن المقابل فيها القول بوجوب الأكل للقول باستحباب التثليث، حيث ذكر عقيب الحكم باستحباب التثليث المتقدم نقل عبارته، و قيل يجب الأكل منه و هو الأظهر، أن أصل الصرف مستحبّ.

و يؤيد ما ذكرنا من عدم لزوم التثليث خلو الروايات البيانية الحاكية لحجة الوداع من رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم عن تثليثه و أنه بعد النحر قد قسّم لحوم البدن ثلاثة أقسام. بل مفادها أكل النبي و أمير المؤمنين عليهما السّلام من المرق الذي كان لحمه بضعة من

______________________________

(1) سورة الحج (22): 36.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 273

..........

______________________________

كل إبل من مائة. نعم في ذيل بعضها أنه تصدق بجلودها و أمثالها الفقراء و لم يعطها الجزارين.

كما أنه يؤيد عدم لزوم الأكل ملاحظة جملة من الروايات الظاهرة في أنه يؤكل من الهدي و لا يؤكل من غيره من الكفارة و مثلها، مثل قوله عليه السّلام في رواية عبد الرحمن:

كل هدي من نقصان الحج فلا يأكل منه، و كل هدي من تمام الحج فكل. «1»

فإنها ظاهرة في أن الأكل من الهدي الذي يكون من تمام الحج يكون في مقابل عدم جواز الأكل من هدي غيره.

و رواية جعفر بن بشير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن البدن التي تكون جزاء الإيمان و النساء و لغيره يؤكل منها. قال: يؤكل من كل البدن. «2»

فإنها ظاهرة في كون السؤال عن الجواز. فالجواب بقوله: «يؤكل» لا دلالة له على أزيد من الجواز. فلو لم يثبت كلام الزمخشري و نقله عن الجاهلية تكون مثل هذه الروايات ظاهرة في

أن المحتمل في ذهن الرواة هو عدم الجواز، فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 274

[مسألة 14] في الانتقال إلى الصيام مع عدم الهدي

مسألة 14- لو لم يقدر على الهدي، بأن لا يكون هو و لا قيمته عنده، يجب بدله صوم ثلاثة أيام في الحجّ و سبعة أيام بعد الرجوع إليه. (1)

______________________________

(1) يدل على الانتقال إلى البدل- و هو صيام عشرة أيام بالكيفية المذكورة في الآية و الرواية- قوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ. «1» و هذا التعبير عين التعبير في آية التيمم: .. فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً .. «2» و التعليق على عدم الوجدان ظاهر في أن المعلق عليه هو عدم الوجدان بحسب نظر العرف، فهو الحاكم في الباب. و اللازم مراعاة نظره و تشخيصه. كما أنّ الظاهر ان المراد هو عدم الوجدان حال توجه التكليف و هو في المقام يوم النحر لا العدم قبله أو بعده.

و أمّا قوله تعالى: .. تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ .. «3» فقد ورد في رواية عبد اللّٰه بن سليمان الصيرفي قول أبي عبد اللّٰه عليه السّلام لسفيان الثوري: ما تقول في قول اللّٰه- عزّ و جلّ ..

فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ .. «4» أيّ شي ء يعني بالكاملة؟

قال: سبعة و ثلاثة. قال: و يختل ذا على ذي حجي إن سبعة و ثلاثة عشرة. قال:

فأيّ شي ء هو أصلحك اللّٰه؟ قال: الكامل كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) سورة النساء (4): 43.

(3) سورة البقرة (2): 196.

(4) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 275

[مسألة 15] في ما لو كان قادرا على الاقتراض

مسألة 15- لو كان قادرا على الاقتراض بلا مشقة و كلفة و كان له ما بإزاء القرض، أي واجد ما يؤدّى به وقت الأداء وجب الهدي، و لو كان عنده من مؤن السفر زائدا على حاجته، و يتمكن من بيعه بلا مشقة وجب بيعه لذلك، و لا يجب بيع لباسه كائنا ما كان، و لو باع لباسه الزائد وجب شراء الهدي، و الأحوط الصوم مع ذلك. (1)

[مسألة 16- لا يجب عليه الكسب لثمن الهدي]

مسألة 16- لا يجب عليه الكسب لثمن الهدي، و لو اكتسب و حصل له ثمنه يجب شراؤه.

______________________________

أتيت بالأضحية تمامها كمال الأضحية. «1»

و احتمل في الجواهر- مع قطع النظر عن الرواية- أن يكون لرفع احتمال إرادة معنى «أو» من «الواو».

و يدل على ثبوت البدل أيضا الروايات المستفيضة الآتية في المسائل الآتية.

(1) قد عرفت أن المعيار في عدم الوجدان هو عدمه عند العرف و بحسب نظره. و عليه فإذا لم يكن الهدي و لا قيمته عنده و لكنه يكون قادرا على الاقتراض بلا مشقة و لا كلفة لوجود المقرض و عدم كون الاقتراض منافيا لشأنه و هتكا لحيثيته، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى يكون له ما بإزاء القرض و واجدا ما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 276

..........

______________________________

يؤدّى به وقت أداء القرض يجب عليه الهدي، لكونه مصداقا للواجد بنظر العرف و لا ينطبق عليه عدم الوجدان عندهم.

كما أنه لو كان عنده من مؤن السفر و لوازمه زائدا على حاجته فيه، و يتمكن من بيعه بلا مشقة و لا استلزام للهتك المذكور يجب بيعه لذلك. نعم في خصوص اللباس كلام يأتي.

و أنه لا يجب عليه

الكسب لثمن الهدي، كما أنه لا يجب عليه تحصيل أصل الاستطاعة التي يترتب عليها وجوب الحج. نعم لو اكتسب و حصل له ثمنه يجب شراء الهدي. و لكنه يظهر من المسالك أنه مع القدرة على التكسب اللائق بحاله يجب عليه ذلك. و لكنه ذكر في الجواهر أنه لا يخفى عليك ما فيه.

كما أنّه لو توقف تحصيل الهدي على بيع ما له الذي في بلده فإن كان بما يساوي ثمن المثل فلا إشكال في وجوبه إذا لم يكن مقرونا بالمشقة. و إن كان بدونه فإن كان بمقدار يتضرّر به تضررا معتدّا به فالظاهر أنه غير واجب. و إن كان بغيره يجب البيع لصدق الوجدان عند العرف.

و أمّا اللّباس، فقد قال المحقق في الشرائع: «و لا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي، بل يقتصر على الصوم». و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه». بل في المدارك و غيرها أنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

و قد استدل فيها له بأمور. عمدتها:

فحوى استثنائها في دين المخلوق الذي هو أهمّ في نظر الشارع من دين الخالق. و بعض الروايات الواردة في المسألة، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 277

..........

______________________________

مرسلة علي بن أسباط عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: قلت له رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و في عيبته ثياب له، أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري هديه؟ قال: لا، هذا يتزين به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا. «1»

و صحيحة ابن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه، فتسوي بذلك الفضول مائة درهم، يكون ممّن يجب

عليه؟ فقال: له بدّ من كسر (كرى خ ل) أو نفقة، قلت له: كسر (كرى خ ل) أو ما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة. فقال: و أيّ شي ء كسوة بمائة درهم؟ هذا ممّن قال اللّٰه .. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ .. «2». «3»

و ليس ظهور هذه الصحيحة بمثابة ظهور المرسلة و انجبارها باستناد المشهور إليها ظاهر. و لا خفاء في ظهور المرسلة في مشروعية عدم البيع و ثبوت الانتقال إلى الصّوم.

و أمّا دلالتها على جواز بيع الثياب و اشتراء البدنة فتبتنى على دعوى كون المراد من قول السائل: أ يبيع من ثيابه شيئا و يشتري بدنة؟ هو السؤال عن الوجوب دون الجواز إذ على التقدير الأوّل يكون الجواب ناظرا إلى نفي الوجوب. كما أنه على التقدير الثاني يكون مفاد الجواب هو عدم الجواز. كما أن قوله عليه السّلام في الجواب «و لا يأخذ من ثيابه شيئا» سواء كانت الجملة خبرية نافية واقعة في مقام الإنشاء أو إنشائية ناهية، يمكن أن يكون المراد منه هو عدم مشروعية الأخذ من الثياب.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الخمسون، ح 2.

(2) سورة البقرة (2): 196.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 278

[مسألة 17] في لزوم وقوع صيام الثلاثة في ذي الحجة

مسألة 17- يجب وقوع صوم ثلاثة أيّام في ذي الحجّة، و الأحوط أن يصوم من السّابع إلى التاسع و لا يتقدم عليه، و يجب التوالي فيها، و يشترط أن يكون الصوم بعد الإحرام بالعمرة و لا يجوز قبله، و لو لم يتمكن من صوم السابع صام الثامن و التاسع و أخّر اليوم الثالث

إلى بعد رجوعه من منى، و الأحوط أن يكون بعد أيام التشريق، أي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر. (1)

______________________________

و يمكن أن يكون المراد منه هو عدم الوجوب.

فعلى التقدير الثاني إذا باع لباسه الزائد لا ينتقل فرضه إلى الصيام، و على التقدير الأوّل الانتقال باق بحاله، و مخالفة التكليف بعدم جواز البيع لا يؤثر في العدم.

و مما ذكرنا يظهر وجه الاحتياط الوجوبي في المتن بالنسبة إلى الصوم إذا باع لباسه الزائد و اشترى الهدي لتحقق الوجدان بعد البيع، فتدبّر.

(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لأمور ترتبط بصيام ثلاثة أيام:

الأمر الأوّل: في لزوم وقوع صيام ثلاثة أيّام في خصوص ذي الحجة و إن كان أشهر الحج ثلاثة و أوّلها الشوّال، إلّا أن المراد بقوله تعالى فِي الْحَجِّ هو خصوص ذي الحجّة.

قال صاحب الجواهر: و شهره، و هو هنا ذو الحجة عندنا و في بعض الروايات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 279

..........

______________________________

تفسير في الحج بذي الحجة، فلا إشكال في هذا الأمر، كما أنه لا خلاف فيه بل الإجماع عليه.

الأمر الثاني: في تعين اليوم السابع إلى اليوم التاسع للصيام و عدم التقدم عليه و لا التأخر منه مع التمكن، و يدلّ عليه روايات متعددة:

منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة.

قال: قلت فإن فاته ذلك، قال: يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده.

قلت: فإن لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء

إذا رجع إلى أهله. «1»

و يستفاد منها مضافا إلى لزوم وقوع صيام الثلاثة في ذي الحجّة و إلى لزوم التوالي و التتابع و عدم التفريق في الثلاثة تعين الأيام الثلاثة المذكورة، فلا يجوز التقدم عليها و لا التأخر عنها و لو كان في الجملة في صورة التمكن و عدم العذر.

و منها: موثقة رفاعة بن موسى، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي، قال: يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة. قلت: فإنه قدم يوم التروية، قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت و ما الحصبة؟ قال: يوم نفره، قلت: يصوم و هو مسافر. قال: نعم، أ ليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّٰه-

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السّادس و الأربعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 280

..........

______________________________

عزّ و جلّ: .. فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ .. «1» يقول في ذي الحجة. «2»

و قوله: «و يصوم قبل التروية» و إن كان له إطلاق في نفسه، يشمل اليوم المنفصل عن التروية بيوم أو أزيد أيضا، إلّا أن قوله: و «يوم التروية و يوم عرفة» بعده يوجب ظهوره في خصوص اليوم المتصل بيوم التروية- كما وقع التصريح به في الصحيحة المتقدمة- كما أن تحقق السفر في يوم عرفة عند الذهاب إليها إنّما هو لأجل الخصوصيّة الموجودة فيها في زمن صدور الرواية، و هي كون الفصل بينها و بين مكة أربعة فراسخ، و عليه فالصلاة فيها كانت قصرا سواء كان قد قصد الإقامة بمكة عشرة أيام أم لم

يكن قد قصد الإقامة.

و أمّا في زماننا هذا فحيث إن بلد مكّة قد توسّع في الأزمنة الأخيرة توسّعا شديدا، فلا يكون الفصل بينها و بين عرفات أربعة فراسخ، بل نصفها أو أقل، فلا تكون الصلاة فيها قصرا لمن قصد الإقامة بمكة.

و منها: صحيحة حمّاد بن عيسى المروية في قرب الإسناد، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: قال على عليه السّلام في قول اللّٰه- عزّ و جلّ-: .. فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ .. «3» قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيّام فلينشئ يوم الحصبة، و هي ليلة النفر. «4»

و منها: غير ذلك من الروايات المتعددة الواردة بهذا المضمون.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 1.

(3) سورة البقرة (2): 196.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 281

..........

______________________________

و الإشكال في مفادها بأنه لا معنى للإتيان بالبدل و ثبوت الانتقال قبل يوم النحر الذي هو زمان توجه التكليف بالهدي، لأنه من مناسك منى و واجباته مدفوع.

مضافا إلى أنه لا مجال للشبهة في الأمور التعبدية، مع قيام الدليل الواضح عليها، بأنه حيث يأتي البحث في أنه يجب أن يكون الصيام المذكور بعد التلبس بإحرام عمرة التمتع و إن لم يأت بجميع مناسكها، و أنّه لا يجوز الإتيان بالصوم قبل التلبس بإحرام عمرة التمتع، فلا محالة يصير وجوب جميع المناسك فعليّا، و إن كان الواجب معلقا على زمان أو شي ء آخر، من دون فرق بين كون التمتع واجبا أو مستحبا، لوجوب الإتمام على كلا التقديرين.

و لا معنى للإتمام إلّا الإتيان بكل

منسك في ظرفه، فالوجوب بعد التلبس بالإحرام متحقق بالفعل، كأصل وجوب الحج بعد تحقق الاستطاعة، و إن كان قبل أشهره، فالشبهة مندفعة.

ثمّ انّ في مقابل الروايات المتقدمة طائفتين من الأخبار:

الطائفة الأولى: ما تدل بظاهرها على لزوم التأخير عن يوم النحر، و هي ما رواه الكليني عن بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن أحمد بن عبد اللّٰه الكرخي، قال: قلت للرّضا عليه السّلام المتمتع يقدم و ليس معه هدي، أ يصوم ما لم يجب عليه؟ قال:

يصبر إلى يوم النحر فإن لم يصب فهو ممّن لم يجد. «1»

و الجواب عنها مضافا إلى عدم اعتبارها من حيث السّند أنه يمكن أن يقال بأن موردها ما إذا احتمل وجود الهدي في يوم النحر. و يؤيده التعبير بالصبر. و قوله

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الرابع و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 282

..........

______________________________

«فإن لم يصب» و مورد الروايات المتقدمة صورة إحراز عدم وجود الهدي في اليوم المذكور. مع أنه على تقدير التعارض يكون الترجيح مع تلك الروايات لقيام الشهرة، بل الإجماع على مشروعية الصيام في الأيام الثلاثة المذكورة فيها. و إن وقع الاختلاف في التعين و عدمه، فلا مجال لهذه الرواية الدالة على عدم المشروعية، كما هو ظاهر.

الطائفة الثانية: ما تدل بظاهرها على جواز الإتيان من أوّل الشهر و هي روايتان:

إحديهما: ما رواه عبد اللّٰه بن مسكان، قال: حدثني أبان الأزرق عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام أنه قال: من لم يجد الهدي و أحبّ أن يصوم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلا بأس بذلك. «1»

و أبان المذكور لم يوثق بالخصوص. بل له توثيق عام باعتبار وقوعه في أسناد

كتاب كامل الزيارات.

ثانيتهما: رواية أخرى لزرارة، و قد رواها صاحب الوسائل في بابين:

أحدهما: الباب السادس و الأربعون، الحديث الثاني بهذه الكيفية: و عنهم يعني محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة، عن أحدهما عليه السّلام أنه قال: من لم يجد هديا و أحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيام في أوّل العشر فلا بأس.

ثانيهما: الباب الرابع و الخمسون، الحديث الأوّل بهذه العبارة: محمد بن يعقوب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 283

..........

______________________________

عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما عليه السّلام أنه قال بنفس العبارة.

و أنت ترى وجود سهل في السند الأوّل منفردا، و في الثاني منضما إلى أحمد بن محمد و هو يوجب الخلل في اعتبار الأولى دون الثانية، مع أنه لا يكون في الكافي الذي نقل عنه صاحب الوسائل إلّا رواية واحدة لا متعددة.

مع أنّ المراجعة إلى الكافي تبيّن عدم صحة نقل الوسائل عنه بوجه، فإنه قد عقد بابا بعنوان: «صوم المتمتع إذا لم يجد الهدي» ثم ذكر في الحديث الأوّل هكذا:

عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و سهل بن زياد جميعا عن رفاعة بن موسى، ثم نقل رواية رفاعة بن موسى المتقدمة في الأمر الأوّل، ثم عقبه بالحديث الثاني بهذا النحو:

أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة عن أحدهما عليهم السّلام ثم نقل متن رواية زرارة.

و

من الواضح أن الحديث الثاني لا ارتباط له بالحديث الأوّل، بل الظاهر أنّ قوله أحمد بن محمد بن أبي نصر شروع في السند الثاني، من دون وقوع عدة من أصحابنا عن سهل منضما أو منفردا في هذا السّند، و عدم إمكان نقل الكليني عن ابن أبي نصر بلا واسطة، بل اللازم وجود واسطة بل واسطتين لا يوجب كون نقله عن العدة عن سهل عنه كذلك.

و لعلّ هذا هو الذي أوقع صاحب الوسائل في الاشتباه، فتخيل أن الواسطة ما هو المذكور في الحديث الأوّل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 284

..........

______________________________

نعم يرد على السند الأوّل أن سهلا لا يمكن له النقل عن رفاعة بلا واسطة. و لذا ذكر العلامة المجلسي قدّس سرّه في شرح الحديث الأوّل: أن الظاهر ان فيه سقطا، إذ أحمد بن محمد و سهل بن زياد لا يرويان عن رفاعة، لكن الغالب أن الواسطة إمّا فضالة أو ابن أبي عمير أو ابن فضال أو ابن أبي نصر، قال: و الأخير هنا أظهر بقرينة الخبر الآتي، حيث علقه على ابن أبي نصر- إلى آخر كلامه.

هذا و التحقيق اتحاد الروايتين لزرارة، و إن كان الراوي عنه في إحديهما هو أبان الأزرق، و في الثانية هو عبد الكريم بن عمرو. و قد عرفت أن في السند الثاني سقطا، لأنه لا يمكن للكليني أن ينقل عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر من دون واسطة. فهي بهذا السّند غير معتبرة.

و أمّا بالسند الأوّل فالإشكال إنّما هو في أبان المذكور، و قد عرفت وجود التوثيق العام بالإضافة إليه، و هو حجة في ما إذا لم يكن قدح خاص على خلافه. و ليس في المقام

قدح أصلا، و عليه فالظاهر اعتبارها بهذا السّند.

و مقتضى الجمع بينها و بين الروايات المتقدمة هو حملها على الاستحباب و الفضيلة، و حمل رواية زرارة على الجواز و المشروعية.

و لكن حيث إن المشهور ذهبوا إلى عدم جواز التقديم على الثلاثة الأيام لعدم اعتبار التوثيق العام عندهم، نقول: إن مقتضى الاحتياط الوجوبي هو العدم- كما في المتن.

الأمر الثالث: في ما لو لم يتمكن من صوم السابع.

ففي المتن: صام الثامن و التاسع و أخر اليوم الثالث إلى بعد رجوعه من منى. قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 285

..........

______________________________

و الأحوط أن يكون بعد أيام التشريق، أي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر.

و قد تبع المتن في أصل الحكم المشهور، بل عن ابن إدريس و غيره الإجماع عليه.

و يدل عليه روايتان:

إحديهما: رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في من صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر. «1» و في سندها مفضل بن صالح أبو جميلة، و هو ضعيف.

ثانيتهما: رواية يحيى الأزرق التي رواها الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن النخعي عن صفوان عنه عن أبي الحسن عليه السّلام و الصدوق بإسناده عنه، إنه سأل أبا إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق. و في رواية الصدوق زيادة بيوم. «2»

و الظاهر أنّ المراد هو يحيى بن عبد الرحمن الأزرق و هو ثقة، لكن الإشكال في أن الصدوق صرّح في المشيخة بيحيى بن حسان الأزرق، و هو مع أنه لم يوثق، ليس

له بهذا العنوان رواية في الكتب الأربعة، و يحتمل قويّا وقوع الاشتباه في الكتابة منه أو من النسّاخ.

لكن الذي يسهّل الخطب أنه لا مستند للمشهور في هذا الحكم المخالف للقاعدة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 286

..........

______________________________

و هي اعتبار التوالي في صيام الثلاثة أيام إلّا هاتين الروايتين، فلا محالة ينجبر سندهما باستناد المشهور إليهما، و لا مجال لتوهم كون المسألة إجماعية مع قطع النظر عن الروايتين- كما ربما يظهر من الجواهر- بل الظاهر ثبوت الاستناد، و هو جابر على ما هو التحقيق، فلا إشكال فيهما من حيث السّند.

ثم إنه هل يختص الحكم بصورة عدم التمكن من صوم اليوم السابع- كما هو ظاهر المتن- أو يعم صورة التمكن أيضا؟ كما ربما يظهر من مثل عبارة الشرائع، حيث قال فيها: و لو لم يتفق- أي صوم اليوم السابع- اقتصر على التروية و عرفة ثم صام الثالث بعد النفر؟ وجهان:

استظهر الجواهر من الرواية التناول لحال الاختيار نظرا إلى أن القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم.

و لكن الظاهر من السؤال بلحاظ الصوم يوم التروية بمجرد القدوم أنه كان عالما بلزوم صوم اليوم السابع أيضا، و أن الباعث له على الترك هو عدم التمكن منه في حال السفر، و الحركة الملازم خصوصا في تلك الأزمنة للمشقة و الكلفة الشديدة.

و إلّا فلم يكن وجه للترك فيه مع الصوم بمجرد القدوم، فلا دلالة للرواية على عمومية الحكم لصورة التمكن أيضا.

مع أنه لو قلنا بأن المستند في أصل هذا الحكم هو الإجماع- كما ربما يظهر من صاحب

الجواهر- يكون مقتضى الاقتصار في الأدلة اللبيّة على القدر المتيقن هو تخصيص الحكم بصورة عدم التمكن أيضا.

ثم إنه ربما يظهر في بادي النظر وجود روايات متعددة في مقابل الروايتين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 287

..........

______________________________

الواردتين في المقام، و قد جعلها بعض الأعلام قدّس سرّه على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما تدل بالإطلاق على لزوم التتابع، و أنه لو صام يومين و لا يتابع اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام، مثل:

رواية عليّ بن الفضل الواسطي، قال: سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث، فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج، فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات، فإن لم يقدر و لم يقم عليه الجمّال، فليصمها في الطريق أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات. «1»

و الرواية مع كونها مضمرة و ضعيفة بعلي بن الفضل الواسطي، مطلقة شاملة للفروض و الصور المتعددة كصيام اليوم السابع و الثامن و صيام يومين قبل الأيام الثلاثة أو مع بعضها و للمقام أيضا. فأدلة المقام صالحة لتقييد إطلاقها و إخراج المقام منها، فالتعارض بدوي.

الطائفة الثانية: ما يدل على أن من فاته صوم هذه الأيام و لو بفوت يوم واحد، يصوم ثلاثة بعد أيام التشريق، مثل:

صحيحة حمّاد بن عيسى، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: قال عليّ عليه السّلام صيام ثلاثة أيام في الحجّ قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة، يعني ليلة النفر، و يصبح صائما، و يومين بعده و سبعة إذا رجع. «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و الخمسون،

ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 288

..........

______________________________

و صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قال:

قلت فإن فاته ذلك، قال: يتسحّر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فإن لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء إذا رجع إلي أهله. «1»

و احتمال كون المراد بالفوت هو فوت صيام ثلاثة أيام بأجمعها يدفعه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سأله عبّاد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي، قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فإن فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيّام التشريق. «2»

فإن النهي عن صوم يوم التروية و يوم عرفة في صورة فوت صوم الأيام الثلاثة قرينة على عدم كون المراد بالفوت هو فوت الجميع- كما هو ظاهر هذا- و لكن الرواية بهذه الكيفية- المنقولة في الطبع الحديث من الوسائل الذي يكون من ناحية المكتبة الإسلامية بطهران- لا تكون موجودة في التهذيب و الإستبصار، بل الموجود فيهما- ما هو المنقول في الطبعة الحديثة- من قوله عليه السّلام: يصوم ثلاثة أيام قبل يوم التروية، ثم قول السائل فإن فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة ..

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب

الثاني و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 289

..........

______________________________

و عليه فظاهر الرواية تعين صيام ثلاثة أيام قبل يوم التروية، و لا شهادة فيها على ما ذكرنا. لكن الرواية عليه السّلام مع أنها مخالفة للنصوص المختلفة الواردة في صيام ثلاثة أيام تكون مخالفة للفتاوى أيضا. حيث إنه لم يقل أحد من الأصحاب بتعين قبل يوم التروية، بل الظاهر عدم ثبوت الاستحباب له أيضا. و عليه فالرواية تكون معرضا عنها.

هذا و الظاهر أنّ نسبة هذه الطائفة المعارضة في بادي النظر للروايتين إليهما، مع قطع النظر عن احتمال كون المراد بالفوت هو فوت جميع الأيام الثلاثة، لا مطلق الفوت الشامل لفوت صوم يوم واحد أو يومين أيضا هو الإطلاق و التقييد، لأنّ مفاد هذه الطائفة لزوم التسحر ليلة الحصبة في جميع موارد الفوت و فروضه و صوره الشامل لفوت يوم واحد أو يومين أو جميع الثلاثة، و في فوت اليوم الواحد مطلق شامل لفوت اليوم السابع أو الثامن أو التاسع، كما أن الفوت مطلق شامل للفوت الاختياري و للفوت مع عدم التمكن.

و دليل المقام يخرج موردا واحدا يكون مشتملا على خصوصيتين، إحديهما: كون الفوت مستندا إلى عدم التمكن، لما عرفت من الاختصاص بهذه الصورة. و ثانيتهما:

كون الفائت يوما واحدا، و هو خصوص اليوم السابع دون شي ء من اليومين بعده أو أزيد من يوم واحد، فالنسبة هي الإطلاق و التقييد، و لا تعارض بحسب الحقيقة بوجه.

الطائفة الثالثة: ما تدل بظاهرها على النهي عن صوم يوم التروية و كذا صوم يوم عرفة للمتمتع الذي ورد يوم التروية، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 290

..........

______________________________

صحيحة عيص بن القاسم عن

أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحّر ليلة الحصبة، فيصبح صائما و هو يوم النفر، و يصوم يومين بعده. «1»

و هذه الرواية بحسب ظاهرها مقابلة لروايتي المقام، لدلالتهما على لزوم صيام يوم التروية و يوم عرفة و دلالة هذه على النهي عن صومهما و لزوم التأخير إلى ليلة الحصبة، فالمقابلة واضحة.

هذا و لكن بعض الأعلام قدّس سرّهم بعد أن حكي عن الشيخ قدّس سرّه أنه حمل النهي على النهي عن صوم يوم التروية أو يوم عرفة على الانفراد، فلم يقع النهي عن صومهما على طريق الجمع و انضمام اليوم الثامن بالتاسع. فلا ينافي ما في خبر الأزرق من صيام التروية و يوم عرفة، فإنه حينئذ تصح إضافة اليوم الثالث بعد أيام التشريق إلى اليومين.

قال ما حاصله: إنّ ما ذكره الشيخ متين جدّا. فإنهم قد ذكروا أن حرف «لا» إذا لم يتكرر يدل على أن الممنوع هو المجموع، و أما مع التكرر فيدل على أن الممنوع كل واحد من الفردين مستقلا. و إطلاقه يقتضي النهي عن الانضمام و الاجتماع أيضا. فإذا قيل: لا تجالس زيدا و لا عمروا، معناه لا تجالس زيدا بانفراده و لا عمروا بانفراده.

و مقتضى إطلاقه النهي عن اجتماعهما و انضمامهما، بخلاف ما لو قيل: لا تجالس زيدا و عمروا، فإنه يدل على المنع عن الانضمام، و لا يشمل الانفراد و الاستقلال.

و يرد على هذا الحمل أن النهي عن صوم اليومين بنحو ما ذكر إذا كان مجردا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

الحج، ج 5، ص: 291

..........

______________________________

و خاليا عن الاشتمال على ما هو بمنزلة التعليل، لكان حمله على ما ذكر بمكان من الإمكان، و أما مع الاشتمال على ما هو بمنزلة التعليل الجاري في صورتي الانفراد و الانضمام، فلا يبقى مجال للحمل المذكور و المقام من هذا القبيل.

فإن قوله عليه السّلام في رواية عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة بعد النهي المزبور «و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» ظاهر في أن ملاك النهي هو الإخلال بالتتابع في صيام الثلاثة. و كذا قوله عليه السّلام في صحيحة العيص المتقدمة أيضا «و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما- و هو يوم النفر- و يصوم يومين بعده» ظاهر في الملاك المزبور.

و من الواضح أنه لا فرق في الإخلال بالتتابع بين صورتي الانفراد و الانضمام، فكيف يمكن حمل النهي في الروايتين على خصوص صورة الانفراد؟.

و الإنصاف أنه لا يمكن الجمع بوجه. و أن الظاهر ثبوت المعارضة، غاية الأمر إن الشهرة الفتوائية المحققة الموافقة لروايتي المقام، توجب ترجيحهما على الطائفة المعارضة- كما أشرنا إليه في الموارد المشابهة.

الأمر الرابع: أنه يشترط أن يكون الصوم بعد الإحرام بالعمرة و لا يجوز قبله.

و الوجه فيه أنّ توجه التكليف بالهدي إنما هو بالشروع في عمرة التمتع التي يجب بعدها الحج، و من واجباته الهدي. و أما مع عدم الشروع في العمرة فلم يتوجه إليه التكليف بالهدي حتى ينتقل إلى الصيام في صورة عدم الوجدان.

نعم حكي عن أحمد في رواية جواز تقديمها على العمرة، و هو خطأ واضح.

و الظاهر عدم اشتراط التلبس بإحرام الحج بعد لزوم الإتمام بمجرد التلبس بإحرام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 292

[مسألة 18] في عدم جواز صيام الثلاثة في أيام التشريق

مسألة 18- لا يجوز

صيام الثلاثة في أيام التشريق في منى، بل لا يجوز الصوم في أيام التشريق في منى، مطلقا. سواء في ذلك الآتي بالحج و غيره. (1)

______________________________

الحج، و بعد دلالة الروايات التي عرفتها على أن المستحب هو صوم اليوم السابع و يومين بعده، و الغالب وقوع إحرام حج التمتع يوم التروية، و إن كان الظاهر من المحقق في بعض كتبه و الشهيدين اشتراط التلبس بالحج. لكنه غير تام.

الأمر الخامس: في اليوم الذي لا بد و أن يصومه بعد العيد. و قد احتاط في المتن أن يكون بعد الأيام الثلاثة للتشريق. و سيأتي البحث فيه في شرح المسألة التاسعة عشر. إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) المشهور عدم جواز صيام الثلاثة في أيام التشريق. بل عن الخلاف الإجماع عليه. لكن المحكي عن أبي علي جواز صومها فيها. و يدل على المشهور روايات مستفيضة:

منها: ما عن الفقيه من قوله: و روي عن الأئمة عليهم السّلام إن المتمتع إذا وجد الهدي و لم يجد الثمن صام- إلى أن قال- و لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق، فإن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بعث بديل بن ورقا الخزاعي على جمل أورق «و» فأمره أن يتخلل الفساطيط، و ينادي في الناس أيام منى ألا لا تصوموا، فإنها أيام أكل و شرب و بعال «1». و البعال ما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 293

..........

______________________________

يتعلق بالبعل من النكاح و ملاعبته بأهله.

و منها: رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا، قال: فليصم ثلاثة أيام، ليس فيها أيام التشريق.

و لكن يقيم بمكة حتى يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله. و ذكر حديث بديل بن ورقا «1».

و منها: رواية ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام. قلت له: أ فيها أيام التشريق؟ قال: لا، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا «2».

و منها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج، قال: كنت قائما أصلي و أبو الحسن قاعد قدامي، و أنا لا أعلم فجاءه عبّاد البصري فسلّم ثم جلس، فقال له: يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ قال: يصوم الأيام التي قال اللّٰه تعالى، قال فجعلت سمعي إليهما، فقال له عبّاد: و أي أيام هي؟ قال: قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فإن فاته ذلك؟ قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك، قال: فلا تقول كما قال عبد اللّٰه بن الحسن. قال: فأي شي ء قال؟ قال: (قال خ) يصوم أيام التشريق، قال: إن جعفرا كان يقول إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أمر بديلا ينادي إن هذه أيام أكل و شرب فلا يصومنّ أحد. قال: يا أبا الحسن إن اللّٰه قال: فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم. قال: كان جعفر يقول ذو الحجة كلّه من

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 294

..........

______________________________

أشهر الحج «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الظاهرة في النهي عن صيام الثلاثة في أيام التشريق أو مطلق الصيام في تلك الأيام. لكن في مقابلها روايتان:

إحديهما: موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه، إنّ عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق، فإن ذلك جائز له «2».

ثانيتهما: رواية عبد اللّٰه بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عليه السّلام ان عليا عليه السّلام كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج، و هي قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فليصم أيام التشريق فقد أذن له «3».

و التعليل في الروايتين يوجب صرف ظهور قوله «فليصمها ..» في وجوب الصوم في خصوص أيام التشريق، و حمله على مجرد الجواز و المشروعية مع أن الأمر في مقام توهم الخطر، فلا ظهور له في الوجوب.

هذا و الروايتان مضافا إلى ضعف سند الثانية بجعفر بن محمد الراوي عن عبد اللّٰه لجهالته، فقد ذكر الشيخ قدّس سرّه إنهما شاذان مخالفان لسائر الأخبار و لا يجوز المصير إليهما مع أنهما موافقان لمذهب بعض العامة، فيحتمل الحمل على التقية، و إن كان يبعده النقل عن علي عليه السّلام خصوصا مع التعبير ب «كان» الظاهر في تكرر صدور هذا القول منه عليه السّلام هذا بالإضافة إلى صيام الثلاثة في أيام التشريق.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 5.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص:

295

[مسألة 19] في مبدأ الصيام بعد الأضحى

مسألة 19- الأحوط الأولى لمن صام الثامن و التاسع صوم ثلاثة أيام متوالية بعد الرجوع من منى، و كان أولها يوم النفر. أي: يوم الثالث عشر، و ينوي أن يكون ثلاثة من الخمسة للصوم الواجب (1)

______________________________

و أما عدم جواز الصوم في أيام التشريق مطلقا لمن كان بمنى من دون فرق بين الآتي بالحج و غيره، فيدل عليه حديث ابن ورقاء المذكور في جملة من الروايات المتقدمة.

و منها صحيحة ابن الحجاج، فإن قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «لا يصومنّ أحد» ظاهر في عمومية النهي، و لا مجال لتوهم كون الخطاب منحصرا بالمتمتع الذي لم يكن واجد الهدي و لم يصم الثلاثة قبل الأضحى ضرورة قلة مصاديقه، بالإضافة إلى الجمع الكثير الذي كانوا معه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع، مع روايات أخرى دالة على النهي بنحو الإطلاق.

و لعله يأتي بعضها، إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا شبهة في اقتضاء الاحتياط الاستحبابي لصيام خمسة أيام لمن لم يدرك صيام الثلاثة قبل الأضحى، و النية بالنحو المذكور في المتن.

إنما الاشكال و الخلاف في مبدأ الصوم بعد الأضحى بعد وضوح أنه لا يجوز أن يكون المبدأ هو الحادي عشر، فالمشهور و المعروف أنه يصوم الثلاثة الأيام بعد التشريق و لا يصوم شيئا منها في أيامه. و عن بعضهم أنه يصوم يوم النفر و هو اليوم الثاني عشر الذي هو النفر الأعظم، و يتحقق النفر فيه من أكثر الحجاج، أو الثالث عشر الذي هو النفر الثاني الذي ينفر فيه من كان يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 296

..........

______________________________

و الرمي في يومه.

و

مال إلى هذا القول صاحب الجواهر، و قد ذكر في آخر كلامه: «إن الإنصاف مع ذلك عدم إمكان إنكار ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر».

و يدل على مرامه روايات، مثل:

صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده «1».

و طرح الرواية باعتبار النهي عن صوم يوم التروية و يوم عرفة- كما اخترناه- لا ينافي لزوم العمل بها بالإضافة إلى ذيلها الذي هو محل البحث في المقام.

و صحيحة حماد التي جعلت في الوسائل و الكتب الفقهية روايتين، مع وضوح الوحدة، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة- يعني ليلة النفر- و يصبح صائما و يومين بعده و سبعة إذا رجع «2».

هذا و لكن يعارضها روايات، مثل:

صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، و لكن يقيم بمكة حتى

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثالث و الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 297

..........

______________________________

يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله. و ذكر حديث بديل بن ورقا «1».

و صحيحة ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد

اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له: أ فيها أيام التشريق؟ قال: لا و لكن يقيم بمكة حتى يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا «2».

و رواية إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: يصوم المتمتع قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فإن فاته ذلك و لم يكن عنده دم، صام إذا انقضت أيام التشريق يتسحر ليلة الحصبة، ثم يصبح صائما «3».

و الترجيح مع هذه الطائفة إما لأجل موافقتها للشهرة الفتوائية، و هي أول المرجحات في الخبرين المتعارضين، و إما لأجل أنه بعد التعارض و التساقط يرجع إلى حديث بديل الذي هو الأصل في هذه المسألة.

و الشاهد على دلالته على النهي عن صوم شي ء من الأيام الثلاثة في شي ء من أيام التشريق و لزوم كون الصوم واقعا بعدها، صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة «4» حيث إنه قد جمع فيها بين الصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك، و بين عدم جواز صوم أيام التشريق، مستدلا بأن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل و شرب فلا يصومنّ أحد. فإنه لا يكاد يتم إلّا مع كون المراد بالحصبة هو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 20.

(4) الوسائل: أبواب الذبح، الباب

الواحد و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 298

..........

______________________________

اليوم الذي انقضى قبله أيام التشريق.

و يرد على صاحب الجواهر ان جواز الصوم يوم النفر لا يجتمع مع النهي عن صوم أيام التشريق. و دعوى كون المحرم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى لا مطلقا- كما احتملها صاحب الجواهر- مدفوعة بأن لازم ذلك لغوية النهي، لأنه لا يتحقق مورد الإقامة بمنى أصلا. لأن الحجاج بين من ينفر يوم الثاني عشر- كما هو الغالب- و بين من ينفر يوم الثالث عشر- كما عليه جماعة منهم- فلا يتحقق مورد الإقامة بمنى حتى يصح النهي عن صيام أيام التشريق، و هل هو إلّا كالنهي عن صيام يوم الحادي عشر بعرفات، فإن هذا النهي لغو جدا، و الإقامة يوم الحادي عشر بمنى لا تصير وجها إلّا للنهي عن صيام خصوص ذلك اليوم بمنى، لا النهي عن صيام ثلاثة أيام التشريق به- كما هو ظاهر.

ثم إن المحكي عن الشيخ قدّس سرّه في الخلاف ان الأصحاب قالوا: يصبح ليلة الحصبة صائما و هي بعد انقضاء أيام التشريق. و عنه في المبسوط انه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع. و قد استظهر أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر. و لا شاهد عليه- خصوصا بعد تصريح بعض اللغويين بأنه يوم الرابع عشر- و قد احتمل في كشف اللثام أن يكون يفسر يوم الحصبة بيوم النفر و ليلتها بليلة النفر في صحيحتي حماد و العيص المتقدمتين من الراوي، كما أنه احتمل أن يكون المراد بليلة الحصبة هي الليلة الواقعة بعدها لا قبلها، كما في ليلة الخميس، و أن يكون المراد من صبيحة الحصبة في صحيحة عبد

الرحمن بن الحجاج هي اليوم الذي بعدها.

ثم إنه ذكر في مجمع البحرين في معنى لغة الحصبة: «إنّ الحصباء صغار الحصى، و في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 299

..........

______________________________

حديث قوم لوط فأوحى اللّٰه إلى السماء أن أحصبيهم- أي: أرميهم بالحصباء- و واحدها حصبة كقصبة. و في الحديث: فرقد رقدة بالمحصّب، و هو بضم الميم و تشديد الصاد موضع الجماد عند أهل اللغة، و المراد به هنا- كما نصّ عليه بعض شراح الحديث- الأبطح، إذ المحصب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصاؤه، و الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، و هذا الموضع تارة يسمى بالأبطح و اخرى بالمحصب،- إلى أن قال:- و ليس المراد بالمحصب موضع الجمار بمنى، و ذلك لأن السنّة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار و أول وقته بعد الزوال، و ليس له أن يلبث حتى يمسي، و قد صلى به النبي المغرب و العشاء الآخرة، و قد رقد به رقدة، فعلمنا أن المراد من المحصب ما ذكرناه» إلخ.

بقي الكلام في رواية رفاعة المشتملة على تفسير الحصبة بيوم نفره، على ما رواه الكليني عنه بسند ضعيف و غير المشتملة على التفسير المذكور على ما رواه الشيخ عنه بسند صحيح و حيث إنها مشتملة على التفصيل الذي لم يلتزم به أحد من الأصحاب، فلا مجال للأخذ بها مع أن التفسير المذكور واقع في نقل الكليني، و هو ضعيف.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا، ان مبدأ الصيام إنما هو بعد أيام التشريق و مقتضى الاحتياط أيضا ذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 300

[مسألة 20] في ما لو لم يصم يوم الثامن أيضا

مسألة 20- لو لم يصم يوم الثامن

أيضا أخّر الصيام إلى بعد الرجوع من منى فصام ثلاثة متوالية، و يجوز لمن لم يصم الثامن، الصوم في ذي الحجة و هو موسع له إلى آخره، و إن كان الأحوط المبادرة إليه بعد أيام التشريق (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فرعان:

الفرع الأول: ما لو لم يصم يوم الثامن أيضا كالسابع، سواء كان المنشأ هو عدم التمكن، أو كان هو العمد و الاختيار. فلا يجزيه الشروع من يوم عرفة و تأخير اليومين إلى بعد أيام التشريق، بل يتعين تأخير الثلاثة بأجمعها. و الوجه فيه انك عرفت أن القاعدة الأولية هي لزوم رعاية التوالي و التتابع في جميع الأيام الثلاثة خرج من هذه القاعدة مورد واحد، و هو ما لو صام الثامن و التاسع في خصوص صورة عدم التمكن من صوم السابع.

و من المحتمل قويا أن يكون للمورد خصوصية من جهة اليومين المخصوصين أولا، و من جهة التتابع بين اليومين ثانيا، و كلتا الجهتين مفقودتان في المقام، فلا يمكن أن يصار إليه إلّا مع الدليل، و هو غير موجود. و عليه فالظاهر لزوم التأخير أولا و رعاية التتابع في جميع الأيام ثانيا.

الفرع الثاني: أنه مع ترك الصيام قبل الأضحى يجوز التأخير بنحو الواجب الموسع إلى آخر ذي الحجة.

و الوجه فيه ان ظاهر الروايات الدالة على أن من فاته صيام الثلاثة قبل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 301

[مسألة 21] في جواز صوم الثلاثة في السفر

مسألة 21- يجوز صوم الثلاثة في السفر. و لا يجب قصد الإقامة في مكة للصيام، بل مع عدم المهلة للبقاء في مكة جاز الصوم في الطريق، و لو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة يجب الهدي يذبحه بنفسه أو نائبه في منى و

لا يفيده الصوم (1)

______________________________

الأضحى يصوم يوم الحصبة و يومين بعده، و إن كان لزوم المبادرة بعد الرجوع من منى، إلّا أن هناك رواية صحيحة دالة على جواز التأخير في صورة المشية. و هي ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر، فلا بأس بذلك «1».

و الجمع بينها و بين روايات الحصبة يقتضي الحمل على الاستحباب. كالجمع بين الروايات الظاهرة في تعين يوم قبل التروية و يومها و يوم عرفة، و بين ما دل على الجواز عند شروع ذي الحجة على ما عرفت. و منه يظهر أن الاحتياط في المتن استحبابي لا وجوبي لمسبوقيته بالفتوى بالتوسعة.

(1) تشتمل هذه المسألة على بيان حكمين:

الأول: جواز صوم الثلاثة في السفر، و عدم وجوب قصد الإقامة في مكة للصّيام. و يدل عليه صحيحة رفاعة المشتملة على سؤاله عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام بقول:

قلت يصوم و هو مسافر؟ قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا؟ إنّا أهل بيت نقول

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 302

[مسألة 23] في وجوب صيام سبعة أيام

مسألة 23- يجب صوم سبعة أيام بعد الرجوع من سفر الحج، و الأحوط كونها متوالية، و لا يجوز صيامها في مكة و لا في الطريق، نعم لو كان بناءه الإقامة في مكة جاز صيامها فيها بعد شهر من يوم القصد للجوار و الإقامة، بل جاز صيامها إذا مضى من يوم القصد مدة لو رجع وصل إلى وطنه، و لو أقام في غير مكة من سائر البلاد أو في الطريق لا

يجوز صيامها و لو مضى المقدار المتقدم، نعم لا يجب أن يكون الصيام في بلده، فلو رجع إلى بلده جاز له قصد الإقامة في مكان آخر لصيامها (1)

______________________________

ذلك لقول اللّٰه- عز و جل- فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ يقول في ذي الحجة «1». بل قد عرفت بعض الروايات الدالة على أنه إن لم يقم عليه جماله في مكة يجوز إيقاعها في الطريق. فلا إشكال في هذا الحكم.

الثاني: أنه لو لم يصم الثلاثة إلى تمام ذي الحجة ما ذا حكمه؟ و سيأتي في المسألة الخامسة و العشرين، إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) لا شبهة في أصل وجوب صوم سبعة أيام بعد الثلاثة لمن كان عاجزا عن الهدي و غير واجد له. و الظاهر بمقتضى الآية الدالة على أن الوجوب بعد الرجوع، إنّ قيد الرجوع لا يكون قيدا ترخيصيا راجعا إلى جواز تأخير صيام السبعة إلى بعد الرجوع. بل يكون قيدا دخيلا في الصحة- كظرفية الحج- بالإضافة إلى الثلاثة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 303

..........

______________________________

و ظاهر الآية الوقوع في سياقه و كون كلا القيدين دخيلين بنحو واحد.

كما ان الظاهر ان المراد من الرجوع في قوله تعالى: .. إِذٰا رَجَعْتُمْ .. «1» هو الرجوع إلى الأهل و الوطن لا الفراغ من أعمال الحج و لا الخروج من مكة سائرا في الطريق و لا بعد أيام التشريق- كما هو المحكي عن غيرنا.

و يدل على ما ذكرنا- مضافا إلى ظهور الآية فيه في نفسها- روايات متعددة، مثل:

صحيحة سليمان بن خالد المروية بطريقين، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال

يصوم ثلاثة أيام بمكة و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله «2».

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قال:

قلت: فإن فاته ذلك؟ قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فإن فاته ذلك؟ قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فإن لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق؟ قال: إن شاء صامها في الطريق و إن شاء إذا رجع إلى أهله «3». و غير ذلك من الروايات الدالة على هذا المعنى؟.

إذا ظهر لك ذلك، فالكلام يقع في أمور:

الأمر الأول: اعتبار التوالي في السبعة كالثلاثة على ما تقدم و عدمه. و المشهور هو العدم. بل عن المنتهى و التذكرة لا نعرف فيه خلافا، لكن المحكي عن ابن أبي

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون ح 7.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 304

..........

______________________________

عقيل و أبي الصلاح هو الوجوب.

و يدل للمشهور مضافا إلى أن مقتضى إطلاق الآية هو العدم، موثقة إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام اني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فزعت (نزعت) في حاجة إلى بغداد،: قال صمها ببغداد،: قلت: أفرقها؟

قال: نعم «1». و في السند محمد بن أسلم و ليس له توثيق خاص بل

توثيق عام في كتابي «كامل الزيارات» و «تفسير علي بن إبراهيم».

و الظاهر ان محط السؤال الأول و مورد نظر السائل هو كونه من أهل الكوفة، و لكنه اضطر الحاجة إلى الذهاب إلى بغداد، فأراد أن يصوم في بغداد مع كونه غير وطنه. فالجواب يرجع إلى الجواز و أنه لا مانع من الصوم ببغداد بعد تحقق الرجوع إلى الأهل بقدوم الكوفة.

و السؤال الثاني سؤال مستقل مرجعه إلى جواز التفريق في السبعة و عدمه كالثلاثة، فالجواب أيضا يرجع إلى الجواز و ثبوت الفرق بين الثلاثة و السبعة، و احتمال كون المراد هو التفريق في البلاد و الأمكنة، و أن السؤال إنما هو عن التفريق بالنسبة إلى مثل بغداد و الكوفة، و عليه فالحكم بالجواز لا يرتبط بالمقام خلاف الظاهر جدا. خصوصا بعد وضوح الفرق بين التفريق الزماني و التفريق المكاني في مثل المقام لاحتياج الثاني إلى التعرض للظرف المكاني دون الأول، فتدبر. و عليه فالرواية ظاهرة الدلالة على جواز التفريق هنا.

و استدل للوجوب برواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 305

..........

______________________________

سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة أ يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال:

يصوم الثلاثة «الأيام» لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا «1». و في السند محمد بن أحمد العلوي و هو مجهول الحال. لكن العلامة وصف بعض الروايات الواقع هو في سندها بالصحة. و تكفي هذه الشهادة بعد عدم ثبوت القدح بالإضافة إليه.

و أما الدلالة، فظاهر السؤال هو السؤال عن

جواز التفريق في الثلاثة مستقلا و في السبعة كذلك. و إن كان قوله عليه السّلام في ذيل الجواب: «و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا» ربما يؤيد كون السؤال عن الجميع، فتدبر.

و الجواب ظاهر في اعتبار التوالي و عدم جواز التفريق في كل من الثلاثة و السبعة مستقلا. لكن مقتضى الجمع الدلالي بينها و بين الموثقة هو الحمل على الكراهة، و يؤيده تكرار النهي عن التفريق في الثلاثة و السبعة مع عدم حاجة إليه ظاهرا، خصوصا مع الجمع بينهما في السؤال، فالتكرار لعله بملاحظة الاختلاف بينهما في عدم الجواز و ثبوت الكراهة.

و قد ظهر أنه لا مجال للفتوى باعتبار التوالي و لا للاحتياط الوجوبي الذي هو ظاهر المتن.

الأمر الثاني: أنه لا يجوز صيام السبعة في مكة و لا في الطريق، لما مر في صدر المسألة، من ظهور الآية في كون قيد الرجوع في السبعة إنما هو كقيد الحج في الثلاثة، و لازمة هو التعين.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 306

..........

______________________________

و قد استثنى منه مورد واحد، و هو ما لو كان بناءه على الإقامة في مكة و المجاورة فيها بعد الفراغ من تمامية الحج و قضاء المناسك. فإنه لا يجوز له الصيام المذكور في مكة بعد مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله و وطنه من حين قصد الإقامة و المجاورة. و في محكي الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا.

و الأصل في ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من كان متمتعا فلم يجد هديا

فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة و إن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، و إن كان له مقام بمكة و أراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام بعده «1».

و في صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر في المقيم إذا صام ثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده، فإذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام «2».

و ليس المراد هو العلم و الظن بدخول أهل بلده بحيث كان للدخول موضوعية.

بل المراد هو انتظار هذا المقدار و لو لم يصلوا إلى البلد لأجل مانع. و الصحيحة الأولى الدالة على كفاية مضي شهر أيضا تقيد إطلاق هذه الرواية.

و مثلها صحيحة أبي بصير المضمرة، قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم «بمكة» سنة. قال: فلينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام «3».

______________________________

(1) الوسائل: أورد صدره في الباب السابع و الأربعين، ح 4، و ذيله في الباب الخمسين، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخمسون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 307

..........

______________________________

و هذه الرواية تدل على أنه لا يعتبر في الإقامة قصد الإقامة الدائمية، بل يكفي قصد إقامة سنة- مثلا.

و مقتضى الجمع بين هذه الروايات اعتبار مضي شهر أو مقدار لو رجع لوصل إلى أهله. و ظاهر ذلك كفاية مضي أقل الزمانين و عدم لزوم انتظار أكثرهما.

نعم

مقتضى ما رواه الصدوق في المقنع عن معاوية، انه سأل الصادق عليه السّلام عن السبعة الأيام إذا أراد المقام فقال: يصومها إذا مضت أيام التشريق «1». هي كفاية مضي أيام التشريق. لكن اللازم تقييدها بالروايات المتقدمة- كما هو ظاهر.

و الظاهر أن المبدأ هو قصد الإقامة و المجاورة. لأن الترخيص إنما هو بالإضافة إلى المقيم، و هو لا يتحقق بدون القصد و الإرادة، كما أن الظاهر اختصاص الحكم بمكة و لا يشمل قصد الإقامة بالمدينة أيضا، فضلا عن غيرها. و إطلاق «المقام» في رواية الصدوق منصرف في نفسه إلى المقام بمكة، فضلا عن دلالة الروايات المتقدمة عليه.

الأمر الثالث: قد مرّ أنه لا يجوز صيام السبعة في سائر البلاد في غير مكة و لا في الطريق. فاعلم أنه لا يجب أن يكون الصيام في بلده بعد تحقق الرجوع إليه خارجا، بل يجوز له بعد الرجوع أن يسافر إلى بلد آخر و يصوم فيه بشرط قصد إقامة عشرة أيام فيه.

و الوجه فيه و إن كان ظاهر الآية لعله خلافه، و أن الواجب هو وقوع صيام السبعة في بلده، دلالة بعض الروايات عليه، مثل موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 308

[مسألة 24] في من قصد الإقامة في مكة في هذه الأيام

مسألة 24- من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة، فالظاهر جواز صيام السبعة بعد مضي مقدار الوصول معها إلى وطنه. و إن كان الأحوط خلافه. لكن لا يترك الاحتياط بعدم الجمع بين الثلاثة و السبعة (1).

______________________________

الظاهرة في جواز الصوم ببغداد بعد السفر إليه من الكوفة التي هي محله و وطنه ظاهرا. و لأجله صار

بصدد السؤال و الاستفهام عن الإمام عليه السّلام فلا إشكال في هذه الجهة أيضا.

نعم قد عرفت الفرق بين صيام الثلاثة و صيام السبعة من جهة جواز وقوع الاولى في السفر، مع عدم قصد الإقامة. لدلالة جملة من الروايات المتقدمة على أن الأفضل في هذا الصوم وقوع صيام اليوم الثالث في يوم عرفة. مع أن الحاج في ذلك الزمان كان مسافرا فيها. و أما السبعة فيعتبر فيها ما يعتبر في سائر الصيام الواجبة من اشتراط صحتها في السفر بكونه مقرونا بقصد إقامة عشرة أيام- كما لا يخفى.

(1) من قصد الإقامة في مكة هذه الأيام مع وسائل النقل الحديثة الموجبة لإمكان الرجوع إلى البلد في يوم واحد أو أقل، هل يجوز له صيام السبعة بعد مضي هذا المقدار فيجوز له الشروع في صيام السبعة بعد مضي يوم واحد- مثلا-؟ استظهر في المتن الجواز.

و الوجه فيه صدق عنوان «بقدر مسيره إلى أهله» الذي كان مختلفا في تلك الأيام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 309

[مسألة 25] في أنه هل يعتبر أن يكون صيام الثلاثة في مكة؟

مسألة 25- لو لم يتمكن من صوم ثلاثة أيام في مكة و رجع إلى أهله، فإن بقي شهر ذي الحجة صام فيه في محله. لكن يفصل بينها و بين السبعة، و لو مضى الشهر يجب الهدي يذبحه في منى و لو بالاستنابة (1).

______________________________

و الأزمنة أيضا بلحاظ الاختلاف في المراكب الموجودة فيها. فإن مقدار المسير إلى الأهل في هذه الأيام ربما يكون أقل من يوم واحد- كما إذا كان مركبة الطيارة مثلا بالنسبة إلى بعض البلاد- و لكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي خلافه. خصوصا بعد ملاحظة أن العدل الآخر هو مضي الشهر الذي لا يناسب التخيير بينه

و بين مضي يوم واحد- كما في المثال.

و أما عدم الجمع بين الثلاثة و السبعة، فسيأتي البحث عنه في المسألة الخامسة و العشرين الآتية، إن شاء اللّٰه تعالى.

(1) ينبغي قبل الورود في هذه المسألة، التعرض لجهة أخرى. و هي أنه هل يعتبر في صيام ثلاثة أيام في حال التمكن و الاختيار أن يكون مكانه مكة أم لا يعتبر، بل يجوز وقوعها في غيرها مثل الجدّة و غيرها بعد عدم قدح السفر فيه؟

قال بعض الأعلام قدّس سرّهم: لم أر من تعرض لذلك نفيا و إثباتا سوى شيخنا الأستاذ قدّس سرّه في مناسكه صرّح بعدم الاعتبار و أنه يصح مطلقا. نعم لا بد من وقوع صيامها في ذي الحجة و قبل الرجوع إلى بلاده. ثم استظهر نفسه من جملة من الروايات اعتبار صومها في مكة، و قال بعد الاستدلال بها: «لا قرينة لرفع اليد عن ظهورها، و لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 310

..........

______________________________

تصريح في الروايات بجواز الإتيان به في غير مكة» قال: «و لا ندري أن الأستاذ النائيني قدّس سرّه استند إلى أي شي ء؟».

و الروايات التي استظهر منها ذلك، منها:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة، و إن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله. الحديث «1».

و الظاهر أن المراد من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «فإن فاته ..» هو عدم الإتيان

بصيام الثلاثة في أيام التروية و عرفة- على ما تقدم- كما أن المراد بالصدر هو الرجوع بعد تمامية الأعمال إلى مكة. و مستند الظهور هو قوله «صام ثلاثة أيام بمكة» مع أنه من الواضح أنه لو كان إيقاعه في مكة واجبا لما كان وجه للتعليق على إرادة الإقامة في مكة بعد الرجوع إليها و أنه مخير بين إرادة المقام و عدمها. فالعبارة ظاهرة في الخلاف لا في اعتبار الوقوع في مكة- كما هو واضح.

و منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا، قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها، و سبعة إذا رجع إلى أهله. و ذكر حديث بديل بن ورقا «2».

و منها: صحيحة ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الأربعون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 311

..........

______________________________

هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له: أ فيها أيام التشريق؟ قال: لا، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة، فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. ثم ذكر حديث بديل بن ورقا «1».

هذا و الظاهر عدم ظهور الروايتين في اعتبار وقوع صوم الثلاثة في مكة و إن كان ربما يؤيده بادي النظر، و ذلك لأنه بعد ملاحظة

ما تقدم من أن الوقت الأصلي له ما يكون متضمنا و مشتملا على يوم عرفة الذي لا يكون الحاج فيه في مكة بل في عرفات، و الإتيان به بعد العود من منى إلى مكة- خصوصا بعد عدم كون أيام التشريق منها- يكون في المرتبة الثانية التي عبّر عنها بالفوت في الرواية المتقدمة، و بعد ملاحظة أن الحاج بعد العود إلى مكة لا يكون له حاجة إلى غيرها، بل تكون الإقامة فيها مقدمة للرجوع إلى الأهل و الوطن، لا يستفاد من ذكر عنوان «مكة» خصوصيته، و أنه يعتبر أن يقع صيام ثلاثة أيام في خصوص مكة، بحيث لم يجز وقوعها في غيرها و لو في حواليها.

و يؤيده عدم التعرض لهذه الجهة في كلمات الأصحاب في مقابل إطلاق الآية الشريفة، مع أنه لو كان لمكة خصوصية لكان اللازم التعرض له في الكلمات و الفتاوى، فالإنصاف أن القول بالاعتبار لا يكون له مستند واضح.

ثم إنه يقع الكلام بعد هذه الجهة في جهة أخرى قبل الورود في أصل المسألة. و هو إنه لو لم يتمكن من صيام الثلاثة في مكة، هل يكون مخيرا بين الإتيان به في الطريق و بين الإتيان به بعد الرجوع كصيام السبعة، أو يتعين الثاني؟

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 312

..........

______________________________

نسب الأول إلى المشهور، و يدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة آنفا، لظهورها في التخيير بين الصيام في الطريق و الصيام بعد الرجوع إلى الأهل، لكن في مقابلها روايتان صحيحتان:

إحديهما: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: الصوم الثلاثة الأيام، إن صامها فأخّرها يوم عرفة، و إن لم

يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في أهله و لا يصومها في السفر «1».

هذا و لكن مفادها مقطوع البطلان، لدلالة الروايات المتضافرة على جواز إيقاع صوم الثلاثة في السفر، سواء أتى به في الوقت الأول أو بعد الرجوع إلى مكة، ضرورة عدم اعتبار قصد إقامة العشرة في مكة، و لا مجال للنهي عن إيقاعه في السفر، و لو كان المراد من النهي هي الكراهة- كما لا يخفى.

ثانيتهما: صحيحة ابن مسكان المتقدمة «2» الظاهرة في تعين إتيانه بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يستطع المقام بمكة. لكن مقتضى الجمع الدلالي بينها و بين صحيحة معاوية بن عمار هو رفع اليد عن ظهور رواية ابن مسكان في التعين، لصراحة رواية معاوية في عدمه، فالأمر في هذه الرواية محمول على الوجوب التخييري، فلا يبقى إشكال من هذه الجهة.

و أما من جهة السند، فقد نقلها في الوسائل عن الشيخ الطوسي قدّس سرّه في بابين:

أحدهما: الباب الواحد و الخمسون من أبواب الذبح، بهذه الكيفية: محمد بن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السادس و الأربعون، ح 10.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الواحد و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 313

..........

______________________________

الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن ابن مسكان.

و ثانيهما: في الباب السادس و الأربعين من تلك الأبواب، بهذا النحو: محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن الحسين عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد و علي بن النعمان عن عبد اللّٰه بن مسكان عن سليمان بن خالد.

و عليه فتكون الرواية

رواية سليمان بن خالد، كما أنه على الأول تكون رواية عبد اللّٰه بن مسكان و حكى صاحب الجواهر قدّس سرّه عن كاشف اللثام أنه رواه عن ابن مسكان، و لكنه جعل نفسه مقتضى التدبر ان كون الخبر عن سليمان.

أقول: لا محيص على هذا التقدير عن القول بوقوع الخطأ و الاشتباه في السند الثاني، لوضوح عدم إمكان الجمع بين كون سليمان بن خالد راويا عن ابن مسكان، ما رواه ابن مسكان عن سليمان بن خالد حتى يرجع إلى كونه راويا عن نفسه مع الواسطة. فالأمر يدور بين كون الراوي عن الإمام عليه السّلام هو سليمان و بين كونه هو ابن مسكان، و مقتضى التتبع في الأسانيد ان ابن مسكان يروي عن سليمان و لا عكس.

فالحق حينئذ مع صاحب الجواهر قدّس سرّه.

إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أن لأصل المسألة صورتين:

الصورة الأولى: ما لو بقي شهر ذي الحجة، و لا إشكال فيها في لزوم الإتيان بالصيام فيه. لكن البحث في أنه هل يعتبر الفصل بين الثلاثة و بين السبعة أو لا يعتبر، بل يجوز الإتيان بالعشرة مع عدم الفصل؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 314

..........

______________________________

اختار صاحب الجواهر و تبعه المحقق النائيني قدّس سرّه الثاني. نظرا إلى أن الفصل يجب على من يصوم العشرة بمكة، كما في صورة قصد الإقامة و المجاورة. و أما من يصوم الجميع في البلد و الوطن الذي رجع إليه، فلا يجب عليه الفصل بوجه.

و العمدة في المقام معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة أ يصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة «الأيام» لا

يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا «1». و مورد السؤال مطلق صوم الثلاثة و السبعة أعم مما إذا أتى بهما في مكة بعد قصد المجاورة، و مما إذا رجع إلى الأهل و لم يأت بالثلاثة بعد. و دعوى الاختصاص بالأول- كما في الجواهر- ممنوعة جدا، لو لم نقل باحتمال الاختصاص بالثاني. و عليه فالرواية دالة على اعتبار الفصل في المقام.

لكن ظاهر مثل رواية ابن مسكان المتقدمة آنفا الدالة على أنه يصوم بعد الرجوع إلى الأهل عشرة أيام، عدم اعتبار الفصل. لكن رواية ابن جعفر صالحة للتقييد و الحمل على الفصل من دون تكلف.

نعم هنا رواية واحدة لا بد من علاجها، و هي رواية علي بن الفضل الواسطي، قال: سمعته يقول: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث، فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات، فإن لم يقدر و لم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق، أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الخامس و الخمسون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثاني و الخمسون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 315

..........

______________________________

و الرواية مضافا إلى الضعف و الإضمار يكون معرضا عنها لدى الجميع. إذ لم يقل أحد باعتبار التتابع بين الثلاثة و السبعة. لأن النزاع في اعتبار الفصل و عدمه دون التتابع و عدمه، فالرواية معرض عنها و لا مجال للحمل على الاستحباب أيضا لعدم القائل به، و حملها على التتابع في خصوص الثلاثة في غاية البعد. فالعمدة رواية علي بن جعفر الدالة على اعتبار الفصل مطلقا.

و

مما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده في الجواهر و فيما أفاده المتن من الحكم باعتبار عدم الفصل في المقام بنحو الفتوى و باعتباره في صورة الإقامة في مكة بنحو الاحتياط الوجوبي، لأنه لا مجال للتفكيك بوجه، فتدبر.

الصورة الثانية: ما لو مضى شهر ذي الحجة و لم يقع فيه صيام الثلاثة الذي يعتبر فيه الوقوع في ذي الحجة بمقتضى قوله تعالى فِي الْحَجِّ المفسر بذي الحجة في جملة من الروايات و في المتن يجب الهدي يذبحه في منى- و لو بالاستنابة- و قد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر، قال: بل في ظاهر المدارك و صريح المحكي عن الخلاف، الإجماع عليه بل عن بعض أنه نقله عن جماعة.

لكن في محكي النهاية و المبسوط: ان من لم يصم الثلاثة بمكة و لا بالطريق و رجع إلى بلده و كان متمكنا من الهدي بعث به، فإنه أفضل من الصوم. و مقتضى إطلاق كلامه جواز الإتيان بالصوم بعد مضي ذي الحجة أيضا. غاية الأمر ان الهدي أفضل منه، و احتمل السبزواري في الذخيرة اختصاص حكم السقوط بخصوص الناسي.

و مقتضاه أنه في غير الناسي لا يسقط الصوم.

و العمدة ملاحظة الطوائف المختلفة من الروايات التي يمكن أن يستفاد منها حكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 316

..........

______________________________

هذه الصورة، و هي ثلاث طوائف:

الأولى: ما تدل بإطلاقها على ثبوت الصوم بعد مضي ذي الحجة بعد الرجوع إلى الأهل كرواية ابن مسكان المتقدمة المشتملة على قوله: فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله. و غيرها من الروايات المتكثرة الدالة على ذلك. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ذي الحجة و غيره.

الثانية: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه

عليه السّلام قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة و ليس له صوم و يذبحه بمنى «1».

و المراد من عدم الصوم في ذي الحجة هو ترك الصوم المعهود الذي يجب إيقاعه فيه بمقتضى الآية و الرواية، و ليس هو إلّا صيام الثلاثة لمن كان عاجزا عن الهدي و غير واجد له. و مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم عن علم و عمد و بين كونه عن نسيان و بين كونه لأجل بعض الأعذار الأخر- كالحيض و النفاس- كما أن مقتضى إطلاقه أنه لا فرق بين كون ترك الصوم في مكة أو في الطريق أو بعد الرجوع إلى الأهل.

الثالثة: صحيحة عمران الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: يبعث بدم «2». و لأجل هذه الصحيحة احتمل السبزواري اختصاص الحكم بالسقوط بالناسي بعد حمل الصحيحة المتقدمة عليه أيضا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الأربعون، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب السابع و الأربعون، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 317

..........

______________________________

أقول: أما الإطلاقات، فالظاهر أنه لا مجال للاستدلال بها على المقام، بعد كونها واردة في مقام البيان من جهة أخرى، و هي أنه لا خصوصية لمكة و لا للطريق في صيام الثلاثة من جهة المكان. بل يجب عليه الإتيان به بعد الرجوع إلى الأهل إذا لم يأت أو لم يتمكن من الإتيان به في مكة و في الطريق.

و أما من جهة الزمان فلا تكون بصدد البيان من هذه الجهة أيضا حتى يصح

التمسك بها لوجوب الإتيان به بعد مضي ذي الحجة أيضا. خصوصا بعد ظهور الآية في اعتبار ظرفية الشهر المذكور و معهودية ذلك عند المتشرعة و الرواة. و عليه فلا بد من ملاحظة الصحيحتين فقط، لعدم ارتباط الإطلاقات المذكورة بالمقام. فنقول:

أما الصحيحة الأولى، فقد عرفت أن موردها مطلق يشمل جميع الصور و مفادها فوات وقت الصوم بخروج ذي الحجة و عدم الصيام فيه. و أما الصحيحة الثانية، فمورد السؤال فيها و إن كانت صورة النسيان، إلّا أنه لا دلالة لها على الاختصاص بهذه الصورة و النفي في غيرها. فلا تنافي الصحيحة الأولى المطلقة، و لا مجال في مثل ذلك لحمل المطلق على المقيد بعد عدم التنافي بينهما أصلا. و منه يظهر الخلل فيما مر من السبزواري. و عليه فاللازم الحكم بالسقوط و أنه يجب عليه أن يبعث بدم.

نعم يمكن أن يقال أن هذا البعث إنما هو لأجل الكفارة و لا يكون هديا. و الشاهد عليه ان الهدي أعم من الشاة، لأنه يمكن أن يكون إبلا أو بقرا. و هذا بخلاف الكفارة، فإنه يتعين أن تكون هي الشاة. و لكن الظاهر خلافه- خصوصا مع التعبير في صحيحة عمران الحلبي المتقدمة بدم لا بشاة- فالظاهر حينئذ هو ما أفيد في المتن، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 318

[مسألة 26- لو تمكن من الصوم و لم يصم حتى مات]

مسألة 26- لو تمكن من الصوم و لم يصم حتى مات يقضي عنه الثلاثة وليّه. و الأحوط قضاء السبعة أيضا (1).

______________________________

(1) في المسألة أقوال:

أحدهما: القول بعدم وجوب هذا القضاء على الولي مطلقا، بل استحبابه. و هو المحكي عن الصدوق رحمه اللّٰه.

ثانيها: القول بوجوب القضاء مطلقا الثلاثة و السبعة، و هو المحكي عن ابن إدريس و

أكثر المتأخرين، و جعله المحقق في الشرائع أشبه.

ثالثها: القول بالتفصيل بالوجوب في الثلاثة دون السبعة، و هو المحكي عن الشيخ و جماعة و ظاهر المحقق في الشرائع.

و قد ورد في المسألة مضافا إلى الروايات العامة الواردة في قضاء الولي مطلقا الدالة على أنه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، روايتان خاصتان صحيحتان و إن وصفت إحديهما بالحسنة لكنها صحيحة على المختار.

إحديهما: رواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة. ثم مات بعد ما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء «1».

ثانيتهما: رواية معاوية بن عمار، قال: من بات و لم يكن له هدي لمتعته، فليصم عنه وليه «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن و الأربعون، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب الثامن و الأربعون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 319

..........

______________________________

و التحقيق أن يقال:- بعد عدم قيام الدليل على اشتراك الثلاثة و السبعة في الحكم.

أما الثلاثة، فالظاهر وجوب القضاء على الولي بعد الموت و التمكن من الصوم و عدمه، و لو لأجل الجهل أو النسيان و أمثالهما. لدلالة الرواية الثانية عليه لظهور الأمر في الوجوب مضافا إلى الأدلة العامة، و لا ينافيه الرواية الأولى المعبرة بالنكرة مكان المعرف الظاهر في الإشارة إلى العهد الذكرى، لأنه مضافا إلى أن موردها صورة الصيام لا تكون النكرة المزبورة ظاهرا بالظهور العرفي المعتمد عليه، بل غايته عدم وجوب قضاء صيام السبعة دون الثلاثة، مع أن الموت بمجرد الرجوع إلى الأهل و عدم التمكن في غاية البعد.

و

منه تعرف الوجه في أن مقتضى الجمع بين الروايتين عدم وجوب صيام السبعة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 320

3- الحلق أو التقصير

اشارة

الثالث من واجبات منى: التقصير

[مسألة 27- يجب بعد الذبح، الحلق أو التقصير و يتخير بينهما]

مسألة 27- يجب بعد الذبح، الحلق أو التقصير و يتخير بينهما إلّا طوائف:

الاولى: النساء، فإن عليهن التقصير لا الحلق، فلو حلقن لا يجزيهن.

الثانية: الصرورة، أي الذي كان أول حجه، فإن عليه الحلق على الأحوط.

الثالثة: الملبد، و هو الذي ألزق شعره بشي ء لزج- كعسل أو صمغ- لدفع القمل و نحوه، فعليه الحلق على الأحوط.

الرابعة: من عقص شعره، أي: جمعه و لفه و عقده، فعليه الحلق على الأحوط.

الخامسة: الخنثى المشكل، فإنه إذا لم يكن من إحدى الثلاثة الأخيرة يجب عليه التقصير، و إلّا جمع بينه و بين الحلق على الأحوط (1)

______________________________

(1) التعبير عنه بالتقصير فيه مسامحة واضحة، بعد تعين الحلق على بعض الطوائف، و التخيير بينه و بين التقصير- كما هو أصل الحكم. نعم يستفاد من التعبير بالواجب أمران و أحدهما على سبيل المطابقة، هو الوجوب في مقابل الاستحباب الذي حكي عن الشيخ الطوسي قدّس سرّه في تفسير التبيان و عن الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان الذي هو خلاصة التبيان.

و الدليل على الوجوب مضافا إلى النصوص المستفيضة الآتية الواردة في أحكام فروع المسألة هو ارتكاز المتشرعة و ثبوت الوجوب عندهم كثبوت سائر أحكام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 321

..........

______________________________

منى. و ينبغي التعرض لبعض الروايات الدالة على الوجوب و الجزئية للحج، مثل:

صحيحة سعيد الأعرج، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام جعلت فداك، معنا نساء فأفيض بهن بليل، فقال: نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم؟ قلت: نعم، قال:

أفض بهنّ بليل و لا تفض بهن حتى تقف بهنّ بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فترمين الجمرة،

فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن و يمضين إلى مكة في وجوههن و يطفن بالبيت و يسعين بين الصفا و المروة، ثم يرجعن إلى البيت و يطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجهن. و قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أرسل معهن أسامة «1».

و قيام الدليل على عدم الجزئية في طواف النساء- كما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى- لا يلازم عدم الجزئية، بالإضافة إلى المقام- كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك، فالكلام يقع في الطوائف المذكورة، فنقول:

أما الطائفة الاولى: و هي النساء. فالظاهر تعين التقصير عليهن لا للإجماع المدعى- كما ادعاه العلامة- و لا لعدم وجدان الخلاف الذي ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه بل لأن العبادات المركبة لا بد في بيان أجزائها من مراجعة الدليل، خصوصا في باب الحج الذي لا تناسب بين أجزائه عندنا. فأيّة مناسبة بين الطواف الذي يقع حول البيت و بين الوقوف بعرفة مثلا؟

فاللازم الرجوع إلى الدليل و في موارد قيامه فإما أن نرى إلغاء الخصوصية كخصوصية الرجولية من قوله عليه السّلام: رجل شك بين الثلاث و الأربع مثلا، و إما أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الوقوف بالمشعر، الباب السابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 322

..........

______________________________

لا نرى إلغاء الخصوصية. و في المقام لم ينهض الدليل في النساء إلّا بالإضافة إلى التقصير. و لا مجال لإلغاء الخصوصية بعد كون شعر الرأس في النساء بمنزلة اللحية في الرجال.

و كيف كان ففي مرسلة عامية مذكورة في كتاب كنز العمال، إنه نهى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم عن أن تحلّق المرأة

رأسها، و لم يقع فيها التقييد بالحج و لا بالمصيبة الموجبة له، بل ظاهرها الإطلاق، و هو غير مفتى به.

و في رواية علي بن أبي حمزة عن أحدهما عليهما السّلام في حديث، قال: و تقصر المرأة و يحلّق الرجل و إن شاء قصّر إن كان قد حج قبل ذلك «1».

و الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ليس على النساء حلق و يجزيهن التقصير «2».

و رواية حماد و محمد عن جعفر بن محمد عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام في وصية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام قال: يا علي ليس على النساء جمعة- إلى أن قال:- و لا استلام الحجر و لا حلق «3». و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و أما الطائفة الثانية: و هي الصرورة، و قد احتاط فيها في المتن وجوبا بالحلق.

و لا بد من الكلام فيها في مقامين:

المقام الأول: في موضوعها. و يظهر من المتن تبعا للنصوص و الفتاوى أنه هو الذي أول حجة و لم يحج بعد، من دون فرق بين أن كان الحج الذي أتى به و تحقق منه هي حجة الإسلام، أم كان غيرها من الحج الاستيجاري و غيره.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثامن، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثامن، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثامن، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 323

..........

______________________________

نعم يظهر من بعض الروايات أنه هو الذي لم يأت بحجة الإسلام بعد. مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: على الصرورة أن يحلّق رأسه و لا يقصّر، إنما التقصير

لمن قد حج حجة الإسلام «1». لكنها ضعيفة على كلا الطريقين المنقولين.

فالظاهر حينئذ أن الصرورة مطلق من لم يحج، كما سيأتي التعبير عنه بذلك في الروايات.

المقام الثاني: في حكمها. فالمشهور التخيير. و لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط و ابن حمزة في الوسيلة تعين الحلق عليها. قال المحقق في الشرائع بعد الحكم باستحباب الحلق على الجميع، بتأكد الاستحباب في حق الصرورة. و لا بد من ملاحظة الأدلة.

فنقول: قال اللّٰه تعالى في الكتاب العزيز لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ .. «2» قال بعض الأعلام في مفاد الآية تبعا للأردبيلي قدّس سرّه في آيات أحكامه:

إن اللّٰه تعالى وعد المسلمين بأنهم يدخلون المسجد الحرام في حال كونهم بين محلق و مقصر. و هذا لا ينطبق إلّا على دخولهم المسجد الحرام بعد الفراغ عن مناسك منى في الحج، و حج المسلمين الذين حجوا مع النبي في تلك السنة كان حج صرورة إذ لم يحجوا قبل ذلك و مع ذلك. خيرهم اللّٰه بين الحلق و التقصير.

و من الواضح أن الحج مع النبي لم يكن إلّا في حجة الوداع لأن اللّٰه تعالى لما أرى

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب التاسع، ح 5.

(2) سورة الفتح، (48): 27.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 324

..........

______________________________

نبيه في المدينة بالمنام أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام، فأخبر بذلك أصحابه فانصرفوا إلى مكة لأداء العمرة المفردة في السنة السادسة من الهجرة، فلما وصل هو و أصحابه إلى الحديبية، منعهم المشركون من دخول مكة، و وقع بينهما الصلح- المعروف بصلح الحديبية- المتضمن لعدم دخول المسلمين في السنة المذكورة

إلى مكة و جواز أن يدخلوها في السنة القادمة، فلما كان ذو القعدة من السنة السابعة للهجرة، اعتمروا و دخلوا المسجد الحرام- كما هو مقتضى الصلح- و من الواضح أن العمرة سواء كانت عمرة التمتع أو عمرة مفردة ليس فيها الحلق. فلا بد من حمل الآية على الحج، و هي تدل على التخيير بين الحلق و التقصير. لأن المسلمين كلهم كانوا في ذلك الحج صرورة غير جائين بالحج.

و يرد عليه أن الآية و إن كانت تدل على مشروعية الحلق و التقصير، و أن لا تكون بصدد بيان الحكم في نفسه، إلّا أن دلالتها على أصل المشروعية ظاهرة لا ريب فيها، و ظاهرها و إن كان هو الجمع بين الأمرين مع أن من المقطوع فتوى عدمه.

فتحمل الآية على التبعيض و مشروعيته، إلّا أنه لم يقم دليل على أن المسلمين كانوا بأجمعهم في ذلك الحج صرورة، لأن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم نفسه غير صرورة قطعا، و دخوله في الآية و في مسجد الحرام مسلّم كتسلّم دخوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم في عنوان أهل البيت في آية التطهير. مع أن الالتزام بعدم إتيان المسلمين (أي: مسلمي المدينة) الحج رأسا مشكل، لعدم إمكان الالتزام بعدم إتيانهم الحج و لو قبل الإسلام. و ليس الصرورة إلّا من كان أول حجة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 325

..........

______________________________

خصوصا مع ملاحظة الرواية الصحيحة التي أوردها صاحب الجواهر في آخر بحث الحج، و تدل على أن هذا البيت يحج قبل آدم عليه السّلام بألفي عام. مع أن الالتزام بكون شأن نزول الآية هي حجة الوداع أيضا مشكل. خصوصا مع احتمال تحقق رؤية

النبي الرؤيا بعد الإحرام الذي شروعه في المدينة من مسجد الشجرة. فإن ظاهرها حينئذ الدخول في نفس الإحرام الذي أحرموا به لا في حجة الوداع التي يمكن أن يقال بعدم دلالة الآية على كون دخول مسجد الحرام في عامها، لعدم ذكر العام و ما يشابهه أصلا.

و كيف كان فالآية تدل على المشروعية. و لا مجال للالتزام بالجمع، فالتبعيض هنا متحقق. و لا يكون بلحاظ الرجال و النساء بعد عدم الإتيان بضمير النساء في مقصرين، فتأمل، كما عرفت أنه لا يكون بلحاظ الصرورة و غيرها.

فالإنصاف أن الاستفادة من الآية في مسألتنا هذه مشكل جدا. فلا بد من ملاحظة الروايات الواردة. فنقول: إن ما استدل به على تعين الحلق على الصرورة كثيرة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ينبغي للصرورة أن يحلّق و إن كان قد حج. فإن شاء قصّر و إن شاء حلّق، فإذا لبّد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق و ليس له التقصير. «1» و الرواية و إن كانت خالية عن الإشكال من جهة السند، إلّا أن ذيلها الوارد في من لبد شعره أو عقصه الدال على تعين الحلق عليه، قرينة على عدم كون المراد به ينبغي في الصدر هو التعين، و إن كان في نفسه محتملا لذلك،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 326

..........

______________________________

لاختلاف هذا التعبير في الروايات و في الفتاوي. فالإنصاف عدم دلالة الصحيحة على تعيّن الحلق على الصرورة.

و منها: رواية سويد القلاء عن أبي سعيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد و رجل حج بدوا

لم يحج قبلها و رجل عقص رأسه «1».

و الرواية و ان كانت ظاهرة الدلالة، إلّا في سندها- على ما في التهذيب- أبو سعد، و هو مجهول. و- على ما في الوسائل و محكي الوافي- أبو سعيد، و هو مردد بين قمّاط الثقة و المكاري الذي لم تثبت وثاقته. فلا يجوز الأخذ بها.

و منها: رواية مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال:

سألته عن رجل برأسه قروح، فلا يقدر على الحلق، قال: إن كان قد حج قبلها فليجز شعره، و إن كان لم يحج فلا بد له من الحلق. الحديث «2».

و الرواية و إن كانت معتبرة- كما يظهر من التعبير عن رواية مصدق بالموثقة على ما في كلام الشيخ الأنصاري قدّس سرّه- إلّا أنه لا يمكن الالتزام بمفادها و مدلولها، لأنها تدل على وجوب الحلق. بالإضافة إلى بعض من لا يقدر عليه المفروض في سؤال السائل. مع أن قاعدة نفي الحرج تنفي الوجوب في صورة الحرج و الشدة و المشقة. مع أن الحلق بالإضافة إلى من كان برأسه قروح مستلزم للإدماء الذي هو من محرمات الإحرام. فلا يمكن الالتزام بالرواية أصلا.

و منها: رواية علي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: على الصرورة أن يحلق

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 2.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 326

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 327

..........

______________________________

رأسه و لا يقصر، إنما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام «1».

و الرواية فيها الإشكال من ناحية السند و من جهة الدلالة معا.

أما من جهة السند، فالراوي عن أبي بصير هو علي، و هو إن كان علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المعروف- كما هو الظاهر- فلا يجوز الأخذ بروايته، و إن كان غيره الثقة فهو لم يثبت.

و أما من جهة الدلالة، فتدل أو تشعر بأن الصرورة هو خصوص من لم يحج حجة الإسلام، مع أن المراد به هو من لم يحج أصلا.

و منها: رواية بكر بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ليس للصرورة أن يقصر و عليه أن يحلّق «2».

و هي ضعيفة ببكر بن خالد، فلا يجوز الالتزام بها.

و منها: رواية سليمان بن مهران (في حديث) أنه قال لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج؟ قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين. ألا تسمع قول اللّٰه عز و جل: .. لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لٰا تَخٰافُونَ .. «3» «4».

و الرواية مضافا إلى اشتمالها على المجاهيل في السند غير ظاهرة الدلالة بعد وقوع التقصير في الآية أيضا، و إن كان أمرا غير ظاهر بخلاف الحلق- كما لا يخفى- فانقدح

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 10.

(3) سورة الفتح (48): 27.

(4) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 328

..........

______________________________

أن الظاهر في هذه الطائفة هو الحكم بالتخيير الذي أفتى به المشهور، و إن كان الحلق أفضل،

بل يكون استحبابه متأكدا- كما عرفت في عبارة الشرائع المتقدمة.

و أما الطائفة الثالثة و الرابعة: فهما الذكر الملبد و العاقص. و الدليل على حكمهما أيضا روايات. و إن كان المشهور قائلين بالتخيير فيهما أيضا.

منها: صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، بل في الطريق الآخر جعلها به في الوسائل الرواية الثامنة، و إن كان الظاهر اتحادها مع الرواية الأولى المذكورة في الباب. لكنها معها روايتان متعددتان على ما في الوسائل. و تبعه عليه بعض الكتب الفقهية، و متنها هكذا: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته، فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير. و إن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج، و ليس في المتعة إلّا التقصير» «1».

و منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة، فقد وجب عليه الحلق «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على تعين الحلق فيهما أو في أحدهما، و لعله قدّس سرّه لأجلها احتاط الماتن وجوبا بالحلق. و يمكن أن يقال: بأنه مع صحة أكثر الروايات الدالة على التعين، كيف ذهب المشهور إلى الخلاف و عدم التعين؟ و هل يعد ذلك إعراضا عن الرواية، قادحا في اعتبارها، و إن كانت من الصحة بمكان أو أن الفتوى على الخلاف لأجل الفهم و دركه و إن كان هذا بعيدا، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 8.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب السابع، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 329

..........

______________________________

و أما الطائفة الخامسة: فهو الخنثى المشكل الذي لا تعلم ذكورته و أنوثته إثباتا، و إن

كان بحسب الواقع أحدهما ثبوتا. بناء على عدم كونه طبيعة ثالثة. و قد ذكر في المتن أنه إن لم يكن من أحد الطوائف الثلاثة الأخيرة، فاللازم عليه الاحتياط بالتقصير، لأن في دوران الأمر بين التعيين و التخيير يكون مقتضى الاحتياط، الأخذ بالمعين الذي هو في المقام عبارة عن التقصير، لأن الخنثى غير الصرورة- مثلا- إما أن يكون التقصير متعينا عليه، بناء على كونه أنثى. و إما أن يكون مخيرا بينه و بين الحلق، بناء على كونه ذكورا. و المفروض أنه غير الطوائف الثلاث. فاللازم احتياطا هو الأخذ بالمعين و هو التقصير.

و على تقدير كونه من الطوائف الثلاث يكون مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين التقصير و بين الحلق احتياطا- كما في سائر الموارد.

و له علم آخر في هذه الصورة، و هو العلم بأنه إما أن يكون فعل الحلق عليه حراما أو تركه، و إما أن يكون فعل التقصير عليه حراما أو تركه. ففي كل من الأمرين يدور الأمر بين المحذورين. و إن كان الأمران بأجمعهما لا يدور الأمر فيهما بينهما لجواز و إمكان ترك الأمرين معا.

و حيث إن الحكم في مورد الدوران هي أصالة التخيير، فإذا اختار الحلق فالتقصير في الوهلة الثانية إما أن يكون محلا بناء على كونه أنثى، و إما أن يكون في حال الإحلال.

و إذا اختار الحلق في الوهلة الثانية، فإما أن يكون التقصير في المرتبة الأولى إزالة الشعر في حال الإحرام، و هي إما أن يكون محرما في حال الإحرام أو مع الكفارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 330

[مسألة 28] في ما يكفي في التقصير

مسألة 28- يكفي في التقصير قص شي ء من الشعر أو الظفر بكل آلة شاء. و الأولى

قص مقدار من الشعر و الظفر أيضا، و الأحوط لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه. و يجوز فيهما المباشرة و الإيكال إلى الغير.

و تجب فيهما النية بشرائطها ينوي بنفسه، و الأولى نية الغير أيضا مع الإيكال إليه (1).

______________________________

أيضا، و إما أن يكون محلا، فلا وجه لحرمة الحلق بعده.

(1) في هذه المسألة فروع و أحكام:

الأول: أن الواجب في باب التقصير هو صدق عنوانه، و الظاهر تحققه بما دون القبضة بل ما دون الأنملة، و لا يتوقف على صدق القبضة- كما ربما يحكى عن أبي علي- و لا على صدق الأنملة- كما لعله ربما يستظهر من عبارة الشرائع حيث قال:

و يجزيهن منه و لو مثل الأنملة كما في محكي القواعد و النافع و التهذيب و بعض الكتب الأخر أيضا- و لكن الظاهر- كما قلنا- كفاية المسمى و صدقه بما دونهما و عدم توقفه على شي ء منهما.

الثاني: أن الظاهر كفاية القص من الشعر أو الظفر، و لكن الجمع بينهما هو الأولى لظهور بعض الروايات في وجوب الجمع. لكن حيث إن الضرورة و الإجماع قائمان على عدم وجوب الجمع، فالظاهر هو الاستحباب- كما في صحيحة سعيد الأعرج.

الثالث: أنه تجوز فيهما المباشرة، و يجوز الإيكال إلى الغير، لعدم قدرة غالب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 331

..........

______________________________

الناس على الحلق مباشرة بخلاف التقصير. فالتخيير بين الأمرين مع ذلك ظاهر في عدم وجوب المباشرة، و جواز الإيكال إلى الغير.

و حيث إنهما من العبادات، و العبادة مفتقرة إلى النية فاللازم وجوب النية، بالمباشرة، و الأولى نية الغير أيضا مع الإيكال إليه. لكن الكلام في الذابح من جهة الإمكان يجزي في هذه الصورة أيضا في بعض الفروض.

الرابع: أن

الأحوط وجوبا لمن عليه الحلق أن يحلق جميع رأسه و لا يقتصر على البعض بأن يحلق بعض الرأس فقط. و إن كان الحلق يصدق عليه أيضا- كما في جانب التقصير- إلّا أن ظاهر الأدلة في الحلق هو الجميع- كما في الآية- و قام الدليل على الإجزاء بالبعض في التقصير، مضافا إلى استمرار السيرة و وجود أصالة الاشتغال، فالأحوط هو حلق الجميع، مع أنه لا يمكن في ناحية التقصير غالبا، و هو خلاف السيرة أيضا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 332

[مسألة 29] في إمرار الموسى على الرأس مع عدم الشعر

مسألة 29- لو تعين عليه الحلق و لم يكن على رأسه شعر، يكفي إمرار الموسى على رأسه، و يجزي عن الحلق. و لو تخير من لا شعر له بينه و بين التقصير، يتعين عليه التقصير و لو لم يكن له شعر حتى في الحاجب و الظفر، يكفي إمرار الموسى على رأسه (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أيضا فروع:

الفرع الأول: ما لو تعين عليه الحلق، و لم يكن على رأسه شعر، فمقتضى النص و الفتوى ثبوت البدل المجزي له عن الحلق، و هو إمرار الموسى على الرأس.

ففي رواية زرارة: إنّ رجلا من أهل خراسان قدم حاجا، و كان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبي، فاستفتي له أبا عبد اللّٰه عليه السّلام فأمر له أن يلبي عنه و أمرّ الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزي عنه «1». و الرواية ضعيفة السند.

و موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: سألته عن رجل حلّق قبل أن يذبح، قال: يذبح و يعيد الموسى، لأن اللّٰه تعالى يقول: .. وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .. «2» «3».

و رواية أبي

بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الحادي عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الحادي عشر، ح 2.

(3) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 333

[مسألة 30] في الإشكال في الاكتفاء بقصر العانة و الإبط

مسألة 30- الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط مشكل. و حلق اللحية لا يجزي عن التقصير و لا الحلق (1)

______________________________

يحلّق «1».

الفرع الثاني: ما لو تخير من لا شعر له بينه و بين التقصير. و الظاهر فيه تعين التقصير، لعدم ثبوت البدلية المطلقة لإمرار الموسى. و الضابطة الكلية أنه إذا تعذر أحد فردي الواجب التخييري يتعين الفرد الآخر المفروض في المقام مكانه، و هو التقصير.

الفرع الثالث: ما لو يكن له شعر حتى في الحاجب و لم يكن له ظفر. و في هذا الفرع أيضا يكفي الإمرار لعدم ثبوت القدرة لا على الحلق و لا على التقصير، فيتعين الرجوع إلى البدل المستفاد من الأدلة. فالظاهر هي كفاية الإمرار في هذا الفرع أيضا.

(1) أما الإشكال في الاكتفاء بقصر شعر العانة أو الإبط، فلأن الشعرين خارجان عند العرف. و إن كان يصدق عليهما الشعر.

و أمّا عدم إجزاء حلق اللحية عن التقصير فلأنهما- أي الحلق و التقصير- أمران متغايران عند العرف. مع أن الحلق لا بد و أن يكون متعلقا بالرأس. و لذا ورد في بعض الروايات المتقدمة إمرار الموسى على الرأس في مورد الأقرع الذي لا شعر

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الحادي عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 5، ص: 334

[مسألة 31] في زمان الحلق أو التقصير و مكانهما

مسألة 31- الأحوط أن يكون الحلق و التقصير في يوم العيد، و إن لا يبعد جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق و محلهما منى و لا يجوز اختيارا في غيره. و لو ترك فيه و نفر يجب عليه الرجوع إليه، من غير فرق بين العالم و الجاهل و الناسي و غيره. و لو لم يمكنه الرجوع حلق أو قصر في مكانه، و أرسل شعره إلى منى لو أمكن، و استحب دفنه مكان خيمته (1).

______________________________

لرأسه.

و أما عدم إجزاء حلق اللحية عن الحلق الواجب، فلأن حلق اللحية إما أن يكون حراما، و إما أن يكون مخالفا للاحتياط الوجوبي. و على كلا التقديرين لا يجتمع مع العبادية التي يتصف بها جزء العبادة أيضا، مضافا إلى بعض ما ذكر.

(1) وقع البحث في هذه المسألة في زمان الحلق أو التقصير و مكانهما.

أما الزمان: فالظاهر أن جميع مناسك منى الثلاثة لا بد و أن يقع يوم النحر، و هو ظاهر المحقق في الشرائع، بل لا خلاف ظاهرا في عدم جواز التقديم، إلّا لبعض الطوائف- كالنساء و الخائف- نعم لا دليل معتبرا و لا صريحا في لزوم الوقوع يوم النحر، و إن وقع التعبير في بعض الروايات به، إلّا أنه لا صراحة في اعتبار يوم النحر بحيث لو لم يفعلهما في يوم النحر لما تحقق الإجزاء. و لذا نفى البعد عن جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق.

و أما المكان: فالظاهر أنه منى. و أنه لا يجوز إيقاعهما اختيارا في غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 335

..........

______________________________

و الدليل على الأحكام المذكورة في المتن بعض الروايات و الفتاوى، مثل:

رواية الحلبي، قال: سألت أبا

عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: يرجع إلى منى حتى يلقى شعره بها، حلقا كان أو تقصيرا «1».

و رواية مسمع، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر، قال: يحلق في الطريق أو أين كان «2».

و رواية أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره و هو حاج حتى ارتحل عن منى، قال: ما يعجبني أن يلقي شعره إلّا بمنى، و قال: في قول اللّٰه عز و جل ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ .. «3» قال: هو الحلق و ما في جلد الإنسان «4».

و رواية أبي بصير التي رواها عنه علي بن أبي حمزة، قال: سألته عن رجل جهل أن يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى، قال: فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره أو يقصره و على الصرورة أن يحلق «5».

و غير ذلك من الروايات الواردة. فالحكم هو ما في المتن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 2.

(3) سورة الحج (22): 29.

(4) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 3.

(5) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الخامس، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 336

[مسألة 32] في ترتب أعمال منى

مسألة 32- الأحوط تأخير الحلق و التقصير عن الذبح و هو عن الرمي. فلو خالف الترتيب سهوا لا تجب الإعادة لتحصيله، و لا يبعد إلحاق الجاهل بالحكم بالساهي، و لو كان عن علم و عمد. فالأحوط تحصيله مع الإمكان (1).

______________________________

(1) يقع الكلام

في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في أصل اعتبار الترتيب بين أفعال منى و مناسكه في الجملة.

و الدليل عليه أمور:

الأول: استمرار سيرة المتشرعة على ذلك عملا و اعتقادا.

أما العمل، فنرى بالوجدان التزام الحجاج في يوم النحر بهذه الأعمال مترتبة الرمي و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير. أما الاعتقاد، فلما نرى في بعض الروايات الآتية مما يدل على مفروغية هذا الأمر عندهم. و أن سؤالهم متفرع على هذا الأمر الاعتقادي مع تقرير المعصوم عليه السّلام لهم بذلك، فانتظر.

الثاني: شهرة هذا الأمر بين الأصحاب. قال المحقق في الشرائع: و ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر، الرمي ثم الذبح ثم الحلق. و حكي ذلك عن النافع و القواعد و النهاية و المبسوط و الاستبصار، بل نسبه غير واحد إلى أكثر المتأخرين.

الثالث: الروايات الدالة على ذلك:

منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام: إذا ذبحت أضحيتك فاحلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 337

..........

______________________________

رأسك و اغتسل .. «1»

و الاشتمال على بعض المستحبات لا يقدح في الاستدلال بها على الوجوب فيما لم تدل قرينة على عدمه.

و منها: صحيحة سعيد الأعرج المتقدمة المشتملة على قوله عليه السّلام «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ..».

فإن القضية الشرطية و إن لم يكن لها مفهوم بحسب الظهور و القاعدة على ما بيناه في علم الأصول، إلّا أن دلالتها عليه في الجملة و مع القرينة مما لا مانع منه.

و بعبارة أخرى، العرف ربما يستفيد منها في بعض المقامات ذلك، مع أنه ليس الكلام في وجوب التقصير عليهن مطلقا، بل إنما هو في الترتب، فتدبر.

و منها: صحيحة جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد

اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أتاه الناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول اللّٰه إني حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم:

حلقت قبل أن أرمي فلم تركوا شيئا، كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال: لا حرج. «2»

و في رواية الشيخ و الصدوق ذلك، إلّا أنه قال: فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلّا أخّروه. و لا شيئا كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم: لا حرج.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 338

..........

______________________________

و الاشتمال على كلمة «لا ينبغي» لا دلالة له على أن المراد به نفي الاستحباب. لأنه مضافا إلى أن هذه الكلمة في الروايات و كلمات الأئمة عليهم السّلام تغاير ما هو المصطلح في كلمات الفقهاء من أن المراد به هو الاستحباب نفيا و إثباتا. أن في الرواية قرينة بل قرائن على الخلاف، كالتفصيل بين صورتي النسيان و غيره و كالرجوع إلى الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و الاستفتاء منه، و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «لا حرج» و غير ذلك من القرائن الدالة على ذلك. فالرواية تدل على أصل اعتبار الترتيب في الجملة.

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن علي، قال: لا يحلق رأسه و لا يزور حتى يضحي فليحلق رأسه و يزور متى شاء «1».

و

أورد على سندها بأن موسى بن القاسم عن علي، قال: لا يحلق رأسه و لا يزور حتى يضحي فليحلق رأسه و يزور متى شاء «2» و أورد على سندها بأن موسى القاسم لا يمكن له و لا يروي عن المعصوم عليه السّلام بلا واسطة، فلا يمكن تعقيب علي بقوله عليه السّلام كما في محكي استبصار الشيخ.

و إن كان المراد من علي غير المعصوم، بل علي بن جعفر أو غيره ممن يسمّى بعلي- كما في الوسائل و التهذيب و غيرهما- فالرواية تكون مقطوعة حينئذ.

و بالجملة فالأدلة على الترتيب كثيرة. و إن كان تجري المناقشة في بعض رواياته سندا أو دلالة، فتدبر.

و في قبال هذه الأدلة بعض الروايات التي ربما يستفاد من ظاهرها العدم، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن وهب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 9.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 339

..........

______________________________

جانب رحلك فقد بلغ الهدي محلّه، فإن أحببت أن تحلق فاحلق «1».

قال في الوسائل بعد نقل الرواية: و رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام قال: إذا اشتريت أضحيتك و وزنت ثمنها و صارت في رحلك. و ذكر مثله.

و رواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اشترى الرجل هديه و قمّطه في بيته

فقد بلغ محله، فإن شاء فليحلق. و قد عمل بعض الأصحاب كالشيخ بظاهره و مال إليه في الحدائق، فلم يعتبروا في جواز الحلق الذبح.

أقول: أما ما ورد في سنده علي بن أبي حمزة فهو غير واجد للحجية و الاعتبار، لضعف علي بن أبي حمزة البطائني المعروف. و أما ما لم يرد فيه هذا الشخص، بل ورد وهب بن حفص أو وهيب بن حفص فهو واجد لها لوثاقة وهيب، كما في نقل التهذيب بالوثاقة الخاصة، لتوثيق النجاشي إياه. و لوثاقة وهب، كما في الوسائل و غيره بالوثاقة العامة، لوقوعه في إسناد كتاب كامل الزيارات مع عدم قدح خاص بالإضافة له. فالرواية بهذه الكيفية معتبرة.

و لكن فيها إشعار بالآية الشريفة لاقتباسها منها، و هي قوله تعالى وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .. «2» و الظاهر أن هذا التعبير كناية عن تحقق الذبح. لأن المفروض فيها صورة الإحصار، و لا يكفي فيها مجرد وصول الهدي إلى منى الذي هو محله. و في التعابير الكنائية لا يلحظ المعنى الحقيقي. بل الملاك في الصدق

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 7.

(2) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 340

..........

______________________________

و الكذب فيها هو المعنى المراد و المقصود. فإذا قيل: زيد مهزول الفصيل، لا يلزم أن يكون له فصيل أم يكون فصيله مهزولا. بل الملاك هو الجود و عدمه.

و الظاهر أن المراد في الآية هو تحقق الذبح، بل لا بد بلحاظ الفتاوى و الحكم الوارد في المحصر ذلك.

و عليه فالرواية تدل على أن جواز الحلق إنما هو بعد الذبح، و إن كان السياق ربما ينافي ذلك. و عليه فلا

دلالة لها على عدم اعتبار الترتيب- كما لا يخفى.

المقام الثاني: في حكم مخالفة الترتيب. فاعلم أنها قد تكون عن سهو و نسيان، و قد تكون عن جهل بالحكم، و قد تكون مع العلم و العمد.

أمّا الساهي: فالحكم فيه الصحة. و يدل عليها قوله عليه السّلام في صحيحة جميل بن دراج: إلّا أن يكون ناسيا. حيث قال:

سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أتاه أناس من يوم النحر، فقال بعضهم:

يا رسول اللّٰه إني حلقت قبل أن أذبح، و قال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال: لا حرج «1».

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت، فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: لا بأس قد أجزأ عنه «2».

و غير ذلك من الروايات الدالة على الصحة، في صورة مخالفة الترتيب سهوا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 341

..........

______________________________

و أمّا الجاهل: فالحكم فيه أيضا الصحة. و يدل عليه صحيحة جميل بن دراج المتقدمة، فإنها و إن وردت في مورد النسيان و التعبير فيها يدل على الحصر، إلّا أن الظاهر ان المراد بالنسيان فيها ليس خصوص النسيان المقابل للجاهل و غيره، بل الأعم منه و من الجاهل. و السر فيه اشتراكهما في عدم العلم في حال العمل، مع أن الأناس الذين أتوا النبي

صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم للسؤال عن خلافهم، من البعيد أن يكون كلهم ناسين بالمعنى الاصطلاحي، بل الظاهر أن جلّهم بل كلهم كانوا جاهلين. و السر فيه مضافا إلى أنه كان في حجة الوداع التي هي أول حج المسلمين مع نبيهم و آخره، و إلى أن الحج لا يتحقق إلّا في الموسم و في كل عام مرة، أن ابتلاء الأناس بالنسيان مع أنه قلما يتحقق و يتفق في الخارج و لا يعرض إلّا لبعض الناس في بعض المواقع.

و لأجل ما ذكرنا لم يتحقق الاستفصال منه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أولا و استشهد الإمام عليه السّلام بما وقع في عصره صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ثانيا، مع أن السؤال منه عليه السّلام كان عن صورة النسيان. فالصحيحة تدل على حكم الجاهل أيضا. و إن لم يقع التعرض لحكمه بالخصوص في شي ء من الروايات- فلا يبعد إلحاقه بالناسي- كما في المتن.

و امّا العالم العامد: فالمعروف بينهم أيضا هو الإجزاء و الصحة، بل ربما ادعي الإجماع عليه نظرا إلى أن وجوب الترتيب تكليفي محض، و لا يترتب على مخالفته سوى المعصية و أحكامها، نظير ما ذكره بعض أساتيدنا في صلاة الجماعة، من أنّ وجوب متابعة المأموم للإمام لا يترتب على مخالفته بطلان الصلاة بل و لا بطلان الجماعة. لكن المحكي عن صاحب المدارك الخلاف. و أن الوجوب في الترتيب كوجوب سائر الأمور المعتبرة في المركبات العبادية شرطي أو جزئي. و قد تبعه في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 342

..........

______________________________

ذلك صاحب الحدائق و بعض آخر.

و قد استدل للمشهور بروايات، لا بد من النظر و الدقة فيها.

منها:

رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السّلام: جعلت فداك، ان رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر، و حلق قبل أن يذبح، فقال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين، فقالوا: يا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ذبحنا من قبل أن نرمي و حلقنا من قبل أن نذبح فلم يبق شي ء مما ينبغي أن يقدموه إلّا أخروه، و لا شي ء مما ينبغي أن يؤخروه إلّا قدموه، فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم: لا حرج و لا حرج «1». نظرا إلى عدم التعرض فيها لصورة النسيان- كما في صحيحة جميل.

و يرد عليها مضافا إلى أن الراوي عن ابن أبي نصر هو سهل بن زياد، و فيه كلام و اختلاف، انّ هذه لم تكن قصة اخرى قد وقع السؤال فيها عن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم بل هي بعينها نفس القصة المحكية في صحيحة جميل. و قد ظهر أن التعبير فيها إنما هو بأداة الحصر، و أنه لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا، فلا وجه للاستدلال بها على مطلق المخالفة، و إن كانت عن علم و عمد- كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لا بأس و ليس عليه شي ء و لا يعودن «2». نظرا إلى ترك الاستفصال و إطلاق الجواب.

و يرد على الاستدلال بها أن الحكم بأنه «ليس عليه شي ء» لا ينطبق و لا يشمل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب

الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الذبح، الباب التاسع و الثلاثون، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 343

[مسألة 33] في تقديم الطواف على الحلق أو التقصير عمدا

مسألة 33- يجب أن يكون الطواف و السعي بعد التقصير أو الحلق، فلو قدمهما عمدا يجب أن يرجع و يقصر أو يحلق، ثم يعيد الطواف و الصلاة و السعي و عليه شاة. و كذا لو قدم الطواف عمدا. و لا كفّارة في تقديم السعي، و إن وجبت الإعادة و تحصيل الترتيب، و لو قدمهما جهلا بالحكم أو نسيانا و سهوا فكذلك، إلّا في الكفارة فإنها ليست عليه (1).

______________________________

العالم العامد بوجه. فإن المعصية أقل ما تحققت و فيها وجوب التوبة، فالحكم بأنه «ليس عليه شي ء» لا ينطبق إلّا على الناسي و الجاهل، فمقتضى التأمل و القواعد هو ما ذكره صاحب المدارك و الحدائق. إلّا أن يكون إجماع على الخلاف. و الظاهر عدم تحققه، فيجب على العالم العامد العود لرعاية الترتيب مع إمكانه- كما في المتن.

(1) هذه المسألة، أي: لزوم الإعادة مطلقا لدى الإمكان في صورة العلم و العمد و كذا في صورة النسيان و الجهل بالحكم و إن كان مطابقا للمشهور، بل قال في الجواهر: لا أجد فيه خلافا، بل في محكي المدارك و غيره أيضا ذلك. إلّا أن الأدلة و الروايات لا تساعدها. لأن العمدة ثلاث روايات:

إحديها: صحيحة جميل بن دراج المتقدمة الحاكية لجريان حجة الوداع المشتملة على الجواب عن سؤاله الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، بقوله: «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا» مستشهدا بذلك الجريان، فإن قوله عليه السّلام «لا ينبغي» ظاهر في عدم الجواز الشرطي. و الاستثناء شاهد على أن مورده صورة العلم و العمد.

و الاستشهاد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 344

..........

______________________________

دليل على أن في صورة المستثنى لا تجب الإعادة أصلا.

ثانيتها: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة رميت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت البيت فطافت و سعت من الليل ما حالها؟ و ما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال: لا بأس به، يقصر و يطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحلّ من كل شي ء «1».

و الظاهر أن المراد من الطواف الأخير هو طواف النساء، بقرينة عمومية الإحلال من كل شي ء.

ثالثتها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: إن كان زار البيت قبل أن يحلق رأسه و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فإن عليه دم شاة «2».

و مقتضى الجمع بين الروايات أمور:

الأول: الالتزام بلزوم العود، رعاية للترتيب في خصوص صورة العلم و العمد، لدلالة صحيحة جميل على عدم لزوم العود في خصوص صورة النسيان الشاملة للجهل، بمقتضى ما ذكرناه آنفا، و صحيحة علي بن يقطين و إن كان مدلولها لزوم الإعادة مطلقا، إلّا أنها محمولة على خصوص صورة العلم و العمد، جمعا بين المطلق و المقيد.

الثاني: ثبوت الكفارة مع الشرطين: أحدهما: العلم و العمد. و ثانيهما: التقدم على الطواف- كما هو مقتضى صحيحة محمد بن مسلم، و لا دلالة لها على أزيد من ذلك-

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الرابع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 345

..........

______________________________

فتقديم السعي وحده لا يوجب الكفارة، و لو كان عن علم

و عمد.

الثالث: عدم ثبوت الكفارة على الناسي و الجاهل، لظهور صحيحة جميل في ذلك، و وجود القيد في كلام الإمام عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

و بعد ذلك يقع الكلام في أمرين:

الأول: أنه لم يتعرض الماتن لاعتبار الترتيب بين مناسك منى و الطواف و السعي فيما يتعلق بمناسك منى، مع أن الترتيب شرط الأمر المتأخر واقعا أو ذكريا. فهل يمكن أن يقال بأن الترتيب من شرائط صلاة الظهر، أم لا بد أن يقال بأنه من شرائط صلاة العصر؟

الثاني: أنه مع أن مقتضى الجمع بين الروايات ما ذكرنا من عدم لزوم العود حفظا للترتيب في صورة النسيان بالمعنى الذي تقدم الشامل للجاهل، كيف التزم المشهور بل ربما ادعي الإجماع- كما عرفت- على أن غير العالم و العامد يجب عليه العود بعد زوال النسيان و ارتفاع الجهل. خصوصا مع عدم تضيق وقت الطواف و السعي بعد أعمال منى و بقائه إلى آخر ذي الحجة الذي هو آخر أشهر الحج، فهل بعد ذلك إعراضا عن الرواية موجبا للقدح في اعتبارها و سقوطها عن الحجية، أم لا يعد ذلك إعراضا عن الرواية موجبا للقدح في اعتبارها و سقوطها عن الحجية، أم لا يعد ذلك إعراضا كذلك؟

الذي ينبغي أن يقال و يقتضيه التأمل في الكلمات و العبارات، إن تلك الروايات كانت بمرئي منهم و منظر، و لم يتحقق الإعراض عنها بوجه. غاية الأمر الاختلاف في الاستفادة منها. و فهم المراد منها فعن بعضهم حمل قوله: «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا» على مجرد الحكم التكليفي و أن النسيان موجب لزوال التكليف حكما، كما أنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 346

..........

______________________________

موجب لزوال العلم

موضوعا.

و حمل قوله صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم «لا حرج»- واحدا كما في صحيحة جميل، أو متعددا كما في بعض الروايات الأخر- على مجرد رفع الحرج من جهة الحكم التكليفي، من دون الدلالة على صحة حجهم رأسا. و أنت خبير بأن ذلك خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من الرواية جوابا و استشهادا، و حتى سؤالا من السائل لظهور كلها في الحكم الوضعي الراجع إلى الصحة و البطلان- كما في سائر الموارد و المقامات- و مراده صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من نفي الحرج أيضا ذلك، و إلّا كان اللازم عليه إيجاب الإعادة و بيانها مع كون الناس جاهلين، لئلا يكون حجهم غير مطابق للمأمور به.

و من الغريب أن صاحب الرياض قدّس سرّه حمل دليل وجوب الكفارة على الاستحباب. مع أن التعبير في دليلها مع التقييد بصورة العلم إنما هو بكلمة «عليه» لا بصيغة «افعل» المستعملة في الاستحباب كثيرا.

و لو نوقش في دلالة هذا التعبير على الوجوب، لجرت المناقشة في أصل دلالة آية وجوب الحج عليه، لرواية وجوب الصيام عليه. و غير ذلك من الموارد. و الغرض من ذلك كله عدم الاستيحاش من مخالفة المشهور، و حملها على الاعراض القادح.

بل إنما هي لأجل الاستفادة و فهم المراد من الرواية نوعا. نعم ربما يتفق الاعراض- كما في بعض المسائل الآتية- فلا وجه للحمل المذكور بوجه.

و عليه فمقتضى القاعدة في المقام ما ذكرنا. و لا يكون إجماع تعبدي كاشف على خلافه. بل لا بد من الالتزام بمفاد الروايات و الاستفادة منها على نحو يفهمه العرف، فتأمل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 347

[مسألة 34] في ما لو قصر أو حلق بعد الطواف أو السعي

مسألة 34- لو قصر أو حلق

بعد الطواف أو السعي، فالأحوط الإعادة لتحصيل الترتيب. و لو كان عليه الحلق عينا يمرّ الموسى على رأسه احتياطا (1).

______________________________

(1) الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة مع عدم كونه موجبا للتعدد، إنما هو في تحقق الحلق أو التقصير بعد الطواف أو السعي هنا، و عدم تحقق شي ء منهما في المسألة السابقة.

و يرد على الماتن قدّس سرّه ما أشرنا إليه من أن الترتيب على فرض اعتباره، إنما يكون شرطا للأمر المتأخر لا للأمر المتقدم- كما في الظهرين- فإنّ ترتب العصر على الظهر، يقتضي وقوع العصر بعد الظهر، و لا تكون صلاة الظهر مشروطا من هذه الناحية بشي ء. فإذا اقتصر الشخص على صلاة الظهر، و لو كان عن علم و عمد، لا يوجب ذلك بطلان صلاة الظهر بوجه، من جهة عدم وقوع العصر بعدها، بل غايته عدم صحة صلاة العصر في مورد عدم وقوعها متأخرة عن الظهر.

و عليه فالترتيب المعتبر في المقام على تقديره إنما هو بالإضافة إلى الطواف أو السعي. فإذا قدم شيئا منهما أو كليهما على الحلق و التقصير، ثم قصر أو حلق، يصير الطواف و ما بعده غير واجد للشرط الذي هو الترتيب، و لا يلزم الخلل فيهما لا في النية و لا في شي ء آخر، بل تلزم إعادة الطواف و السعي. و عليه فلا وجه لإعادة الحلق، و لو كان متعينا عليه، لأن يحصل الترتيب. و عليه فلا وجه للاحتياط بإمرار الموسى بعد عدم لزومه بوجه. و إنما هو أي: إمرار الموسى في موارد وجوب الحلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 348

[مسألة 35] في مدخلية الحلق أو التقصير في التحلل

مسألة 35- يحل للمحرم بعد الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير كل ما

حرّم عليه بالإحرام إلّا النساء و الطيب. و لا تبعد حلية الصيد أيضا. نعم يحرم الصيد في الحرم للمحرم و غيره لاحترامه (1).

______________________________

كذلك.

و الذي ينبغي أن يقال إنه كان ينبغي له ترك التعرض لهذه المسألة بعد المسألة المتقدمة، خصوصا مع ثبوت الفتوى أو الفتاوى هناك، و الانتقال إلى الاحتياط الوجوبي هنا. نعم الاحتياط في مسألة إمرار الموسى له وجه لو قيل بالتعدد، بناء على أن رواياته إنما وردت في مورد الحلق الابتدائي- على ما عرفت- و شمولها للحلق الثانوي محل إشكال، و إن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي- كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في هذه المسألة تارة في غير الصيد و اخرى فيه. فالكلام يقع في أمرين:

الأول: غير الصيد من محرمات الإحرام- من النساء و الطيب- فنقول: إن المشهور حكموا بتوقف حليته على آخر أعمال منى، و هو الحلق أو التقصير بعد وقوعهما بعدها. و عن الصدوقين حصول التحلل بمجرد الرمي الذي هو أول أعمال منى. و دليلهما فقه الرضا الذي لم يثبت كونه رواية، فضلا عن الصحة و الاعتبار. و قد ذكرنا هذه الجهة مرارا، و لذا لم يرو صاحب الوسائل عنه شيئا أصلا. و يدل على المشهور روايات كثيرة:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 349

..........

______________________________

فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و سعى بين الصفا و المروة، فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء، و إذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد «1» و الكلام الآن في

غير الصيد.

و الرواية ظاهرة في الترتب على الحلق بعد الذبح و مدخلية الحلق في الحلية المذكورة، و أن لا تكون للقضية الشرطية مفهوم- كما حققناه في محله الذي هو بحث المفاهيم من علم الأصول.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقربوا النساء و الطيب «2». و غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك.

و في مقابل هذه الروايات، روايتان:

إحديهما: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام إنه كان يقول:

إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شي ء حرم عليك إلّا النساء «3».

ثانيتهما: موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام جعلت فداك، رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة و لم يحلق، قال: لا بأس .. «4».

لكن هاتين الروايتين مهجورتان، و لم يقل بمفادهما حتى الصدوقين. لعدم قولهما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثالث عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الثالث عشر، ح 6.

(3) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 11.

(4) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 350

..........

______________________________

بتوقف الطيب على رمي الجمرة، و أنه يحل به. بل يقولان بعدم تحقق حليته به كالنساء المتوقفة حليتهن على طواف النساء عندنا بلا خلاف و لا إشكال- كما لا يخفى. و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

ثم إن هنا روايات أخر يوهم ظاهرها الخلاف، مثل:

صحيحة سعيد بن يسار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام

عن المتمتع، قال: إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال: نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلّا النساء رددها على مرتين أو ثلاثا، قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها، قال:

نعم، الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلّا النساء «1».

و الشيخ قدّس سرّه حملها على من حلق و زار البيت. و أنه لم ينقل مع كون النقل عن الكليني قبل أن يزور البيت. و هو و إن كان أضبط من الشيخ لكنه أفقه منه. و قد حكم في الدروس بأنه متروك.

و على أي حيث إنه لم يعلم أن ذلك قبل زيارة البيت لا يجوز العمل بها.

و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سئل ابن عباس هل كان رسول اللّٰه يتطيب قبل أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور «2».

و لكنها في مورد حج غير التمتع الذي لا يتوقف عليه الطيب على أمر بعد الحلق أو التقصير. لأنه لم يحج حج التمتع على ما مر مرارا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 7.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الرابع عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 351

..........

______________________________

و رواية يونس مولى علي (أي: علي بن يقطين و هو ثقة بلا كلام، كما أفيد) عن أبي أيوب الخزاز، قال: رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمشك (مسك خ ل) و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا «1».

و لكن ورودها في حج التمتع ممنوع

على نقل و كان متقنعا، و على التقدير الآخر حيث إنه مشكوك، فلا ينهض في مقابل الروايات الواردة في التمتع.

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: ولد لأبي الحسن عليه السّلام مولود بمنى، فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران، و كنا قد حلقنا، قال عبد الرحمن: فأكلت أنا و أبى الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه، و قالا: لم نزر البيت، فسمع أبو الحسن عليه السّلام كلامنا، فقال: لمصادف، و كان هو الرسول الذي جاءنا به: في أي شي ء كانوا يتكلمون؟ فقال:

أكل عبد الرحمن و أبي الآخران، فقالا: لم نزر البيت، فقال: أصاب عبد الرحمن. ثم قال: أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم، فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّٰه (أي عبد اللّٰه بن جعفر الأفطح ظاهرا) أن يأكل منه، فلما جاء أبي حرشه عليّ، فقال: يا أبه إن موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد، فقال: هو أفقه منك، أ ليس قد حلقتم رءوسكم؟ «2» و لكن الشيخ أيضا حمله على الحاج غير المتمتع الذي يحل عليه الطيب أيضا بمجرد الحلق أو التقصير؟.

و رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن المتمتع إذا حلق رأسه،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق و التقصير، الباب الرابع عشر، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 352

..........

______________________________

ما يحل له؟ فقال: كل شي ء إلّا النساء «1». و لكنها قابلة للتخصيص كما أفاده صاحب الجواهر.

الأمر الثاني: في الصيد. و هو على قسمين: لأنه تارة يكون إحراميا محرّما للمحرم سواء في الحرم أو في الحل. و اخرى حرميا يكون

محرّما في محدودة حرم اللّٰه تبارك و تعالى. سواء كان محرما أم لم يكن كذلك. و الكلام الآن في الصيد الإحرامي الذي حرّمه الإحرام. و أمّا الصيد الحرمي فالكلام فيه إنما هو في أحكام الحرم و لا تختص بالمحرم بوجه.

فنقول: مقتضى بعض الروايات الصحيحة و الفتاوى أن الصيد الإحرامي يتحقق التحلل من الحرمة الإحرامية الحاصلة بالإضافة إليه- كسائر محرمات الإحرام- بالحلق أو التقصير، و نفى عنه البعد في المتن أيضا، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه إلّا النساء و إذا طاف طواف النساء، فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلّا الصيد «2».

و حمل الصيد على الحرمي كما ادعى وضوحه صاحب الجواهر قدّس سرّه يدفعه أن الكلام في الرواية ليس في الصيد الحرمي بوجه، بل المراد هو الصيد الإحرامي الذي نشأت حرمته من الإحرام. مع أن لازمة كون الاستثناء منقطعا. و هو و إن لا يكون

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 8.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 353

..........

______________________________

محالا، إلّا أنه خلاف الظاهر، لا يصار إليه مع عدم وجود الدليل و القرينة على الخلاف.

كما أن حمل الصيد على الإحرامي ينافيه صدر الصحيحة الدال على عموم التحلل بالحلق أو التقصير ما عدي النساء و الطيب. و لأجل عدم الالتفات إلى الصدر ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم أنه

لا بد من الحمل على الصيد الإحرامي، مع أن لازمة التناقض في رواية واحدة.

فلا محيص إلّا عن الحمل على الصيد الحرمي، و إن كان خارجا عن سياق الرواية.

نعم هنا بعض الروايات الدالة على عدم حصول التحلل من الصيد الإحرامي، إلّا عند زوال الشمس من اليوم الثالث عشر الذي هو النفر الثاني، مثل:

صحيحة حماد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول. و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس.

و هو قول اللّٰه- عز و جل-: .. فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ .. لِمَنِ اتَّقىٰ .. «1»

قال: اتقى الصيد «2».

و رواية معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام من نفر في النفر الأول متى يحلّ له الصيد؟ قال: إذا زالت الشمس من اليوم الثالث «3».

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 3.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 354

..........

______________________________

و إن كان بينها اختلاف من جهة تفسير الاتقاء الوارد في الآية. و أن المراد به هو اتقاء الصيد فقط، أو اتقاء الرفث و الفسوق و الجدال و ما حرّم اللّٰه عليه في إحرامه، أو اتقاء اللّٰه- عز و جل- أو اتقاء الكبائر، و من الجهات الأخر أيضا.

و كيف كان، فإن كنّا نحن و الروايات فقط، لكان اللازم الحكم بتأخر تحقق التحلل عن الصيد الإحرامي إلى زوال اليوم الثالث عشر الذي هو النفر الثاني.

و لذا ذكر بعض الأعلام

قدّس سرّه بعد الإشارة إلى الروايات المتقدمة المعارضة بعد حمل رواية معاوية الأولى على الصيد الإحرامي أنه حيث لا قائل بمضمون هذه الروايات- أي الدالة على تأخر تحلل الصيد الإحرامي- حتى أن صاحب الجواهر قدّس سرّه قال: لم نجد أحدا أفتى بذلك من أصحابنا، بل و لا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك. فلذا يكون الحكم بالحرمة و عدم التحلل منه إلى الظهر من يوم الثالث عشر مبنيا على الاحتياط.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 355

[القول في ما يجب بعد أعمال منى]

اشارة

القول في ما يجب بعد أعمال منى و هو خمسة: طواف الحج و ركعتيه، و السعي بين الصفا و المروة، و طواف النساء و ركعتيه.

[مسألة 1- كيفية الطواف و الصلاة و السعي كطواف العمرة و ركعتيه]

مسألة 1- كيفية الطواف و الصلاة و السعي كطواف العمرة و ركعتيه و السعي فيها بعينها إلّا في النية، فتجب هاهنا نية ما يأتي به (1).

______________________________

(1) الواجب بعد أعمال منى خمسة مذكورة في المتن.

الأول و الثاني: طواف الحج المعروف بطواف الزيارة و زيارة البيت و الركعتان.

و التعبير عنهما بما في المتن إمّا بتقدير كلمة أعني و إمّا بجعل الواو بمعنى مع. و كلاهما خلاف الظاهر لا داعي إليه.

و هو بعينه كطواف العمرة و الركعتين. و لا اختلاف أصلا إلّا في مجرد النية. و إلّا فالكيفية و الكمية و الماهية و الحقيقة واحدة.

و الدليل على الوحدة أمور:

منها: ارتكاز المتشرعة و رؤيتهم الطواف و الركعتين في الحج و العمرة واحدا من دون اختلاف أصلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 356

[مسألة 2] في وقت طواف الحج

مسألة 2- يجوز بل يستحب بعد الفراغ عن أعمال منى، الرجوع يوم العيد إلى مكة للأعمال المذكورة، و يجوز التأخير إلى يوم الحادي عشر. و لا يبعد جوازه إلى آخر الشهر، فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه (1).

______________________________

و منها: الروايات الواردة في الفرق بين حج التمتع، بلحاظ كون العمرة جزءا منه، و بين حجي القران و الإفراد، بلحاظ كون العمرة خارجة منه. من جهة أن فيه ثلاثة أطواف و فيهما طوافان. فإن ظاهره أن الفرق إنما هو باعتبار العدد لا باعتبار الماهية و الحقيقة. و كذا الروايات الواردة في بيان الشروط و الخصوصيات من دون التعرض لشي ء من أنواع الأقسام الثلاثة للحج.

و منها: الرواية الخاصة، و هي صحيحة معاوية بن عمار المعروفة المفصلة الدالة على أنه: ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة- إلى أن قال:- ثم

اخرج إلى الصفا فاصعد عليه، و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة .. «1».

(1) في المسألة أقوال مختلفة بالإضافة إلى حج التمتع الذي نحن فيه.

الأول: ما حكي عن المشهور من عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر.

الثاني: ما ذهب إليه جماعة من جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق. و قد جعله صاحب الحدائق غاية ما يستفاد من الروايات، و نسب إلى المحقق- عليه الرحمة- لكنه ذكر في الشرائع: إذا قضى مناسكه يوم النحر، فالأفضل المضي إلى مكة للطواف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 357

..........

______________________________

و السعي ليومه، فإن أخره فمن غده. و يتأكد ذلك في حق المتمتع، فإن أخّر أثم و يجزيه طوافه و سعيه. و من المعلوم عدم مساعدة هذه العبارة للنسبة.

الثالث: ما عن جماعة منهم ابن إدريس و العلامة في المختلف و السيد صاحب المدارك و بعض الأعلام من جواز التأخير إلى طول ذي الحجة. لأن الحج أشهر معلومات، و آخر الأشهر ذو الحجة. فيجوز الإتيان بها حتى آخر يوم منه، و قد نفى عنه البعد في المتن.

و الروايات أيضا مختلفة، فمن بعضها يستفاد تعين يوم النحر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر «1».

بناء على دلالتها على التعين، لا إفادة أصل المشروعية- كما لا يخفى.

و يستفاد من بعضها جواز التأخير إلى ليلة الحادي عشر.

كما في صحيحة منصور بن حازم: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت «2». بناء على جواز تأخير المبيت إلى النصف الثاني من الليل- كما سيأتي.

و صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد

اللّٰه عليه السّلام قال: ينبغي أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، و لا يؤخر ذلك اليوم. «3»

و يستفاد من البعض جواز التأخير أزيد من ذلك.

كرواية الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل أخّر الزيارة إلى يوم

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 6.

(3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 358

..........

______________________________

النفر، قال: لا بأس و لا يحلّ له النساء حتى يزور البيت و يطوف طواف النساء «1».

و لكن في دلالته على الجواز في حج التمتع إشكال. و إطلاق النفر يشمل النفر الثاني الذي هو اليوم الثالث عشر.

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر. إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث و المعاريض «2».

و صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقرب النساء و الطيب «3».

و مثلها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس إن أخّرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق، إلّا أنك لا تقرب النساء و لا الطيب «4».

و اشتمالهما على النهي عن الطيب قبل طواف الزيارة دليل على أن المراد خصوص حج التمتع، لأنه في غيره يحل الطيب بمجرد تمامية أعمال منى و مناسكه.

نعم لا وجه لتخصيص الحكم بصورة النسيان بعد تعليله عليه السّلام بأنه ربما يؤخره

كذلك، و لا مجال لفرض النسيان في الإمام عليه السّلام كما أن ذهاب أيام التشريق يغاير كمالها و تمامها، و يصدق بمضي يوم أو أيام إلى آخر شهر ذي الحجة.

نعم هنا رواية أو روايتان لمعاوية بن عمار، أوردهما صاحب الوسائل في باب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 11.

(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 9.

(3) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 359

..........

______________________________

واحد بعنوان روايتين. و من المستبعد جدا التعدد، بعد كون الراوي واحدا، و المروي عنه و هو الامام المعصوم عليه السّلام أيضا كذلك، و مورد السؤال أيضا واحدا.

أحدهما: ما رواه الكليني عن علي عن أبيه، و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في زيارة البيت يوم النحر، قال: زره فإن شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، و لا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر، و موسع للمفرد أن يؤخره .. «1».

و ثانيهما: ما رواه الشيخ في الكتابين بإسناده عن موسى بن القاسم عن حماد بن عيسى و فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد و لا يؤخر، و المفرد و القارن ليس بسواء موسع عليهما «2».

و الرواية بالكيفية الثانية ظاهرة سؤالا و جوابا.

و أما بالكيفية الاولى فيحتمل أن يكون قوله «زره» بالذال المعجمة، كما رواه في الجواهر كذلك، و

إن كان يبعده عدم مناسبة هذا التعبير مع كون المفعول هو البيت لا محالة، كما ان قوله عليه السّلام زره لا يناسب الجواب إلّا بعد كونه أمرا في مقام توهم الخطر، و هو أيضا بعيد، بعد كون الأفضل أو المتعين الإتيان بها يوم العيد. كما أن قوله «من يومك» لا يعرف المراد به هل المراد من اليوم يوم النحر، أو اليوم الحادي عشر الذي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 360

..........

______________________________

لا تعين فيه من جهة اليومية؟

نعم لا يكون المراد من الكراهة هي الكراهة المصطلحة في مقابل الحرمة، بل الأغم منها و من الحرمة.

و كيف كان فالرواية بهذه الكيفية مشكلة جدا.

و التحقيق في مقام الجمع بين الروايات من جهة تصريح بعضها بجواز التأخير عن اليوم الحادي عشر، من دون أن يكون هناك إثم، فضلا عن عدم الإجزاء، و من جهة تصريح بعضها بحكم استحباب التعجيل، و أنها عبارة عن مخافة الأحداث و المعاريض، و من جهة دلالة بعضها على أن الإمام عليه السّلام ربما يؤخره عامدا اختيارا، هو ما نفى عنه البعد في المتن من الجواز طول ذي الحجة حتى آخر يوم منه، لقوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ .. «1» و آخرها آخر ذي الحجة، و إن كان الأفضل التعجيل- كما لا يخفى.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 361

[مسألة 3] في عدم جواز تقديم المناسك الخمسة على منى

مسألة 3- لا يجوز تقديم المناسك الخمسة المتقدمة على الوقوف بعرفات و المشعر و مناسك منى اختيارا، و يجوز التقديم لطوائف:

الاولى: النساء إذا خفن عروض الحيض أو

النفاس عليهن بعد الرجوع، و لم تتمكن من البقاء إلى الطهر.

الثانية: الرجال و النساء إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع لكثرة الزحام أو عجزوا عن الرجوع إلى مكة.

الثالثة: المرضي إذا عجزوا عن الطواف بعد الرجوع للازدحام أو خافوا منه.

الرابع: من يعلم أنه لا يتمكن من الأعمال إلى آخر ذي الحجة (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في أنه هل يجوز للمتمتع تقديم المناسك الخمسة أو بعضها على الوقوفين أو الوقوف بعرفات فقط أو الوقوف بالمشعر كذلك أو مناسك منى، كما يجوز للقارن و المفرد، أم لا يجوز للمتمتع التقديم اختيارا؟

المشهور بين الفقهاء هو الثاني. و ذكر في الجواهر: أن الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر عن الفاضلين نسبته إلى إجماع العلماء كافة، لكن السيد صاحب المدارك استقرب الجواز مطلقا، و توقف فيه صاحب الحدائق.

و الروايات في هذا المجال مختلفة، فمن طائفة منها يستفاد الجواز، بل عدم ثبوت الأفضلية للتأخير أيضا، مثل:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 362

..........

______________________________

الرواية الصحيحة التي رواها محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي الحسن عليه السّلام في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال: هما سواء، أخّر ذلك أو قدمه، يعني المتمتع «1».

و لو لم يكن مراده خصوص المتمتع باعتبار نفس السؤال، فإن القارن و المفرد لا إشكال في جواز تقديمهما، لكان مقتضى إطلاق السؤال و ترك الاستفصال في الجواب، هو الشمول لحج التمتع، خصوصا بعد أفضليته من سائر أنواع الحج.

و صحيحة ابن بكير و جميل جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه و سعيه

في الحج، فقال: هما سيان قدمت أو أخرت «2».

و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يتمتع ثم يحلّ (يهلّ ظ) بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى، قال لا بأس «3».

و قد روى عبد الرحمن مثله عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام إلّا أنه قال عليه السّلام لا بأس به «4».

و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنه من المستبعد جدا ان عبد الرحمن يروي لصفوان تارة بلا واسطة عن موسى بن جعفر عليه السّلام و اخرى مع واسطة علي بن يقطين، فذكر علي بن يقطين في إحدى الروايتين زائد، أو ناقص في الخبر الآخر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب أقسام الحج الباب الثالث عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 363

..........

______________________________

و يرفع الاستبعاد، ان المطلب المنقول عن إحدى الشخصيات سيما مثل الإمام عليه السّلام خصوصا إذا كان المطلب مخالفا للفتاوى- كما في المقام- يكون الإنسان طالبا للسؤال عنه، لترتفع الشبهة و يزول الإبهام بالمرة، و عليه فذكر علي بن يقطين لا يكون زائدا و لا ناقصا في الخبر الآخر، بل التعدد باق بحاله من دون أن يكون موجب للوحدة.

لكن بإزاء هذه الروايات، روايات اخرى، ظاهرة في عدم كون الجواز بنحو الإطلاق، بل له قيد. فلا يكون المتمتع مختارا في جواز التقديم على الوقوف بعرفات.

منها: صحيحة حماد و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا بأس بتعجيل

الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض، قبل أن تخرج إلى منى «1».

و ذكر «قبل الخروج إلى منى» إما باعتبار ثبوت المناسك المتعددة لها و استمرار أيامها و لياليها نسبة، فيخرج الوقوفان بهذا اللحاظ مع كونهما مقصودين. و إما باعتبار ثبوت الاستحباب لبيتوتة فيها ليلة عرفة قبل الوقوف بعرفات.

و عليه فالمراد قبل الخروج من مكة إلى منى، ليلة عرفة. و نحن و إن لم نقل بثبوت المفهوم حتى القضية الشرطية الواقعة في رأس المفاهيم، إلّا إنا نقول بمدخلية القيد الراجعة إلى عدم ثبوت الحكم للمطلق، خصوصا إذا كان القيد في كلام الإمام عليه السّلام العارف بالعربية و الأدبية جدا.

فإذا قال «في الغنم السائمة زكاة» يستفاد عدم ثبوت الزكاة لمطلق الغنم. و إلّا كان ذكر القيد لغوا لا يترتب عليه أثر. و أمّا كون العلة المنحصرة لثبوت الزكاة هو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 364

..........

______________________________

السوم، على ما هو مقتضى المفهوم، فلا نقول به في شي ء من القضايا. ففرق بين القول بمدخلية القيد و بين القول بثبوت المفهوم- كما لا يخفى.

و عليه فيستفاد من الصحيحة أن الحكم بجواز تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، لا يكون ثابتا بنحو الإطلاق.

و منها: خبر إسماعيل بن عبد الخالق، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: لا بأس أن يعجّل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج، قبل أن يخرج إلى منى «1».

و منها: موثقة إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى، فقال:

نعم من كان هكذا يعجّل .. «2».

فإن قوله عليه السّلام يفيد أنّ جواز التعجيل منحصر بموارد مخصوصة، و لا يكون ثابتا على نحو الإطلاق، و إلّا لا يبقى لقوله عليه السّلام «من كان هكذا» مجال أصلا، مضافا إلى أن نفس السؤال قرينة على عدم الثبوت بنحو الإطلاق.

و منها: ما رواه في الوسائل في أبواب الطواف في بابين هكذا: الشيخ بإسناده عن موسى ابن القاسم عن صفوان بن يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج، ففرغت من طواف العمرة، فخافت الطمث قبل يوم النحر، أ يصلح لها أن يعجل طوافها طواف الحج، قبل أن تأتي منى؟ قال: إذا خافت

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثالث عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 365

..........

______________________________

أن تضطر إلى ذلك، فعلت «1».

و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم: أن في العبارة سقطا. و الصحيح صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق، لأن صفوان بن يحيى الأزرق لا وجود له في الرواة، و يحيى الأزرق و إن كان مرددا بين الثقة و الضعيف، لكنه ينصرف إلى الثقة لاشتهاره.

أقول: إذا كانت لفظة «ابن» غلطا و محرفا عن «عن» كما في بعض نسخ التهذيب، يرتفع الاشكال، خصوصا بعد عدم وجود مثل ذلك في الرواة، و عدم اقتصار مثل صفوان إلى ذكر أبيه أصلا.

و مثلها: ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد اللّٰه عن أحمد بن محمد (محمد بن عيسى خ ل) عن الحسن بن علي عن أبيه، قال: سمعت أبا الحسن الأول عليه السّلام يقول: لا بأس بتعجيل طواف الحج

و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، و كذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف و يودع البيت، ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفا «2».

و منها: رواية علي بن حمزة- البطائني الكذاب المعروف- قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل يدخل مكة و معه نساء، قد أمرهن فمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، فخشي على بعضهن الحيض، فقال: إذا فرغن من متعتهن و أحللن، فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض، فيأمرها فتغتسل و تهلّ بالحج من مكانها، ثم تطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن حدث بها شي ء قضت بقية المناسك و هي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 366

..........

______________________________

طامث .. «1».

و التحقيق في مقام الجمع بين الروايات أن يقال: إمّا أن تكون الروايات من باب حمل المطلق على المقيد بأن يكون ما يدل على الجواز مطلقا، و ما يدل على عدمه مقيدا بصورة عدم الاضطرار، فيحمل الاولى على الثانية، كما ربما يظهر من الشيخ و من صاحب الجواهر قدّس سرّهما.

و عليه فالمقام يكون خارجا عن موضوع أدلة المتعارضين، كالمقبولة و نحوها- لأن موضوعها الخبران المختلفان أو المتعارضان- و الجمع بين المطلق و المقيد بحمل الأول على الثاني على ما هو المفروض فعلا، جمع دلالي خارج عن موضوع التعارض في مقام التقنين العقلائي، و إن كان داخلا فيه منطقا، لأن نقيض الموجبة الكلية هي السالبة الجزئية، و نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية، و المطلق و المقيد

بهذا اللحاظ من المتعارضين- كما أن العام و الخاص أيضا كذلك- و التحقيق موكول إلى محله في المباحث الأصولية.

و إمّا أن يقال بثبوت التعارض و لزوم الرجوع إلى المرجحات و إعمال قواعد باب التعارض.

و الوجه فيه عدم التعبير في أخبار الجواز بالجواز و أشباهه، بل التعبير بقوله عليه السّلام:

«هما سيان قدمت أو أخرت» الظاهر في التسوية حتى في مقام الفضيلة. و التعبير في أخبار الضرورة بقوله: «لا بأس» مع دلالتها على عدم كون نفي البأس ثابتا بنحو الإطلاق. بل مع وجود القيد- كما عرفت تقريبه- غاية الأمر عدم ثبوت دلالة لها

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الستون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 367

..........

______________________________

على المفهوم، كما أشار إليه صاحب المدارك الذي حكي عنه فقط القول بالجواز مطلقا.

و عليه فالطائفتان متعارضتان، و الترجيح مع أخبار الضرورة، لأن أول المرجحات على ما استفدنا من المقبولة، هي الشهرة الفتوائية، و من المعلوم أن التفصيل موافق للشهرة إن لم نقل بالإجماع، و إن رفعنا اليد عن هذا المرجح تصل النوبة إلى موافقة الكتاب الذي هو أعم من السنة، لا مقابلا لها.

و من الواضح أيضا أن السنة القولية و العملية قامت على التأخير، سيما صحيحة سعيد الأعرج التي أشرنا إليها سابقا، حيث قال الصادق عليه السّلام فيها: «فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن و يمضين إلى مكة في وجوههن فيطفن بالبيت ..»

فالظاهر حينئذ هو ما اختاره في المتن من عدم الجواز اختيارا.

المقام الثاني: أنه بعد ما ثبت عدم جواز التقديم للمتمتع في حال الاختيار و عدم الاضطرار، يقع الكلام في الطوائف الذين يجوز لهم التقديم،

فنقول:

قد ذكر الماتن قدّس سرّه أربع طوائف في هذا المقام، و الروايات المتقدمة لا دلالة لها على بعضها بالخصوص، لكن المستفاد منها- و لو بمعونة تناسب الحكم و الموضوع- أن الجامع لهذه الطوائف يجوز له التقديم:

و هو من لم يتمكن تكوينا أو تشريعا من الطواف الصحيح بعد العود و الرجوع عن منى إلى مكة، إما لكون الطائف امرأة تخاف الحيض و الطهارة شرط للطواف، و إما لوجود الهرم و الشيخوخة التي لا تجتمع عرفا مع إمكان الطواف لوجود

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 368

..........

______________________________

الزحام، و إما لوجود المرض كذلك، و إما لأنه لا يتمكن من الرجوع إلى مكة أصلا، لأن الجمال لا يقيم، أو لثبوت العدو له في مكة، و إمّا لجهة أخرى.

و قد ذكرنا عدم ثبوت المفهوم حتى للقضية الشرطية- فضلا عن المقام- و أن ذكر القيد دليل على عدم ثبوت الحكم للمطلق. و من الممكن قيام قيد مقام آخر. فإذا قال: إن جاءك زيد فأكرمه، فهو دليل على أن وجوب الإكرام لم يترتب على صرف وجود زيد، بل يفتقر إلى قيد، و لو كان ذلك القيد هو تسليمه الثابت بدليل آخر.

كما لا يخفى.

نعم في خصوص الطائفة الرابعة كلام، يأتي في ذيل المسألة الرابعة.

بقي الكلام في أمرين:

أحدهما: أن المشهور عطفوا السعي على الطواف، و حكموا بجواز تقديمه في موارد جواز تقديم الطواف. مع أن السعي يغاير الطواف من جهة عدم ثبوت الزحام فيه نوعا، و إن كان الزحام موجودا في هذه الأزمنة و من جهة عدم اشتراط الطهارة فيه، و عدم كون المسعى من أبعاض المسجد الحرام، و عدم كون السعي بنفسه من المستحبات. بخلاف الطواف الذي يستحب،

بل الإكثار و التعدد فيه أيضا كذلك.

و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّهم ما حاصله أن ما ذكروه إنما يتم بناء على كون الجمع بين الأخبار بنحو المطلق و المقيد. لأنه حينئذ تتقيد الأخبار المجوزة مطلقا بصورة الاضطرار، و يحكم بالجواز فيها، و فيها جواز تقديم السعي أيضا. و أمّا إذا قلنا بثبوت التعارض و ترجيح الأخبار المانعة، فلا دليل على جواز تقديم السعي. لأن المذكور في الأخبار خصوص الطواف.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 369

..........

______________________________

ثانيهما: أن المستفاد من المتن جواز تقديم طواف النساء أيضا. و قد صرح به العلامة و بعض آخر، بل في كشف اللثام أنه المشهور. لعموم ما تقدم و لرواية أبي الحسن عليه السّلام المتقدمة التي وصفها صاحب الجواهر بالصحة أو انجبار ضعفها.

لكن المحكي عن الحلي عدم الجواز لاتساع وقته، باعتبار عدم كونه من أجزاء الحج أصلا، حتى يشمله قوله تعالى الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ .. «1» و الرخصة في الاستنابة فيه.

و خصوص رواية علي بن أبي حمزة- التي تقدم نقل بعضها، و الباقي قوله-: فقلت أ ليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى، قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن يقيم عليها و الرفقة، قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر و تقضي مناسكها.

لكن- مضافا إلى الإشكال في الرواية سندا، بل و دلالة- هنا رواية صحيحة أخرى، تدل على تمامية حجها و إن لم تأت بطواف النساء.

و هي رواية أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، قال:

كنت عند أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إذ دخل عليه رجل، فقال: أصلحك اللّٰه، إن معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء، فأبى الجمال أن يقيم عليها، قال: فأطرق و هو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 370

[مسألة 4] في ما لو انكشف الخلاف

مسألة 4- لو انكشف الخلاف فيما عدا الأخيرة، كما لو لم يتفق الحيض و النفاس أو سلم المريض أو لم يكن الازدحام بما يخاف منه، لا تجب عليهم إعادة مناسكهم، و إن كان أحوط. و أمّا الطائفة الأخيرة فإن كان منشأ اعتقادهم المرض أو الكبر أو القلة تجزيهم الأعمال المتقدمة، و إلّا فلا تجزيهم. كمن اعتقد أن السيل يمنعه، أو أنه يحبس فانكشف خلافه (1).

______________________________

أصحابها و لا يقيم عليها جمالها، تمضي فقد تم حجها «1». و هي و إن كانت محمولة على الاستنابة، إلّا أن الظاهر في المقام جواز تقديم طواف النساء أيضا، خصوصا بعد عدم كونها جزء للحج، بل واجبا مستقلا.

و يحتمل أن يكون واجبا شرطيا- كما سيأتي البحث عنه مفصلا إن شاء اللّٰه تعالى- و بعد كونه مشروطا بالطهارة كطواف الزيارة، فالظاهر جواز تقديمه أيضا.

(1) الحكم بالإجزاء في الطوائف الثلاثة الأولى مبني على قاعدة الإجزاء المستفادة في المقام من الأدلة الدالة على الجواز. فإن مقتضى دليله أنه كما يجوز التقديم، كذلك يجزي التقديم. و المفروض أن انكشاف الخلاف لا يوجب تبدل العنوان.

فالمرأة التي كانت تخاف الحيض أو النفاس لا يكون انكشاف خلافه موجبا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الثمانون، ح 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 371

..........

______________________________

لتبدل العنوان بمعنى عدم كونها خائفة

حين التقديم، بل هو يرجع إلى عدم ثبوت ما يخاف منه. فإذا خاف المكلف على نفسه الصوم- مثلا- فهو باق على حاله و لا يكون انكشاف الخلاف موجبا لعدم كونه حائضا أصلا. فالعنوان باق، و الدليل يدل على الإجزاء كما يدل على الجواز.

و أمّا الطائفة الرابعة الأخيرة فقد فصل فيها التفصيل المذكور في المتن. و الوجه فيه اجتماع أمرين:

الأول: عدم كون القطع أو ما ينزل منزلته. و هو الاطمئنان الذي يعد علما عرفا موجبا للإجزاء- كما حققوه في المباحث الأصولية- فإذا قطع بأن الواجب في يوم الجمعة خصوص صلاة الجمعة دون الظهر، فصلى كذلك مكرّرا- مثلا- ثم انكشف الخلاف، و أن الواجب هي صلاة الظهر في يوم الجمعة أيضا دون صلاة الجمعة، لا يكون انكشاف الخلاف موجبا للإجزاء المسقط لوجوب قضاء صلاة الظهر أيضا.

لأنه في صورة القطع المخالف، و إن كان القطع حجة، إلّا أن معنى الحجية لا يرجع في صورة المخالفة، إلّا إلى المعذرية الموجبة لعدم جواز عقابه على ترك الواجب، و هي صلاة الظهر. و أما كونه مسقطا للقضاء فلا.

و الثاني: عدم استفادة الجواز فيه من الروايات الواردة في المقام، و إلّا فمقتضاها الإجزاء، مضافا إلى الجواز. و يرد على الأمر الثاني أنه مع عدم استفادة الجواز من الروايات، كيف جعلها في عداد الطوائف الأخر؟

إلّا أن يقال: إن وجود العلم المذكور أولا، و انحصار أعمال الحج بأشهره التي آخرها شهر ذي الحجة، و الاستفادة من الروايات انه يجوز التقديم بالإضافة إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 372

..........

______________________________

بعض الأعمال في الجملة، أوجب الحكم بالجواز، و لا يترتب عليه غير ذلك من الإجزاء.

و لذا ذكرنا في التعليقة على المرض

أن الظاهر أن المراد به هو حدوث المرض بعد الرجوع، كما تقتضيه المقابلة مع الطائفة الثالثة. و حينئذ بعد عدم الحدوث، الظاهر عدم الإجزاء.

و كيف كان، فيرد على سيدنا الأستاذ الماتن قدّس سرّه أن المستفاد في جواز تقديم الطائفة الرابعة إن كانت هي الأدلة و بعض الروايات- كما يظهر من إطلاق الخوف في بعضها، و إن تردد صاحب الجواهر في سندها لتوصيفه لها بالصحيحة أو الخبر- فاللازم الحكم بالإجزاء فيها أيضا، كما في سائر الطوائف، لعدم الفرق بينهما أصلا.

و إن كان المستند هو ما ذكرنا بعد عدم دلالة الروايات عليه، فيمكن الإيراد عليه بعدم ثبوت الجواز فيها، فضلا عن الإجزاء و كون الحج أشهرا معلومات، لا يقتضي جواز التقديم، بل يمكن إجراء حكم النسيان عليه. و المسألة بعد تحتاج إلى مزيد تحقيق و تأمل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 373

[مسألة 5] في مواطن التحلل

مسألة 5- مواطن التحلل ثلاثة:

الأول: عقيب الحلق و التقصير، فيحل من كل شي ء إلّا الطيب و النساء و الصيد ظاهرا، و إن حرم لاحترام الحرم.

الثاني: بعد طواف الزيارة و ركعتيه و السعي، فيحل له الطيب.

الثالث: بعد طواف النساء و ركعتيه، فيحل له النساء (1).

______________________________

(1) مرّ البحث عن الموطن الأول في مسألة الحلق أو التقصير. و قلنا: بثبوت التحلّل بعده، خلافا للصدوقين، القائلين بثبوت التحلل بعد الرمي في منى يوم النحر، أو ما يقوم مقامه. كما أنه مر البحث عن الصيد المحرم بالإحرام أو للحرم، فلا نعيد.

و سيأتي البحث عن طواف النساء و ما يترتب عليه و على ركعتيه من النساء.

إنما الكلام هنا في الموطن الثاني، و هي حلية الطيب، و أنها هل تتوقف على طواف الزيارة و ركعتيه و السعي

الواقعة بعد أعمال منى و مناسكه- كما حكي عن المشهور في خلاف الشيخ و مختلف العلامة-؟ أو تحصل بطواف الزيارة و ركعتيه أو بنفس طواف الزيارة، و إن لم تتحقق الركعتان بعده- كما احتمله كاشف اللثام، مستندا إلى بعض الروايات-؟ وجهان:

يدل على المشهور صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا ذبح الرجل و حلق (أي: يوم النحر) فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه، إلّا النساء و الطيب. فإذا أراد البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحلّ من كل شي ء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 374

..........

______________________________

أحرم منه، إلّا النساء. و إذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كل شي ء أحرم منه، إلّا الصيد «1».

و صحيحة منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل رمى و حلق، أ يأكل شيئا فيه صفرة؟ قال: لا، حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة، ثم قد حلّ له كل شي ء إلّا النساء، حتى يطوف بالبيت طوافا آخر، ثم قد حلّ له النساء «2».

و بعض الروايات الأخر.

لكن في مقابلها ما رواه سعد بن عبد اللّٰه في محكي بصائر الدرجات عن القاسم بن الربيع و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و محمد بن سنان جميعا عن مياح المدائني عن المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في كتابه إليه المشتمل على قوله عليه السّلام: ثم ترمي الجمرات و تذبح و تغتسل، ثم تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك أحللت، .. «3».

لكنها لا تقاوم الروايات المتقدمة الصحيحة، خصوصا بعد ظهورها في وجوب رمي الجمرات الثلاثة يوم النحر، و عدم

التعرض للحلق أو التقصير، و دلالتها على وجوب الاغتسال- سواء كان بمعنى الغسل بالضم، أو بمعنى الغسل بالفتح- و من جهة كونها مكاتبة. و العمدة عدم دلالتها على خصوص طواف الزيارة حتى يشمل الإطلاق عدم الصلاة بعده. و الظاهر أن عدم حصول الحلية قبل الطواف، لا حصولها بعده بمجرده. فالعمدة الروايات المتقدمة، خصوصا بعد كونها موافقة لفتوى المشهور- على ما عرفت- فالأظهر حينئذ ما أفاده في المتن.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير، الباب الثالث عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الحلق أو التقصير الباب الثالث عشر، ح 2.

(3) الوسائل: أبواب أقسام الحج، الباب الثاني، ح 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 375

[مسألة 6] في عدم حلية الطيب بمجرد الطواف المتقدم

مسألة 6- من قدم طواف الزيارة و النساء لعذر كالطوائف المتقدمة- لا يحلّ له الطيب و النساء، و إنما يحل المحرمات جميعا بعد التقصير أو الحلق (1).

______________________________

(1) قد عرفت أن المتمتع لا يجوز له تقديم الطواف و ما بعده اختيارا على الوقوفين أو أحدهما أو مناسك منى و أعماله، و إنما يجوز التقديم للطوائف الأربعة المتقدمة، لدلالة الدليل عليه.

فاعلم أن ما قام عليه الدليل هو مجرد جواز التقديم للطوائف المذكورة. نعم يجوز تقديم السعي المترتب على الطواف و ركعتيه، و كذا طواف النساء و ركعتيه. و أما ترتب أثرها عليها- و لو مع التقديم- فلا.

و لذا لا يحل الطيب معها، لو قدمت جوازا. و كذا لا تحل النساء بمجرد طواف النساء و ركعتيه- و لو مع التقديم. بل الظاهر توقف الخروج عن الإحرام مطلقا.

و إطلاق التحلل على الحلق أو التقصير- كما في العمرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 376

[مسألة 7] في عدم اختصاص طواف النساء بالرجال

مسألة 7- لا يختص طواف النساء بالرجال، بل يعم النساء و الخنثى و الخصي و الطفل المميز. فلو تركه واحد منهم لم يحل له النساء، و لا الرجال لو كان امرأة، بل لو أحرم الطفل غير المميز وليه، يجب على الأحوط أن يطوفه طواف النساء حتى يحل له النساء (1).

______________________________

(1) أقول: أمّا عدم اختصاص طواف النساء بالرجال، و لزوم هذا الطواف في حج النساء، بالإضافة إلى الرجال، فقد صرّح به علي بن بابويه القمي في الرسالة، و غير واحد من المتأخرين، لإطلاق قوله تعالى: .. فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ .. «1» و في النص الصحيح تفسير الرفث بالجماع- كما مرّ في بحثه- و إضافة الجماع

بعد كونه صيغة المفاعلة إلى الطرفين ظاهرة، مضافا إلى دلالة بعض النصوص عليه.

و الظاهر لزوم الركعتين بعده و عدم تحقق الحلية بدونهما. نعم في محكي كشف اللثام تبعا للهداية و الاقتصاد «صلّى له أم لا» لإطلاق النصوص.

و يدل على بطلان احتماله أو مذهبه صحيحة معاوية بن عمار الطويلة، المشتملة على قول الصادق عليه السّلام: ثم اخرج إلى الصفا و اصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة فاصعد عليها، و طف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلّا النساء، ثم

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 377

..........

______________________________

ارجع إلى البيت و طف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام، ثم قد أحللت من كل شي ء و خرجت من حجك كلّه، و كل شي ء أحرمت منه «1».

فإن ظهورها في توقف حصول التحلل مطلقا على طواف النساء، لا مجرد المدخلية في حصول الفراغ و تحقق مطلق الخروج واضح، لا خفاء فيه. و يدل على أصل المطلب، و هو عدم الاختصاص بالرجال، روايات كثيرة:

منها: رواية علاء بن صبيح و عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب و عبد اللّٰه بن صالح عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت للحج إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت

بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طواف الحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحلّ منه المحرم إلّا فراش زوجها، فإذا طافت طوافا آخر، حل لها فراش زوجها «2».

و قد تكلمنا سابقا في هذا الفرع المذكور في الرواية، إلّا أن دلالتها على ما نحن بصدده واضحة ظاهرة. ثم إنه يدل على لزوم إتيان الخناثى و الخصيان بطواف النساء. مضافا إلى عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة، بل الظاهر عدم الخروج من الطبيعتين- الواجب على كلتيهما طواف النساء، كما عرفت- و إلى عدم اشتراط وجود القوى الشهوية في الوجوب.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الرابع و الثمانون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 378

..........

______________________________

صحيحة حسين بن علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة، أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلهم «1».

و غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها هذا الأمر.

و أمّا الثبوت على الطفل المميز الذي أحرم بنفسه بإذن الولي، فإنه و إن كانت التكاليف الالتزامية مرفوعة عنه حتى يبلغ، كما هو المسلّم بينهم، و مقتضى قوله عليه السّلام «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» أي: يخرج منه المني و لو في حال اليقظة، إلّا أن الظاهر لا بدية الإتيان بطواف النساء، لا لأجل لزومه.

فإن أصل الحج و كذا إتمامه و كذا الإتيان به ليس شي ء منها واجبا في حقه أصلا، لفرض كونه غير بالغ مرفوعا عنه قلم التكليف الإلزامي، بل لأجل كون عباداته شرعية- كما حققناه في محله و في قواعدنا الفقهية- و الحج المشروع لا يكون خاليا عن طواف

النساء و لا تكون لابدية الإتيان به على المكلف البالغ لأجل لزوم إتمام الحج، و إن كان أصل الشروع مستحبا.

و الوجه فيما ذكرنا: أن طواف النساء- كما سيأتي- لا يكون جزءا للحج أو شرطا له متأخرا عنه، بل نظر الشارع إلى الإتيان به في ظرف مخصوص، و هو بعد الحج في المقام.

فكما أن الصبي المميز لا يجوز الاقتصار في الصلاة على ركعة واحدة أو بعض أجزائها أو كلّها بدون الطهارة، و لا يجوز لشي ء من المكلفين الإتيان بصلاة الليل بعنوانها في ست ركعات، و إن كانت مستحبة، كذلك الشرعية لا تقتضي الاقتصار في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 379

..........

______________________________

المقام على الإتيان بالحج بدون طواف النساء، و إن كان أمرا مستقلا خارجا عن الحج جزءا و شرطا. و ليس فيه إلّا الحكم التكليفي بالوجوب.

إن قلت: بعد رفع الحكم الإلزامي، و هو الوجوب في المقام عن الصبي و إن كان مميزا، كيف يحكم عليه باللابدّية؟

قلت: الحكم الإلزامي و إن كان مرفوعا عنه، إلّا أنه ليس فيه حكم إلزامي فقط، بل يترتب عليه حلية النساء. و السببية حكم وضعي لا يختص بالمكلفين، بل يجري في مثل هذا الصبي- كإتلاف مال الغير الذي يكون سببا لضمانه، و إن كان عن الصبي مرفوع الحرمة- حتى أن الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ. هذا في الطفل المميز.

و أمّا الطفل غير المميز الذي أحرمه الولي، فالذي قطع به الشهيد هي الحرمة، بدون طواف النساء. و احتمله في كشف اللثام. و يمكن أن يكون الوجه فيه هي الاستفادة من أدلة مشروعية إحرام الولي به، و استحبابه عليه هو أن

يفعل به جميع أفعال الحج و ما يعمله الحاج من الأعمال و المناسك و طواف النساء، مضافا إلى ما أشرنا إليه من دلالة النصوص على توقف حلية النساء المحرّمة بالإحرام، بمعنى لزوم تركها على طواف النساء.

فالحكم فيه- كما في المتن- من اقتضاء الاحتياط الوجوبي له. و إن كان يغاير الطفل المميز في عدم الوضوح- كما ذكرنا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 380

[مسألة 8] في وجوب طواف النساء

مسألة 8- طواف النساء و ركعتيه واجبان، و ليسا ركنا. فلو تركهما عمدا، لم يبطل الحج به، و إن لا تحل له النساء. بل الأحوط عدم حلّ العقد و الخطبة و الشهادة على العقد له (1).

______________________________

(1) قد مرّت الإشارة إلى أن طواف النساء و كذا الصلاة بعده و إن كانا واجبين إلّا أنهما ليسا بركنين. فلا يوجب الإخلال به- و لو عمدا- لبطلان الحج. غاية الأمر عدم تحقق الحلية- أي: حلية النساء- بدونه.

و الوجه في عدم كونه جزءا للحج أو شرطا متأخرا عنه، ما ورد في الروايات الكثيرة من جعله بعد الحج و خارجا عنه، فإن عنوان البعدية لا يتحقق مع الجزئية.

مثل:

صحيحة معاوية بن عمار: «و عليه طواف بالبيت»- إلى أن قال:- «و طواف بعد الحج و هو طواف النساء» «1». و غير ذلك من الروايات المتعددة.

و يدل على الصحة- و لو مع الترك- صحيح الخزاز المتقدم الوارد في الحائض التي لم تطف طواف النساء و لا ينتظرها جمالها، فقال: تمضي فقد تم حجها.

ثم إن المترتب على طواف النساء، هل هو حلية جماعهن فقط، و إلّا فسائر الأمور المرتبطة بهن يقع إحلالها قبله، أم تترتب حلية المجموع عليه، فلا يحل شي ء من استمتاعهن قبله؟ وجهان:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أقسام

الحج، الباب الثاني، ح 6- 12- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 381

..........

______________________________

ربما يستفاد الوجه الأول من بعض الروايات، مثل:

صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق و لكن لا تقربوا النساء و الطيب «1».

فإن المنهي عنه قبل طوافي الزيارة و النساء، هو المقاربة بمعنى الجماع، كما في قوله تعالى: .. وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ .. «2» و عليه فسائر الأمور المرتبطة بهن غير المقاربة و الجماع تزول حرمتها بما تزول به حرمة سائر محرمات الإحرام. أعني بعد الحلق أو التقصير الذي هو آخر مناسك منى و أعماله.

و لكن ورد في صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: سألته عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي، قال: عليه دم يهريقه من عنده «3».

فإن ثبوت الكفارة و وجوبها و إن كان تدل بالملازمة العرفية على الحرمة غير المصرح بها في الرواية، كما استكشفنا حرمة جملة من محرمات الإحرام من طريق وجود الكفارة فيها- على ما مر في بحث تروك الإحرام- إلّا أنه حكي عن صاحب الجواهر قدّس سرّه أنه ذكر في ذيل الرواية التي يكون سندها صحيحا معتبرا أنه لم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب، لأن الفرض كونه قد أحلّ فلا شي ء عليه إلّا الإثم لو كان.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 2.

(2) سورة البقرة (2):

222.

(3) الوسائل: أبواب كفارات الاستمتاع، الباب الثامن عشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 382

..........

______________________________

و في مختلف العلامة: قال المفيد و سلّار من قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و هي لم تطف و هو يكره لها، فعليه دم. فإن كانت مطاوعة، فالدم عليها دونه. و لم يذكر الشيخ قدّس سرّه ذلك، و لم نقف في ذلك على حديث مروي.

أقول: لا مجال لحمل الرواية على صورة الإكراه، بعد عدم إشعار فيها بخصوص هذه الصورة، و الحكم بثبوت الكفارة عليه لا عليها، لا دلالة له على ذلك أصلا.

كما أن ما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه من أن دلالة الرواية بالإطلاق. لأنه لم يرد فيها أنها طافت طواف الحج أو قصّرت، بل ورد فيها أنها لم تطف طواف النساء. و ذلك مطلق من حيث إنها قصرت أم لا؟ أو طاف طواف الحج أم لا؟

يدفعه أن المستفاد من الرواية عرفا، أنها بعد ما قضت المناسك كلها و فعلت الأعمال كذلك. غاية الأمر أنها لم تطف طواف النساء. و ذلك مطلق من حيث إنها قصرت أم لا؟ أو طاف طواف الحج أم لا؟

يدفعه أن المستفاد من الرواية عرفا، أنها بعد ما قضت المناسك كلها و فعلت الأعمال كذلك. غاية الأمر أنها لم تطف طواف النساء، قبّلها زوجها، و لا مجال لإطلاق الرواية من هذه الجهة.

و الذي دعاه إلى ذلك مبناه الكلي، و هو عدم قدح إعراض المشهور عن الرواية في حجيتها و صحتها. و عليه فلا بد له من دعوى الإطلاق في الرواية.

و أمّا بناء على مبنانا من القادحية، فالأمر سهل، و الرواية مطروحة. غاية الأمر أنه لم يثبت كون المقاربة في

صحيحة الحلبي بمعنى الجماع، خصوصا بعد كونها في مقام بيان أمر آخر، و بعد عطف الطيب على النساء. فالأحوط حينئذ ما أفاده في المتن، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 383

[مسألة 9] في ترتيب المناسك الخمسة

مسألة 9- لا يجوز تقديم السعي على طواف الزيارة و لا على صلاته اختيارا، و لا تقديم طواف النساء عليهما و لا على السعي اختيارا، فلو خالف الترتيب أعاد بما يوجبه (1).

______________________________

(1) أقول: قد تقدم حكم تقديم السعي على الطواف- أي: طواف الزيارة- أو صلاته اختيارا في المسائل المتقدمة، و لا فائدة في الإعادة- خصوصا بعد عدم التناسب مع البحث.

و المهم هنا البحث في طواف النساء، و أنه هل يجوز تقديمه على طواف الحج و سعيه أو على السعي فقط، أم لا بد من التأخير عنهما؟

و لا بد بقرينة المسألة العاشرة الآتية إن شاء اللّٰه تعالى من فرض البحث في العالم العامد المختار، فنقول:

الظاهر هو لزوم التأخير و عدم جواز التقديم، لأنه- مضافا إلى دلالة الروايات البعدية، أي: الروايات الدالة على أن طواف النساء بعد الحج. فإن عنوان البعدية، كما أنه يدل على أن طواف النساء لا يكون مرتبطا بالحج، بمعنى كونه جزءا أو شرطا له، كذلك يدل على أن وقت الإتيان به هو بعد الحج، و الفراغ من أعماله و مناسكه التي منها السعي بين الصفا و المروة، فيدل على تأخر طواف النساء عن السعي،- يدل عليه خصوص صحيحة معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة، المشتملة على أن طواف النساء إنما يؤتى به بعد الفراغ عن الأعمال و بعد تمامية السعي. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الرابع، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص:

384

[مسألة 10] في جواز تقديم طواف النساء على السعي

مسألة 10- يجوز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة- كالخوف عن الحيض و عدم التمكن من البقاء إلى الطهر- لكن الأحوط الاستنابة لإتيانه، و لو قدمه عليه سهوا أو جهلا بالحكم، صحّ سعيه و طوافه، و إن كان الأحوط إعادة الطواف (1).

______________________________

و عليه فلو خالف الترتيب في فرض العلم و العمد و الاختيار، يجب عليه الإعادة بما يوجب الترتيب.

نعم الظاهر عدم كونه موقتا بذي حجة الحرام الذي هو آخر أشهر الحج، و الحج أشهر معلومات، لأن المفروض خروجه عن الحج جزءا و شرطا.

و حكي عن المحقق النائيني قدّس سرّه التفصيل بين الحكم الوضعي و التكليفي، و أنه يتحقق الإثم و العصيان بالتأخير، و إن كان يترتب عليه حلية النساء معه. و يرد عليه أنه لا دليل على التفصيل المذكور بل الظاهر عدم تحقق الإثم بالتأخير أيضا، لعدم الدليل عليه.

(1) أقول: أمّا جواز تقديم طواف النساء على السعي عند الضرورة- كالخوف المذكور، مع القيد المذكور- فقد تقدم الكلام فيه. و لكنه احتاط وجوبا بالاستنابة لإتيانه.

و الظاهر- كما ذكرناه في التعليقة- أن المراد به هو الجمع بين التقديم و بين الاستنابة التي ستجي ء في مورد عدم الإتيان بطواف النساء نسيانا أو غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 385

..........

______________________________

و أمّا مع التقديم على السعي نسيانا و سهوا أو جهلا بالحكم، فقد نسب إلى جماعة، منهم المحقق النائيني قدّس سرّه الإجزاء، و اختاره الماتن قدّس سرّه بل قيل إنه لا خلاف فيه.

و الدليل عليه- مع كونه مخالفا لقاعدة الإجزاء المفروضة فيما إذا أتى بالمأمور به على وجهه، و الفرض أنه لم يأت بطواف النساء بعد الحج الذي يكون السعي جزءا منه.

لو لم يكن هناك إجماع تعبدي، كما هو الظاهر- أمران:

أحدهما: صحيحتا جميل و محمد بن حمران، الواردتان في من قدم ما حقه التأخير و أخّر ما حقه التقديم، في أعمال منى و مناسكه في حجة الوداع، الذي قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم فيه مرّة أو مرتين: «لا حرج» فإنه قد جعل بعض العلماء ذلك أصلا و قاعدة متبعة، و ضابطة عامة في باب أجزاء الحج، من دون اختصاص بمناسك منى.

و الجواب عنه: أولا: الإشكال في صحة الجعل المذكور. فإن المستفاد من الروايتين كونه ضابطة كلية في أعمال منى و مناسكه، لا في جميع أجزاء الحج و أعماله، أعم من أعمال منى لعدم ثبوت الدليل على الأصل المذكور في أبواب الحج و أجزائه كلية.

و ثانيا: أنه لو سلم صحة الجعل المذكور و الأصل الكلي في جميع أجزاء الحج، لكن المفروض عدم كون طواف النساء من أجزاء الحج و شرائطه. فالضابطة الكلية على تقدير صحتها لا تشمل طواف النساء بوجه.

ثانيهما: موثقة سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال: سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: لا يضره،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 386

..........

______________________________

يطوف بين الصفا و المروة، و قد فرغ من حجه «1».

و قد حملها الشيخ قدّس سرّه على الناسي، و يلحق به الجاهل بالحكم، لأنه مع العمد و العلم لم يجز قطعا- كما عرفت.

و أورد على الاستدلال به بعض الأعلام قدّس سرّه بما حاصله أن الرواية مطلقة و لم يذكر فيها النسيان، فظاهرها جواز التقديم مطلقا، و هذا مقطوع البطلان، مع أنها غير

ناظرة إلى صحة طواف النساء و عدمها، من حيث وقوعها قبل السعي و بعده، و إنما يكون نظرها إلى صحة طواف الحج، باعتبار الفصل بينه و بين السعي بطواف النساء.

فكان السائل احتمل في صحة طواف الحج، عدم الفصل بينه و بين السعي بطواف النساء، فأجاب عليه السّلام بأنه لا يضر الفصل المذكور، بل يأتي بالسعي بعده.

و يؤيده أن الوقوع بعد السعي إنما يكون معتبرا في طواف النساء لا في طواف الحج. فإنه يكون مقدّما عليه لا محالة. و لا مجال للسؤال بالإضافة إليه.

أقول: حمل الرواية المطلقة على خصوص الناسي كما فعله الشيخ قدّس سرّه و إن كان لا دليل عليه مع عدم إشعار فيها بالحمل المذكور، فضلا عن الدلالة. إلّا أن جعل مورد السؤال فيها ما أفاده ممنوع. فترى في بعض الروايات الأخر، و إن كانت فاقدة للحجية و الاعتبار السؤال المذكور، مع كون المراد هو تقديم طواف النساء على السعي. و قد حكم الإمام عليه السّلام فيها بعدم الجواز.

ففي مرسلة أحمد بن محمد عمن ذكره، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك، متمتع زار البيت فطاف طواف الحج، ثم طاف طواف النساء ثم سعى، قال: لا يكون

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الستون، ح 1.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 387

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 387

[مسألة 11] في نسيان طواف النساء

مسألة 11- لو ترك طواف النساء سهوا و رجع إلى بلده، فإن تمكن من الرجوع بلا مشقة يجب، و إلّا استناب

فيحلّ له النساء بعد الإتيان (1).

______________________________

السعي إلّا من قبل طواف النساء، فقلت: أ فعليه شي ء؟ فقال: لا يكون السعي إلّا قبل طواف النساء «1».

و يحتمل قويا اتحاد الروايتين، كما أن من ذلك يظهر الوجه في أن الأحوط إعادة طواف النساء على ما أفاده الماتن قدّس سرّه إلّا أن يستند في ذلك إلى حديث الرفع، بالإضافة إلى فقرتين «ما لا يعلمون، الخطأ و النسيان» فتدبر.

(1) قد عرفت فيما مرّ أن طواف النساء و إن لا يكون من الحج لا جزءا و لا شرطا، إلّا أنه مأمور به بالأمر الوجوبي المستقل و شرط لحلية النساء.

فاعلم أنه لو تركه إمّا عمدا و إمّا سهوا، و ذكر السهو في المتن ليس لأجل اختصاص الحكم به، و لذا ذكرنا في التعليقة، و كذا عمدا بل لأجل وقوع الترك نوعا كذلك، و إلّا فالحاج الذي قد امتثل أمر المولى لا يكون بصدد ترك طواف النساء عمدا، و إن لا يكون من الحج. فالترك الحاصل يكون نوعا مستندا إلى السهو.

و الوجه في الحكم المذكور في المتن أنه مع إمكان الرجوع إلى مكة و تدارك طواف النساء بالمباشرة من دون أن يكون هناك حرج و مشقة، موجب لرفع الحكم، بل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الخامس و الستون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 388

..........

______________________________

عدم جعله كما يستفاد من آية نفي الحرج، لا بد من الرجوع و التدارك بالمباشرة. و مع عدم التمكن منه كذلك لا بد من الاستنابة.

فإنه تجري النيابة في طواف النساء، لأنه- مضافا إلى عدم كونه أهم من طواف الزيارة الذي تجري فيه النيابة، كما عرفت و سيأتي أيضا إن شاء اللّٰه تعالى، و

إن كانت النيابة على خلاف القاعدة، على ما مرّ في بحث النيابة، و مرجعه إلى سقوط قيد المباشرة مع عدم الإمكان في أجزاء الحج و أبعاضه،- لا بد في المقام إما من القول بسقوط طواف النساء الذي لا بد من إتيانه، حتى يقضي عنه وليه لو مات مع الترك، و إما من القول بالاستنابة في فرض عدم التمكن من المباشرة على ما هو المفروض في المقام.

و من الواضح أن الترجيح مع الثاني، خصوصا مع النصوص الواردة في مثله من طواف الزيارة على ما يأتي بعضها.

و بالجملة، الطواف له مراتب ثلاثة، لا ينتقل إلى كل مرتبة إلّا بعد عدم التمكن من المرتبة السابقة.

الأولى: الطواف مباشرة. الذي يعبر عنه بأن يطوف.

الثانية: الطواف به. كما في الطفل غير المميز و من لا يتمكن من المباشرة. لكنه يقدر على الطواف مع السرير و نحوه.

الثالثة: الطواف عنه. كما في موارد الاستنابة، مثل الحيض، و الترك مع عدم التمكن من الرجوع و الإتيان مباشرة، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 389

[مسألة 12] في ما لو نسي و ترك الطواف

مسألة 12- لو نسي و ترك الطواف الواجب من عمرة أو حج أو طواف النساء، و رجع و جامع النساء، يجب عليه الهدي، ينحره أو يذبحه في مكة. و الأحوط نحر الإبل، و مع تمكنه بلا مشقة يرجع و يأتي بالطواف.

و الأحوط إعادة السعي في غير نسيان طواف النساء، و لو لم يتمكن استناب (1).

______________________________

(1) نسب إلى أكثر الفقهاء قدّس سرّهم في الفرض المذكور وجوب بدنة، و ذهب جماعة منهم المحقق و صاحب الجواهر إلى أنه كفارة عليه، و احتمل المحقق أن القائلين بالكفارة إنما أرادوا وجوبها فيما إذا كانت المجامعة بعد التذكر. و أمّا

إذا واقع و هو لم يرتفع نسيانه بعد، بل في حال استمرار النسيان السابق، فلا شي ء عليه. فإذا يرتفع الخلاف بين النافين للكفارة و المثبتين لها.

و الأصل في هذه المسألة رواية علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء، كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي إن كان تركه في حج، بعث به في حج، و إن كان تركه في عمرة، بعث به في عمرته، و وكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه «1».

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية عن الشيخ بإسناده عن علي بن جعفر، و رواه الحميري في قرب الإسناد عن عبد اللّٰه بن الحسن- أي: العلوي- عن جده

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 390

..........

______________________________

علي بن جعفر، إلّا أنه قال: فبدنة في عمرة.

و رواه علي بن جعفر في كتابه مثله، ثم قال: أقول حمله الشيخ على طواف النساء، لما مضى و يأتي.

و في حاشية الوسائل- المطبوع حديثا- عن البحار الذي يروي الرواية عن الشيخ ذكر البدنة مقام الهدي و إسناد الحميري في قرب الإسناد إلى علي بن جعفر غير صحيح، لأن فيه عبد اللّٰه بن الحسن العلوي. و نسخ التهذيب أيضا مختلفة من جهة «الهدي» أو «هديه» و إن اتفقت من جهة عدم البدنة. و كيف كان فالكلام في المسألة يقع من جهات:

الاولى: قد عرفت أن ترك طواف النساء- و لو كان عمدا- لا يوجب بطلان الحج و لا العمرة بوجه لعدم كونه جزءا و شرطا. غاية الأمر توقف حلية النساء على الإتيان به. كما

إنك عرفت أن ترك الطواف غير النساء في الحج و كذا في العمرة يوجب البطلان، إذا كان عمدا و عن علم و اختيار. لأنه مقتضى الجزئية و الركنية.

و الكلام هنا في ترك الطواف نسيانا، و أنه يوجب البطلان. فالمحكي عن الشيخ قدّس سرّه في كتابي الأخبار و الحلبي هو البطلان، و عن غيرهما هو العدم. بل عنه في الخلاف و عن الغنية الإجماع عليه.

و الدليل عليه مضافا إلى رواية علي بن جعفر- المتقدمة- صحيحة هشام بن سالم، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عمن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه «1».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب زيارة البيت، الباب الأول، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 391

..........

______________________________

و عن الشيخ حمل الطواف فيها على طواف الوداع، لرواية معاوية بن عمار، قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت. و قال: يأمر من يقضي عنه. فإن توفي قبل أن يطاف عنه، فليقض عنه وليه أو غيره «1».

مع أن إطلاق الزيارة على طواف النساء بقرينة اختصاص السؤال به، لا دلالة له على أن إطلاق طواف الزيارة محمول على طواف النساء. و لذا ترى صاحب الوسائل يعقد أبوابا بعد الحلق أو التقصير بعنوان أبواب زيارة البيت. و غرضه المهم طواف الزيارة في مقابل طواف النساء.

الثانية: في وجوب الكفارة و مقداره.

فاعلم أن ظاهر رواية علي بن جعفر التي هي صحيحة على بعض طرقها هو الوجوب، و عليه المشهور، فنفيه في غير محله.

و أمّا مقدار الكفارة، فالظاهر إنه لم يقم دليل على ثبوت البدنة، لاختلاف نسخ الرواية

مع أن رجوع الضميرين المذكرين إلى البدنة غير مناسب لشأن الإمام عليه السّلام لعدم الموجب للإرجاع المذكور بوجه، فلم يثبت خصوصية للهدي الثابت بعنوان الكفارة، مع أن الأمر دائر بين الأقل و الأكثر.

و الحق فيه جريان البراءة كما إذا دار أمر الرقبة التي يجب عتقها، بين الرقبة المطلقة و بين خصوص الرقبة المؤمنة. لعدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بباب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب الثامن و الخمسون، ح 3. و ليعلم أن صاحب الوسائل قدّس سرّه أورد في هذا الباب روايات كثيرة لمعاوية بن عمار، مع اختلاف يسير بينها، و يحتمل قويا اتحادها و عدم التعدد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 392

..........

______________________________

الإجزاء- كما قد قرر في محله- فليس في المقام كفارة إلّا الهدي، و الاحتياط بنحر الإبل إن كان وجوبيا لا وجه له أصلا.

الثالثة: في مدخلية المواقعة في ترتب الكفارة المزبورة و عدمها.

ظاهر رواية علي بن جعفر- المتقدمة- مدخلية المواقعة في ثبوت الكفارة المذكورة. حيث إن ظاهرها تحقق المواقعة في حال استمرار النسيان و بقاءه. لا تحققها بعد زواله و ارتفاعه. و إن كان يبعّده عدم استمرار النسيان المذكور نوعا. لكن ظهور لفظ السؤال يأبى من الحمل على ذلك. فإذن المواقعة دخيلة في ثبوت الكفارة.

فلا مجال للجمع بين الكلمات الذي احتمله صاحب الشرائع في متنها مما تقدم، فإنه لا يتجاوز عن مجرد الاحتمال، من دون أن يكون في البين ما يؤيده، فتدبر.

الرابعة: في أن الحكم لا يكون منحصرا بمسألة الكفارة. بل الواجب على الناسي المذكور إعادة الطواف بنفسه أو بالاستنابة، بعد كون الحج بأجمعه قابلا للنيابة، فضلا عن إجزاءه. و لذا كان سيدنا العلامة الأستاذ البروجردي قدّس سرّه يحكم

بحجية الظن في أفعال الصلاة، من طريق قيام الدليل على الحجية في نفس الركعة المركبة من أجزاء مختلفة من الركن و غيره. هذا مع دلالة الروايات على جريان الاستنابة في المقام، فلا إشكال فيها من هذه الجهة.

الخامسة: ظاهر قوله عليه السّلام في صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام- المتقدمة- في حج، هو البعث في زمان الحج، «و في عمرة هو البعث في زمانه. فالرواية متعرضة للزمان فقط.

و أمّا من جهة المكان، فلا دلالة لها عليه. و ظاهرها أن المكان هي مكة، كما صرح به الماتن قدّس سرّه لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله عليه السّلام: «في حج» هي منى. و بقوله: «في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 393

[مسألة 13] في ترك الطواف جهلا

مسألة 13- لو ترك طواف العمرة أو الزيارة جهلا بالحكم و رجع، تجب عليه بدنة و إعادة الحج (1).

______________________________

عمرة» هي مكة. و يؤيده مضافا إلى أن الأمر في الكفارات يكون كذلك، أنه لا وقت للعمرة المفردة، و عمرة التمتع لا تكون مستقلة عن الحج.

السادسة: إن البحث في إعادة السعي في غير طواف النساء قد تقدم، و لا حاجة إلى الإعادة.

(1) قد وقع الخلط في بعض الكلمات بين صورتي الجهل و النسيان، مع أن الظاهر عرفا و استعمالا مغايرتهما، حتى في مثل حديث الرفع. فترى الشيخ الطوسي قدّس سرّه في محكي الإستبصار عنون الباب هكذا: «باب من نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله» ثم أورد الروايتين الآتيتين الواردتين في الجاهل. و كذا استدل في محكي التهذيب على حكم الناسي بالروايتين المشار إليهما، مع اختلاف المسألتين موضوعا، و عدم ثبوت الإعادة، أي: إعادة الحج على الناسي إجماعا. و ما في محكي كشف

اللثام، من أن الجهالة تعم النسيان، لا يخفى عليك ما فيه. و أمّا الروايتان:

فالأولى: صحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: إن كان على وجه جهالة في الحج، أعاد و عليه بدنة «1».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 394

..........

______________________________

و الثانية: رواية علي بن أبي حمزة، قال: سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله، قال: إذا كان على وجه الجهالة، أعاد الحج و عليه بدنة «1».

قال في الوسائل بعد نقل هذا الخبر: و رواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام إلّا أنه قال: سها أن يطوف. و الظاهر أن كاشف اللثام إنما تبع هذا النقل مع عدم كون السند صحيحا.

و حيث إن الرواية الأولى صحيحة، فلا محيص إلّا عن الالتزام بها، و الحكم بثبوت الكفارة على تارك الطواف جهلا بالحكم. و إن لم يرجع إلى أهله، فضلا عن تحقق المواقعة و ثبوت الجماع، و أشدية حكم الجاهل من العالم التارك للطواف، حيث لا تكون الكفارة ثابتة في حقه، و لا يجب عليه إلّا إعادة الحج. و إن كانت مستبعدة إلّا أنه بعد ورود الرواية الصحيحة المزبورة فيه، لا محيص إلّا عن الالتزام بها و لا مانع منه.

ثم إن إتيان الأهل و الرجوع إليه لا يكون مذكورا في هذه الرواية. فلا مجال لاحتمال المراد به هي المواقعة، بعد عدم وروده أصلا. و مقتضى إطلاق الصحيحة ثبوت الحكمين مطلقا، و إن لم تتحقق المواقعة أصلا.

ثم إن الحكم بإعادة الحج في الصحيحة يمكن

أن يكون قرينة على أن المراد بالعمرة، هي عمرة التمتع التي تكون مرتبطة بحجه. و إلّا فالعمرة المفردة مستقلة لا ارتباط لها بالحج، و لا وقت لها أصلا، و إن كانت في بعض الأشهر مستحبة بالخصوص.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الطواف، الباب السادس و الخمسون، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 395

..........

______________________________

ثم إن إطلاق عنوان الزيارة على مطلق الحج- كما في المتن- مما لا يساعده اللغة، و لا كلمات الفقهاء قدّس سرّهم فإن زيارة البيت قد تطلق على طواف الحج الذي يؤتى به بعد مناسك منى و أفعاله. و أمّا نفس الحج فلا يطلق عليه عنوان الزيارة.

ثم إن ما ورد في باب الحج في بعض الروايات المتقدمة من أن «أيما امرء ركب أمرا بجهالة، فلا شي ء عليه» إنما هو عام قابل للتخصيص بمثل الصحيحة. و لم يدل دليل على عدم قابليته للتخصيص. مع أن مورده ما إذا تحقق الفعل الذي لا ينبغي تحققه ناشيا عن الجهالة.

و أما في مثل المقام يكون الترك مستندا إلى الجهل، كما أنه مما ذكرنا ظهر أن حديث الرفع الدال على رفع ما لا يعلمون، قابل للتخصيص. لو لم نقل بعدم دلالته رأسا على ارتفاع الأحكام التي تكون موضوعاتها هذه العناوين. فلا دلالة له على ارتفاع حكم سجود السهو، عن السهو الموجب له في الصلاة، و لا على ارتفاع حكم الخطأ عن القتل الصادر خطأ، و لا وجوب إعادة الطواف و الإتيان به على تاركه الناسي. و أمثال ذلك من الموارد.

و منه يظهر عدم صحة التمسك بحديث رفع الخطأ و النسيان في المسألة السابقة، فتدبر.

هذا تمام الكلام في البحث عن المناسك الخمسة الواجبة بعد أعمال منى.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 396

[القول في المبيت بمنى]

اشارة

القول في المبيت بمنى

[مسألة 1- إذا قضى مناسكه بمكة، يجب عليه العود إلى منى]

مسألة 1- إذا قضى مناسكه بمكة، يجب عليه العود إلى منى للمبيت بها ليلتي الحادية عشرة و الثانية عشرة. و الواجب من الغروب إلى نصف الليل (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الاولى: أن الواجب على تقديره هو المبيت بمنى الليلتين المذكورتين. و أمّا عنوان العود المتوقف على الخروج من منى ثم العود إليها، فلا دليل على وجوبه، خصوصا مع تعليقه على قضاء المناسك بمكة. فإن من لم يرجع عن منى يوم النحر أصلا حتى يعود إليها، يجب عليه المبيت أيضا. و في الحقيقة يكون الواجب هو المبيت الليلتين المذكورتين، سواء تحقق عنوان العود أم لا.

الثانية: في وجوب المبيت أو استحبابه. فالمحكي عن تبيان الشيخ الطوسي قدّس سرّه هو الاستحباب. و حكى صاحب الجواهر عن تفسير مجمع البيان- الذي هو ملخص التبيان- القول باستحباب جميع مناسك منى المتقدمة و المتأخرة.

و الدليل على الوجوب- مضافا إلى بعض النصوص الآتية- استمرار سيرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 397

..........

______________________________

المسلمين أعم من الشيعة على الالتزام العملي به، و المعاملة معه معاملة الواجب. و في الحقيقة رؤيتهم له رؤية الواجب، و الالتزام العملي به. و هذه السيرة متصلة بزمان المعصوم عليه السّلام و قد استدللنا على وجوب بعض أجزاء الحج بهذه السيرة، من دون أن يكون هناك دليل لفظي أصلا.

الثالثة: في أنه و إن كان واجبا، بل في تركه ثبوت الكفارة أيضا- كما سيأتي بعض النصوص الدالة عليه- إلّا أنه لا يكون جزءا من أجزاء الحج، بحيث إذا تحقق الإخلال به عمدا، يوجب ذلك الخلل في الحج. بل حكمه من هذه الجهة حكم طواف النساء.

و الدليل عليه بعض ما ورد

مما يدل على تمامية الحج أو مناسكه بطواف الزيارة و السعي. فالمبيت بمنى و إن كان واجبا و في تركه بالإضافة إلى كل ليلة شاة، إلّا أنه لا يكون من أجزاء الحج.

الرابعة: أنه قد وقع التسالم و الاتفاق على عدم وجوب بيتوتة تمام الليل. و إن كان ظاهر اللفظ مقتضيا لذلك، لكنه قد وقع الاختلاف على أن الواجب هو البيتوتة من أول الليل إلى نصفه، و بعده يجوز له الخروج من مني، أو أن الواجب هو أحد النصفين، فهو مخير بين النصف الأول، و بين النصف الأخير.

فالمشهور على الأول. كما عن الرياض: إن ظاهر الأصحاب انحصار المبيت في النصف الأول. و الحلبي على الثاني، و هو الأقوى.

لصحيحة بن عمار- التي هي عمدة ما ورد في هذا الباب، و قد رواها صاحب الوسائل في الباب الأول من أبواب العود إلى منى في موضعين- منه عن أبي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 398

..........

______________________________

عبد اللّٰه عليه السّلام قال: لا تبت ليالي (أيام خ ل، و هو خلاف الظاهر) التشريق إلّا بمنى، فإن بتّ في غيرها، فعليك دم، فإن خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلّا و أنت في منى، إلّا أن يكون شغلك نسكك، أو قد خرجت من مكة، و إن خرجت بعد نصف الليل، فلا يضرك أن تصبح بغيرها «1».

فإن فرض القضيتين الشرطيتين، بالإضافة إلى خروج أول الليل و الخروج بعد نصف الليل، ظاهر في جواز كلا الخروجين. و هو لا ينطبق إلّا على التخيير بعد النهي عن البيتوتة ليالي التشريق في غير منى.

و هذه الرواية دليل لفظي على وجوب أصل المبيت. إلّا أن يقال بعدم انطباقها على المدعى. لأن المدعى

هو وجوب المبيت بمنى، و الصحيحة دالة على النهي في غير منى و الجواز فيها، فتدبر.

و مثلها: صحيحة جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: إذا خرج الرجل من منى أول الليل، فلا ينتصف له الليل إلّا و هو بمنى، و إن خرج بعد نصف الليل، فلا بأس أن يصبح بغيرها «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 8.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 399

[مسألة 2] في الطوائف الذين يجب عليهم المبيت ليلة الثالث عشر

مسألة 2- يجب المبيت ليلة الثالثة عشرة إلى نصفها على طوائف:

منهم: من لم يتق الصيد في إحرامه للحج أو العمرة. و الأحوط لمن أخذ الصيد و لم يقتله، المبيت. و لو لم يتق غيرهما من محرمات الصيد كأكل اللحم و الإراءة و الإشارة و غيرهما، لم يجب (1).

______________________________

(1) يجب المبيت ليلة الثالث عشر بالنحو المذكور في الليلتين على طوائف:

أمّا الوجوب على الطائفة الاولى- و هم من لم يتق الصيد- فللروايات الواردة في تفسير الآية المشتملة على قوله تعالى: .. لِمَنِ اتَّقىٰ .. «1» باتقاء الصيد. و هذه الروايات كثيرة، عمدتها:

صحيحة حماد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول، فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس.

و هو قول اللّٰه عز و جل فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ .. لِمَنِ اتَّقىٰ «2» فقال:

اتقى الصيد «3».

و الراوي عن حماد و إن كان هو محمد بن يحيى، و هو مردد في نفسه بين محمد بن يحيى الخزاز الثقة، و بين محمد بن يحيى الخثعمي

الذي هو ثقة أيضا، و بين محمد بن يحيى الصيرفي الذي لم يوثق، إلّا أن إطلاقه ينصرف إلى الأول الذي هو أشهرهم.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

(2) نفس المصدر.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 400

و منهم: من لم يتق النساء في إحرامه للحج أو العمرة وطأ، دبرا أو قبلا، أهلا له أو أجنبية، و لا يجب في غير الوطي- كالتقبيل و اللمس و غيرهما.

و منهم: من لم يفض من منى يوم الثاني عشر و أدرك غروب الثالث عشر (1).

______________________________

فالرواية صحيحة من حيث السند لا خدشة فيها.

و أمّا من حيث الدلالة، فاشتمالها على تذييل الجملة الأولى بقوله: .. لِمَنِ اتَّقىٰ .. «1» مع أن الآية تشتمل على تذييل الجملة الثانية به، لا يقدح بعد احتمال الاشتباه في النقل أو في الكتابة أو كون مقصود الإمام عليه السّلام النقل بالمعنى.

و كيف كان فالصحيحة تدل على أن المراد في قوله تعالى من الاتقاء، هو اتقاء الصيد، فمن لم يتق الصيد لا يكون مخيّرا بين التعجيل و التأخير، بل يجب عليه التأخير معينا. و القدر المتيقن من عدم اتقاء الصيد هو من أصابه. و أمّا من أخذه و لم يقتله فقد احتاط الإمام في المتن وجوبا بالمبيت ليلة الثالث عشر. و لكن شمول العنوان له محل ترديد. و أمّا أكل اللحم- أي: لحم الصيد- أو مجرد إراءته و الإشارة إليه فلا ينافي الاتقاء بوجه. فالأمر يدور مدار هذا العنوان.

(1) و أمّا الطائفة الثانية: فقد استشكل في وجوب المبيت الليلة المذكورة، نظرا إلى أن الإجماع لم يعلم تماميته، و الدليل اللفظي عليه ضعيف.

و هي رواية محمد

بن المستنير عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أتى النساء في إحرامه

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 401

..........

______________________________

لم يكن له أن ينفر في النفر الأول. «1»

و محمد بن المستنير لا يوجد في الرواة، و لا يكون له رواية أصلا، و لا يكون مذكورا في الكتب الرجالية، حتى مثل رجال الشيخ قدّس سرّه المشتمل على عدّ الرواة و أصحاب الأئمة عليهم السّلام.

أقول: الرواية و إن كانت ضعيفة، لكن لا شبهة في موافقة فتوى المشهور لها و استنادهم إليها. و هو جابر لضعف سند الرواية، و إن كانت نفس الشهرة غير حجة.

و أمّا الطائفة الثالثة: فيدل على حكمهم النصوص:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من تعجل في يومين، فلا ينفر حتى تزول الشمس. فإن أدركه المساء بات و لم ينفر. «2» أي: في النفر الأول، لا مطلقا.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا نفرت في النفر الأول، فإن شئت أن تقيم بمكة و تبيت بها فلا بأس بذلك. قال: و قال: إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح «3».

ثم إن ظاهر المتن عدم وجوب المبيت ليلة الثالث عشر على غير هذه الطوائف، لكنه حكي عن بعض العلماء وجوبه على الضرورة أيضا. كمن لم يتق الصيد في إحرامه. لكنه لا يعرف له شاهد و لا رواية ضعيفة. و حكى بعض الأعلام قدّس سرّه عن شيخه المحقق النائيني أن الأحوط الأولى المبيت الليلة المذكورة أيضا لكل من اقترف كبيرة من الكبائر. و إن لم تكن من محرمات الإحرام.

و قد اعترف بأنه أيضا

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر ح 1.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 402

..........

______________________________

لا يعرف له وجه و لا قائل به من الفقهاء.

و نسب إلى ابن سعيد: إن من لم يتق مطلق تروك الإحرام، و إن لم يكن فيه كفارة، يجب عليه البيتوتة الليلة المذكورة. و ربما يستدل له بما رواه في الوسائل عن الفقيه عن محمد بن المستنير عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال في تفسير الآية المتقدمة لِمَنِ اتَّقىٰ: الرفث و الفسوق و الجدال، و ما حرم اللّٰه عليه في إحرامه «1».

و في الفقيه على ما في حاشية الوسائل المطبوعة، سلام بن المستنير، و هو الحق. لما عرفت من أنه لا يوجد في الرواة محمد بن المستنير. فقد وقع في الوسائل اشتباه.

و سلام بن المستنير و إن كان ثقة بالتوثيق العام في محكي تفسير القمي و ليس في مقابله قدح خاص، إلّا أن الظاهر أنه لا يجوز العمل بروايته هذه. لأن صريح روايات الصيد جواز ترك المبيت هذه الليلة إذا اتقى الصيد، فتحمل على الاستحباب. مع أن السيرة العملية قائمة على النفر الأول.

و حملها على خصوص من لم يأت بشي ء من محرمات الإحرام، لا في حجه و لا في عمرته، بعيد جدا، و حمل على الفرد النادر. فاللازم الالتزام بعدم الوجوب و استحباب المبيت في هذه الصورة أيضا، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الحادي عشر، ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 403

[مسألة 3] في عدم وجوب المبيت على أشخاص

مسألة

3- لا يجب المبيت في منى في الليالي المذكورة على أشخاص:

الأول: المرضى و الممرضين (الممرضون ظ) لهم، بل كل من له عذر يشق معه البيتوتة.

الثاني: من خاف على ماله المعتد به، من الضياع أو السرقة في مكة.

الثالث: الرعاة إذا احتاجوا إلى رعي مواشيهم بالليل.

الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة.

الخامس: من اشتغل في مكة بالعبادة إلى الفجر، و لم يشتغل بغيرها إلّا الضروريات- كالأكل و الشرب بقدر الاحتياج و تجديد الوضوء و غيرها. و لا يجوز ترك المبيت بمنى لمن اشتغل بالعبادة في غير مكة، حتى بين طريقها إلى منى على الأحوط (1).

______________________________

(1) قد تعرض في هذه المسألة لمن لا يجب عليه المبيت في الليالي المذكورة، و هم أشخاص و طوائف:

الأول: كل من له عذر يشق معه البيتوتة- كالمريض و الممرض له.

و الدليل عليه قاعدة نفي الحرج الحاكمة على أدلة التكاليف الواجبة. خصوصا مع عدم كون المبيت جزءا للحج و لا شرطا له، بل واجب مستقل بعد تمامية أفعال الحج و مناسكه. يسقط مع وجود المشقة و الحرج.

الثاني: من خاف على ماله المعتد به بالنحو المذكور في المتن. و الدليل عليه قاعدة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 404

..........

______________________________

نفي الضرر بالنحو المعروف. لحكومته على الأدلة الأولية، و شمولها للضرر المالي المعتد به.

و أمّا على مبنى شريعة الأصفهاني من كون مفادها النهي عن الضرر. و كذا على مبنى سيدنا الأستاذ الماتن، الإمام قدّس سرّه الذي هو مختارنا أيضا، من كون النفي فيها مربوطا بحكومة الإسلام، و لا ارتباط لها بالأحكام الفقهية أصلا.

فالدليل مذاق الشرع الحاكم بعدم حكم الشارع بتحمل الضرر المالي المعتد به، لأجل فعل الواجب كما في الوضوء و نحوه.

الثالث: الرعاة بالشرط

المذكور. و الدليل على عدم وجوب مبيتهم، أحد الأمرين المتقدمين.

الرابع: أهل سقاية الحاج بمكة. و الدليل أيضا أحد الأمرين، مضافا إلى بعض النصوص. مثل:

رواية مالك بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام إن العباس استأذن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أن يبيت بمكة ليالي منى، فأذن له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من أجل سقاية الحاج «1».

الخامس: من اشتغل بمطلق العبادة، و إن لم تكن من أجزاء الحج في خصوص مكة، و إن لم يكن في مسجد الحرام.

و الدليل عليه استثناءه من الروايات الناهية عن البيتوتة في غير منى. و هذه الروايات كثيرة، كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

لكن الكليني في نقله زاد قوله: «و سألته عن الرجل زار عشاء، فلم يزل في

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 405

[مسألة 4] في ما لو لم يكن في منى أول الليل

مسألة 4- من لم يكن في منى أول الليل بلا عذر، يجب عليه الرجوع قبل نصفه، و بات إلى الفجر على الأحوط (1).

______________________________

طوافه و دعاءه و في السعي بين الصفا و المروة حتى يطلع الفجر، فقال: ليس عليه شي ء كان في طاعة اللّٰه» «1».

و لكنه ذكر أنه يكون هناك رواية أخرى لمعاوية بن عمار، قد نقلها الشيخ الطوسي قدّس سرّه لكن فيها بدل «زار عشاء» مذكورة: «زار البيت» «2».

و من الواضح عدم كونها رواية أخرى لمعاوية بن عمار، بل روايته رواية واحدة مرددة بين أمرين. و إن كان بينهما وضوح و خفاء، من جهة أن من صلى المغرب في منى و زار البيت عشاء. و من الواضح استلزامه للحركة من منى إلى مكة هل

تكون حركته هذه مغتفرة أم لا؟ فرواية «من زار العشاء» لها ظهور قوي في الاغتفار، و رواية «من زار البيت» لها ظهور باعتبار ترك الاستفصال. و إلّا فأصل الدلالة موجودة في كلا النقلين، فتدبر.

(1) ما أفاده في هذه المسألة مبني على مختاره، تبعا للمشهور- كما عرفت سابقا- من كون الواجب في المبيت واجبا تعيينيا مرتبطا بالنصف الأول. و أما بناء على ما اخترناه من الواجب التخييري فواضح، أن أحد الطرفين إذا ترك و لم يمكن الإتيان

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 21.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 13- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 406

[مسألة 5] في كون البيتوتة أمرا عباديا

مسألة 5- البيتوتة من العبادات، تجب فيها النية بشرائطها (1).

______________________________

به، يتعين الطرف الآخر. و الوجه في الاحتياط الوجوبي على مختاره، هو مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الواردة في أصل المسألة.

(1) الدليل على العبادية- مع عدم كونها من أجزاء الحج، حتى تكون عبادية مستلزمة لعباديتها- أمران:

أحدهما: قوله تعالى وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ .. «1» بناء على التفسير بليالي التشريق، و عدم كون المراد من اليوم هو اليوم في مقابل الليل. كما أنّه استعمل فيه في الكتاب كثيرا، و في التعابير العرفية كذلك. و عليه فيكون المبيت مصداقا لذكر اللّٰه. و من الواضح أن الذكر أمر عبادي قربي، لا يتحقق بدون قصد القربة.

ثانيهما: معاملة المتشرعة- أعم من الشيعة- معها معاملة الأمر العبادي، كالوقوف بعرفة و الوقوف بالمشعر. و يؤيد العبادية كون جميع الأمور المرتبطة بمناسك الحج، و إن لم تكن من أجزاءه، كذلك و المتشرعة ليس بينهم فرق بين الوقوف بالمشعر، و بين المبيت بمنى من هذه

الجهة أصلا.

و عليه فيكفي في الترك مجرد الإخلال كقصد القربة. و إن كان في إيجابه للكفارة الآتية إشكال، لترتبها على الترك الحقيقي، فليس فيه إلّا مجرد العصيان. و على أيّ فكون البيتوتة أمرا عباديا، لا إشكال فيه أصلا.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 407

[مسألة 6] في ثبوت الكفارة على ترك المبيت

مسألة 6- من ترك المبيت الواجب بمنى، يجب عليه لكل ليلة شاة- متعمدا كان أو جاهلا أو ناسيا. بل تجب الكفارة على الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة، إلّا الخامس منهم. و الحكم في الثالث و الرابع مبني على الاحتياط (1).

______________________________

(1) أمّا ثبوت الكفارة، أي: كفارة الشاة، بالإضافة إلى كل ليلة يجب المبيت فيها بمنى، بالمقدار الذي تقدم، فلصحيحة معاوية بن عمار الواردة في أصل المسألة، المشتملة على قوله عليه السّلام: «فإن بت في غيرها، فعليك دم». فإن ظاهرها العرفي ثبوت الدم بالنسبة إلى كل ليلة، لا على ترك مجموع الليالي.

ثم إن ظاهرها- كما في الجواهر- إطلاق ثبوت الكفارة، و عدم الفرق بين المتعمد و المضطر و العالم و الجاهل و الذاكر و الناسي. إلّا أنه يرد عليه أن مقتضى حديث الرفع الذي ظاهره رفع جميع الأمور الشرعية من الأحكام التكليفية و الوضعية في موارد عناوينه عدم ثبوت الكفارة أيضا بالإضافة إلى المضطر و كذا الجاهل و كذا الناسي.

لا لأجل الملازمة بين سقوط التكليف و سقوط الوضع، حتى يجاب بعدم الملازمة مورد اضطرار الرجل المحرم إلى لبس المخيط، و كذا الاضطرار التظليل، بل لأجل أن ظاهر حديث الرفع، رفع كلا الأمرين، إلّا مع قيام الدليل. و في المقام لا يكون موجودا، بل الموجود قوله عليه السّلام على ما عرفت في مسألة لبس المخيط

من محرمات إحرام الرجل، من قوله: «أي امرء ركب أمرا بجهالة، فلا شي ء عليه» أي حتى الكفارة و التوبة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 408

..........

______________________________

ثم إن عدم ثبوت الكفارة في الخامس من الأشخاص المعدودين في المسألة الثالثة، فلظهور دليله اللفظي المنحصر به في عدم ثبوت الكفارة، فإن قوله عليه السّلام: «كان في طاعة اللّٰه» لا يجتمع مع ثبوتها- كما لا يخفى.

و أما الرابع: و هو أهل سقاية الحاج، فلم يرد فيه من طرقنا إلّا رواية مالك بن أعين المتقدمة المتضمنة لنقل قصة استيذان العباس من الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم و إذنه له. و لا بأس بنقلها ثانيا.

فقد روي عن أبي جعفر عليه السّلام: إن العباس استأذن رسول اللّٰه صلّى الهّٰ عليه و آله و سلّم أن يبيت بمكة ليالي منى، فأذن له رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم من أجل سقاية الحاج «1».

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أن ذلك قضية شخصية في واقعة رخص النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعمه.

و هو ولي الأمر، و له أن يرخص لكل أحد. فالتعدي إلى كل مورد مشكل، و لا يستفاد من ترخيصه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم لعمه العباس، تعميم الترخيص لجميع السقاة.

و أنت خبير بأن الحاكي للقصة و الواقعة إذا كان هو الإمام عليه السّلام و كان الغرض من حكايته بيان الحكم يستفاد منه التعميم. خصوصا مع الاشتمال على ذكر العلة و السبب، سواء كانت العلة مذكورة في كلام الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم أو مذكورة في كلام الإمام الحاكي عليه السّلام. و هذا منه

عجيب جدا.

ثم إن المستفاد من الرواية- مضافا إلى الجواز، و عدم وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق- عدم ثبوت الكفارة أيضا. فالحكم بالثبوت فيه لا يكون مبنيا على الاحتياط. أي: الاحتياط الوجوبي- كما لا يخفى. بل الظاهر عدم الثبوت- كما

______________________________

(1) الوسائل أبواب العود إلى منى، الباب الأول، ح 21.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 409

[مسألة 7] في عدم اعتبار شرائط الهدي في هذه الكفارة

مسألة 7- لا يعتبر في الشاة في الكفارة المذكورة شرائط الهدي. و ليس لذبحه محل خاص. فيجوز بعد الرجوع إلى محله (1).

______________________________

عرفت.

و أمّا الراعي، فقد ذكر البعض المتقدم أن استثنائهم لعله غفلة من الأعلام. لأن الراعي شغله و عمله في النهار، و أمّا في الليل فحاله و حال بقية الناس سواء. و لذا استثني الراعي من الرمي في النهار. نعم قد يضطر الراعي من المبيت خارج مكة لحفظ أغنامه، و هذا عنوان آخر، يدخل بذلك في عنوان المضطر.

أقول: ما أفاده قدّس سرّه بالإضافة إلى الراعي حق لا ريب فيه. و قد عرفت أن حديث الرفع كما يرفع الحكم التكليفي يرفع الحكم الوضعي أيضا. فالحكم بثبوت الكفارة فيه مبني على الإطلاق، و رعاية الأدلة الأولية. و أما مع ملاحظة العناوين الثانوية، فلا وجه لثبوت الكفارة أصلا.

(1) وجه عدم اعتبار الأمرين، ان هذه الكفارة لا تكون هديا، حتى يعتبر فيها شرائطه التي ذكرناها. و لم يقم دليل على اعتبار محل خاص لذبحه، بعد عدم ارتباط أصل الواجب الذي تحقق الإخلال به بالحج، بل هو أمر واجب بعد الحج. و ليس لذبحه محل خاص. و إن قلنا به في الإخلال ببعض محرمات الإحرام الذي هو مرتبط بالحج أو بالعمرة، و لم يقم دليل على اتحاد حكم الكفارتين من

جميع الجهات- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 410

[مسألة 8] في ما لو كان داخلا في منى مقدارا من الليل

مسألة 8- من لم يكن تمام الليل في خارج منى، فإن كان مقدارا من أول الليل إلى نصفه في منى، لا إشكال في عدم الكفارة عليه، و إن خرج قبل نصفه أو كان مقدارا من أول الليل خارجا، فالأحوط لزوم الكفارة عليه (1).

______________________________

(1) الحكم في هذه المسألة مبني على مختاره الذي تبع فيه المشهور، من تعين النصف الأول من الليل للمبيت الواجب. و أمّا على مختارنا من ثبوت الحكم بنحو الواجب التخييري بين النصفين الأول و الآخر، فيجري فيه حكم الواجب التخييري من ثبوت الكفارة على تقدير عدم الإتيان بكلا العدلين.

و أمّا مع الإتيان بأحدهما و ترك الآخر فلا مجال لثبوت الكفارة بوجه. و هو الوجه في عدم ثبوت الكفارة في الفرض الأول الذي بقي في منى إلى نصف الليل. كما أن الوجه بناء على مبناه هو الإتيان بالواجب التعييني، و عدم الإخلال به بوجه أصلا. و أمّا في الفرض الثاني الذي خرج قبل نصفه أو كان مقدارا من أول الليل خارجا، فالحكم فيه بناء على الواجب التخييري هو العدم، إن عاد إلى منى و بقي فيه النصف الآخر كلّا.

نعم في صورة التلفيق الذي بقي في منى و بات فيها بمقدار النصف، و لكن لم يكن أحد النصفين الأول و الآخر، فالأحوط الوجوبي ثبوت الكفارة، لعدم تحقق الواجب التخييري، و إن بات في منى بمقدار أحد العدلين- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 411

[مسألة 9] في الفرق بين النفرين

مسألة 9- من جاز له النفر يوم الثاني عشر، يجب أن ينفر بعد الزوال، و لا يجوز قبله. و من نفر يوم الثالث عشر، جاز له ذلك في أي وقت شاء (1).

______________________________

(1) الفرق بين

النفرين اللذين يعبّر- سيما في الروايات- عن الأول، و هو اليوم الثاني عشر بالنفر الأول، و عن الثاني، و هو اليوم الثالث عشر بالنفر الثاني، هو دلالة النصوص على ذلك.

منها: صحيحة الحلبي، أنه سئل أبو عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول الشمس، فقال: لا، و لكن يخرج ثقله إن شاء، و لا يخرج هو حتى تزول الشمس «1».

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: إذا أردت أن تنفر في يومين، فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، و إن تأخرت إلى آخر أيام التشريق- و هو يوم النفر الأخير- فلا شي ء عليك أي ساعة نفرت قبل الزوال أو بعده، .. «2».

و منها: صحيحة أبي أيوب، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنّا نريد أن نتعجل السير- و كانت ليلة النفر، حين سألته- فأي ساعة تنفر؟ فقال لي: أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، فأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على كتاب اللّٰه.

فإن اللّٰه- عز و جل- يقول: ..

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 412

..........

______________________________

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ .. «1» فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجل، و لكنه قال وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ «2».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على هذا التفصيل. و في بعض الروايات إن الإمام يصلي استحبابا- في مكة الظهر يوم النفر الذي يكون ظاهره هو النفر الأخير.

ففي صحيحة الحلبي

عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: يصلي الإمام الظهر يوم النفر بمكة «3».

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 203.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب التاسع، ح 4.

(3) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 413

[القول في رمي الجمار الثلاث]

اشارة

القول في رمي الجمار الثلاث

[مسألة 1] في وجوب رمي الجمار الثلاث

مسألة 1- يجب رمي الجمار الثلاث، أي: الجمرة الاولى و الوسطى و العقبة، في نهار الليالي التي يجب عليه المبيت فيها، حتى الثالث عشر، لمن يجب عليه مبيت ليلته. فلو تركه صح حجه، و لو كان عن عمد، و إن أثم معه (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في جهتين:

الجهة الاولى: في أصل وجوب الرمي المذكور في نهار الليالي المذكورة.

و لا خلاف بيننا، بل بين المسلمين كافة في أصل الوجوب. و التعبير بأنه مسنون- كما في بعض الكلمات- إنما هو لأجل ثبوت وجوبه بالسنة، مقابل ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز. و يدل عليه أمور:

أحدها: السيرة القطعية العملية من المسلمين المتصلة بزمان المعصوم عليه السّلام نظير ما ذكرنا في المبيت، بل أولى منه، فتدبر.

ثانيها: الروايات المتعددة الكثيرة الواردة في بيان كيفية أصل الحج أو الدالة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 414

..........

______________________________

وجوب الرمي في اليومين أو مع اليوم الثالث.

منها: صحيحة عمر بن أذينة عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: سألته عن قول اللّٰه تعالى: .. الْحَجِّ الْأَكْبَرِ .. «1»، قال: الحج الأكبر، الوقوف بعرفة و رمي الجمار .. «2»

فإنه قد عدّ فيها رمي الجمار، لا رمي خصوص جمرة العقبة التي هي أول أعمال منى و مناسكه يوم النحر، في عداد الوقوف بعرفة، و إن قام الدليل فيه على عدم الجزئية- كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال:

يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما

فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة، و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس «3».

و منها: الروايات المتعددة الواردة في نسيان الرمي أو جهله، مثل: صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار، حتى نفرت إلى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار، كما كانت ترمي، و الرجل كذلك «4».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، .. «5».

______________________________

(1) التوبة (9): 3.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الرابع، ح 1.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح 1.

(4) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 1.

(5) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثاني عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 415

..........

______________________________

و منها: غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها وجوب الرمي في مقابل الاستحباب، بل بعض الأسئلة فيها دال على مفروغية ذلك، و كون السؤال باعتبار بعض الخصوصيات.

الجهة الثانية: في عدم كونه جزءا للحج، بحيث يوجب الإخلال به، و لو كان عن عمد و علم إخلالا به. و الدليل عليه ما مرّ في أصل المبيت و عدم جزئيته للحج، و عدم كونه من مناسكه و أفعاله، لتحقق التمامية بطواف الحج و الزيارة و السعي. على ما يدل عليه الرواية، بل الروايات المتقدمة.

و عليه فلا يترتب على تركه العمدي، سوى الإثم و العصيان و المخالفة و الطغيان.

و إن كان الواجب هو القضاء في السنة الآتية في خصوص أيام التشريق.

لأن الرمي لا يكون في غيرها- على ما هو مقتضى النص، إلّا أن ذلك لا يدل على الجزئية بوجه، بل يؤكد الوجوب.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى وجوب الرمي في يومين فقط، لمن وجب عليه مبيت ليلتهما، و في اليوم الثالث عشر أيضا، لمن وجب عليه مبيت ليلته.

فقد استدل صاحب الجواهر قدّس سرّه بإطلاق بعض النصوص. و ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنه لم نعثر على نص معتبر يدل بإطلاقه على وجوب ذلك، و هو أعرف بما قال. نعم ورد في الفقه الرضوي و دعائم الإسلام: الأمر بالرمي في يوم الثالث عشر على نحو الإطلاق، و إن لم يبت ليلته في منى. و لم يقل أحد من الفقهاء بذلك أصلا، و إنما قالوا بالوجوب على من بات ليلته. فما التزم به الأصحاب لا دليل عليه. و ما دل عليه الكتابان لم يلتزموا بمضمونهما، مضافا إلى ضعف الروايات المذكورة في الكتابين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 416

..........

______________________________

أضف إلى ذلك أنه يستفاد من بعض النصوص عدم الوجوب. و هو صحيح معاوية بن عمار، قال: إذا نفرت في النفر الأول- إلى أن قال:- إذا جاء الليل بعد النفر الأول، فبت بمنى، فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح. «1» فإنه إذا جاز النفر عند الإصباح- أي: بعد طلوع الفجر- فلا يتمكن من الرمي، لأن وقته ما بين طلوع الشمس إلى الغروب. فتجويز النفر عند الإصباح يستلزم تجويز ترك الرمي- كما لا يخفى.

فالحكم بوجوب الرمي يوم الثالث عشر لمن بات ليلته في منى، مبني على الاحتياط، انتهى.

و يرد عليه- مضافا إلى ثبوت السيرة العملية المذكورة، و إلى أن ضعف الروايتين مجبور بالشهرة و إطلاقهما

مقيد- ان صحيح معاوية بن عمار، ناظر إلى مسألة المبيت لا إلى أمر آخر.

و الحكم بعدم الوجوب و تماميته عند الإصباح لا دلالة له حتى بناء على مفهوم الغاية، إلّا على عدم الوجوب عند الإصباح.

و أمّا استلزام الرمي في النهار، للكون فيه في منى، فهو أمر آخر لا يرتبط بهذا الواجب، مضافا إلى أن الغاية المذكورة في بعض الروايات هو الإصباح و طلوع الشمس.

ففي رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل ينفر في النفر الأول، قال: له أن ينفر ما بينه و بين أن تسفر الشمس. فإن هو لم ينفر حتى يكون عند

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 417

[مسألة 2] في ما يعتبر في الرمي

مسألة 2- يجب في كل يوم رمي كل جمرة بسبع حصيات. و يعتبر فيها و في الرمي ما يعتبر في رمي الجمرة العقبة- على ما تقدم- بلا افتراق (1).

______________________________

غروبها، فلا ينفر، و ليبت بمنى حتى إذا أصبح و طلعت الشمس، فلينفر متى شاء «1».

و كيف كان، فالظاهر هو وجوب الرمي في اليوم الثالث عشر إذا بات ليلته بمنى.

و الدليل العمدة عليه، هي السيرة. و يؤيده التعبير به «كل يوم» في بعض الروايات المتقدمة. و الحكم بالفرق بين النفرين، بالإضافة إلى قبل الزوال و بعده، مع أن الداعي إلى الكون في منى قلما يتفق إذا لم يجب الرمي، و إن صارت البيتوتة ليلة الثالث عشر واجبة عليه. مع أنه يبدو في النظر أن البيتوتة إنما هي مقدمة للرمي في النهار، و إن كانت واجبا مستقلا، فتدبر.

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة في شرح المسألة الاولى، و

لا حاجة إلى الإعادة. كما أنه يستفاد من إطلاق وجوب الرمي في يومين أو اليوم الثالث عشر، و عدم التعرض للكمية و الكيفية أن الواجب هو السبع. و كذا رعاية الخصوصيات المعتبرة في رمي جمرة العقبة الذي هو أول مناسك منى يوم النحر و أعماله، و أنه لا فرق أصلا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب العاشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 418

[مسألة 3] في وقت الرمي

مسألة 3- وقت الرمي من طلوع الشمس إلى الغروب. فلا يجوز الرمي في الليل اختيارا، و لو كان له عذر من خوف أو مرض أو علة أو كان راعيا جاز في ليل يومه أو الليل الآتي (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في صورتين:

إحديهما: صورة الاختيار و عدم العذر. و قد ذكر في المتن أن وقت رميه من طلوع الشمس إلى الغروب. و فرّع عليه عدم جوازه في الليل اختيارا. و حكي عن الغنية و الإصباح و جواهر القاضي: أن وقته بعد الزوال. بل عن الشيخ في الخلاف:

إنه لا يجوز الرمي إلّا بعد الزوال. مدعيا عليه إجماع الفرقة، مع أنه لا قائل به أصلا.

بل ذكروا أن كلامه مخالف للإجماع. و عن مقنع الصدوق: إنه كلما قرب إلى الزوال فهو أفضل.

و الدليل على ما أفيد في المتن روايات معتبرة دالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.

منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «1».

و منها: صحيحة منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي

جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 419

..........

______________________________

و منها: صحيحة زرارة و ابن أذينة عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؟ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر عليه السّلام: يا حكم أ رأيت لو أنهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه احفظ علينا متاعنا حتى أرجع، أ كان يفوته الرمي؟ هو و اللّٰه ما بين طلوع الشمس إلى غروبها «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على ذلك. و عليه فالأمر بالرمي في كل يوم عند زوال الشمس- كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة- محمول على الاستحباب أو على التقية، لذهاب بعض فقهاء العامة بذلك.

ثانيتهما: صورة العذر- كالموارد المذكورة في المتن- فيجوز لهم الرمي في الليل.

و قد وردت فيها روايات صحيحة:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «2».

و منها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: رخّص للعبد و الخائف و الراعي في الرمي ليلا «3».

و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار في الليل و يضحي بالليل و يفيض بالليل «4».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة على أن المعذور، و من كان عليه المشقة- و لو من كثرة الزحام- يجوز له الرمي في الليل. فلا إشكال في أصل الحكم. إنما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الثالث عشر، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح 5.

(3) الوسائل: أبواب رمي جمرة

العقبة، الباب الرابع عشر، ح 2.

(4) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الرابع عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 420

..........

______________________________

الكلام في أن المراد بالليل، هل هو خصوص الليل السابق على يومه- كما عرفت في النساء بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة- أو الأعم من الليل السابق و اللاحق؟

فيه وجهان: بل قولان: حكي الثاني عن كاشف اللثام و صاحب الجواهر قدّس سرّهما لإطلاق الليل. و ذهب إليه الماتن قدّس سرّه لكن المحكي عن صاحب المدارك هو الأول.

و اختاره بعض الأعلام قدّس سرّه نظرا إلى أن الروايات المجوزة للرمي في الليل ناظرة إلى أن تقديمه على وقته إنما هو ممنوع في حق المختار. و أمّا المعذور فيجوز له التقديم. و لا نظر لها إلى مطلق الليل. و يؤكده ما ورد في النساء بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة. فليس لكلمة الليل إطلاق يشمل الليل اللاحق.

و يشهد له أيضا صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة. فإن الإفاضة بالليل و الخروج من منى شاهد على أن المراد هو الليل السابق. و عليه فلا يجوز للمريض المعذور التأخير إلى الليل اللاحق.

أقول: و يؤيده أن مثل الخائف الذي يجوز له الرمي في الليل، يكون غرض الشارع الإرفاق و التوسعة له. و التأخير عن الليل السابق مستلزم لبقائه في منى أكثر. مع أن المقصود التوسعة له، و هي لا تحصل إلّا بالليل السابق، فتدبر، فما اختاره هو الصحيح.

فرع لو فرض أنه لا يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق، فهل يجوز له رمي جميع الجمارات في الليلة الأولى، أو أن رمي كل يوم يقدم في ليلته؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 421

[مسألة 4] في وجوب الترتيب بين الجمار

مسألة 4- يجب الترتيب بأن يبتدئ بالجمرة الاولى ثم الوسطى ثم العقبة، فإن خالف- و لو عن غير عمد- تجب الإعادة، حتى يحصل الترتيب (1).

______________________________

حكي عن صاحب المدارك قدّس سرّه نفي البعد عن جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، و قال:

ربما كان في إطلاق بعض الروايات دلالة عليه. و لا بأس بما أفاده نظرا إلى خصوص صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على جواز الإفاضة بالليل. فإن المتفاهم من ذلك أنه يفعل جميع أعمال منى ثم يفيض و يذهب إلى حيث شاء. و أمّا سائر الروايات فلا إطلاق له أصلا- كما لا يخفى.

(1) يدل على أصل وجوب الترتيب- مضافا إلى استمرار سيرة المتشرعة العملية على ذلك- روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة، و ابدأ بالجمرة الأولى، فارمها عن يسارها من بطن المسيل، و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّٰه و أثن عليه و صلّ على النبي و آله، ثم تقدم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا ثم افعل ذلك عند الثالثة و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو اللّٰه كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة و عليك السكينة و الوقار و لا تقف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 422

..........

______________________________

عندها «1».

فإنه يرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب، بالإضافة إلى جل الأمور المذكورة فيها. و لا وجه لرفع اليد عن ظهوره فيه مطلقا، خصوصا مع العطف بكلمة ثم- كما لا يخفى.

و

منها: الروايات الواردة في نسيان أصل الرمي أو الترتيب بين الجمار.

و منها: الروايات الآتية الدالة على وجوب الإعادة، إذا رمى الجمار منكوسة.

و منها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.

ثم إن ظاهر العبارة وجوب الإعادة، و لو فيما إذا خالف الترتيب عن عمد.

أقول: أولا، أن الترتيب المعاد إنما يحصل بالإتيان بالوسطى ثم جمرة العقبة- كما أنه صرّح في المسألة الآتية بالاكتفاء بأربع حصيات في حصول الترتيب.

و ثانيا، أن المخالفة العمدية العلمية قلما يتفق ممن هو في صراط امتثال أمر المولى العالم بخصوصيات المأمور به. فإن من كان في مقام الامتثال كيف يتمشى منه قصد القربة في رمي الجمار مع العلم باعتبار الترتيب و كون عمله مخالفا له؟

فالعمدة في المخالفة غير هذه الصورة، و هي صورة الجهل أو النسيان. و لا شبهة في أن حديث الرفع بالإضافة إليهما، كما يرفع الحكم التكليفي، كذلك يرفع الحكم الوضعي في مورد هذه العناوين. مثل الجزئية و الشرطية و المانعية. فالدليل على عدم وجوب الإعادة في موردها شمول حديث الرفع و اقتضائه الصحة.

______________________________

(1) الوسائل: أورد صدره فيه في أبواب العود إلى منى، الباب الأول ح 1. و ذيله في أبواب رمي جمرة العقبة، الباب العاشر، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 423

..........

______________________________

و قد عرفت أن صحيحة جميل و صحيحة محمد بن حمران المتقدمتين الواردتين في حجة الوداع الدالتين على الاجتزاء إذا قدم ما حقه التأخير أو أخر ما حقه التقديم، لا يستفاد منهما الضابطة الكلية، حتى بالإضافة إلى غير مناسك منى يوم النحر من أفعال الحج و مناسكه، فضلا عن مثل رمي الجمار الذي عرفت أنه ليس من أجزاء الحج، بل واجب مستقل بعد أعماله

و مناسكه.

و صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الاولى، قال: يؤخر ما رمى بما رمى فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة «1».

و الظاهر من السؤال و إن كان هو نسيان رمي الجمار رأسا، إلّا أنه يستفاد من الجواب أن مراد السائل نسيان الترتيب المعتبر بين الجمار، و المقصود من قوله:

«يؤخر ما رمى بما رمى» هو ما يظهر من الجملة المتفرعة.

و صحيحة الحلبي و حماد جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى و جمرة العقبة «2». بعد كون مراد السائل هو الرمي كذلك نسيانا، ضرورة عدم تحققه من العامد إلّا قليلا- كما عرفت.

و من الواضح أن حديث الرفع قابل للتخصيص بالإضافة إلى جميع فقرأته. و لذا ذكرنا أن حديث «لا تعاد» الوارد في الصلاة الدال على استثناء الأمور الخمسة، يدل على البطلان فيها مطلقا. و لا مجال لإجراء حديث الرفع و مثله أصلا. و قد ذكر بعض

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 2.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 424

[مسألة 5] في ما لو رمى بأربع حصيات

مسألة 5- لو رمى الجمرة الأولى بأربع حصيات ثم رمى الوسطى بأربع ثم اشتغل بالعقبة صح، و عليه إتمام الجميع بأي نحو شاء. لكن الأحوط لمن فعل ذلك عمدا الإعادة. و كذا جاز رمي المتقدمة بأربع ثم إتيان المتأخرة، فلا يجب التقديم بجميع الحصيات (1).

______________________________

الأعلام أن الجاهل ملحق بالناسي قطعا.

(1) قال المحقق في الشرائع: و من حصل له رمي أربع حصيات، ثم رمى على الجمرة الأخرى

حصل له الترتيب، قال في الجواهر بعده: و إلّا فلا، بلا خلاف أجده فيه- كما اعترف به في الرياض- إلّا من ظاهر المحكي عن علي بن بابويه، بل عن صريح الخلاف و ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه.

أقول: نسب إلى الحلي الإتمام، و لو رمى أقل من أربع. و نسب إلى والد الصدوق- علي بن بابويه القمي- أنه إنما يحكم بالصحة للسابقة إذا أكمل اللاحقة و رماها سبعا. و إلّا فمن أتى بالسابقة أربعا و باللاحقة أربعا أيضا يحكم عليه بالفساد.

و العبارة المحكية عنه في محكي المختلف هكذا: «فإن جهلت و رميت الاولى بسبع حصيات و الثانية بست و الثالثة بثلاث، فارم على الثانية بواحدة و أعد الثالثة، و متى لم تجز النصف فأعد الرمي من أوله، و متى جزت النصف فابن على ما رميت، و إذا رميت الجمرة الأولى دون النصف فعليك أن تعيد الرمي إليها و إلى ما بعدها من أوله».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 425

..........

______________________________

و الظاهر أن المراد من تجاوز النصف و عدمه، هو بلوغ الأربع و عدمه. و قد مرّ في مسألة الطواف البحث في هذه الجهة، فراجع.

و كيف كان فالدليل على المقام- بعد كون مقتضى القاعدة الإعادة، لعدم حصول المأمور به على وجهه و اعتبار الترتيب مطلقا- النصوص الواردة في هذا المجال:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: و قال في رجل رمى الجمار، فرمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع سبع، قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الاولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد و ليرمهن جميعا بسبع سبع، و

إن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و إن كان رمى الوسطى بأربع، رجع فرمى بثلاث «1».

و منها: صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار، و يحتمل قويا أن تكون صدر الصحيحة السابقة لا رواية مستقلة، و التقطيع قد تحقق من صاحب الوسائل، كما أنه يحتمل قويا أن تكون صحيحة ثالثة لمعاوية بن عمار، مذكورة في الباب السابع من أبواب العود إلى منى، مرتبطة بهذه الرواية، و يكون المجموع رواية واحدة.

و كيف كان فقد روى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع، قال: يعيد فيرميهن جميعا بسبع سبع قلت فان رمى الاولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع، قلت: فإنه رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال: يعيد فيرمي الأولى بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد على الثالثة «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب السادس، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 426

..........

______________________________

و منها: الزيادة المذكورة في نقل صاحب المدارك، صحيحة حماد و الحلبي جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: يعيد على الوسطى و جمرة العقبة «1». و هي: «فإن كان قد رمى الجمرة الأولى أقل من أربع حصيات و أتم الأخيرتين، فليعد على الثلاث جمرات، و إن كان قد رمى من الأولى أربعا فليتم ذلك، و لا يعيد على الأخيرتين. و كذلك إن كان قد رمى من الثانية ثلاثا فليعد

عليها و على الثالثة، و إن كان قد رماها بأربع و رمى الثالثة بسبع فليتمها و لا يعيد الثالثة».

لكنه استظهر صاحب الجواهر قدّس سرّه كون هذه الزيادة من كلام الشيخ- الناقل للرواية- لا من الرواية، قال: كما يظهر لك بالتأمل فيما في الكافي و ما رواه في التهذيب عنه، و لعله لذا لم تذكر في الوافي و الوسائل.

و كيف كان فلا يبقى بملاحظة النصوص و الروايات الوجه في صحة ما أفاده المشهور و أنه لا مجال لخلافها.

نعم يبقى الكلام في أن الحكم هل يشمل العامد، أو يختص بغيره من الناسي و الجاهل؟

استظهر من عبارة شرائع المحقق المتقدمة و من النافع و المحكي عن المبسوط و الخلاف و الجامع و التحرير و التلخيص و اللمعة الأول. خلافا للفاضل في جمع من كتبه و الشهيدين في الدروس و اللمعة حيث قيدوه بالناسي، بل عن الحدائق نسبة التقييد به و بالجاهل إلى الأصحاب، و إن ذكر صاحب الجواهر: و إن كنّا لم نتحققه في الثاني، نعم ألحقه الشهيدان منهم بالناسي.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 427

..........

______________________________

و قد استدل العلامة للاختصاص بأن الأكثر إنما يقوم مقام الكل مع النسيان، و ردّ بأنه مصادرة و إعادة للمدعى. و عن الروضة الاستدلال له بأن المعلوم إنما هو النهي عنه قبل الأربع لا مطلقا، و إن ضعف أيضا بأنه اجتهاد في مقابل النص.

أقول: بعد قيام الدليل على أن الواجب في رمي كل جمرة هو السبع، و بعد قيام الدليل أيضا على اعتبار الترتيب في رمي الجمار، لا بد من ملاحظة أن الروايات التي هي الأساس في محل البحث،

هل تشمل العالم العامد أيضا أم لا؟

و دعوى عدم الشمول للعامد لندرته فلا ينصرف إليه السؤال المعلق عليه الجواب، مدفوعة، بأنها أيضا مصادرة. لأن الندرة ممنوعة مع فرض الشمول، لأن العالم العامد لا يتحقق العمل الفاسد نوعا، و أما العمل الصحيح فلا.

فالحق أن يقال: إن التعبير في قول الراوي و سؤاله بكلمة «رمى» التي ترجع إلى السؤال عن العمل الواقع، و الرمي المتحقق في السابق، مع أن الداعي إلى السؤال و محط نظر السائل هي الصحة، بالإضافة إلى العمل الواقع و عدمها، يقتضي أن يكون مورد السؤال غير صورة العمد الذي تحققت فيها المخالفة للترتيب المأمور به قطعا.

و بعبارة أخرى، قد عرفت أن مقتضى القاعدة الأولية في المقام هو الفساد، لأن المأتي به لا يكون موافقا للمأمور به قطعا. و حيث إن مورد السؤال هو صحة الرمي الواقع و العمل المتحقق. و من الواضح أن قيام الأكثر مقام الكل أمر قد تحقق بمثل هذه الروايات. فلا مجال لدعوى الشمول للعالم العامد بعد عدم ثبوت القيام قبلها.

و لذا ذكر الماتن قدّس سرّه أن مقتضى الاحتياط الوجوبي في صورة العمد الإعادة و الاستيناف رأسا، و إن كان ذيل عبارته لعله يدل على الصحة مع العمد، إلّا أنه لا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 428

[مسألة 6] في ما لو نسي رمي الجمار

مسألة 6- لو نسي الرمي من يوم، قضاه في اليوم الآخر، و لو نسي من يومين، قضاهما في اليوم الثالث. و كذا لو ترك عمدا. و يجب تقديم القضاء على الأداء و تقديم الأقدم قضاء، فلو ترك إلى يوم العيد و بعده، أتى يوم الثاني عشر أولا بوظيفة العيد ثم بوظيفة الحادي عشر ثم الثاني عشر.

و بالجملة

يعتبر الترتيب في القضاء- كما في الأداء- في تمام الجمار و في بعضها. فلو ترك بعضها كجمرة الاولى- مثلا- و تذكر في اليوم الآخر، أتى بوظيفة اليوم السابق مرتبة، ثم بوظيفة اليوم. بل الأحوط فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات فتذكر في اليوم الآخر، أن يقدم القضاء على الأداء و أقدم قضاءا على غيره (1).

______________________________

يجتمع مع ذلك الاحتياط الوجوبي أصلا. و لذا أوردنا عليه في الحاشية: أن مقتضاه الصحة مع العمد. و هو لا يجتمع مع الاحتياط الوجوبي بالإعادة على العامد، فتدبر.

(1) يدل على أصل وجوب قضاء الرمي المنسي في اليوم الآخر، و كذا لزوم مراعاة الترتيب في الرمي القضائي أيضا روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: قلت الرجل ينكس في رمي الجمار، فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة، و إن كان من الغد. «1»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الخامس، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 429

..........

______________________________

فإن مورد السؤال إما صورة النسيان أو الجهل و قوله «و إن كان من الغد» ظاهر في وجوب القضاء و لزوم الترتيب في الرمي القضائي. و يستفاد منه حكم صورة نسيان أصل الرمي في يوم، و إطلاق قوله «من الغد» يشمل اليوم الثالث عشر بالإضافة إلى اليوم الذي بعده و إن كان هو اليوم الرابع عشر، و يحتمل قويا أن تكون الرواية قطعة من رواية معاوية بن عمار المفصلة- كما عرفت نظيرها.

ثم إن المشهور قد التزموا بتقديم القضاء على الأداء، بل ادعى الإجماع على ذلك، و حكموا بأن الإتيان بالقضاء بكرة و

بالأداء عند الزوال مستحب. و استدلوا عليه بصحيحة ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين: مرة لما فاته و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرق بينهما، يكون أحدهما بكرة و هي للأمس و الأخرى عند زوال الشمس «1».

و بملاحظة الروايات الدالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى الغروب، يستفاد أن الحكم بالتفريق في الرمي القضائي، و كذا كون القضائي أول النهار و الأدائي عند زوال الشمس حكم استحبابي، و لا يلازم استحباب أصل القضاء مع أن التفريق المستحب بالنحو المذكور استحبابي إجماعا.

نعم يرد على الاستدلال بها: أنها واردة في رمي جمرة العقبة الذي هو من أعمال منى و مناسكه و جزء من أجزاء الحج، بخلاف رمي الجمار الذي عرفت أنه خارج عن أجزاء الحج، و التقديم في جزء الحج على ما ليس جزء له هو مقتضى القاعدة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب الخامس عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 430

[مسألة 7] في ما لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة

مسألة 7- لو رمى على خلاف الترتيب و تذكر في يوم آخر، أعاد حتى يحصل الترتيب، ثم يأتي بوظيفة اليوم الحاضر (1).

______________________________

و لا حاجة فيه إلى الرواية، بخلاف المقام. فكيف يمكن التعدي من ذلك إلى رمي الجمار، و الحكم بأن قضاء اليوم الحادي عشر مع نسيان الرمي فيه مقدم على الأداء في اليوم الثاني عشر، مع كونهما بنحو واحد في الخروج عن أعمال الحج و عدم كونه جزءا من أجزائه؟ اللهم إلّا مع إلغاء الخصوصية من هذه الجهة. و

يؤيده اشتراك الرميين في الشرائط و الخصوصيات الأخرى.

نعم فيما إذا رمى الجمرات أو بعضها بأربع حصيات و تذكر في اليوم الآخر، يكون مقتضى الاحتياط الوجوبي- كما في المتن- تقديم القضاء على الأداء، و تقديم الأقدم قضاءا على غيره. فالحكم في مثله بل في أصله مبني على الاحتياط، من دون أن يكون عليه دليل واضح، فتدبر.

(1) قد تقدم البحث عن خلاف الترتيب نسيانا، و كذا الترتيب بين القضاء و الأداء في المباحث السابقة، و لا حاجة إلى الإعادة، فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 431

[مسألة 8- لو نسي رمي الجمار الثلاث و دخل مكة]

مسألة 8- لو نسي رمي الجمار الثلاث و دخل مكة، فإن دخل في أيام التشريق يجب الرجوع مع التمكن، و الاستنابة مع عدمه، و لو تذكر بعدها أو أخّر عمدا إلى بعدها، فالأحوط الجمع بين ما ذكر و القضاء في العام القابل، في الأيام التي فات منه إما بنفسه أو بنائبه. و لو نسي رمي الجمار الثلاث حتى خرج من مكة، فالأحوط القضاء في العام القابل و لو بالاستنابة. و حكم نسيان البعض في جميع ما تقدم كنسيان الكل، بل حكم من أتى بأقل من سبع حصيات في الجمرات الثلاث أو بعضها حكم نسيان الكل على الأحوط (1).

______________________________

(1) قال المحقق قدّس سرّه في الشرائع: و لو نسي رمي الجمار حتى دخل مكة رجع و رمى، و إن خرج من مكة لم يكن عليه شي ء إذا انقضى زمان الرمي. و الظاهر أن قوله: «إذا انقضى زمان الرمي»- مع ملاحظة أن زمان الرمي هي أيام التشريق على ما عرفت- متعلق بالجملة الأخيرة. و قيد صاحب الجواهر قدّس سرّه الجملة الأولى بقوله: «مع بقاء أيام التشريق التي هي زمان

الرمي».

و كيف كان، فيدل على وجوب الرجوع من مكة مع بقاء أيام التشريق- سواء كان المنشأ للترك هو الجهل أو النسيان- روايات متعددة، و يستفاد منها صورة العمد بطريق أولى، لكن التقييد بأيام التشريق وقع في رواية واحدة فقط، و هي:

رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه (و خ) فإنه لا يكون رمي الجمار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 432

..........

______________________________

إلّا أيام التشريق «1».

لكن في طريقها محمد بن عمر بن يزيد، و لم يرد فيه توثيق و لا مدح يعتدّ به.

و لكن ضعف السند منجبر بفتوى المشهور على طبقها و استنادهم إليه، و به يقيد إطلاق قوله عليه السّلام «و إن كان من الغد» في صحيحة معاوية بن عمار في المسألة السابقة، و إن قلنا بأن مقتضى إطلاقه القضاء في اليوم الرابع عشر أيضا، إذا فاته الرمي من اليوم الثالث عشر.

و كيف كان فاحتاط وجوبا في المتن في القضاء بعد هذه الأيام لو تذكر بعدها أو أخّر عمدا، و الإتيان به من قابل في الأيام التي فات منه، إمّا بنفسه و إمّا بالاستعانة و الاستنابة.

كما أنه احتاط فيما إذا تذكر بعد الخروج من مكة و يكون نوعا بعد أيام التشريق، لأن الخروج من مكة مع قصد الرجوع إلى الأهل و الوطن يكون بعدها نوعا.

و منشأ الاحتياط سكوت بعض الروايات من هذه الجهة، و ظاهرها عدم وجوب الإعادة و الإتيان من القابل مطلقا، مثل:

صحيحة معاوية

بن عمار عن الصادق عليه السّلام قال: قلت له رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرمي، قلت: فإنه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا، يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته و خرج، قال: ليس عليه أن يعيد «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 4.

(2) الوسائل: أبواب العود إلى منى، الباب الثالث، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 433

[مسألة 9] في أن المعذور يستنيب

مسألة 9- المعذور- كالمريض و العليل- و غير القادر على الرمي- كالطفل- يستنيب، و لو لم يقدر على ذلك- كالمغمى عليه- يأتي عنه الولي أو غيره، و الأحوط تأخير النائب إلى اليأس من تمكن المنوب عنه، و الأولى مع الإمكان حمل المعذور و الرمي بمشهد منه، و مع الإمكان وضع الحصى على يده و الرمي بها. فلو أتى النائب بالوظيفة ثم رفع العذر لم يجب عليه الإعادة، و استنابه مع اليأس، و إلّا تجب على الأحوط (1).

______________________________

لكن صرح الشيخ و غيره: أن الرجوع إنما يجب مع بقاء أيام التشريق و مع خروجها تقضى في القابل. مستدلا عليه في التهذيب بخبر عمر بن يزيد المتقدمة. و الاحتياط مقتض لما أفاده، خصوصا بناء على الانجبار- كما عرفت.

(1) لا إشكال في وجوب الاستنابة عن المعذور، و غير القادر على الرمي- كالطفل. و يدل عليه النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج جميعا عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: الكسير و المبطون يرمى عنهما، قال: و الصبيان يرمى عنهم. «1»

و الرواية و إن كان ظاهرها وجوب الرمي عنهم، إلّا أنها تدل على عدم السقوط بمجرد تعذر المباشرة، فالواجب هي الاستنابة.

نعم في المغمى عليه غير القادر على

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 434

..........

______________________________

الاستنابة وجوب إتيان الولي أو غيره عنه.

نعم يقع الكلام في أن المريض الذي يحتمل البرء و حصول القدرة في أواسط اليوم أو أواخره، هل يجوز له الاستنابة بعد عدم جوازها قطعا فيما إذا علم بالبرء في بعض أوقات النهار؟ لأن العجز المجوز للاستنابة المسقط للمباشرة، هو العجز في مجموع الوقت لا في بعضه، نعم مع الشك في زوال العذر و عدمه يجوز له بمقتضى الاستصحاب و بقاء العذر إلى آخر الوقت البدار. لكن الأحوط التأخير إلى اليأس من التمكن، و هذا بعينه مسألة البدار في التيمم التي تقدمت.

ثم إن الأولى مع الإمكان حمل المعذور و الرمي بمشهد منه، و يدل عليه بعض الروايات الظاهرة في الوجوب، مثل:

رواية إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة و يرمى عنه «1».

و لكنه لم يقل أحد بالوجوب. ثم إن النائب لو أتى بالوظيفة ثم ارتفع العذر، لا تجب الإعادة قطعا، و مع عدم اليأس تجب الإعادة احتياطا- و قد تقدم.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب رمي جمرة العقبة، الباب السابع عشر، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 435

[مسألة 10] في فروض الشك

مسألة 10- لو يئس غير المعذور- كوليه مثلا- عن رفع عذره، لا يجب استيذانه في النيابة، و إن كان أحوط. و لو لم يقدر على الإذن لا يعتبر ذلك (1).

______________________________

(1) لا إشكال في أن الولي- مثلا- إذا لم يقدر على الإذن لأية جهة لا يعتبر في صحة عمله

الاستيذان بوجه. و أما مع القدرة عليه يكون مقتضى الاحتياط الاستيذان. لأن التكليف متوجه إلى المعذور. فهو يأتي بالمأمور به، إما مباشرة و إما استنابة. فمقتضى الاحتياط الاستيذان. و إن كان يائسا من رفع عذر المعذور.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 436

[مسألة 11- لو شك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفته لا يعتنى به]

مسألة 11- لو شك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفته لا يعتنى به، و لو شك بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخرة في إتيان المتقدمة أو صحتها لا يعتنى به، كما لو شك بعد الفراغ أو التجاوز في صحة ما أتى، بنى على الصحة، و لو شك في العدد و احتمل النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخرة، يجب الإتيان ليحرز السبع حتى مع الانصراف و الاشتغال بأمر آخر على الأحوط، و لو شك بعد الدخول في المتأخرة في عدد المتقدمة، فإن أحرز رمي أربع حصيات و شك في البقية يتمها على الأحوط، و كذا لو شك في ذلك بعد إتيان وظيفة المتأخرة. و لو شك في أنه أتى بالأربع أو أقل، بنى على الإتيان بالأربع و أتى بالبقية (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأول: الشك بعد مضي اليوم في إتيان وظيفة اليوم الماضي. و الحكم فيه عدم الاعتناء لكونه شكا بعد خروج الوقت المحدد- كالشك في الإتيان بالظهرين بعد غروب الشمس و مجي ء وقت العشاءين.

الثاني: الشك بعد الدخول في رمي الجمرة المتأخرة في أصل الإتيان برمي الجمرة المتقدمة، أو صحة ما أتى به من رمي جمرتها. و الحكم فيه أيضا عدم الاعتناء. أمّا في الشك في أصل الإتيان، فلقاعدة الفراغ بعد اعتبار الترتيب مطلقا. و في الحقيقة يرجع إلى الشك في الصحة، لأجل اعتبار الترتيب، و الحكم فيه

بعد الفراغ عن العمل، الصحة.

الثالث: الشك في صحة ما أتى به من الرمي. و الحكم فيه أيضا الصحة، لما مر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 437

..........

______________________________

الرابع: الشك في العدد، و احتمال النقصان قبل الدخول في رمي الجمرة المتأخرة.

و الظاهر فيه لزوم الاعتناء و البناء على الأقل، للزوم إحراز السبع المأمور به، و اقتضاء الاستصحاب عدم تحققه، فاللازم إحرازه. هذا فيما إذا لم ينصرف و لم يشتغل بأمر آخر واضح لا ارتياب فيه.

و أما مع الانصراف أو الاشتغال بأمر آخر، ففي المتن لزوم الاعتناء على الأحوط الذي يراد به الاحتياط الوجوبي الناشئ من عدم إحراز تحقق المأمور به الذي هو السبع. و الشك ليس في صحة ما أتى به، حتى تجري فيه أصالة الصحة.

الخامس: الشك بعد الدخول في المتأخرة في عدد المتقدمة بعد إحراز رمي أربع حصيات و الشك في البقية. ففي المتن أنه يتمها على الأحوط.

أما أصل الإتمام فلأن مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بما زاد على أربع. و أما كون الإتمام مقتضى الاحتياط الوجوبي، فلعدم إحراز جريان أصالة الصحة هنا، لأن الشك لا يكون في أصل الصحة، بل في العدد مع وجودها.

السادس: ذلك مع عدم إحراز رمي أربع حصيات. و الحكم فيه- كما في المتن- أنه ينبئ على الأربع و يأتي بالبقية.

أما البناء على الأربع فلجريان أصالة الصحة، و إن كان مقتضى الاستصحاب عدمها. لأن في كل مورد تجري أصالة الصحة تكون هي متقدمة على الاستصحاب المقتضي لخلافها. و أما الإتيان بالبقية فلأن مقتضى الاستصحاب عدم الإتيان بها، و لا مجال لجريان أصالة الصحة بالإضافة إلى الزائد أصلا.

السابع: ذلك بعد الإتيان بوظيفة المتأخرة. و الحكم فيه هو الحكم في الفرع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 438

[مسألة 12] في ما لو تيقن بعدم إتيان واحد من الجمار

مسألة 12- لو تيقن بعد مضي اليوم بعدم إتيان واحد من الجمار الثلاث، جاز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة. و الأحوط قضاء الجميع، و لو تيقن بعد رمي الجمار الثلاث بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها، يجب إتيان ما يحتمل النقصان و الرمي بكل واحد من الثلاث، و لو تيقن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع، لا يبعد جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة و تتميم ما نقص. و الأحوط الإتيان بتمام الوظيفة في الجمرة العقبة، و أحوط منه استئناف العمل في جميعها (1).

______________________________

السادس من التفصيل بين صورة إحراز رمي أربع حصيات و عدم إحرازه. ففي الأول يتمها على الأحوط. و في الثاني يبنى على الأربع و يأتي بالبقية. و من حكم هذه الفروع يظهر حكم جميع الفروع التي يمكن تصويرها في المقام، فتدبر.

(1) قد تعرض في هذه المسألة أيضا لفروع:

الأول: ما لو تيقن بعد مضي اليوم بعدم إتيان واحد من الجمار الثلاث. و قد حكم فيه بجواز الاكتفاء بقضاء الجمرة العقبة، و احتاط استحبابا قضاء الجميع. و الوجه في الجواز في الاكتفاء بقضائها هو العلم تفصيلا ببطلانها، إما لأجل عدم رميها، و إما لأجل كونه فاقدا للترتيب المعتبر مطلقا، فاللازم الإتيان به، و معه لا يبقى له علم بعدم الإتيان أصلا- كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 439

[مسألة 13] في ما لو تيقن بعدم رمي يوم

مسألة 13- لو تيقن بعد مضي الأيام الثلاثة بعدم الرمي في يوم من غير العلم بعينه، يجب قضاء رمي تمام الأيام مع مراعاة الترتيب، و إن احتمل جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيام (1).

______________________________

الثاني: ما لو تيقن بعد رمي الجمار الثلاث المتحقق يقينا بنقصان الثلاث فما دون عن أحدها. و حكم

فيه بوجوب إتيان ما يحتمل النقصان، و الرمي بكل واحد من الثلاث. و الوجه فيه أن الصحة متيقنة لفرض تحقق الأربع بالإضافة إلى كل واحدة من الجمرات. و العلم الإجمالي بنقصانه عن أحدها يقتضي الاحتياط برمي كل واحد من الثلاث- كما في سائر الموارد.

الثالث: لو تيقن في الفرض بنقصان أحدها عن أربع. و نفى في المتن البعد عن جواز الاكتفاء برمي الجمرة العقبة و تتميم ما نقص. و الوجه فيه لزوم التتميم على أي حال، لكونه ناقصا عن أربع أو مأتيا به بعد الناقص كذلك، فبالتتميم و إتيان ما نقص لا يبقى له ذلك. لكن الأحوط الاستحبابي الإتيان بتمام الوظيفة في خصوص الجمرة العقبة لا الاكتفاء بالتتميم، و أحوط منه استيناف العمل في الجميع و رمي جميع الجمار الثلاث، لأنه يحصل له اليقين التفصيلي بتحقق الوظيفة الشرعية في مسألة الرمي، فتدبر.

(1) الوجه في قضاء رمي تمام الأيام مع مراعاة الترتيب، هو العلم الإجمالي المقتضي للاحتياط، بعد اختصاص كل يوم بنية خاصة من الأداء و القضاء، و قضاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 440

..........

______________________________

كل يوم من الأيام. فإن قضاء اليوم الحادي عشر يفتقر إلى نية خاصة، و كذا قضاء اليوم الثاني عشر، و هكذا. فمقتضى الاحتياط هو وجوب قضاء رمي تمام الأيام. و لا يكون هذا مثل ما لو علم بنسيان واحدة من الظهرين، حيث يجوز الاكتفاء بصلاة واحدة مرددة بين إحدى الظهرين. و كذا لو علم بوجوب الإتيان بصلاة واحدة أربع ركعات، مرددة بين الأداء و القضاء.

لكنه احتمل في المتن جواز الاكتفاء بقضاء وظيفة آخر الأيام. و الوجه فيه هو العلم التفصيلي ببطلانه، إما لأجل عدم تحققه، و إما

لأجل فقدانه للترتيب المعتبر.

و قد عرفت أن اعتبار الترتيب بهذا النحو لا يكون عليه دليل واضح، بل يكون مبنيا على الاحتياط. فالواجب هي رعاية العلم الإجمالي و قضاء رمي تمام الأيام، مع مراعاة الترتيب، فتدبر.

هذا تمام الكلام في رمي الجمار الثلاث.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 441

[القول في الصدّ و الحصر]

اشارة

القول في الصدّ و الحصر

[مسألة 1] في معنى الصدّ و الحصر

مسألة 1- المصدود من منعه العدو أو نحوه عن العمرة أو الحج، و المحصور من منعه المرض عن ذلك (1).

______________________________

(1) قال المحقق في الشرائع: الصدّ بالعدوّ، و الإحصار بالمرض لا غير. و قال صاحب الجواهر في شرحه: كما هو المعروف بين الفقهاء، بل في المسالك اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم، بل ظاهر المنتهى الاتفاق على إرادة ذلك من اللفظين المزبورين، بل عن صريح التنقيح و كنز العرفان ذلك- إلى أن قال:- بل في المسالك هو- أي: الحصر- بمعنى المرض مطابق للغة- إلى أن قال:- هذا كلام العرب، و إن كان المحكي عن غيرهم من أهل اللغة خلاف ذلك.

أقول: هنا أمور لا بد من التوجه و النظر إليها:

الأول: أنه ربما يكون المانع عن إتمام الحج أو العمرة مع التلبس بإحرامهما غير ذلك، كالسيل و شدة العطوفة من ناحية الأب أو غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 442

..........

______________________________

الثاني: بعض الروايات، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام إنه قال: المحصور غير المصدود، و قال: المحصور هو المريض، و المصدود هو الذي يرده المشركون، كما ردوا رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم ليس من مرض. و المصدود تحل له النساء، و المحصور لا تحل له النساء «1».

الثالث: وقوع التعبير بالإحصار في قوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» و قد احتج به الأصحاب على مسائل من أحكام الصدّ. بل في المسالك عند العامة الحصر و الصدّ واحد من جهة العدوّ، و نحوه ما عن المنتهى.

أقول: يغلب على الظن أن المحصور

من منعه المرض، أو شبهه من الجهات الداخلية غير المرتبطة إلى شخص أو أمر آخر. و المصدود من منعه العدوّ، أو مثله من الجهات الخارجية- من دون فرق بين أن يكون مشركا أو غيره أو إنسانا أو غيره، مثل: السيل- و الذي يسهل الخطب اشتراك العنوانين في كثير من الأحكام و اختلافهما في بعضها- كما سيظهر إن شاء اللّٰه تعالى.

و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه: إنه قيل هنا ان جملتها- أي الأمور التي يفترقان فيهما- ستة:

1- عموم تحلل المصدود بمحلله لكل ما حرم عليه بالإحرام حتى النساء، بخلاف المحصر الذي يحل له ما عدا النساء المتوقف حلهن له على طوافها.

2- الإجماع على اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود، فإن فيه خلافا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 1.

(2) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 443

..........

______________________________

3- تعين مكان ذبح هدي المحصور بمكة في إحرام العمرة و بمنى في إحرام الحج، بخلاف المصدود الذي يذبح حيث وجد المانع.

4- افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي، بخلاف المصدود فإن فيه قولين.

5- تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه، بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف.

6- كون فائدة الشرط في عقد الإحرام للمحصور تعين تعجيل التحلل، بخلاف المصدود الذي فيه الخلاف في أنه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة لا رخصة أو مجرد التعبد؟ انتهى.

أقول: سيظهر الاختلاف في هذه الأحكام في المسائل الآتية، إن شاء اللّٰه تعالى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 444

[مسألة 2] في حكم المصدود

مسألة 2- من أحرم للعمرة أو الحج يجب عليه الإتمام، و لو لم يتم بقي على إحرامه، فلو

أحرم للعمرة فمنعه عدوّ أو نحوه- كعمّال الدولة أو غيرهم- من الذهاب إلى مكة، و لم يكن طريق غير ما صدّ عنه، أو كان و لم يكن له مئونة الذهاب منه، يجوز له التحلل من كل ما حرم عليه بأن يذبح في مكانه بقرة أو شاة أو ينحر إبلا، و الأحوط قصد التحلل بذلك، و كذا الأحوط التقصير، فيحل له كل شي ء حتى النساء (1).

______________________________

(1) أما وجوب إتمام العمرة أو الحج إذا شرع فيهما و تلبس بإحرامهما و أنه لو لم يتم بقي على إحرامه، فلتسالم الأصحاب عليه ظاهرا، و إن كانا استحبابيين، و لقوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. «1» و هو بإطلاقه لا يختص بالواجب، مضافا إلى عدم وجوب العمرة أصلا، إلّا بالإضافة إلى حجة الإسلام، لمن كان واجبه التمتع أو العمرة المفردة، بالإضافة إلى غيره- و قد مر.

و أما المصدود عن إتمام العمرة التي تلبس بها مع عدم إمكان الوصول إلى مكة، إما لأنه لا يكون طريق غير ما صدّ عنه، أو لأنه لا يكون له مئونة الذهاب إليه.

فالمعروف بين أصحابنا، بل المدعى عليه الإجماع أنه يجب عليه الذبح أو النحر في مكانه.

و المحكي عن ابني بابويه و إدريس عدم الوجوب، و أنه يتحلل بمجرد العجز،

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 445

..........

______________________________

و لا يجب عليه الذبح أو النحر، بل ربما يكون هذا كاشفا عن بطلان إحرامه، لأنه لا يتمكن من الإتمام بالطواف و السعي و التقصير. و ربما يجعل هذا مطابقا للقاعدة، مع قطع النظر عن الكتاب و الرواية. لأن وجوب الذبح أو النحر يدفعه أصالة عدم الوجوب إذا شك

فيه.

لكن الكتاب و الرواية يخالفان للقاعدة و يحكمان بالوجوب.

أمّا الكتاب، فقوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1» نظرا إلى أن الحصر لغة بمعنى المنع، و لا يكون موضوعا للحصر بالمرض خاصة. بل معناه اللغوي مطلق الحصر و المنع و إن كان بسبب العدو. و منه قوله تعالى لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ .. «2»، أو إلى أن الآية وردت كما في الرواية التي مرت آنفة في صد المشركين لرسول اللّٰه في الحديبية، فإنه صلّى اللّٰه عليه و آله نحر في مكانه و رجع. مضافا إلى أن قوله تعالى في وسط الآية .. فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ .. «3» يدل على أن الحصر المفروض في الفوق و أول الآية لا يكون مختصا بالمرض، و إلّا فلا يلتئم مع هذا القول بوجه.

نعم هنا رواية رواها حريز عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: مر رسول اللّٰه على كعب بن عجرة الأنصاري، و القمل يتناثر من رأسه و هو محرم، فقال: أ تؤذيك هوامك؟ فقال:

نعم. قال: فأنزلت هذه الآية: ..

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) سورة البقرة (2): 273.

(3) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 446

..........

______________________________

فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ .. «1» فأمره رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بحلق رأسه، و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، و النسك شاة.

قال: و قال أبو عبد اللّٰه عليه السّلام و كل شي ء في القرآن (أو) فصاحبه

بالخيار، يختار ما شاء.

و كل شي ء في القرآن (فمن لم يجد) فعليه كذا، فالأول بالخيار «2».

و يظهر من هذه الرواية عدم كون .. فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ .. «3» جزءا و بعضا من الآية التي واقعة هي في وسطها، بل آية مستقلة. فلا يصير قرينة على أن المراد بالحصر المفروض في الصدر أعم من المرض. و لكن الرواية- مضافا إلى أنها لا تعلم كونها مسندة أو مرسلة، فلا يجوز الاعتماد عليها من هذه الجهة- تكون مخالفة للقرآن الذي يكون الآية شاملة له أيضا.

و أمّا السنة فروايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النساء. و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه، قلت: أ رأيت إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحلّ فأتى النساء؟

قال: فليعد و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث «4».

و من المعلوم أن الجملة الفعلية تدل على الوجوب بل بنحو أظهر و آكد،- كما قد قرر في الأصول- و التعبير بالذبح لا يكون مقابلا للنحر. كما يؤيده التعبير بالهدي

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) الوسائل: أبواب بقية كفارات الإحرام، الباب الرابع عشر، ح 1.

(3) سورة البقرة (2): 196.

(4) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 447

..........

______________________________

الذي هو أعم- كما مر.

و منها: بعض الروايات الحاكية لفعل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله حين صدّه المشركون عن الحج في الحديبية، مثل:

صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا، قال:

يواعد أصحابه يوما يقلدون فيه، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنب المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه. فإن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع إلى المدينة «1».

و من المعلوم أن الحاكي لفعل الرسول صلّى اللّٰه عليه و آله إذا كان هو الإمام المعصوم عليه السّلام، و كان الغرض من حكايته بيان الحكم بهذا النحو، لا مجال لحمل الفعل على الاستحباب أو احتمال كونه محمولا عليه، ما لم يقم قرينة على ذلك، و إن كان فعل الرسول في نفسه محتملا لذلك- كما لا يخفى- إلّا أن يقال بأن الكلام في الصدّ عن العمرة لا الحج.

و منها: غير ذلك من الروايات. فلا مجال بملاحظة الكتاب و السنة في الإشكال على الوجوب و لزوم الهدي.

بقي في هذه المسألة أمور ينبغي التعرض لها:

الأول: محل الذبح و مكانه.

صريح بعض الفتاوى و النصوص و ظاهر غيره، إنه محل صدّه، و إن كان خارج الحرم و لا يجب عليه البعث. خلافا للمحكي عن أبي الصلاح و غيره من بعض آخر من إنفاذه كالمحصور، و يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله و يذبح يوم النحر.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب التاسع، ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 448

..........

______________________________

و عن الإسكافي التفصيل في البدنة بين إمكان إرسالها فيجب، و عدمه فينحرها في مكانه. و نفى البعد صاحب الجواهر قدّس سرّه عن التخيير بين البعث و الذبح عنده، كما عن الخلاف و المنتهى و التحرير و التذكرة.

أقول: حيث إن الكلام في المصدود عن العمرة و هي لا ارتباط لها

بيوم النحر إلّا العمرة التي تعدّ جزءا للحج و بعضا منه و هي عمرة التمتع. و من الواضح- كما دلت عليه الروايات المتقدمة- أن لكل شهر عمرة، و لا يختص بأشهر معلومات التي هي ثلاثة أشهر. فمن الممكن أن تكون العمرة المصدود عنها واقعة بعد آخر أشهر الحج، أو بعد تمامية زمان الحج بلا فصل. فلا مجال لاحتمال وجوب البعث إلى منى، و الذبح أو النحر يوم النحر، لافتقار ذلك إلى مضي قريب سنة- مثلا- و من الواضح أنه لا مجال للحكم عليه بالصبر إلى زمان يوم النحر و حصول التحلل. سيما بالإضافة إلى النساء بالذبح أو النحر يومه.

مع أن الصد ربما يكون عاما لا شخصيا، فكيف يمكن له البعث و لو باستعانة النائب؟ و قوله تعالى: .. وَ لٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ .. «1»

ينحصر بالمحصور و لا يشمل المصدود. و إن كان قوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «2» لا يختص به- كما عرفت- و قد وقع في أكثر الكلمات الخلط بين المصدود عن الحج و المصدود عن العمرة، فتأمل حتى لا يختلط عليك الأمر.

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

(2) نفس المصدر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 449

..........

______________________________

و بالجملة فالظاهر تعين الذبح حين ما صدّ في العمرة التي هي محل البحث فعلا، و لا مجال للبعث بوجه بعد عدم دلالة دليل عليه، بل كما أفاد بعض الأعلام قدّس سرّه نقول:

بأنه لا دليل على لزوم البعث، بل يذبح حيث شاء و لو في بلاده. لأن عدم وجوب الذبح في مكان الصد لا يقتضي الوجوب في مكان آخر، بل له أن يذبح في أي مكان

شاء.

الثاني: زمان الذبح أو النحر.

ظاهر الصحيحة المتقدمة ان زمانه يتحقق بمجرد تحقق عنوان الصد و المصدود، و لا يتحقق ضيق الوقت هنا بالإضافة إلى العمرة المفردة التي عرفت أن لكل شهر عمرة أصلا. نعم يمكن تصويره بالإضافة إلى عمرة التمتع التي يبقى وقتها إلى حصول ضيق وقت الحج- كما عرفت أيضا- فبملاحظة ما ذكرنا في كلتا العمرتين يظهر حكم المسألة، فتدبر.

الثالث: ظاهر عبارة الماتن قدّس سرّه أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد تحلل المصدود عن العمرة بذبح ما يذبحه أو نحر ما ينحره. مع أن التحلل- على ما عرفت- من مواطنه المتعددة كان يحصل قهرا من دون حاجة إلى نية. فبالتقصير في العمرة و به أو بالحلق في الحج كان يحصل التحلل و إن لم يقصده.

و يظهر من المحقق في الشرائع اعتبار نيته جزما. حيث قال: و لا يتحلل إلّا بعد الهدي و نية التحلل. و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه كما صرّح به الشيخ و ابن حمزة و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، و ليس لاعتبارها دليل قوي، و اشتراك الذبح أو النحر بين المأمور به و بين غيره. و إن كان يقتضي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 450

..........

______________________________

اعتبار قصد كونه مربوطا بالصد و المصدودية الحاصلة. إلّا أنه لا يقتضي اعتبار النية في حصول التحلل بعد عدم اعتبارها لا في الحج و لا في العمرة.

فلا دليل على الاعتبار إلّا الخروج عن مخالفة المذكورين فلا سبيل لاعتبارها إلّا على نحو الاحتياط- كما في المتن.

الرابع: ظاهر الفاضل في محكي القواعد اعتبار التقصير مضافا إلى ما مرّ، كما أن ظاهر ما حكي عن

المراسم و الغنية و الكافي التخيير بينه و بين الحلق في أحد النقلين عن الأخيرين، و في آخر تعين الحلق. نعم عن الشهيدين التخيير.

و ذكر صاحب الجواهر قدّس سرّه أنه لا دليل معتبر على التعيين لأحدهما و لا على التخيير عدا رواية عامية بحلقه صلّى اللّٰه عليه و آله يوم الحديبية، ذكرها البيهقي في سننه و هي غير ثابتة. بل في بعض الروايات التقصير مكان الحلق، مثل:

رواية حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حين صدّ بالحديبية قصّر و أحلّ و نحر ثم انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك. فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير «1».

و المراد بالجملة الأخيرة هو المصدود. و التعبير بالمحصور إنما هو بتبع الآية الشريفة. و في سند الرواية سهل بن زياد. و يكون أكثر الروايات الحاكية لعمل النبي صلّى اللّٰه عليه و آله يوم الحديبية خالية عن الحلق و التقصير معا. مع أن في بعض الروايات دلالة على العدم. مثل:

رواية الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته عن رجل عرض له

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج؛ ج 5، ص: 450

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 451

..........

______________________________

سلطان، فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلّى سبيله. كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى منى

فيرمي و يذبح و يحلق، و لا شي ء عليه، قلت: فإن خلي عنه يوم النفر، كيف يصنع؟

قال: هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا ثم يسعى أسبوعا و يحلق رأسه و يذبح شاة، فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا شي ء عليه «1».

لكن الرواية كما ترى. فانقدح انه لا دليل على اعتبار الحلق أو التقصير في المصدود عن العمرة الذي هو محل البحث في المقام فعلا، لكن مقتضى الاحتياط- كما في المتن- رعاية التقصير. و لا مجال لإجراء الاستصحاب بعد تغير الحال بالمصدودية- كما لا يخفى.

الخامس: لا إشكال و لا خلاف في تحقق الصد عن العمرة بالمنع عن دخول المحرم لمكة الطيبة. و هل تتحقق المصدودية بالمنع عن فعل الطواف و السعي بعد الوصول و دخول مكة أم لا؟

فيه وجهان، استظهر صاحب الجواهر قدّس سرّه ذلك أيضا. فليس المصدودية عن العمرة منحصرة بما إذا منع العدوّ أو شبهه من الذهاب إلى مكة، بل يشمله و من وصل و منع من فعل الطواف و السعي- كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثالث، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 452

[مسألة 3] في المصدود عن العمرة

مسألة 3- لو دخل بإحرام العمرة مكة المعظمة و منعه العدوّ أو غيره عن أعمال العمرة، فحكمه ما مرّ فيتحلل بما ذكر، بل لا يبعد ذلك لو منعه من الطواف أو السعي، و لو حبسه ظالم أو حبس لأجل الدين الذي لم يتمكن من أدائه كان حكمه ما تقدم (1).

[مسألة 4- لو أحرم و طالبه ظالم لدخول مكة]

مسألة 4- لو أحرم و طالبه ظالم لدخول مكة أو لإتيان النسك ما يتمكن من أدائه، يجب إلّا أن يكون حرجا. و لو لم يتمكن أو كان حرجا عليه، فالظاهر أنه بحكم المصدود (2).

______________________________

(1) قد تقدم البحث في هذه المسألة في الأمر الخامس من الأمور الخمسة في المسألة السابقة. نعم لم يقع التعرض لحبس الظالم أو لحبس الدين الذي لا يتمكن من أدائه. و الظاهر أنه لا فرق بين حبس السلطان و الظالم. كما أنه لا فرق بين أن يكون منشأ المنع الدين أو غيره. و قد مرّ أن المصدود لا ينحصر بما إذا كان المانع هو العدوّ، بل يشمل ما إذا منعه السيل و نحوه.

(2) ظهر مما مر أن جريان حكم المصدود ينحصر بصورة المنع عن دخول مكة رأسا أو عن الأعمال فيها. و أمّا إذا طالب الظالم ما لا يتمكن من أدائه و لا يكون حرجا عليه، لا يكون من مصاديق المصدود، نعم بحكمه فيما إذا لم يتمكن أو كان حرجا عليه. و السر عدم تحقق عنوان المصدود في الصورة الأولى دون الثانية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 453

[مسألة 5] في ما لو كان له طريق غير ما صدّ عنه

مسألة 5- لو كان له طريق إلى مكة غير ما صدّ عنه، و كانت له مئونة الذهاب منها بقي على الإحرام و يجب الذهاب إلى الحج. فإن فات منه الحج يأتي بأعمال العمرة المفردة و يتحلل، و لو خاف في المفروض عدم إدراك الحج، لا يتحلل بعمل المصدود، بل لا بد من الإدامة، و يتحلل بعد حصول الفوت بعمل العمرة المفردة (1).

______________________________

(1) قد وقع في هذه المسألة الخلط بين المصدود عن العمرة و المصدود عن الحج.

و الكلام الآن في

الفرض الأول.

فإن المصدود عن العمرة ممنوع بعد التلبس بالإحرام، إما عن دخول مكة أو عن إتيان مناسك العمرة فيها.

و أمّا المصدود عن الحج فهو ممنوع عنه رأسا أو عن جملة من أركانه، و لا يكون ممنوعا عن دخول مكة.

و قد عرفت وقوع الخلط بينهما في كثير من الكلمات و العبارات. و اللازم التأمل و عدم الاختلاط بين الأمرين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 454

[مسألة 6] في الصد عن الحج

مسألة 6- يتحقق الصد عن الحج بأن لا يدرك لأجله الوقوفين لا اختياريهما و لا اضطراريهما، بل يتحقق بعدم إدراك ما يفوت الحج بفوته و لو عن غير علم و عمد. بل الظاهر تحققه بعد الوقوفين بمنعه عن أعمال منى و مكة أو أحدهما و لم يتمكن من الاستنابة، نعم لو أتى بجميع الأعمال و منع عن الرجوع إلى منى للمبيت و أعمال أيام التشريق لا يتحقق به الصد، و صح حجه، و يجب عليه الاستنابة للأعمال من عامه. و لو لم يتمكن ففي العام القابل (1).

______________________________

(1) المقصود من هذه المسألة بيان ما به تتحقق المصدودية عن الحج.

فنقول: لا ينبغي الإشكال في أنه إذا صار الصد موجبا لعدم إدراك الوقوفين لا الاختياري و لا الاضطراري الموجب لبطلان الحج، و لو لم يكن عن عمد و التفات، يتحقق به الصد عن الحج الموضوع لأحكام الصدّ عنه و آثاره.

كما أنه لا ينبغي الإشكال فيما إذا صار موجبا لعدم إدراك الحج من ناحية أخرى، و يفوت الحج بفواته من الأقسام المتعددة المذكورة فيما سبق في مسائل الوقوف بعرفات. نعم في خصوص مسألة التقية المانعة عن إدراك الوقوفين كلام، تقدم في إحدى مسائله، فراجع.

و أمّا الممنوعية عن خصوص أعمال منى

التي استظهر الماتن قدّس سرّه تحققه بالمنع عنها فقط، أيضا مع عدم التمكن من الاستنابة. فقد استشكلنا فيه في التعليقة على المتن،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 455

..........

______________________________

فنقول:

لا ينبغي الارتياب في عدم تحقق الصد مع التمكن من الاستنابة في أعمال منى، لأنها كلها يكون قابلا لذلك.

أمّا الرمي، فلا إشكال فيه في الاستنابة، مع عدم إمكان حضور الرامي عند الجمار، و عدم تمكنه منه بالمباشرة.

و أمّا الذبح أو النحر، فتجوز الاستنابة فيه حتى في حال الاختيار، و عدم عروض عارض أصلا، كما أن الحلق أو التقصير لا ينحصران بمنى. و قد مرّ بعض الكلام في ذلك.

و أمّا مع عدم إمكان الاستنابة، فقد نقل صاحب الجواهر قدّس سرّه عن صاحبي المسالك و المدارك و كذا عن غيرهما: البقاء على الإحرام و أن أدلة الصدود تشمله، لاختصاصها بالصد عن أركان الحج. لكن المحكي عن المحقق النائيني أنه حكى عنهم البقاء على الإحرام مع قيد «إلى أن يتحلل بمحلله» و يمكن أن يكون القيد من الحاكي إضافة توضيحا بنظره.

و استظهر بعض الأعلام قدّس سرّه أن كلا القولين ضعيف. و محصل ما أفاده في وجه الضعف:

أن الرمي و الذبح و الحلق إن كانت شرطيتها للطواف و السعي بعدها شرطية مطلقة، فحينئذ يكون الصد عن أعمال منى صدا عن الأعمال البعدية أيضا، لعدم تمكنه من الطواف المأمور به- مثلا- الصحيح، لأن الصد عن المقدمة صد عن ذيها بعد فرض الشرطية المطلقة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 456

..........

______________________________

و إن كانت شرطيتها شرطية اختيارية. و مرجعه إلى سقوط شرطية التقدم عند العجز و عدم التمكن- كما هو المختار- فلا يتحقق الصد حينئذ، بل

يودع ثمن الهدي عند من يثق به ليشتري به الهدي، و عند عدم التمكن ينتهي الأمر إلى الصوم.

و كذا الحلق إنما يجب مع التمكن من إتيانه في منى و مع عدمه يسقط ذلك فيصح خارج منى.

و أما الرمي فإذا لم يرم نسيانا و تذكر في مكة و أمكنه الرجوع يرجع و يرمي، و إن تذكر في طريقه إلى بلاده فليس عليه شي ء. فعدمه لا يكون مانعا عن الطواف.

هذا، و لكن المسألة مشكلة، خصوصا بعد كون أعمال منى يوم النحر من عمدة أعمال الحج و مظاهرة. و خصوصا مع قوله تعالى وَ الْبُدْنَ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ .. «1» و أيضا مع مدخلية الحلق أو التقصير في حلية كثير من محرمات الإحرام، بل في جميعها عدا ثلاثة منها- كما عرفت.

و أمّا مع الإتيان بجميع أعمال منى فلا يتحقق عنوان الصدّ مع الممنوعية عن المبيت بمنى ليالي التشريق، أو الرمي في اليومين أو الأيام. لما عرفت من عدم كونها من أعمال الحج و مناسكه. و لذا لا يقدح الإخلال بهما عمدا في صحة الحج و تمامية عمله، بل إن كان متمكنا من الاستنابة في نفس ذلك العام يستنيب، و إلّا ففي العام القابل.

______________________________

(1) سورة الحج (22): 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 457

[مسألة 7] في وجوب الحج في العام القابل على المصدود

مسألة 7- المصدود عن العمرة أو الحج لو كان ممن استقر عليه الحج أو كان مستطيعا في العام القابل، يجب عليه الحج، و لا يكفي التحلل المذكور عن حجة الإسلام (1).

______________________________

(1) المستفاد من أدلة الصد أنها في مقام بيان طريق للمكلف إلى الخروج عن إحرام الحج أو العمرة. و أما كفاية عمل المصدود، و حصول التحلل المذكور له

عن حجة الإسلام التي استقرت عليه أو تستقر عليه بالاستطاعة في العام القابل، فلا دلالة له على ذلك. بل يبقى حجة الإسلام على حالها، و يتحقق الوجوب بالإضافة إليها في العام القابل.

و منه يظهر أنه مع حصول الصد في عام الاستطاعة، بالإضافة إلى العمرة التي يكون المراد بها هي عمرة التمتع لا العمرة المفردة، أو بالإضافة إلى الحج لا يتحقق منه الحج الواجب، و لا يكفي التحلل عنها، بل إن بقيت إلى العام القابل تبقى عليه حجة الإسلام. فلا يتخيل أن أدلة الصدّ إنما تكون بصدد رفع التكليف، بل- كما عرفت- تكون هي بصدد بيان الخروج عن الإحرام الذي ترتبت عليه محرمات كثيرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 458

[مسألة 8] في جواز التحلل للمصدود

مسألة 8- المصدود جاز له التحلل بما ذكر، و لو مع رجاء رفع الصد (1).

______________________________

(1) لا ينبغي الإشكال في تحقق الصد إن كان موجبا للقطع بعدم إمكان الإتيان بعمرة التمتع أو بالحج في وقته، كما أنه لا إشكال في عدم تحقق الصدّ مع القطع بارتفاعه بحيث يمكن له الإدراك من دون حرج و مشقة. فإذا صد يوما واحدا و أمكن له الإدراك بعده، كذلك لا مجال لتوهم تحقق الصد الموضوع للأحكام المذكورة بالإضافة إليه.

و أمّا مع رجاء رفع الصد، فالذي ذكره في المتن جواز التحلل بما ذكر في هذه الصورة. و الوجه فيه تحقق عنوان المصدود في هذا المورد. و قد ذكرنا في التعليقة أنه مشكل في بعض الفروض.

و المراد منه أن يكون الرجاء في مرحلة ضعيفة و مرتبة سفلى. فإنه لا يجوز التحلل حينئذ، بل الظاهر لزوم انتظار المستقبل، إما من حيث الزمان، و إمّا من جهة الأنصار و الأعوان،

و إمّا من جهة أخرى، فتدبر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 459

[مسألة 9] في أحكام الإحصار

مسألة 9- من أحرم للعمرة و لم يتمكن بواسطة المرض من الوصول إلى مكة، لو أراد التحلل لا بد من الهدي. و الأحوط إرسال الهدي أو ثمنه بوسيلة أمين إلى مكة و يواعده أن يذبحه أو ينحره في يوم معين و ساعة معينة، فمع بلوغ الميعاد يقصر فيتحلل من كل شي ء إلّا النساء، و الأحوط أن يقصد النائب عند الذبح تحلل المنوب عنه (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من البحث:

الاولى: في معنى الإحصار. و قد عرفت أن معناه في مقابل المصدود، هو ما كانت الممنوعية لأجل جهة داخلية مثل المرض.

لكن المحقق عنون في الشرائع: «المحصر». و قال صاحب الجواهر قدّس سرّه في شرحه ما هذه عبارته:

اسم مفعول من أحصره المرض إذا منعه من التصرف، و يقول للمحبوس حصر بغير همز، فهو محصور. و لكن عن الفراء جواز قيام كل منهما مقام الآخر. و ربما يؤيده استعمال الفقهاء لهما هنا، خلافا لما عن الزجاج و المبرد من اختصاص الحصر بالحبس و الإحصار في غيره، و كذا عن يونس، قال: «إذا ردّ الرجل عن وجه يريد فقد أحصر و إذا حبس فقد حصر». و عن أبي إسحاق النحوي: «الرواية عن أهل اللغة أن يقال للذي منعه الخوف و المرض أحصر، و يقول للمحبوس حصر». و عن أبي عمرو الشيباني: «حصر بي الشي ء و أحصر بي، أي: حبسني». و عن التبيان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 460

..........

______________________________

و المجمع عن أهل البيت عليهم السّلام: «إن المراد بالآية من أحصره الخوف أو المرض، و لكن بلوغ هدي

الأول محله ذبحه حيث صدّ، و هدي الثاني ذبحه في الحرم». و كذا عن ابن زهرة أنه عمم الإحصار في الآية و اللغة. و قال الكسائي و الفراء و أبو عبيدة و تغلب:

«و أكثر أهل اللغة يقول: أحصره المرض لا غير، و حصره العدو و أحصره أيضا».

و كذا الشيخ في محكي الخلاف إلّا أنه حكى هذه العبارة عن الفراء خاصة. و الأمر في ذلك كله سهل بعد التوسع في الآية. انتهى.

أقول: وقع التعبير بالإحصار في الآية الشريفة أولا، و الظاهر الاتفاق على أن شأن نزول الآية هو صد المشركين لرسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في قصة الحديبية، و لم يكن له مرض مانع عن المناسك أصلا، فاللازم ملاحظة كلتا الجهتين و جعل الآية هي الملاك- كما لا يخفى.

الثانية: في أن من أحرم للعمرة، سواء كانت العمرة المفردة أو عمرة التمتع إذا لم يتمكن من الإتمام لأجل المرض و نحوه يجب عليه الهدي، لقوله تعالى: .. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ .. «1» و لدلالة الروايات الآتية- إن شاء اللّٰه تعالى.

الثالثة: هل الواجب البعث بأن يرسل الهدي أو ثمنه بوسيلة أمين إلى مكة؟ إلى آخر المذكورات في المتن، أو أنه يجوز له الذبح أو النحر في مكانه، أم تفصيل بين العمرة المفردة فيجوز في مكانه، و بين عمرة التمتع فيبعث؟

ظاهر المتن الاحتياط الوجوبي بالبعث في كلتا العمرتين. كما أن المحقق قدّس سرّه في

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 461

..........

______________________________

الشرائع أفتى بذلك، كالمحكي عن ابني بابويه و الشيخ و أبي الصلاح و بني حمزة و البراج و إدريس، بل حكى غير واحد عليه الشهرة،

و عن الإسكافي التخيير بين الذبح و البعث، و عن الراوندي الفرق بين العمرتين، و هو الظاهر، لأن الروايات الواردة لا تدل على أزيد من البعث في عمرة التمتع، و على جواز الذبح في المحل في العمرة المفردة، منها:

صحيحة معاوية بن عمار المفصلة، قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد أصحابه ميعادا، فإن كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، و إذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، و إن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصّر و أحلّ، و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع إلى أهله رجع و نحر بدنة، إن أقام مكانه، .. «1».

و منها: الروايات الحاكية لعمل الحسين عليه السّلام بعد إحرامه بالعمرة المفردة و صيرورته محصرا. ففي بعضها:

معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام في حديث، قال: إن الحسين بن علي عليه السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا و هو مريض بها، فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال عليه السّلام: أشتكي رأسي، فدعا علي عليه السّلام بدنة فنحرها و حلق رأسه و ردّه إلى المدينة، فلما برأ من وجعه اعتمر، فقلت:

أ رأيت حين برء من وجعه أحلّ له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 462

..........

______________________________

بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت: فما بال

النبي صلّى اللّٰه عليه و آله حين رجع إلى المدينة، حلّ له النساء و لم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي صلّى اللّٰه عليه و آله كان مصدودا و الحسين عليه السّلام محصورا «1».

و في بعضها الآخر مثل:

صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم، فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه، ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي عليه السّلام: ابني و رب الكعبة، افتحوا له الباب، و كانوا قد حموه الماء فأكبّ عليه فشرب، ثم اعتمر بعد «2».

و التزم بعض الأعلام قدّس سرّه بتعدد الواقعة و صدور العمرة منه عليه السّلام قال: و يظهر من الروايتين تعدد الواقعة، و تعدد صدور العمرة من الحسين عليه السّلام فمرة لم يسق الهدي، و يخرج أمير المؤمنين عليه السّلام في طلبه و يدركه في السقيا و هو مريض بها، و مرة أخرى ساق بدنة و نحرها في مكانه و رجع بنفسه. فعلى كل تقدير ما صدر منه عليه السّلام هو النحر أو الذبح في مكانه من دون أن يبعث الهدي.

أقول: الالتزام بتعدد الواقعة مشكل، بعد كونه عليه السّلام قد عرض له المرض بالسقيا- و هو محل بين طريق مدينة إلى مكة- فإن ثبوت العمرة الاستحبابية لكل شهر، و إن كان أمرا مسلّما، إلّا أن حدوث المرض في كلتا العمرتين في محل واحد يكون مشكلا.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 3.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 463

..........

______________________________

نعم المناقشة في الروايتين بأن

الحسين عليه السّلام كان مضطرا إلى حلق الرأس، فما صنعه قضية في واقعة لا يستدل بها على جواز الحلق مطلقا مندفعة بأنه لو كان الحاكي للقصة هو الإمام عليه السّلام و كان الغرض من حكايته بيان الحكم الإلهي، يجوز الاستدلال بإطلاق كلامه مع عدم التقييد، كما أن المناقشة فيهما بأنه لم يعلم كونه عليه السّلام معتمرا بالعمرة الفعلية أيضا مندفعة بظهورهما في خروجه معتمرا كذلك، مضافا إلى أن السؤال في ذيل الرواية عن حلية النساء له لا يلتئم مع عدم كونه معتمرا كذلك.

و كيف كان فالقدر المتيقن من الروايتين هو عدم لزوم بعث الهدي الذي سيق في العمرة المفردة، بل يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أنه إن أراد الرجوع إلى أهله بعد حصول المرض له، يجوز له نحر بدنة و الرجوع. و عليه فالبعث إنما يكون وجوبه في جميع الموارد، بنحو الاحتياط لا الفتوى.

الرابعة: قد ظهر مما مر الفرق بين المصدود و المحصور. و أن الأول بعمله يحل له كل شي ء حتى النساء، و الثاني لا تحل له النساء. و قد عرفت في الرواية الفرق بين مصدودية النبي صلّى اللّٰه عليه و آله في جريان صد المشركين يوم الحديبية، و بين محصورية الحسين عليه السّلام في العمرة، و أنه ليس هذا مثل هذا، و أن المحصور لا يحل له النساء حتى يطوف و يسعى.

إلّا أنه حكي عن الشهيد في الدروس أنه لو أحصر في عمرة التمتع تحل له النساء، من دون أن يأتي بعمرة مفردة. و استدل له بأنه ليس في عمرة التمتع طواف النساء.

فلا حاجة في تحلل النساء إلى أمر آخر غير الهدي. و استحسنه بعض من تأخر عنه مستدلا بما رواه

البزنطي:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 464

..........

______________________________

قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شي ء تكون حاله؟ و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء، قلت: من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال:

نعم، من جميع ما يحرم على المحرم، و قال: أما بلغك قول أبي عبد اللّٰه عليه السّلام حلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ؟ قلت: أخبرني عن المحصور و المصدود هما سواء؟

فقال لا، .. «1».

و أجيب عن الاستدلال الأول بما حاصله عدم توقف الحلية على طواف النساء مطلقا، بل الدليل دل على حرمة النساء بالإحرام و حليتهن تختلف باختلاف المورد.

فترى في عمرة التمتع عدم ثبوت طواف النساء أصلا، إلّا بنحو الاستحباب، مع أن الحلية تثبت بالإضافة إليهن بالتقصير بعد الطواف و السعي.

و عن الاستدلال برواية البزنطي تارة بما عن صاحب الجواهر قدّس سرّه من انعقاد الإجماع على الإحلال بطواف النساء، و اخرى بالمعارضة مع صحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء. فلا بد من حمل رواية البزنطي على التقية.

و قد ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه في هذا المقام ما محصله أنه لا معارضة بين الروايتين أصلا، لأن رواية البزنطي تدل على حلية النساء بالحصر مطلقا، من دون فرق بين العمرة المفردة و بين عمرة التمتع و بين الحج، لأن السؤال فيها عن انكسار الساق في حالة الإحرام، و هو يشمل جميع الأقسام الثلاثة. لكن لا بد من رفع اليد عن الإطلاق، لأجل صحيحة معاوية بن عمار الحاكية لعمرة الحسين عليه السّلام فالعمرة المفردة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- الحج، ج 5، ص: 465

..........

______________________________

خارجة عن إطلاق صحيح البزنطي، إذا تنقلب النسبة بين صحيحة معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء، و بين صحيحة البزنطي إلى العموم و الخصوص، بعد ما كانت النسبة التباين، فالنتيجة تكون عمرة التمتع داخلة في إطلاق صحيحة البزنطي.

أقول:- مضافا إلى ما عرفت من الاختلاف في حكاية عمرة الحسين عليه السّلام و أن الالتزام بتعدد الواقعة مشكل، و أن القدر المتيقن صورة سياق الهدي في إحرام العمرة المفردة. معنى قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «المحصور لا يحل له النساء»،، هو مجرد الفرق بين المحصور و بين المصدود الذي ابتلى به رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في قصة الحديبية، و إلّا فلا يراد ما هو ظاهره من أن المحصور لا تحل له النساء أبدا، بل المقصود توقف الحلية على شي ء آخر غير الذبح أو النحر أو البعث و الإرسال و المواعدة. اللهم إلّا أن يقال: ان الإطلاق إنما هو بالإضافة إلى جميع الأقسام الثلاثة، و لا ينبغي الإنكار من هذه الجهة، إذا فانقلاب النسبة من التباين إلى العموم و الخصوص بحاله.

و كيف كان فلم يثبت انحصار عمرة التمتع بشي ء، كما قال به الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه، لما عرفت.

الخامسة: ظاهر المتن تعين التقصير في حصول الحلية في الإحصار في العمرة المفردة و عمرة التمتع، كما هو الحكم في أصل العمرة. فإن الحلق على تقدير تعينه أو جوازه، إنما يكون مورده الحج لا العمرة مطلقا. و يدل عليه روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار- الطويلة الواردة في الإحصار- المشتملة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 466

..........

______________________________

قوله عليه السّلام: و إن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر و أحلّ .. «1».

و منها: رواية حمران عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إن رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله حين صد بالحديبية قصر و أحل و نحر، ثم انصرف منها، و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير. «2»

و منها: غير ذلك من الروايات، لكن في كلتا الروايتين لفعل الحسين عليه السّلام في صورة الإحصار حلق الشعر بدل التقصير.

فهل هذا لأجل تعينه أو لأجل جوازه لكونه أحد طرفي الواجب التخييري؟

الظاهر هو الثاني، خصوصا بعد ما عرفت من عدم ثبوت الحلق بنحو التعيين في أصل العمرة مطلقا، و لو كانت مفردة، فالأحوط حينئذ التقصير.

السادسة: أفاد في المتن أن مقتضى الاحتياط الوجوبي قصد النائب تحلل المنوب عنه عند الذبح أو النحر، و هو مبني على اعتبار نية تحلل المنوب عنه بنفسه أولا- و قد تقدم ما فيه- و اعتبار نية النائب و قصده، مع أن اللازم في مثله أن ينوي النائب، بحيث يتعين عمله بعنوان النيابة و صيرورته للمنوب عنه، و أمّا قصد التحلل بذلك، فلا دليل عليه، و قد مرّ في مسألة اعتبار كون الذابح إماميا ما ينفع المقام، فراجع.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 467

[مسألة 10] في الإحصار في الحج

مسألة 10- لو أحرم بالحج و لم يتمكن بواسطة المرض عن الوصول إلى عرفات و المشعر و أراد التحلل، يجب عليه الهدي، و الأحوط بعثه أو

بعث ثمنه إلى منى للذبح، و واعد أن يذبح يوم العيد بمنى، فإذا ذبح يتحلل من كل شي ء إلّا النساء (1).

______________________________

(1) قد مرّ أن كثيرا من الروايات الواردة في المحصر لا تختص بالعمرة، بل هي إما مطلقة شاملة للحج، و إما بقرينة ذيلها الدال على أنه إن كان في حج يتحقق الذبح أو النحر بمنى، و إن كان في عمرة يتحقق في مكة، يعلم شمولها للحج أيضا. نعم الروايتان الحاكيتان لفعل الحسين عليه السّلام قد وردنا في خصوص العمرة المفردة.

و على ما ذكرنا فالبحث في أن الهدي الواجب يكون الاحتياط في بعثه أو بعث ثمنه هو البحث المتقدم، إلّا أن الروايتين الحاكيتين صريحتان في نحر الهدي الذي دعاه علي عليه السّلام أو ساقه الحسين في العمرة في مكان الإحصار و عدم التمكن بواسطة المرض، و عليه فالاحتياط هنا آكد و أشد، بل قويناه في التعليقة.

و الذي ينبغي التعرض له هو ما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه مما حاصله أن المحصور في الحج إن تم إجماع على توقف التحلل فيه من النساء على إتيان العمرة المفردة، فهو، فيخرج الحصر في الحج من صحيح البزنطي- المتقدم الظاهر في حصول التحلل من كل شي ء بمجرد الإتيان بأعمال الإحصار. و إن لم يتم الإجماع، فيدخل الحج في صحيح البزنطي، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح معاوية بن عمار: «المحصور لا تحل له النساء» العمرة المفردة فقط.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 468

[مسألة 11] في ما لو كان المحصر عليه حج واجب

مسألة 11- لو كان عليه حج واجب فحصر بمرض، لم يتحلل من النساء، إلّا أن يأتي بأعمال الحج و طواف النساء في القابل. و لو عجز عن ذلك لا يبعد كفاية الاستنابة، و

يتحلل بعد عمل النائب، و لو كان حجه مستحبا لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلل عنها، و الأحوط إتيانه بنفسه (1).

______________________________

أقول: إذا فرضت تمامية الإجماع- كما هو الظاهر- كما يظهر من الجواهر، حيث حكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، و قد أيده بقوله: و هو كذلك، و المفروض خروج العمرة المفردة التي لا تكون النساء فيها حلالا بذبح الهدي أو نحره و التقصير أو الحلق، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح البزنطي، هو خصوص عمرة التمتع على مبنى غير الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه، و هو بعيد. و لذا ذكر صاحب الوسائل قدّس سرّه بعد نقله: أقول هذا محمول على من استناب في طواف النساء و طيف عنه.

و لا مانع من الالتزام بإعراض الأصحاب عنه، بل في أحد نقليه سهل بن زياد، و إن لم يكن منفردا في طبقته، فتدبر.

(1) قال المحقق في الشرائع: فإذا بلغ قصّر و أحلّ إلّا من النساء خاصة، حتى يحج في القابل إن كان واجبا، أو يطاف عنه طواف النساء إن كان تطوعا. و قال صاحب الجواهر قدّس سرّه بعده: بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك. بل عن المنتهى نسبته إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 469

..........

______________________________

علمائنا، بل في كشف اللثام نسبة ذلك إلى النصوص و الإجماع على كل من المستثنى و المستثنى منه.

و يدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: و المحصور لا تحل له النساء «1».

و قوله عليه السّلام في صحيحته الأخرى الحاكية لعمرة الحسين عليه السّلام و مرضه في السقيا: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين

الصفا و المروة «2».

و الغاية كناية عن الإتيان بعمرة مفردة أخرى. و يظهر منها أن الإتيان بتكاليف الإحصار لا يؤثر إلّا في الخروج عن الإحرام في الجملة، فلو كان عليه حج واجب لا يتحلل من النساء، إلّا أن يأتي بأعمال الحج و طواف النساء في القابل.

نعم لو عجز عن ذلك، فقد نفى البعد في المتن عن كفاية الاستنابة في تمام أعمال الحج و حصول التحلل بعد عمل النائب.

و الوجه فيه أن الحج قابل للنيابة، و لو عن الحي، فيما إذا كان مريضا بما لا يرجى زواله، كما فيما تقدم. و لا يجب فيه التعدد و الإتيان بالمرة الأخرى، إلّا في بعض الموارد الذي عرفت. و المفروض وجوب الحج و استقراره عليه من ناحية، و ثبوت العجز من ناحية أخرى، فلا يبعد حينئذ كفاية الاستنابة و التحلل بعد عمل النائب.

لكن فيه ما لا يخفى بعد فرض وجوب الحج عليه أولا، و عدم التمكن من الإتيان به في هذا العام ثانيا، لفرض الإحصار.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 1.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 470

..........

______________________________

نعم لو كان حجه مستحبا لا يبعد كفاية الاستنابة لطواف النساء في التحلل عنها، لأن طواف النساء قابل للاستنابة، كما تدل عليه النصوص في من نسي طواف النساء الدالة على جواز الاستنابة فيه، و لو مع إمكان الرجوع بنفسه. نعم مقتضى الاحتياط الطواف بنفسه.

و في محكي المدارك بعد أن ذكر عن الفاضل في المنتهى أنه أسند الاكتفاء بالاستنابة فيه إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه، و لم يستدل عليه بشي ء. و استدل عليه جمع من المتأخرين، بأن

الحج المندوب لا يجب العود لاستدراكه، و البقاء على تحريم النساء ضرر عظيم، فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء. قال: و هو مشكل جدا، لإطلاق قوله عليه السّلام «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة».

قال صاحب الجواهر: و تبعه- أي: المدارك- المحدث البحراني، لكنه اختار سقوط طواف النساء فيه، بعد أن حمل ما في النص هنا على الواجب للأصل و مرسل المفيد. ثم ذكر في الجواب قوله، و لكنه كما ترى ضرورة انقطاع الأصل بالإطلاق المعتضد باستصحاب حرمتهن عليه، و المرسل بعد تسليم ظهوره في ذلك على وجه لا يقبل التخصيص بغيرهن لا حجة فيه، و كذا ما في المدارك، فإن الإطلاق المزبور لا ينافي التقييد بطواف النائب فيه، بعد معلومية مشروعية النيابة مع التمكن من الرجوع في غير المقام، حتى في الحج الواجب.

أقول: مراده بمرسل المفيد ما أرسله في المقنعة، مما يشتمل على قوله عليه السّلام في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 471

[مسألة 12] في ما لو بان للمصدود في العمرة عدم الذبح

مسألة 12- لو تحلل المصدود في العمرة و أتى النساء، ثم بان عدم الذبح في اليوم الموعود، لا إثم عليه و لا كفارة، لكن يجب إرسال الهدي أو ثمنه و يواعد ثانيا، و يجب عليه الاجتناب من النساء، و الأحوط لزوما الاجتناب من حين كشف الواقع، و إن احتمل لزومه من حين البعث (1).

______________________________

المحصور. فأما حجة التطوع، فإنه ينحر هديه، و قد أحل مما كان أحرم منه «1».

(1) قد مرّ أن المصدود في العمرة يجوز له ذبح الهدي أو نحره في مكانه، و به و بالتقصير أو الحلق يتحلل من كل شي ء حتى النساء، فإذا تحلل المصدود في العمرة و

أتى النساء، ثم بان عدم الذبح في اليوم الموعود، ففي المتن لا إثم عليه و لا كفارة، لكن يجب عليه إرسال الهدي أو ثمنه و يواعد ثانيا.

و قد ورد في هذا الفرض روايات:

إحديها: صحيحة معاوية بن عمار- الطويلة- المشتملة على قول الصادق عليه السّلام فإن ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحلّ، لم يكن عليه شي ء، و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا، .. «2».

ثانيتها: رواية زرارة- الطويلة أيضا- المشتملة على السؤال عن أبي جعفر عليه السّلام بقوله: قلت: إن ردوا عليه دراهمه و لم يذبحوا عنه، و قد أحلّ فأتى النساء، قال: فليعد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 6.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 472

..........

______________________________

و ليس عليه شي ء، و ليمسك الآن عن النساء إذا بعث «1».

ثالثتها: موثقة زرعة- المضمرة- المشتملة على قوله عليه السّلام: و إن كان في عمرة نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّٰه تعالى «2». و غير ذلك من الروايات.

و المشهور هو وجوب الإمساك عليه إلى يوم الوعد. لكن ظاهر المحقق في الشرائع و خيرته في محكي النافع و العلامة في المختلف و بعض آخر عدم وجوب الإمساك، لأنه لا يكون محرما و لا في الحرم. و الرواية تحمل على الندب.

لكن لا وجه للحمل المزبور بعد ظهور الرواية في وجوب الإمساك، خصوصا مع ظهور الآية في اعتبار بلوغ الهدي محله في التحلل في نفس الأمر، و لا فرق بين الحلق و

غيره، فلو تحلل و لم يبلغ كان باطلا. كما قال به صاحب الجواهر قدّس سرّه و قال أيضا: و لا يستفاد من النصوص المتقدمة إلّا عدم الضرر بالتحلل يوم الوعد، و لعله من جهة الإثم و الكفارة، لكونه وقع بإذن الشارع فلا يتعقبه شي ء من ذلك. و لكن ذلك لا يقتضي حصول التحلل في أصل الشرع و لو مع الانكشاف. بل لعل الأمر بالإمساك في الخبرين الأولين لذلك، فهو حينئذ محرم، فينبغي له الإمساك من حين الانكشاف.

لكن ذكر في المتن أن الأحوط لزوما الاجتناب من حين كشف الواقع، و إن احتمل لزومه من حين البعث.

أقول: أما رواية زرارة فظاهرة في اللزوم من حين البعث، كما أن صحيحة

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الأول، ح 5.

(2) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثاني، ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 473

[مسألة 13] في ما لو برأ المريض

مسألة 13- يتحقق الحصر بما يتحقق به الصد (1).

[مسألة 14- لو برأ المريض و تمكن من الوصول إلى مكة بعد إرسال الهدي أو ثمنه]

مسألة 14- لو برأ المريض و تمكن من الوصول إلى مكة بعد إرسال الهدي أو ثمنه، وجب عليه الحج. فإن كان محرما بالتمتع و أدرك الأعمال، و إن ضاق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة يحج إفرادا، و الأحوط نية العدول إلى الإفراد، ثم بعد الحج يأتي بالعمرة المفردة و يجزيه عن حجة الإسلام. و لو وصل إلى مكة في وقت لم يدرك اختياري المشعر، تبدل عمرته بالمفردة، و الأحوط قصد العدول فيتحلل، و يأتي بالحج الواجب في القابل مع حصول الشرائط. و المصدود كالمحصور في ذلك (2).

______________________________

معاوية بن عمار يمكن أن يقال بظهورها في ذلك، و لأجلهما يجري الاحتمال المذكور، لكن حيث إن وجوب الإمساك إنما يكون مرتبطا بأصل العمرة و الإحرام السابق فيها، لا أمرا تعبديا يكون مقتضى الاحتياط اللزومي الاجتناب من حين كشف الواقع- كما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه أيضا- فتدبر.

(1) قد مر الفرق بين الصد و الحصر. فاعلم أنهما مشتركان فيما يتحققان به، فما يتحقق به الصد و ما يتحقق به الحصر متساويان.

(2) غير خفي أن أدلة أحكام المحصر لا يكون الموضوع فيها مجرد المحصر، و لو لم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 474

..........

______________________________

يستمر الإحصار و ارتفع، بل المراد به الإحصار المانع عن إتمام الحج أو العمرة اللذين أمر اللّٰه تعالى بإتمامهما في قوله وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. «1» و حينئذ لو برأ المريض و تمكن من الوصول إلى مكة- و إن أرسل الهدي أو ثمنه- يجب عليه الحج، مع عدم ضيق الوقت عن الوقوف بعرفات بعد العمرة في حج التمتع- و

قد مرّ الملاك في الضيق. و لو فرض الضيق يحج إفرادا.

و قد ذكر الماتن قدّس سرّه أن الأحوط نية العدول إلى الإفراد. و قد تقدم بعض الكلام فيما يشابه ذلك، فيمن منعها الحيض عن إتمام العمرة- أي: عمرة التمتع- و الإتيان بالحج، فراجع. و بعد الحج يأتي بالعمرة المفردة و يجزيه عن حجة الإسلام.

و أما لو فرض أنه يصل إلى مكة في وقت لم يدرك اختياري المشعر، بناء على أن إدراكه يوجب صحة الحج. و قد ذكرنا أن إدراك اضطراري المشعر النهاري كاف في ذلك. و على أيّ فالمفروض عدم إدراك الحج الصحيح، فالحكم فيه أيضا التبدل و الإتيان بالحج الواجب في العام القابل، مع حصول الشرائط أو بقاء الاستطاعة إليه.

و قد وردت في هذا الباب، صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق و وجد في نفسه خفة، فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي، فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه، و لا شي ء عليه. و إن قدم مكة و قد نحر هديه، فإن عليه الحج من قابل و العمرة. قلت: فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة، قال: يحج عنه إن كانت

______________________________

(1) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 475

..........

______________________________

حجة الإسلام و يعتمر إنما هو شي ء عليه «1».

و البحث في الرواية الصحيحة من جهات:

الاولى: الظاهر أن المراد من قدوم مكة قبل نحر الهدي أو بعده هو إدراك المناسك و عدمه، لأنه الميزان و المعيار في الإجزاء و عدمه، و لا خصوصية في ذلك للذبح

و عدمه.

الثانية: إن قوله عليه السّلام «فإنّ عليه الحج من قابل و العمرة»، حكي عن الكافي العطف ب «أو» دون «الواو»، و في محكي التهذيب العطف ب «الواو»، و في محكي الوافي ذكر العطف بالواو، و لكن قيل إنه يظهر من بيانه و تفسيره أن الثابت هو العطف ب «أو».

و استظهر بعض الأعلام قدّس سرّهم أن نسخة التهذيب هي الصحيحة. فإن الكافي و إن كان أضبط، و لكن لا يمكن المصير إليه، لأن العطف ب «أو» يقتضي التخيير، و لا معنى للتخيير بين الحج و العمرة، سواء كان قوله «من قابل» قيدا للعمرة أيضا، أم لا.

أقول: لعل التعبير ب «أو» إنما هو بلحاظ أن المفروض في كلامه مطلق الإحصار الشامل للحج و العمرة، و إن كانت قرائن هناك على أن المراد هو الإحصار في الحج، لكن المفروض فيها المطلق. و يؤيده السؤال في الذيل.

و عليه فالرواية تحكم بلزوم الحج عليه من قابل، لأن الحج أشهر معلومات أو العمرة، و لو فعلا لحصول التحلل بها عملا، بمقتضى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ .. «2» فبيّنت الرواية حكم الإحصار في الحج و كذا الإحصار في العمرة،

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الإحصار و الصد، الباب الثالث، ح 1.

(2) سورة البقرة (2): 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 476

[مسألة 15] في إلحاق غير المتمكن بالمريض

مسألة 15- لا يبعد إلحاق غير المتمكن- كالمعلول و الضعيف- بالمريض في الأحكام المتقدمة. و لكن المسألة مشكلة، فالأحوط بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. فإن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة و يتحلل، و يجب عليه الحج مع حصول الشرائط في القابل (1).

______________________________

و إن كان فيها تشويش، فتدبر.

الثالثة: قد مرّ البحث في أن

المحرم إذا مات قبل دخول مكة، هل يجزيه ذلك أم عليه الحج أو العمرة؟ فراجع.

و كيف كان فلم يثبت أن الرواية تدل على أن التحلل في الحصر إنما يتحقق بالعمرة المفردة، فتدبر.

(1) قد مرّ أن المراد بالإحصار هو منع المرض من إتمام عمله، كما في الرواية الحاكية لعمرة الحسين عليه السّلام و صيرورته مريضا في السقيا.

فهل مطلق عدم التمكن لأجل المعلولية أو الضعف أو مثلهما ملحق بالمريض، في جريان أحكام الإحصار أم لا؟

ذكر في المتن بعد الحكم بأن المسألة مشكلة، بأن مقتضى الاحتياط الوجوبي بقاؤه على إحرامه إلى أن يفيق. و بعد حصول الإفاقة إن فات الحج منه يأتي بعمرة مفردة و بها يتحلل، و هذا لا يكون مجزيا عن حجه بوجه، بل هو واجب عليه مع الاستقرار أو الاستمرار، و لكنه بناء على ما ذكرنا من انّ الإحصار مطلق المنع الداخلي،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 477

[مسألة 16] في وقت الميعاد

مسألة 16- الأحوط أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات. و في إحرام الحج يوم العيد (1).

______________________________

تكون هذه الموارد من مصاديق الإحصار، إذ من البعيد وقوعهما غالبا، خصوصا بعد كون المركب في ذلك الزمان هو البعير نوعا. و السقوط منه و انكسار العظم و نحوهما كان أمرا شائعا. و من البعيد عدم وقوع التعرض لحكمه في الروايات الكثيرة التي بأيدينا و كذا الضعيف. فمثل هذين الأمرين لو لم يكن مصاديق المرض بحيث يشمله عنوان الإحصار حقيقة، يكون ملحقا به في حكمه.

و قد مرّ أن الآية الشريفة مع وقوع التعبير فيها بالإحصار يكون شأن نزولها هو صدّ المشركين لرسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في قصة

الحديبية. فإذا كان الصد من مصاديق الإحصار، فكيف لا يكون المعلول و كذا الضعيف مثله؟ فالظاهر هو ترتب أحكام الإحصار كالمريض من دون فرق أصلا. و قد عرفت أن في بعض الروايات أيضا وقع التعبير بانكسار الساق في الإحرام، من دون التعبير بالإحصار، فراجع.

(1) وجه الاحتياط الوجوبي الأول، أن الظاهر كون الهدي في إحصار عمرة التمتع أو صدها، و التحلل به قائما مقام أصل الإتيان بالعمرة في حصول التحلل. فإذا كانت عمرة التمتع قبل الحج و وقتها قبل خروج الحاج إلى عرفات للإتيان بمناسك الحج و أعماله المتحققة شروعا بالإحرام بعد الفراغ عن عمرة التمتع، فالأحوط لزوما أن يكون يوم الميعاد في إحرام عمرة التمتع قبل خروج الحاج إلى عرفات للوقوف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 478

..........

______________________________

بها.

و وجه الاحتياط اللزومي في إحرام الحج مطلقا- سواء كان حج التمتع أو القران و الإفراد- أن يكون يوم العيد، دلالة كثير من الروايات المتقدمة عليه، مضافا إلى أن الوسائل مستعدة للذبح أو النحر بمنى في يوم العيد فقط، و هذا بخلاف مكة. و منه يظهر أنه لا وقت خاص من هذه الجهة للعمرة المفردة، بل محل الذبح أو النحر مكة المكرمة، في أي وقت شاء المريض أو المصدود، فتدبر. و الحمد للّٰه رب العالمين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 479

خاتمة

______________________________

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بشرح كتاب الحج من (تحرير الوسيلة) للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه و قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق بيد العبد الحقير المفتاق محمد الفاضل اللنكراني عفي عنه و عن والديه بحق من يتعلق به هذا اليوم الذي هو يوم الأربعين من

شهر صفر من شهور سنة 1418 من الهجرة القمرية النبوية، على مهاجرها آلاف الثناء و التحية، و أسأل اللّٰه تعالى أن يوفقني لإتمام هذا الشرح و تسويد سائر المجلدات، و إن كانت الموانع كثيرة- سيما المرض و الكسالة بأنواع مختلفة- تمنع عن الوصول إلى ما هو المأمول. لكن القدرة الإلهية الكاملة فوق كل شي ء و كل مانع، و لعل اللّٰه يحدث بعد ذلك أمرا.

و ينبغي في الختام التعرض لأمرين:

أحدهما: أن صاحب الجواهر قدّس سرّه مع أنه قد استوفى البحث ظاهرا في مسائل الحج من جواهره، قال في ختام البحث: و الحمد للّٰه الذي يسر لنا هذا القدر من مسائل الحج، و له الشكر على ذلك أولا و آخرا و باطنا و ظاهرا، و إلّا فمسائل الحج أجل من أن تستقصى.

قال زرارة في الصحيح للصادق عليه السّلام: جعلني اللّٰه فداك، إني أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني، فقال: يا زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام، تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاما» «1».

ثانيهما: إنه كان في نيتي إلحاق جزء سادس بالأجزاء الخمسة. و المقصود منه التعرض لأمرين، لم يتعرض لهما الماتن قدّس سرّه

______________________________

(1) الوسائل: أبواب وجوب الحج، الباب الأول، ح 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، ج 5، ص: 480

..........

______________________________

أحدهما: حج القران و الإفراد، و الخصوصيات المعتبرة فيهما، و كذا الخصوصيات الفارقة بينهما، و كذا بينهما و بين حج التمتع، و إن كان بعضها مذكورا في مطاوي المباحث المتقدمة.

و ثانيهما: كفارات أنواع الصيد و أقسامه و ما يتعلق به. فإنه لم يتعرض لها الماتن قدّس سرّه مع أنه كان ينبغي، لكن قصور الوقت و لزوم الاشتغال بالمباحث الأخرى التي وقع التعرض

لها قد منعا عن ذلك. فاللازم للناظر المريد لاستقصاء البحث فيهما المراجعة إلى الكتب المفصلة المتعرضة إن شاء اللّٰه تعالى.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - الحج، 5 جلد، دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، دوم، 1418 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.